ايومي
01-02-2007, 02:47
الطفل أكبر وأول المبدعين
http://www.khellan.com/up/uploads/518826f62a.jpg (http://www.khellan.com/up/)
الإبداع .. لعب ..:)
الإبداع بالنسبة لنا نحن البشر مرتبط بالتجديد وعدم التقليد، ولكن ليس كل تجديد، بل فقط بالتجديد المفيد أو الممتع والجميل، والذى يتقبله الآخرون ويرغبون به.
لذلك الإبداع والاختراع مرتبطان باللعب، لأن اللعب غالباً يعتمد على التجديد وتحاشى المحاكاة والتقليد، فهو لعب بالخيارات المتاحة وإيجاد الجديد.
والإبداع والاختراع هما إيجاد أو تكوين لبنيات جديدة إن كانت مادية أم فكرية. وفى الواقع نحن نعتبر الاختراع والإبداع هما خلق أو تكوين البنيات الجديدة والمناسبة لتحقيق هدف أو دافع أو وضع معين يرغب به كثيرون، أى هما إيجاد بنية أو آلية تلبى حاجة معينة وليس إيجاد أية بنية فهذا يحدث دوماً.
فالإبداع والاختراع هم إيجاد المفاتيح أو الطرق المناسب لتحقيق هدف معين أو حل مشكلة معينة. فالموسيقى الذى يؤلف مقطوعة موسيقية تبعث السعادة والفرح والنشوة لدى المستمعين هو يحقق بإبداعه هذا هدفه، وهو بعث السعادة لدى المستمعين، وكذلك الأديب والرسام والطاهى والمهندس والمفكر.
فالإبداع والاختراع هو التعامل مع الخيارات المتاحة لتحقيق هدف معين ولكنه بالدرجة الأولى.. لعب. فالذى يخترع يلعب وذلك بتعامله مع الخيارات وخاصة الجديدة منها، والطرق والمجالات والخيارات كثيرة ومتنوعة وغير محدودة وهى التى تمكنه من ذلك.
وولا يتجلى الابداع والاختراع بأفضل مما يتجلى فى ألعاب الأطفال. فالطفل الذى يلعب لعبة إعداد العشاء لا يخترع الأطباق والشوكات والملاعق وحسب بل كذلك تمثيل المقبلات والشواء. وفى ألعاب التركيب والتشكيل يتجلى على نحو واضح الإبداع والاختراع عند الطفل. ويمكن ان يُعرّف التفكير والإبداع على أنه فن "حيث هو سلوك حل المشكلات" بأنه ما يحدث فى الخبرة عندما تواجه عضوية ما "بشراً أو حيواناً" مشكلة ما وتتعرف عليها وعلى حلها. ويمكن القول بنشوء مشكلة كلما تعذَر الوصول إلى هدف مرتجى بصورة فورية.
وعليه فيمكن اتخاذ حل مشكلة ما كدليل على التفكير والإبداع إذا ما بدا أن الحل ينطوى على تلاعب داخلى بعناصر الموقف أو توفير إشارات من الداخل ذات حضور غير إرادي. لا يمكن أن نصل إلى تقدم أوفر فى فهم الظروف التى تحدد اللعب إلا بالنظر إليه كمظهر للمجال الكلى للسلوك الإنسانى والحيواني.اللعب يمكن الطفل من السيطرة على الحدث أو الموقف المثير للاضطراب عن طريق السعى النشط إلى إتمامه بدلاً من الوقوف إزاءه موقف المشاهد السلبى عديم الحيلة،س ويظل اعتبار اللعب وسيلة للسيطرة على الأحداث يلقى قبولا ًبين الكثيرين.
نظرية بياجيه فى اللعب ملتصقة عن قرب بتفسيره لنمو الذكاء، وهو يسلم بوجود عمليتين يعتقد أنهما أساسيتان لكل نمو عضوي، وهما "التمثل" و"المواءمة".
وأبسط الأمثلة على التمثل هو الأكل - الوجبة - فالطعام يتغير فى أثناء عملية إدخاله للجسم ويصبح جزءا من الكائن العضوي.
أما المواءمة فهى توافق الكائن العضوى مع العالم الخارجي، كما يتضح مثلا فى وضع الجسم، وفى تغيير الطريق لتجنب عقبة، أوفى انقباض عضلات العين فى الضوء المبهر وتتكامل هاتان العمليتان وتتضمن كل منهما الأخرى، ويستخدم بياجيه مصطلحى التمثل والمواءمة بمعنى أوسع لكى ينطبق على العمليات العقلية.فيشير التمثل إلى كل عملية يغير بها الكائن العضوى المعلومات التى يستقبلها "أى تمثيلها ببنيات فكرية" بحيث تصبح جزءاً من التكوين الفكرى أو المعرفى لديه، و على هذا النحو يكون التمثل هو هضم المعلومات.
أما المواءمة فتعني، أى توافق يكون على الكائن أن يقوم به إزاء العالم الخارجى حتى يتمثل المعلومات. ويرجع النمو العقلى إلى التبادل المستمر النشط للأدوار بين التمثل والمواءمة. ويحد ث التكيف الذكى عندما تتوازن العمليتان أو تكونان فى حالة اتزان، ولكن عندما لا تكونان كذلك فإن المواءمة أو التوافق مع شيء ما، يمكن أن يتغلب على التمثل، وهذا ما تنتج عنه المحاكاة، التى يمارسها الأطفال.
وبالمقابل فإن التمثل قد يتغلب بدوره، كما تحدث ملاءمة الانطباع مع الخبرة السابقة وتكييفها لحاجات الفرد، وهذا هو اللعب، إنه تمثل خالص يغير المعلومات المحصلة لتتلاءم مع متطلبات الفرد، ويكون اللعب والمحاكاة جزأين متكاملين لنمو الذكاء، ويمران نتيجة لهذا بنفس المراحل.
ونظرية بياجيه تعتبر المحاكاة هى مقلوب أو نقيض اللعب ومكملة له، و تعطى نظرية بياجيه للعب وظيفة بيولوجية واضحة باعتباره تكراراً وتجربة نشطة "تهضم عقلياً" المواقف والخبرات الجديدة. وتقد م لنا وصفاً متماسكاً لنمو الأنشطة المتاحة ابتداء من هز الخشخيشة المعلقة، إلى إخراج القصص إلى حيز التنفيذ والألعاب الخشنة والصيد.
