تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لاتكن رأساً... لاتكن رأساً........ دن ...دن


ربانة
28-04-2007, 23:13
((الدرس ))التابع والمتبوع للدكتور محمد الحضيف

أكثر شئ يضايقه ، حينما تبدأ زوجته بعقد مقارنة بينه وبين زملاء دراسته في الجامعة ، تقول : تأمل .. فلان أصبح مسؤلا كبيرا في الدائرة الفلانية ، وأنظر ... فلان غدا صاحب

منصب رفيع في تلك المؤسسة .

تفعل ذلك وهي تضع السفرة ، وتفعلـه وهي ترفعها ، وحينما تشرب هي وإياه الشاهي في غرفة المعيشة ، أو عندما يخرجان هم والأطفال في السيارة لغرض ما . وهي غالبا ما تختم حديثها قائلة : (أنا أعلم أنك لست أقل منهم قدرة وكفاءة .. أليس ذلك عجيبا ..؟) .

كثيرا ما يرد على تساؤلاتها بإبتسامة ، وقد يقول أحيانا ، حينما يراها مهتمة جدا : ألسنا نعيش مثلهم وأحسن .. وهل قصرت عليك بشئ يا حبيبتي ..؟ تستحي وتقول : لا .. فقط

أنا أتعجب ، ألا ترى أن هناك سر ..؟ ربما .. يقول . في واقع الأمر هي تعرف ما تسميه (سرا) ، لكنها لا تجرؤ أن تقول لزوجها ، إفعل مثلهم لتصل ، رغم أنها تعيش في أعماقها
صراعا بين ما تراه من قدرات زوجها ، وبين القيم المثاليات التي يتمسك بها ، وترى أنها تحول بينه وبين ما تطمح إليه من أهداف . رغم أنها تعلم أنه لا يقبل المناقشة في هذا
الموضوع ، ويعده مسألة مفروغ منها ، إلا أنها لا تفتأ تلمح له ، من خلال ضرب الأمثال ، أن موافقة ضرب من المستحيل ، كأن تقول : (من لا يحني رأسه تقتلعه العاصفة) ، أو (اليد التي لا تقدر على كسرها قبلها) ، وغيرها من ذلك الرصيد الضخم من الأمثال الشعبية ، مثل (الموت مع الجماعة رحمة) . هي تعلم أن كل هذه القصص والأمثال لا تؤثر فيه ، بقدر ما تزعجه ، وأحيانا تثيره ، عندما تذكر له بعض أصحابه القريبين ، الذين شاركوه في يوم من الأيام مبادؤه ، أو ما تسميه هي مثالياته وأحلامه ، ثم تنازلوا عنها ، أو عن بضعها ، وبقى هو لم يتغير ، حتى أطلق عليه أحد أقاربه تندرا : (الحرس القديم) . حدثها مرة ، فقال : هل تعلمين كم من البطون الجائعة ، والاجساد العارية ، سوف يسد رمقها ، ويكسى عريها لو أستؤصل الفساد ، ووضعت الأموال في مكانها الصحيح ؟ . صاحبي ، صاحب المبادئ ، أو الذي كنت أظنه صاحب مبدأ ، يقول : أنت لا تستطيع أن تواجه التيار وحدك .. لا تركب رأسك .. لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ... إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . فجأة يا زهراء ، تحول صاحبي ، ذلك (الأصولي الشرس) ، الذي يشن في