وإذا نظرنا إلى المواليد والأطفال فإننا نجد أن كل مولود مجبر على التعامل مع خيارات متنوعة جديدة، فالأشياء كثيرة وطرق تأثيرها متنوعة وليس له إلا التجريب والاختبار "اللعب" للوصول إلى الخيار الذى يعتبره الأفضل والأكثر فاعلية فى تحقيق دوافعه، وهو مجبر على ذلك فكل المواليد مبدعون ومخترعون حتى مع وجود القيود والخيارات المفروضة عليهم من قبل والديهم وبقية الظروف والأوضاع، فهم يقبلون أو يرفضون هذه الخيارات حسب تعاملهم معها وتصنيفهم وتقييمهم لها.
صحيح أن أغلب إبداعاتهم تكون محددة ومفروضة نتيجة الظروف وقدراتهم المتاحة، ولكنهم يتعاملون أو يعالجون هذه الخيارات لكى يعتمدوا فى النهاية طرقهم الخاصة بهم، وعندها تنتهى إبداعاتهم بالوصول إلى الخيارات المنظمة المحددة الثابتة.
وهكذا، فاذا أردت طفلك ان يكون ناجحا او مبدعا، فدعه يلعب بكل شيء ويجرب كل شيء، وحتى لو قلب عالى المنزل سافله فانك لن تخسر الا القليل من الوقت لاعادة ترتيب الأشياء، ولكن طفلك سيكسب الكثير من القدرات الذهنية التى يمكنه من خلالها تكوين رؤية وتصور مختلفين.
والحقيقة، فأغلب الناس هم مقلدون تتعامل مع نفس الخيارات أو مع عدد محدود من الخيارات التى يتعامل معها بقية الناس، فأغلب الناس لا ينظرون إلا إلى نفس خيارات الآخرين فيقومون بتقليدها والتى تكون عادة قليلة ومحدودة، فإذا وجدوا أن أحدهم ربح فى تجارة معينة سارعوا إلى تلك التجارة وإذا وجدوا أن بعضهم تفوقوا فى صناعة معينة سارعوا إلى تلك الصناعة...الخ بينما هناك الكثير من الأهداف و المجالات الأخرى وفى كافة النواحى يمكن أن تحقق النجاح والتفوق.
إن أهم شيء فى الإبداع والاختراع هو البحث عن الأهداف والخيارات الجديدة، وعن طرق وآليات ومناهج جديدة، وعدم التقيّد والالتزام بتبنى الأهداف والمناهج والخيارات السابقة المحدودة، واعتماد التجديد فى النظر والبحث والتفكير فى كافة المجالات والطرق.
إن التعامل مع الخيارات والتجريب الاستكشافى هو الطريق للإبداع فى كافة المجالات، فالتجربة والخطأ أو التجريب، والاكتشاف والاستكشاف للخيارات الجديدة هو أساس الإبداع.
ويجب توفر قدرات مناسبة وكافية للتعامل مع هذه الخيارات وخاصةً فى هذا الوقت فقد أصبحت الخيارات كثيرة بشكل هائل ولا يمكن الإحاطة إلا بجزء منها، ولا يمكن التعامل معها بكفاءة إلا بعد تصنيفها وتنظيمها وتخزينها بشكل مناسب، ويستلزم لذلك وقتاً ومجهوداً كبيرين.
فالخيارات اللامتناهية موجودة فى الكتب والمراجع، ولكن الوصول إليها وإلى المناسب منها، وتنفيذ ذلك هو الصعب، وعندما تكون الخيارات هائلة يصعب التعامل معها فردياً، وكذلك يجب توفر ظروف مادية واجتماعية وفكرية ونفسية مناسبة.
إن قدرات الإنسان العقلية والمادية هائلة جداً، وتمكنه من الإبداع فى ميادين ومجالات كثيرة، كما أن الميادين والمجالات و الخيارات واسعة جداً، ولكن معظم الناس يفكرون ويعملون مثل الآخرين، وهذا نتاج آليات متوارثة لها مبرراتها وعواملها وفوائدها، فالتقليد والمحاكاة لهما دور فعال فى التكيف والنمو أيضاً.
فهم يبحثون فى نفس الأماكن وبنفس الطرق كأنهم واحد، وعندما يأتى شخص مبدع بشيء جديد أو هام أو نافع تصيبهم الدهشة والتعجب، كيف توصل لذلك ؟ كيف فعل ذلك ؟ فهم لا يفكرون ولا يعملون مثله ولا يشاهدون ما يشاهد ولا يتنبؤن بما يتنبأ.
فقليل من العقول هى التى تنوع وتطور آليات تعاملها مع الخيارات، فهى تجرب آليات جديدة أو تطور القديمة، إنها غير محافظة، فهناك دوما خيارات وطرق جديدة يجب البحث عنها وإيجادها. صحيح أن الكثير من الآليات الجديدة أو طرق الجديد بحاجة إلى خيارات وبنيات تحتية جديدة مناسبة لها ربما تكون غير متوفرة بعد ويجب إيجادها أولاً.
فالأجهزة المتطورة والمركبة الفضائية والغواصة النووية و حاملة الطائرات.....، تحتاج إلى بنيات تحتية - خيارات متاحة مناسبة- بالإضافة إلى الآليات المتطورة الجديدة المناسبة لاختراعها.
فالإغريق والفراعنة كان من المستحيل عليهم أن يخترعوا السيارة أو الراديو أو الطائرة...... فالخيارات التى كانت متاحة لديهم غير كافية.
وهذا ما يستدعى إعجابنا الشديد بالمخترع الذى يخلق البنيات المطلوبة مع أن الخيارات المتاحة غير كافية فهو يوجد تلك الخيارات أيضاً، لأنه يوجد البنيات التحتية اللازمة لتشكيل اختراعه.
والمخترع الخارق هو الذى يقوم ببناء و اختراع عدة مستويات من البنيات التحتية لكى يحقق اختراعاً معيناً، واحتمال وجود هذا المخترع الآن أصبح ضعيفاً جداً نظرا لقدرات الفرد المحدودة ويمكن أن نجد الآن دولاً أو مؤسسات أو شركات.. الخ تحقق صفة المخترع الخارق.
والإبداع يفضل أن يقوم به فرد واحد، فهذا أكثر جدوى، لهذا صار الإبداع الفردى قليلاً ومحصوراً فى مجال الفنون والأدب.
والاختراع وبعض الفنون المتطورة مثل السينما، تقوم به الآن جماعات أو مؤسسات كبيرة وبقيادة فرد أو مجموعة صغيرة، وذات قدرات واسعة مادية وبشرية.
وبشكل عام يلزم للإبداع والاختراع توفر العناصر التالية:
1- قدرات عقلية كبيرة ومنظمة وقادرة على التعامل مع الخيارات المطلوبة، بتصنيفها وتنظيمها وتخزينها ومعالجتها بآليات متطورة ومتنوعة، واكتشاف النظام والمعانى الهامة، والسعى إلى الاختزال والتبسيط، والقدرة على اكتشاف المشكلات والمتناقضات، والتعامل مع الفوضى والتعقد الكبير.
2- توفر كمية الخيارات والمعلومات المطلوبة والمناسبة للمجال الذى يراد الإبداع فيه، كمية خيارات التى يستطاع تناولها وهضمها وتمثلها والتعامل معها بفاعلية، واستعمال سلاسل أسباب مترابطة طويلة.
3- قدرات جيدة على تصحيح الخيارات المناسبة للوصول إلى الهدف المطلوب سواء فى البحث عن خيارات جديدة أو تعديل طرق معالجة هذه الخيارات، وبالتوافق مع الاختيار الفكرى الأفضل، والتأكّد من التصحيح.
4- تذوق المتع الفكرية والمغامرات الفكرية والاهتمام بها، وتوفر دوافع وقدرات كافية للاستمرار والمثابرة والإنجاز، بامتلاك رغبة قوية قى اقتحام المجهول والغامض، والقدرة على الخوض فى المسائل الصعبة غير المطروقة والتى يجفل الآخرون عن الخوض فيها.
5- استخدام أقل قدر ممكن من المحاكاة والتقليد والاعتماد على الطرق والآليات الجديدة، ومن هنا تنبع الأصالة والتفرد، وإذا تعذر ذلك فباستعمال الخيارات المعدلة والمتطورة.
6- معرفة أن هناك دوماً الأفضل والأصح والأدق.
7- يجب أن تكون الغاية والهدف واضحان ومحددان بشكل جيد ودقيق ما أمكن ذلك.
فهناك دوماً مجال للعب والاكتشاف والاستكشاف وبالتالى الإبداع والاختراع، فالتجديد والتطور موجود فى كافة المجالات.ففى الصناعة كل جهاز أو سلعة تصنع لها دور أو وظيفة أو هدف معين ويمكن أن يعدل ويطور هذا الهدف، وبذلك تنشأ خيارات واحتمالات جديدة لصنع جهاز جديد يلبى الحاجة الجديدة، ويكون ذلك بتصنيع جهاز جديد "أى اختراع" لتحقيق هذا الهدف باستعمال خيارات "عناصر وآليات" جديدة للإنتاج.
إن المجددين، هم المبدعون والمخترعون والمغامرين والمقامرون والمكتشفون، فهم يسعون إلى الخيارات الجديدة والبحث عنها أو تطويرها، وكذلك هم يعدلون أو يجددون أهدافهم وغاياتهم أيضاً. ولكن يظل أغلبنا محافظين والقليلون هم المجددون.
والإبداع أيضاً يكون بالإدارة والقيادة والسياسة وكافة المجالات ومناحى حياتنا الفكرية والنفسية والمادية.
أن كمية الخيارات والمعارف ونوعيتها التى يتم التعامل معها لها أهمية قصوى فى الإبداع وإيجاد الجديد، فاستخدام نفس الخيارات غالباً ما يؤدى إلى نفس النتائج ، فإذا كانت الخيارات المناسبة لم تستخدم فهذا يجعل من المستحيل الوصول إلى الهدف أو تحقيق تجديد، وكذلك استخدام نفس الأسلوب أو الطرق والمناهج فى التعامل مع الخيارات يؤدى غالباً إلى نفس النتائج وبغض النظر عن قدرة وذكاء هذه العقول المتعاملة بنفس الأسلوب مع هذه الخيارات.
فالمحاكاة والتقليد فى القواعد والأنظمة تفرض أو تقرر النتائج التى يتم التوصل إليها، فأى طبيب إذا أعطى ظواهر مرض أو حالات مريض معين غالباً ما يعطى نفس التقارير والأحكام إلا إذا كان يستخدم طريقة "آلية" مختلفة صينية أو شعبية أو طريقة مختلفة خاصة به.
مثال: فى إصلاح الأجهزة عندما يصعب على فنى كشف عطل معين ويطلب من غيره محاولة إصلاحه يفضل فى هذه الحالة أن لا يستخدم خيارات أو طريقة من سبقه لأنه سوف ينزلق ويتوصل إلى نفس النتائج السابقة وبالتالى لن يستطيع كشف العطل.فالمطلوب لكى نحقق نتائج جديدة فى تعاملنا مع الخيارات:
1 - إما أن نغير ونعدل بالخيارات المتعامل معها.
2 - أو نغير ونعدل طريقة وآلية معالجتنا لهذه الخيارات وهذا ما يجب أن نفعله فى أى تجارب نجريها " لأى هدف كان "، ولكن غالباً ما نعد ل بالخيارات وليس آلية وطريقة التعامل مع هذه الخيارات فهذا صعب جداً على الكثيرين -وهنا أساس الإبداع -.
إن هدف العلم والبحث العلمى هو إيجاد الخيارات بالدرجة الأولى، والتعامل مع الخيارات يستدعى تصنيفها وتنظيمها عند تخزينها ليسهل استرجاعها والتعامل معها بسهولة، والتصنيف يجب أن يراعى بالدرجة الأولى المعنى ، والمعنى للخيارات هو دورها أو وظيفتها المتوقعة - وحسب استعمالها - ، وكذلك يجب أن يراعى تسلسل وترابط الخيارات من السهل البسيط إلى الصعب المعقد، ويجب أن يراعى توضيح أصول ومصادر هذه الخيارات، وطرق أو آليات نشوئها وتشكلها ، ومن أوجدها وطورها - تاريخها -.
إن احتمال تحقيق أى هدف متناسب طرداً مع كمية الخيارات المتاحة ولكن بشرط التمكن من التعامل معها ومعالجتها، وكمية الخيارات هى بمثابة قوة، ويمكن أن تقارن بالقوة المحركة ، فالمعرفة والمعلومات قوة كما لاحظ أغلبنا.وقد ثبت أن المعلومات يمكن أن توجد الثروات، ويمكن أن تساهم فى تحقيق الأهداف، ويمكن أن تنتج السلع وتحقق الأهداف باستعمال القليل من العناصر والطاقة المتاحة.