جلساتنا الخاصة ، الحملات الشعواء على الفساد والمحسوبية ، وصروح الربا ، والإعلام الفاسد ، والفضائيات الداعرة ، إلى حكيم .. إلى حمامة وديعة . يقول : علينا أن نتدرج
في الخطاب ، حتى نصل إلى موقع القرار ، الذي نستطيع من خلالــه أن نمنــع ( 2 ) الفساد .. إن الحكمة تتطلب ذلك .
الحكمة يا فضيلة (الشيخ) ... الحكمة أيها (الداعية)
الكبير .. أم المنصب الذي (يسيل لعابك) ، من أجله .. (...) ؟ لا .. لا .. هذا غير صحيح .. سأصعد الأمر ، وليكن ما يكون .
ردت عليه محتجـة : لمـاذا تركب رأسك ، لماذا أنت عنيد .. هل أنت وكيل آدم على ذريته . هل تريد أن تدمر نفسك ، وتدمرنا معك ، مثلما حرمت نفسك من الفرص الجيدة والترقيات . - هل تقبلين بالفساد ، وأكل الأموال بالباطل ..؟ - ما شأننا نحن .؟ ألست تقول إن فلان وفلان من أكثر من عرفت نزاهة وإخلاصا ..؟ لماذا لا نسمع لهم صوتا ..؟ وأنظر فلان وعلان ، الذين طالما تطعمت بالحديث عن التزامهم وتضحياتهم ، وأقحمت ذكرهم في أمسياتنا .
أين صـاروا ... وأين أصبحـت أنت ..؟ وجاهة .. وأموال ، أو (بزنس وبرستيج) ، على حد تعبيرك .
- هذا عرض قريب ، وسفر قاصد يا زهراء ..، وما عند الله خير وأبقى .. - يا أبا يمامه لم يصل الأمر بعد إلى هذا الحد .. وأصدقك القول أنني منذ تلك الليلة الهادئة المقمرة ، قبل عدة سنوات ، حينما حدثتني ، ونحن في الطريق إلى مكة ، عن أبى ذر الغفاري رضي الله عنه ، بذلك الشغف الممزوج بالشجن ، وأنا أحس أنك تحلق في سماء لا أرض تحتها .. لكني لم أجرو على مناقشتك ، وتركتك في أحلامك الوردية . وأصدقك القول كذلك ، أنني أحيانــا أشـك بأنك واقعي . لماذا يا أبا يمامه تريد أن تكون رأسا تناطح ..؟

لماذا .. لا .. في هذا اللحظة دخل بشير ، يترنم بكلام ويتضاحك ، فقطع كلامها . قال بشير ، وهو الإبن الذي يدرس في الصف الثالث ابتدائي : - اليوم يا أبي قص المدرس علينا قصة جميلة جدا . - ما هي القصة يا بشير .؟ سأله باهتمام . - قصة الفلاح وإبنه يا أبى ، ألا تعرفها ..؟ ثم أخذ يترنم : (لا تكن رأسا .. لا تكن رأسا دن .. دن ..) . ( 3 ) سكت ولم يجبه . لكن بشير واصل حديثه : - قال الفلاح يا أبى لإبنه : (يابني لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الآفات) . ومضى يروى ما سمعه من أستاذه بسرد طفولي عذب .

زهراء شعرت بإرتياح ، أن جاءت حكاية الأستاذ متوافقة في جانب منها مع ما كانت تناقش زوجها فيه ، لكنها لم تشأ أن تصرح له بذلك ، أو أن تقول : أرأيت ، او أنظر .. الناس كلهم رأيهم هكذا . كان بشير يتحدث ، وتند منه بين حين وآخر ضحكة إعجاب بالقصة . غمغم وقال بصوت لا يكاد يسمع : -

(بئسما علمك استاذك .. لا تكن رأسا .. ماذا تكون إذن .. ذنبا ..؟) . بشير ، قال يخاطبه : - يقول المدرس لا تكن رأسا ، ألم يعلمكم ماذا تكونون ..؟
فوجئ الطفل بالسؤال فتوقف عن الكلام . وصار ينقل نظراته بين أبيه وأمه ، التي هي كذلك لم تتوقع سؤالا كهذا . فأغتنم فرصة حيرة الطفل ، وإرتباك أمه ، ليلقي سؤاله المقصود : - هل يعني أن تكون ذنبا ..؟ شعر الطفل بالخجل ، وأحس أن العبارة جارحة نوعا ما ، وفيها خروج عن اللياقة التي رباهم عليها ، وإن كانت لا تخلو من السخرية

المضحكة . أدركت أمه ما يدور في ذهنه فأرادات أن تنقذ الموقف ، فقالت : - أبوك يعني أن الذنب ، أي الذيل لا قيمة له . نظر إلى وجه أبيه مستفهما ، فرد عليه بابتسامة ، فانطلقت منه ضحكة مدوية ، كأنما أعجبه الاستنتاج الذي توصل إليه أبوه ، وتطوعت أمه بتوضيحه . توقف عن الضحك وقال مجيبا على سؤال أبيه : - أكيد لا .. ولم أفكر ، ولا أحد من الطلاب بهذا السؤال . المدرس تحدث فقط عن مشاكل الرأس ، كما حكى ذلك الفلاح لإبنه . - إذن هو لم يتحدث عن معنى أن يكون الإنسان ذنبا ، بدل أن يكون رأسا ..

أقصد ، أنه لم يذكر أن الفلاح قال لابنه شيئا حول ذلك ..؟ سأله . قال بشير : - لا . - وأنت يا بشير إذا كان الرأس كثير الآفات ، هل تحب أن تكون ذنبا ..؟ ( 4 ) - لا .. طبعا .. - ولا ذنب حصان يا عزيزي ..؟ قاطعته زوجته منزعجة : أبو يمامه .. ما هذا النقاش ..؟ الطفل لا يعي ما تقول .. والموضوع كله لا يعدو قصة قصها المعلم من باب الفكاهة لا

غير ؟ - هل تعتقدين ذلك ..؟ ما رأيك يا بشير .. هل تريد أن تكون ذنب حصان ..؟ لم يجب ، وإنما ظل ينظر إلى أبيه تارة والى أمه تارة أخرى . - الحصان جميل أليس كذلك يا بشير ؟ هز رأسه بالإيجاب . أنت رأيته ..؟ قـال الطفل نعم . رأسه وذنبه .. كلاهما جميل .. أليس كذلك ؟ نعم . قال : أسألك .. وقل لي بصراحة .. أيهما تحب أكثر ..؟ أجاب بشير بلا تردد : الرأس . سحب رأسه إليه ، وأخذ يداعبه بمرح ، ويقول : - ممتاز يا بشير .. ما رأيك لو نأخذ الليلة درسا عن الرأس والذنب . ضحك بشير .. وأعلن موافقته . الدرس

للجميع .. لي ولأمك ولك ولإخوانك .. جيد ..؟ هز رأسه . - بعد المغرب إن شاء الله ، سنذهب جميعا إلى المكتبة ، لنشترى المواد الضرورية للدرس ونعود إلى البيت ونجهزها ، ثم نأخذ درسنا بعد الرجوع من صلاة العشاء . عادوا من المكتبة ، بعد أن اشتروا صورا لاصقة ، لحيوانات مختلفة وبحجم واحد ، وأشتروا معها كذلك ، لوحا أبيضا . بعد صلاة

العشاء اجتمع بشير وأمه وإخوته . قال والده : - قبل أن نبدأ الدرس ، سنقوم بقص كل صورة إلى ثلاثة أجزاء . الجزء الأول يشمل رأس الحيوان فقط ، والجزء الثاني الذنب فقط ، أما الجزء الثالث فهو بقية جسم الحيوان . تذكروا نريد الرأس لوحده ، والذنب لوحده من كل صورة .. الدقة مطلوبة . أنهمك الجميع بعملية القص ، أما هو وزهراء ، فقد

تولوا تعليق اللوح على الجدار . كانت تقول له : - ماذا تريد أن تصنع ..؟ - يرد بشئ من الدعابة : سأشرح فلسفتي الكبرى : (الرأس والذنب .. إشكالية المكان : قراءة في التابع والمتبوع) . لم تعجبها دعابته الثقيلة ، فقالت بضجر : - ليتك أشغلت وقت هؤلاء الأطفال بشئ يفيدهم . ( 5 ) إستمر في مزاحه قائلا : - شئ يفيدهم ...؟ ستعرفين أهمية ما أفعل الآن ، حينما أخرج