إن الإلهام والوحى والإبداع هم حصيلة اكتساب وتحصيل ومعالجة مناسبة- شعورية أو لا شعورية- أى هم نتيجة تغذية وتلقى مناسب لما يتم تمثله أو استيعابه، والذى يمكن من إنتاج العمل الإبداعي.
لابد لكل مبدع - فى أى مجال كان إبداعه - من تغذية مناسبة لإبداعه، فالإبداع لا يأتى إلا من تغذية سابقة تم هضمها وتمثلها، ففى مجال الفكر والفلسفة نجد كافة المفكرين المبدعين قد تلقوا - أو تناولوا- الأفكار من الذين سبقوهم فهضموها وتمثلوها وأنتجوا أفكارهم الجديدة فسقراط، وأفلاطون، وأرسطو ، وديكارت، وكانت، و هيوم ...، كل هؤلاء ما كان لهم أن ينتجوا أفكارهم إلا بعد أن تلقوا أفكار من سبقوهم.
وكذلك الإبداع فى الموسيقى، فشوبان، وموتزارت، وبتهوفن، .... أبدعوا بعد تلقيهم وهضمهم موسيقى الذين سبقوهم، وكذلك الرسامون، والرياضيون، والمخترعون، وكافة الفنانون، وكل الأدباء ما كان لهم أن يبدعوا أدبهم إلا بعد أن تناولوا و هضموا الكثير من الأفكار، وامتلكوا قدرات فهم واستيعاب مشاعر و نفسيات الناس الذين تعاملوا معهم، وفهموا العلاقات والظروف المتحكمة فيهم.
فالإبداع والتجديد لا ينتج إلا من تغذية سابقة تم تناولها وهضمها وتمثلها، فالعقل أو الجسم لا يمكنهما الإنتاج الإبداعات من ذاتهما فقط، لابد من الاتصال والتلقى والتغذية، أى يجب أن يزودا بالمدخلات المناسبة إن كانت أفكار أو مهارات أو معارف ومعلومات يتم هضمها واستيعابها بشكل مناسب حتى يستطيعوا تحقيق أنتاجهم و إبداعهما.
والآن يمكن صنع الاختراعات وحتى الإبداعات، فعن طريق التمويل والإدارة المناسبة يمكننا تحقيق الكثير الكثير من الاختراعات والإبداعات، وذلك باختيار الأشخاص المناسبين وتجهيزهم بالإمكانيات المناسبة إن كانت معرفية أو مادية، لتحقيق ما نريد من إبداعات واختراعات.
إن صانع أو منتج أى إبداع أو اختراع بحاجة أيضاً إلى من يريد أو يطلب ويتذوق هذا الإبداع، فأكبر عبقرى فى الأدب أو فى الموسيقى أو فى الرسم أو فى الطبخ أو أى فن آخر هو بحاجة إلى الذى يفهم ويتذوق إبداعه، وسوف يفشل أى إبداع فنى إذا لم يوجد متلقى له قادر على فهمه وتذوقه ويشعر ويدرك عبقرية إنتاجه.
لذلك فإن أنواع وطبيعة المتلقين أو المستهلكين هى التى تحدد و تقرر أى الإبداعات تنجح وتنتشر، فالفنان مهما كان مبدعاً ولكن لا يستطيع أن يسوق إنتاجه هو مبدع غير مؤثر ويبقى مهملاً، يمكن أن يأتى من يتذوق إنتاجه بعد زمن، أو ينجح إنتاجه فى مكان آخر.
وبناءً على ذلك المتلقين هم من يقررون أى الأعمال أو الاختراعات أو الانتاجات الفكرية والفنية هو الذى ينجح ويطلب، ويوصف بالإبداع. لذلك يجب على أى مبدع إذا أراد أن لا يهمل إنتاجه، وأن ينجح فى تسويقه ونشره، أن يقدم ما يمكن أن يقبل ويهضم ويتم تذوقه من قبل المقدم لهم، فأى إبداع أو اختراع مهما كانا مفيدين أو ممتعين لا يمكن تسويقهم إذا لم يوجد متلقى لهم ويقبل أن يدفع مقابلهم.
والآن أصبح هناك من يملك المهارة والقدرة التى تمكنه من تسويق ونشر أغلب المنتجات والإبداعات والاختراعات وبغض النظر عن طبيعتها، فقد أصبح الآن للتسويق علم يتحكم به وبغض النظر عن قيمة أو نوع السلعة المراد تسويقها، فالتأثير الإعلامى المتاح الآن فى التسويق يمكٌن مستخدميه من تسويق أغلب المنتجات سواء كانت فكرية أو فنية أو مادية.
ويمكن تشبيه التجديد أو الإبداع أو الاختراع بطفرات الجينات الوراثية عند الكائنات الحية، فالمناسب والمتوافق مع الأوضاع والظروف هو الذى يمكن أن يبقى وينتشر، ويمكن أن يصبح هذا غير مفيد إذا تغيرت الأوضاع.
وقد قال بوبر أن آلية التكيف والتطور هو ذاته فى المستويات الثلاثة، التكيف والتطور الجينى والسلوك التكيفى "أى المخزون الفطرى من أنماط السلوك المتاحة للكائن الحي" والكشف العلمى " أى الحدوس الافتراضية أو النظريات العلمية السائدة".
إن غالبيتنا تعتبر أن الإبداع والاختراع هما دوماً مفيدين والتقدم لا يحدث إلا بهما، وهذا غير دقيق فيمكن أن يكونا ضارين، إلا فى مجال المعرفة والعلوم الدقيقة فالإبداع والاكتشاف هو دوماً تقدم.
نحن الآن فى ما يشبه الانفجار فى تسارع ظهور الإبداعات والاختراعات، وفى مجالات لا حصر لها. فهناك الدول وآلاف المؤسسات وملايين الأفراد ينتجون إبداعات لا حصر لها وفى مجالات أيضاً لا حصر لها، وهذا ما أنتج هذا التطور غير المسبوق واللا معقول الذى نشهده فى كافة مناحى حياتنا والذى نعجز عن استيعابه ومجاراته نفسياً و بيولوجياً واجتماعياً. وهذا يظهر أن للمحافظة وممانعة التجديد السريع التى نملكها غريزياً لها ما يوجبها. ولكن الأمر كله، فى النهاية، لعب فى لعب
http://www.khellan.com/up/uploads/518826f62a.jpg (http://www.khellan.com/up/)
الإبداع .. لعب ..:)
الإبداع بالنسبة لنا نحن البشر مرتبط بالتجديد وعدم التقليد، ولكن ليس كل تجديد، بل فقط بالتجديد المفيد أو الممتع والجميل، والذى يتقبله الآخرون ويرغبون به.