... يتبع

ربانة
28-04-2007, 23:14
هذه (الفلسفة) في كتاب خطير يحمل نفس العنوان ، بالإضافة إلى عنـوان فرعي هو : (ما بعد البنيويـة والتقويضية .. إحتضار الرأس وسمو الذنب) . - ألا تكف عن هذا المزاح الثقيل ..؟ - لا يا زهراء .. تخيلي إحتفاء المنتديات العلمية ، والصفحات الثقافية بي وبكتابي .. سأكون مشهورا كما تحبين .. صورتي ستظهر بشكل يومي في الصحف ، إلى جانب صور جاك دريدا ، ورولان بارت ، وميشيل فوكو .. وسأدعى لحضور مؤتمرات في الخارج .. طبعا سأخذك معي . - قاطعته : أقول .. (عفوا يا عزيزي .. دلة القهوة على النار .. وأخشى أن تفوح .. بعد إذنك) . - جاهزون ..؟ سألهم . - ردوا بصوت واحد : جاهزون . ضم أجزاء الصور إليه وخلطها ، ثم قال : سأثبت جسم الحيوان على اللوح ، ثم أختار من الأجزاء الأخرى رأسا وذنبا ، ثم نرى ما الذي يحدث . وقع الاختيار على جسم زرافة ، وأختار رأس بعير وذنبه فألصقهما على الصورة ، مكان رأس الزرافة وذنبها .. وهنا صاح الأطفال : - .. لا .. لا .. هذا رأس بعير .. - والذنب ..؟ سألهم . فترددوا ، ولم يجزموا بشئ . رفع رأس البعير ، ووضع رأس الزرافة مكانه .. فصاحوا تأييدا للوضع الصحيح . رفع رأس الزرافة مرة أخـرى ووضـع مكانه رأس حمار ، ثم كلب .. وحيوانات أخرى عدة مرات ، وكانوا يصيحون في كل مرة ، أن الوضع غير طبيعي . أعاد راس الزرافة ، ورفع ذنب البعير ، ووضع ذنب الزرافة مكانه . فقال بشير ، وإخوانه بتعجب : - أوووه ... لم يتغير شيئا كثيرا ، وأضافت أروى : أعتقد أن الزرافة يمكن أن تعيش بذنب البعير ، ولن يلاحظ أحد ذلك . - قال والدها : هل توافقون على ما تقوله أروى ..؟ فصاحوا جميعهم تأييدا لقولها .

( 6 ) - قال : ما رأيكم لو نجرب غير ذنب البعير مع الزرافة ...؟ وضع أذناب عدة حيوانات مكان ذنب الزرافة ، وفي كل مرة يسألهم كان جوابهم واحد : - لا توجد مشكلة . استمر يغير رؤوس الحيوانات وأذنابها ، وفي كل مرة يضع رأسا بدل الرأس الحقيقي ، كان يسمع صيحات الاحتجاج وأصوات الاستهجان : أووه .. لا .. لا ... ما يصلح ، أما

حينما يغير في الأذناب ، فإنه يسمع الضحكات وأصوات الدعابة والسخرية .. مثل : (الذنب ما عنده مشكلة في أي مكان يكون) ، أو (الذنب أحلى له يكون مع الحمار) ، وهكذا .. بعد أن أنهى إستعراض جميع الصور التي معه ، قال : - والآن انتهى الجزء الأول من الدرس ، وبقى الجزء الثاني والأخير . الجزء الثاني عبارة عن السؤال التالي : - ما هي النتيجة التي خرجنا بها من قيامنا بخلط أجزاء الحيوانات ؟ - قالت أروى : أنا فهمت أن الرأس لابد أن يكون رأسا .. أعنى من الصعب أن نلعب بالرأس ونضعه في مكان غير مكانه . - ممتاز يأ أروى .. ممتاز .

- أنا فهمت أن الذنب يمكن أن يكون في أي مكان يوضع فيه ، ولا يواجه أي مشكلة - ممتاز .. رائع يا بشير .. رائع . كانت البنت الكبرى يمامه مستغرقة في ضحك ذي مغزى ، أما زوجته فقد ارتسمت إبتسامة عريضة على شفتيها . رفع بصره إليهما فقال ، وكأنه يؤكد إنتصاره ، وهو يجمع قصاصات الصور : - يا ويلك يا جاك دريدا ، جئتك بما وراء التقويضيه .. بإشكالية الرأس والذنب . ثم أنفجر ضاحكا ، ولا شعوريا بدأ يدندن : - (لا تكن رأسا .. لا تكن رأسا) ، ولم يتوقف إلا حينما دوت في أذنه صرخة بشير : - بابا .. ما هذا ..؟ - همس في سره : الحمد لله .. الدرس أثمر ....


انتهى

عادل الثبيتي
29-04-2007, 00:38
يعطيك العافيه وبارك الله فيك وجزاك الله خيـــــــــراً ،،،

العين السحرية
29-04-2007, 08:33
رائع جددددا
مشكوووووووووووور

kingstars18
29-04-2007, 12:32
شكرا لك وبارك الله فيك،،

ربانة
13-08-2008, 23:11
شكرا جزيلا لكل من مر من هنا وبورك فيكم