لذلك الإبداع والاختراع مرتبطان باللعب، لأن اللعب غالباً يعتمد على التجديد وتحاشى المحاكاة والتقليد، فهو لعب بالخيارات المتاحة وإيجاد الجديد.
والإبداع والاختراع هما إيجاد أو تكوين لبنيات جديدة إن كانت مادية أم فكرية. وفى الواقع نحن نعتبر الاختراع والإبداع هما خلق أو تكوين البنيات الجديدة والمناسبة لتحقيق هدف أو دافع أو وضع معين يرغب به كثيرون، أى هما إيجاد بنية أو آلية تلبى حاجة معينة وليس إيجاد أية بنية فهذا يحدث دوماً.
فالإبداع والاختراع هم إيجاد المفاتيح أو الطرق المناسب لتحقيق هدف معين أو حل مشكلة معينة. فالموسيقى الذى يؤلف مقطوعة موسيقية تبعث السعادة والفرح والنشوة لدى المستمعين هو يحقق بإبداعه هذا هدفه، وهو بعث السعادة لدى المستمعين، وكذلك الأديب والرسام والطاهى والمهندس والمفكر.
فالإبداع والاختراع هو التعامل مع الخيارات المتاحة لتحقيق هدف معين ولكنه بالدرجة الأولى.. لعب. فالذى يخترع يلعب وذلك بتعامله مع الخيارات وخاصة الجديدة منها، والطرق والمجالات والخيارات كثيرة ومتنوعة وغير محدودة وهى التى تمكنه من ذلك.
وولا يتجلى الابداع والاختراع بأفضل مما يتجلى فى ألعاب الأطفال. فالطفل الذى يلعب لعبة إعداد العشاء لا يخترع الأطباق والشوكات والملاعق وحسب بل كذلك تمثيل المقبلات والشواء. وفى ألعاب التركيب والتشكيل يتجلى على نحو واضح الإبداع والاختراع عند الطفل. ويمكن ان يُعرّف التفكير والإبداع على أنه فن "حيث هو سلوك حل المشكلات" بأنه ما يحدث فى الخبرة عندما تواجه عضوية ما "بشراً أو حيواناً" مشكلة ما وتتعرف عليها وعلى حلها. ويمكن القول بنشوء مشكلة كلما تعذَر الوصول إلى هدف مرتجى بصورة فورية.
وعليه فيمكن اتخاذ حل مشكلة ما كدليل على التفكير والإبداع إذا ما بدا أن الحل ينطوى على تلاعب داخلى بعناصر الموقف أو توفير إشارات من الداخل ذات حضور غير إرادي. لا يمكن أن نصل إلى تقدم أوفر فى فهم الظروف التى تحدد اللعب إلا بالنظر إليه كمظهر للمجال الكلى للسلوك الإنسانى والحيواني.اللعب يمكن الطفل من السيطرة على الحدث أو الموقف المثير للاضطراب عن طريق السعى النشط إلى إتمامه بدلاً من الوقوف إزاءه موقف المشاهد السلبى عديم الحيلة،س ويظل اعتبار اللعب وسيلة للسيطرة على الأحداث يلقى قبولا ًبين الكثيرين.
نظرية بياجيه فى اللعب ملتصقة عن قرب بتفسيره لنمو الذكاء، وهو يسلم بوجود عمليتين يعتقد أنهما أساسيتان لكل نمو عضوي، وهما "التمثل" و"المواءمة".
وأبسط الأمثلة على التمثل هو الأكل - الوجبة - فالطعام يتغير فى أثناء عملية إدخاله للجسم ويصبح جزءا من الكائن العضوي.
أما المواءمة فهى توافق الكائن العضوى مع العالم الخارجي، كما يتضح مثلا فى وضع الجسم، وفى تغيير الطريق لتجنب عقبة، أوفى انقباض عضلات العين فى الضوء المبهر وتتكامل هاتان العمليتان وتتضمن كل منهما الأخرى، ويستخدم بياجيه مصطلحى التمثل والمواءمة بمعنى أوسع لكى ينطبق على العمليات العقلية.فيشير التمثل إلى كل عملية يغير بها الكائن العضوى المعلومات التى يستقبلها "أى تمثيلها ببنيات فكرية" بحيث تصبح جزءاً من التكوين الفكرى أو المعرفى لديه، و على هذا النحو يكون التمثل هو هضم المعلومات.
أما المواءمة فتعني، أى توافق يكون على الكائن أن يقوم به إزاء العالم الخارجى حتى يتمثل المعلومات. ويرجع النمو العقلى إلى التبادل المستمر النشط للأدوار بين التمثل والمواءمة. ويحد ث التكيف الذكى عندما تتوازن العمليتان أو تكونان فى حالة اتزان، ولكن عندما لا تكونان كذلك فإن المواءمة أو التوافق مع شيء ما، يمكن أن يتغلب على التمثل، وهذا ما تنتج عنه المحاكاة، التى يمارسها الأطفال.
وبالمقابل فإن التمثل قد يتغلب بدوره، كما تحدث ملاءمة الانطباع مع الخبرة السابقة وتكييفها لحاجات الفرد، وهذا هو اللعب، إنه تمثل خالص يغير المعلومات المحصلة لتتلاءم مع متطلبات الفرد، ويكون اللعب والمحاكاة جزأين متكاملين لنمو الذكاء، ويمران نتيجة لهذا بنفس المراحل.
ونظرية بياجيه تعتبر المحاكاة هى مقلوب أو نقيض اللعب ومكملة له، و تعطى نظرية بياجيه للعب وظيفة بيولوجية واضحة باعتباره تكراراً وتجربة نشطة "تهضم عقلياً" المواقف والخبرات الجديدة. وتقد م لنا وصفاً متماسكاً لنمو الأنشطة المتاحة ابتداء من هز الخشخيشة المعلقة، إلى إخراج القصص إلى حيز التنفيذ والألعاب الخشنة والصيد.
وإذا نظرنا إلى المواليد والأطفال فإننا نجد أن كل مولود مجبر على التعامل مع خيارات متنوعة جديدة، فالأشياء كثيرة وطرق تأثيرها متنوعة وليس له إلا التجريب والاختبار "اللعب" للوصول إلى الخيار الذى يعتبره الأفضل والأكثر فاعلية فى تحقيق دوافعه، وهو مجبر على ذلك فكل المواليد مبدعون ومخترعون حتى مع وجود القيود والخيارات المفروضة عليهم من قبل والديهم وبقية الظروف والأوضاع، فهم يقبلون أو يرفضون هذه الخيارات حسب تعاملهم معها وتصنيفهم وتقييمهم لها.
صحيح أن أغلب إبداعاتهم تكون محددة ومفروضة نتيجة الظروف وقدراتهم المتاحة، ولكنهم يتعاملون أو يعالجون هذه الخيارات لكى يعتمدوا فى النهاية طرقهم الخاصة بهم، وعندها تنتهى إبداعاتهم بالوصول إلى الخيارات المنظمة المحددة الثابتة.
وهكذا، فاذا أردت طفلك ان يكون ناجحا او مبدعا، فدعه يلعب بكل شيء ويجرب كل شيء، وحتى لو قلب عالى المنزل سافله فانك لن تخسر الا القليل من الوقت لاعادة ترتيب الأشياء، ولكن طفلك سيكسب الكثير من القدرات الذهنية التى يمكنه من خلالها تكوين رؤية وتصور مختلفين.
والحقيقة، فأغلب الناس هم مقلدون تتعامل مع نفس الخيارات أو مع عدد محدود من الخيارات التى يتعامل معها بقية الناس، فأغلب الناس لا ينظرون إلا إلى نفس خيارات الآخرين فيقومون بتقليدها والتى تكون عادة قليلة ومحدودة، فإذا وجدوا أن أحدهم ربح فى تجارة معينة سارعوا إلى تلك التجارة وإذا وجدوا أن بعضهم تفوقوا فى صناعة معينة سارعوا إلى تلك الصناعة...الخ بينما هناك الكثير من الأهداف و المجالات الأخرى وفى كافة النواحى يمكن أن تحقق النجاح والتفوق.
إن أهم شيء فى الإبداع والاختراع هو البحث عن الأهداف والخيارات الجديدة، وعن طرق وآليات ومناهج جديدة، وعدم التقيّد والالتزام بتبنى الأهداف والمناهج والخيارات السابقة المحدودة، واعتماد التجديد فى النظر والبحث والتفكير فى كافة المجالات والطرق.
إن التعامل مع الخيارات والتجريب الاستكشافى هو الطريق للإبداع فى كافة المجالات، فالتجربة والخطأ أو التجريب، والاكتشاف والاستكشاف للخيارات الجديدة هو أساس الإبداع.
ويجب توفر قدرات مناسبة وكافية للتعامل مع هذه الخيارات وخاصةً فى هذا الوقت فقد أصبحت الخيارات كثيرة بشكل هائل ولا يمكن الإحاطة إلا بجزء منها، ولا يمكن التعامل معها بكفاءة إلا بعد تصنيفها وتنظيمها وتخزينها بشكل مناسب، ويستلزم لذلك وقتاً ومجهوداً كبيرين.
فالخيارات اللامتناهية موجودة فى الكتب والمراجع، ولكن الوصول إليها وإلى المناسب منها، وتنفيذ ذلك هو الصعب، وعندما تكون الخيارات هائلة يصعب التعامل معها فردياً، وكذلك يجب توفر ظروف مادية واجتماعية وفكرية ونفسية مناسبة.
إن قدرات الإنسان العقلية والمادية هائلة جداً، وتمكنه من الإبداع فى ميادين ومجالات كثيرة، كما أن الميادين والمجالات و الخيارات واسعة جداً، ولكن معظم الناس يفكرون ويعملون مثل الآخرين، وهذا نتاج آليات متوارثة لها مبرراتها وعواملها وفوائدها، فالتقليد والمحاكاة لهما دور فعال فى التكيف والنمو أيضاً.
فهم يبحثون فى نفس الأماكن وبنفس الطرق كأنهم واحد، وعندما يأتى شخص مبدع بشيء جديد أو هام أو نافع تصيبهم الدهشة والتعجب، كيف توصل لذلك ؟ كيف فعل ذلك ؟ فهم لا يفكرون ولا يعملون مثله ولا يشاهدون ما يشاهد ولا يتنبؤن بما يتنبأ.
فقليل من العقول هى التى تنوع وتطور آليات تعاملها مع الخيارات، فهى تجرب آليات جديدة أو تطور القديمة، إنها غير محافظة، فهناك دوما خيارات وطرق جديدة يجب البحث عنها وإيجادها. صحيح أن الكثير من الآليات الجديدة أو طرق الجديد بحاجة إلى خيارات وبنيات تحتية جديدة مناسبة لها ربما تكون غير متوفرة بعد ويجب إيجادها أولاً.
فالأجهزة المتطورة والمركبة الفضائية والغواصة النووية و حاملة الطائرات.....، تحتاج إلى بنيات تحتية - خيارات متاحة مناسبة- بالإضافة إلى الآليات المتطورة الجديدة المناسبة لاختراعها.
فالإغريق والفراعنة كان من المستحيل عليهم أن يخترعوا السيارة أو الراديو أو الطائرة...... فالخيارات التى كانت متاحة لديهم غير كافية.
وهذا ما يستدعى إعجابنا الشديد بالمخترع الذى يخلق البنيات المطلوبة مع أن الخيارات المتاحة غير كافية فهو يوجد تلك الخيارات أيضاً، لأنه يوجد البنيات التحتية اللازمة لتشكيل اختراعه.
والمخترع الخارق هو الذى يقوم ببناء و اختراع عدة مستويات من البنيات التحتية لكى يحقق اختراعاً معيناً، واحتمال وجود هذا المخترع الآن أصبح ضعيفاً جداً نظرا لقدرات الفرد المحدودة ويمكن أن نجد الآن دولاً أو مؤسسات أو شركات.. الخ تحقق صفة المخترع الخارق.
والإبداع يفضل أن يقوم به فرد واحد، فهذا أكثر جدوى، لهذا صار الإبداع الفردى قليلاً ومحصوراً فى مجال الفنون والأدب.
والاختراع وبعض الفنون المتطورة مثل السينما، تقوم به الآن جماعات أو مؤسسات كبيرة وبقيادة فرد أو مجموعة صغيرة، وذات قدرات واسعة مادية وبشرية.
وبشكل عام يلزم للإبداع والاختراع توفر العناصر التالية:
1- قدرات عقلية كبيرة ومنظمة وقادرة على التعامل مع الخيارات المطلوبة، بتصنيفها وتنظيمها وتخزينها ومعالجتها بآليات متطورة ومتنوعة، واكتشاف النظام والمعانى الهامة، والسعى إلى الاختزال والتبسيط، والقدرة على اكتشاف المشكلات والمتناقضات، والتعامل مع الفوضى والتعقد الكبير.
2- توفر كمية الخيارات والمعلومات المطلوبة والمناسبة للمجال الذى يراد الإبداع فيه، كمية خيارات التى يستطاع تناولها وهضمها وتمثلها والتعامل معها بفاعلية، واستعمال سلاسل أسباب مترابطة طويلة.
3- قدرات جيدة على تصحيح الخيارات المناسبة للوصول إلى الهدف المطلوب سواء فى البحث عن خيارات جديدة أو تعديل طرق معالجة هذه الخيارات، وبالتوافق مع الاختيار الفكرى الأفضل، والتأكّد من التصحيح.
4- تذوق المتع الفكرية والمغامرات الفكرية والاهتمام بها، وتوفر دوافع وقدرات كافية للاستمرار والمثابرة والإنجاز، بامتلاك رغبة قوية قى اقتحام المجهول والغامض، والقدرة على الخوض فى المسائل الصعبة غير المطروقة والتى يجفل الآخرون عن الخوض فيها.
5- استخدام أقل قدر ممكن من المحاكاة والتقليد والاعتماد على الطرق والآليات الجديدة، ومن هنا تنبع الأصالة والتفرد، وإذا تعذر ذلك فباستعمال الخيارات المعدلة والمتطورة.
6- معرفة أن هناك دوماً الأفضل والأصح والأدق.
7- يجب أن تكون الغاية والهدف واضحان ومحددان بشكل جيد ودقيق ما أمكن ذلك.
فهناك دوماً مجال للعب والاكتشاف والاستكشاف وبالتالى الإبداع والاختراع، فالتجديد والتطور موجود فى كافة المجالات.ففى الصناعة كل جهاز أو سلعة تصنع لها دور أو وظيفة أو هدف معين ويمكن أن يعدل ويطور هذا الهدف، وبذلك تنشأ خيارات واحتمالات جديدة لصنع جهاز جديد يلبى الحاجة الجديدة، ويكون ذلك بتصنيع جهاز جديد "أى اختراع" لتحقيق هذا الهدف باستعمال خيارات "عناصر وآليات" جديدة للإنتاج.
إن المجددين، هم المبدعون والمخترعون والمغامرين والمقامرون والمكتشفون، فهم يسعون إلى الخيارات الجديدة والبحث عنها أو تطويرها، وكذلك هم يعدلون أو يجددون أهدافهم وغاياتهم أيضاً. ولكن يظل أغلبنا محافظين والقليلون هم المجددون.
والإبداع أيضاً يكون بالإدارة والقيادة والسياسة وكافة المجالات ومناحى حياتنا الفكرية والنفسية والمادية.
أن كمية الخيارات والمعارف ونوعيتها التى يتم التعامل معها لها أهمية قصوى فى الإبداع وإيجاد الجديد، فاستخدام نفس الخيارات غالباً ما يؤدى إلى نفس النتائج ، فإذا كانت الخيارات المناسبة لم تستخدم فهذا يجعل من المستحيل الوصول إلى الهدف أو تحقيق تجديد، وكذلك استخدام نفس الأسلوب أو الطرق والمناهج فى التعامل مع الخيارات يؤدى غالباً إلى نفس النتائج وبغض النظر عن قدرة وذكاء هذه العقول المتعاملة بنفس الأسلوب مع هذه الخيارات.
فالمحاكاة والتقليد فى القواعد والأنظمة تفرض أو تقرر النتائج التى يتم التوصل إليها، فأى طبيب إذا أعطى ظواهر مرض أو حالات مريض معين غالباً ما يعطى نفس التقارير والأحكام إلا إذا كان يستخدم طريقة "آلية" مختلفة صينية أو شعبية أو طريقة مختلفة خاصة به.
مثال: فى إصلاح الأجهزة عندما يصعب على فنى كشف عطل معين ويطلب من غيره محاولة إصلاحه يفضل فى هذه الحالة أن لا يستخدم خيارات أو طريقة من سبقه لأنه سوف ينزلق ويتوصل إلى نفس النتائج السابقة وبالتالى لن يستطيع كشف العطل.فالمطلوب لكى نحقق نتائج جديدة فى تعاملنا مع الخيارات:
1 - إما أن نغير ونعدل بالخيارات المتعامل معها.
2 - أو نغير ونعدل طريقة وآلية معالجتنا لهذه الخيارات وهذا ما يجب أن نفعله فى أى تجارب نجريها " لأى هدف كان "، ولكن غالباً ما نعد ل بالخيارات وليس آلية وطريقة التعامل مع هذه الخيارات فهذا صعب جداً على الكثيرين -وهنا أساس الإبداع -.
إن هدف العلم والبحث العلمى هو إيجاد الخيارات بالدرجة الأولى، والتعامل مع الخيارات يستدعى تصنيفها وتنظيمها عند تخزينها ليسهل استرجاعها والتعامل معها بسهولة، والتصنيف يجب أن يراعى بالدرجة الأولى المعنى ، والمعنى للخيارات هو دورها أو وظيفتها المتوقعة - وحسب استعمالها - ، وكذلك يجب أن يراعى تسلسل وترابط الخيارات من السهل البسيط إلى الصعب المعقد، ويجب أن يراعى توضيح أصول ومصادر هذه الخيارات، وطرق أو آليات نشوئها وتشكلها ، ومن أوجدها وطورها - تاريخها -.
إن احتمال تحقيق أى هدف متناسب طرداً مع كمية الخيارات المتاحة ولكن بشرط التمكن من التعامل معها ومعالجتها، وكمية الخيارات هى بمثابة قوة، ويمكن أن تقارن بالقوة المحركة ، فالمعرفة والمعلومات قوة كما لاحظ أغلبنا.وقد ثبت أن المعلومات يمكن أن توجد الثروات، ويمكن أن تساهم فى تحقيق الأهداف، ويمكن أن تنتج السلع وتحقق الأهداف باستعمال القليل من العناصر والطاقة المتاحة.
إن الإلهام والوحى والإبداع هم حصيلة اكتساب وتحصيل ومعالجة مناسبة- شعورية أو لا شعورية- أى هم نتيجة تغذية وتلقى مناسب لما يتم تمثله أو استيعابه، والذى يمكن من إنتاج العمل الإبداعي.
لابد لكل مبدع - فى أى مجال كان إبداعه - من تغذية مناسبة لإبداعه، فالإبداع لا يأتى إلا من تغذية سابقة تم هضمها وتمثلها، ففى مجال الفكر والفلسفة نجد كافة المفكرين المبدعين قد تلقوا - أو تناولوا- الأفكار من الذين سبقوهم فهضموها وتمثلوها وأنتجوا أفكارهم الجديدة فسقراط، وأفلاطون، وأرسطو ، وديكارت، وكانت، و هيوم ...، كل هؤلاء ما كان لهم أن ينتجوا أفكارهم إلا بعد أن تلقوا أفكار من سبقوهم.
وكذلك الإبداع فى الموسيقى، فشوبان، وموتزارت، وبتهوفن، .... أبدعوا بعد تلقيهم وهضمهم موسيقى الذين سبقوهم، وكذلك الرسامون، والرياضيون، والمخترعون، وكافة الفنانون، وكل الأدباء ما كان لهم أن يبدعوا أدبهم إلا بعد أن تناولوا و هضموا الكثير من الأفكار، وامتلكوا قدرات فهم واستيعاب مشاعر و نفسيات الناس الذين تعاملوا معهم، وفهموا العلاقات والظروف المتحكمة فيهم.
فالإبداع والتجديد لا ينتج إلا من تغذية سابقة تم تناولها وهضمها وتمثلها، فالعقل أو الجسم لا يمكنهما الإنتاج الإبداعات من ذاتهما فقط، لابد من الاتصال والتلقى والتغذية، أى يجب أن يزودا بالمدخلات المناسبة إن كانت أفكار أو مهارات أو معارف ومعلومات يتم هضمها واستيعابها بشكل مناسب حتى يستطيعوا تحقيق أنتاجهم و إبداعهما.
والآن يمكن صنع الاختراعات وحتى الإبداعات، فعن طريق التمويل والإدارة المناسبة يمكننا تحقيق الكثير الكثير من الاختراعات والإبداعات، وذلك باختيار الأشخاص المناسبين وتجهيزهم بالإمكانيات المناسبة إن كانت معرفية أو مادية، لتحقيق ما نريد من إبداعات واختراعات.
إن صانع أو منتج أى إبداع أو اختراع بحاجة أيضاً إلى من يريد أو يطلب ويتذوق هذا الإبداع، فأكبر عبقرى فى الأدب أو فى الموسيقى أو فى الرسم أو فى الطبخ أو أى فن آخر هو بحاجة إلى الذى يفهم ويتذوق إبداعه، وسوف يفشل أى إبداع فنى إذا لم يوجد متلقى له قادر على فهمه وتذوقه ويشعر ويدرك عبقرية إنتاجه.
لذلك فإن أنواع وطبيعة المتلقين أو المستهلكين هى التى تحدد و تقرر أى الإبداعات تنجح وتنتشر، فالفنان مهما كان مبدعاً ولكن لا يستطيع أن يسوق إنتاجه هو مبدع غير مؤثر ويبقى مهملاً، يمكن أن يأتى من يتذوق إنتاجه بعد زمن، أو ينجح إنتاجه فى مكان آخر.
وبناءً على ذلك المتلقين هم من يقررون أى الأعمال أو الاختراعات أو الانتاجات الفكرية والفنية هو الذى ينجح ويطلب، ويوصف بالإبداع. لذلك يجب على أى مبدع إذا أراد أن لا يهمل إنتاجه، وأن ينجح فى تسويقه ونشره، أن يقدم ما يمكن أن يقبل ويهضم ويتم تذوقه من قبل المقدم لهم، فأى إبداع أو اختراع مهما كانا مفيدين أو ممتعين لا يمكن تسويقهم إذا لم يوجد متلقى لهم ويقبل أن يدفع مقابلهم.
والآن أصبح هناك من يملك المهارة والقدرة التى تمكنه من تسويق ونشر أغلب المنتجات والإبداعات والاختراعات وبغض النظر عن طبيعتها، فقد أصبح الآن للتسويق علم يتحكم به وبغض النظر عن قيمة أو نوع السلعة المراد تسويقها، فالتأثير الإعلامى المتاح الآن فى التسويق يمكٌن مستخدميه من تسويق أغلب المنتجات سواء كانت فكرية أو فنية أو مادية.
ويمكن تشبيه التجديد أو الإبداع أو الاختراع بطفرات الجينات الوراثية عند الكائنات الحية، فالمناسب والمتوافق مع الأوضاع والظروف هو الذى يمكن أن يبقى وينتشر، ويمكن أن يصبح هذا غير مفيد إذا تغيرت الأوضاع.
وقد قال بوبر أن آلية التكيف والتطور هو ذاته فى المستويات الثلاثة، التكيف والتطور الجينى والسلوك التكيفى "أى المخزون الفطرى من أنماط السلوك المتاحة للكائن الحي" والكشف العلمى " أى الحدوس الافتراضية أو النظريات العلمية السائدة".
إن غالبيتنا تعتبر أن الإبداع والاختراع هما دوماً مفيدين والتقدم لا يحدث إلا بهما، وهذا غير دقيق فيمكن أن يكونا ضارين، إلا فى مجال المعرفة والعلوم الدقيقة فالإبداع والاكتشاف هو دوماً تقدم.
نحن الآن فى ما يشبه الانفجار فى تسارع ظهور الإبداعات والاختراعات، وفى مجالات لا حصر لها. فهناك الدول وآلاف المؤسسات وملايين الأفراد ينتجون إبداعات لا حصر لها وفى مجالات أيضاً لا حصر لها، وهذا ما أنتج هذا التطور غير المسبوق واللا معقول الذى نشهده فى كافة مناحى حياتنا والذى نعجز عن استيعابه ومجاراته نفسياً و بيولوجياً واجتماعياً. وهذا يظهر أن للمحافظة وممانعة التجديد السريع التى نملكها غريزياً لها ما يوجبها. ولكن الأمر كله، فى النهاية، لعب فى لعب