المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاعتراف الأخير


no1
24-10-2005, 20:58
الاعتراف الأخير
قصة البرنامج النووي العراقي يرويها المسؤولان عن انشائه وتطويره
فصول منتقاة من كتاب سينشره مركز دراسات الوحدة العربية في اواخر الشهر الجاري



جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي
سرنا حثيثاً في تطوير الورشة الميكانيكية في موقع التويثة ثم أنشأنا ورشة كبيرة متكاملة ومتطورة في موقع الزعفرانية وعلى بعد خمسة كيلومترات جنوب موقع التويثة أسميناها معمل الربيع. ومع بداية المراحل الأولى من تنفيذ البرنامج إرتأى نائب رئيس اللجنة أن نستند إلى إمكانات منشآت المؤسسة العامة للصناعات الفنية لتنفيذ التصنيع الميكانيكي للقطع الكبيرة وحجته في ذلك أن هذه المنشآت ذات إمكانيات كبيرة ولها مجالات واسعة في استيراد مكائن جديدة ومتخصصة دون جلب انتباه أي راصد لمشتريات العراق على عكس الطاقة الذرية التي إن حاولت شراء مكائن متخصصة ستجلب انتباه الشركات المجهزة وقد تجتهد الأجهزة المخابراتية المعادية في التحقق عن سبب استيراد هذه المكائن وبالتالي تتعرف على برنامجنا النووي الوطني وهذا ما يجب أن نجتنبه. ففاتح رئيس الجمهورية بالأمر فصدرت أوامره إلى المؤسسة العامة للصناعات الفنية بتنفيذ جميع متطلبات الطاقة الذرية في مجال التصنيع الميكانيكي وتطوير ورش منشآت المؤسسة لتفي بهذه الالتزامات كلما تطلب الأمر ذلك. ومع تطور العمل بالبرنامج وتعدد مشاريعه وازدياد عدد منتسبيه كان لابدّ من تطوير حسين كامل. العمل التنظيمي والإداري فوضعنا تصورات عدة لأسلوب إعادة التنظيم وعقدنا ندوة موسعة لقياديي البرنامج في منتجع الحبانية حيث سافرنا إلى هناك مع عوائلنا وناقشنا الموضوع وتوصلنا إلى إعادة هيكلة الدائرة بما يمكننا تسميته الآن،:

هيكلية البرنامج لعام 1987

اقتصر التنظيم الجديد على التشكيلات التالية: - إدارة البرنامج وتضم رئيس الدائرة والمستشار (مؤلفي هذا الكتاب) والسكرتارية. - المجموعة الأولى والتي عرفت لاحقاً بالمختصر (G1) وتضم جميع أنشطة التخصيب على وفق تكنولوجيا التنافذ الغازي. - المجموعة الثانية (G2) وتضم جميع أنشطة التخصيب على وفق تكنولوجيا الفصل الكهرومغناطيسي. - المجموعة الثالثة (G3) وتضم جميع الأنشطة الساندة (تخطيط ومتابعة، المشتريات الخارجية، الإدارة، التصميم الميكانيكي والإلكتروني، التصنيع الميكانيكي، التصنيع الإلكتروني). وفي بدايات عام 1988 صدر قرار بإلغاء لجنة الطاقة الذرية وإعادة تنظيم برامج الطاقة الذرية العراقية ضمن ما عرف باسم منظمة الطاقة الذرية وتم تعيين همام رئيساً لها وجعفر نائباً للرئيس وانتهى بذلك إرتباط اللجنة بنائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت ابراهيم الدوري وغَدَا ارتباط المنظمة بالسكرتير الشخصي لرئيس الجمهورية، كما كانت تسير الأمور من قبل. لم يكن لتغيير التسمية هذه وقع يذكر على سير أمور البرنامج الوطني النووي ولم يكن أكثر من ترقية لهمام وجعفر إلى مستوى وزير ووكيل وزارة، لكن سرعان ما بدأت الأمور تتغير بعدئذ بتأثير من حسين كامل حسن المجيد الذي بدأ نجمه بالصعود السريع منذ اقترانه بابنة الرئيس العراقي رغد صدام حسين عام 1983. وبعد ذلك سيطرته على تنظيم الأمن الخاص (المعني بحماية الرئيس العراقي وتنظيم تحركاته) مع الإشراف على الحرس الجمهوري (الذي تطور ليصبح قوة ضاربة توازي الجيش العراقي لا بل تتفوق عليه بالرعاية والامتيازات والصلاحيات) ثم استولى حسين كامل على جميع فعاليات التصنيع العسكري بما في ذلك تصنيع الأسلحة الكيميائية والبيولوجية (أسلحة الدمار الشامل) وعلى برنامج تطوير الصواريخ لا سيما زيادة مدى فعالية صواريخ سكود من خلال زيادة قدرة النقل على حساب تقليل كتلة شحنة التفجير ولم يبقَ سوى البرنامج النووي ليشبع طموح هذا الشاب الممتلئ حيوية ونشاطاً والرجل الثاني في السلطة بعد صدام حسين والإبن المدلل له.
نعمان الفرصة: الذهبية وتمثال الذهب
جاءت الفرصة الذهبية لحسين كامل ليثب على البرنامج النووي عندما قرر رئيس منظمة الطاقة الذرية العراقية في مطلع 1987 مع توليه ذلك المنصب أنه آن الأوان للبدء ببرنامج تطوير صنع السلاح النووي لا سيما بعد اقتناعه بأن برنامج تخصيب اليورانيوم اقترب من النجاح فأخذ يفكر بِما سيفعله حين نكون قد أنتجنا كمية من اليورانيوم عالي التخصيب. هل نخزنه ونتباهى بقدرتنا على إنتاجه؟ أم نستغله؟ وفضل استغلاله باتجاه السلاح النووي وهو المبتغى وأيقن أن الحصول عليه سيرفع من مكانته أمام الرئيس العراقي وسيضعه موضع بطل وطني لا سيما أنه كان شاهداً للقاء جمعه وجعفر مع صدام حسين في حين قال صدام لجعفر "لو أنتجت القنبلة النووية سأصنع لك تمثالاً شخصياً من ذهب". فبدأ همام يلح على جعفر أن يبدأ برنامج البحث والتطوير لأنشطة صنع سلاح نووي غير أن جعفر أخبره بأن نشاطاً كبيراً كهذا سيؤخر بالضرورة تقدم العمل في برنامج التخصيب في هذا الوقت الحرج الذي يتطلب الانتقال به من طور التجريب إلى طور الإنتاج.. والانتقال بالغ الحساسية ويحتاج إلى حشد الطاقات العلمية والهندسية وطاقات التصميم والتصنيع وتحتاج أيضاً إلى طاقة إدارة علمية متفرغة لهذا النشاط فتقدم جعفر بمشورته إلى همام واقترح عليه أن يكلف أحد منتسبي مركز البحوث النووية ليقدم له دراسة أولية حول متطلبات برنامج التسلح النووي كما اقترح عليه أن يجري ذلك النشاط في موقع بعيد عن موقع التويثة بحيث يكون محصناً أمنياً وبعيداً عن أنظار الفضوليين والأعداء. فتحدث همام معنا في الموضوع وأخبرناه بقرب انشغالنا في الإشراف على المراحل النهائية من نصب وتشغيل معدات مشروعي موقع الجزيرة قرب الموصل وأولهما مشروع إنتاج مسحوق ثنائي أوكسيد اليورانيوم ذي النقاوة النووية بدءاً بمادة كعكة اليورانيوم غير النقية المنتجة ضمن مجمع القائم للأسمدة الفوسفاتية وثاني المشروعين هو إنتاج رباعي كلوريد اليورانيوم ذي النقاوة العالية لاستخدامه كمادة تغذية في فاصلات التخصيب وفق تكنولوجيا الفصل الكهرومغناطيسي. واقترحنا على همام أن يؤجِّل البدء ببرنامج التسلح لحين اكتمال مشروع نصب الفاصلات الإنتاجية ولحين الحصول على كمية محسوسة من اليورانيوم عالي التخصيب. يبدو أن مقترحينا لم يروقا لهمام التوّاق أبداً للبدء بنشاط التسلح النووي فبعث بمذكرة إلى صدام حسين تتضمن مقترحاً بالبدء ببرنامج التسلح النووي في موقع جديد غير موقع التويثة يكون محصناً أمنياً وخاضعاً للتكتم الشديد وأن تنفذه مجموعة غير مجموعة برنامج التخصيب التي يقودها جعفر واقترح أن يسمى البرنامج الجديد باسم (برنامج الحسين) ولم نعرف إن كانت التسمية تيمناً بالإمام الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب عليه سلام الله.
حسين كامل وضربة الحظ
وصَلَت المذكرة إلى صدام وأحالها إلى النجم الصاعد والصهر المدلل حسين كامل لإبداء الرأي والمشورة فجاءت إليه كهبة من السماء ورأى في المقترح فرصته الذهبية لركوب قطار البرنامج النووي في أفضل عرباته فاقترح على (عمه) صدام أن تنتقل مجموعة همام المتخصصة ببرنامج الحسين هذا لتعمل بإشرافه المباشر وتحت مظلة جهاز الأمن الخاص الذي يشرف عليه أيضاً وأنه بذلك سيوفر للبرنامج السرية العالية والتحصين الكبير الذي اقترحه همام. وجد صدام رأي نجمه الجديد صائباً فأصدر الأمر بالعمل وفق مقترح حسين كامل الذي لم ينتظر كي يجف حبر الأمر الرئاسي فأبلغ همام هاتفياً وبلهجة الطفل المبتهج أن يرسل إليه مجموعة مشروع الحسين المقترحة في مذكرة همام لتعمل بأمرته. فوقع هذا التبليغ على همام وقع الصاعقة في غير ما كان يأمله وهو المباشرة بهذا البرنامج ضمن أنشطة منظمته (منظمة الطاقة الذرية) وتوجَّس خيفةً مما قد يخبئ له القدر من هذا الإجراء وجاءه أمر صدام مدوناً بعد ساعات قلائل من مكالمة حسين كامل الهاتفية وأصبح واجب التنفيذ فأوامر صدام يجب تنفيذها خلال 24 ساعة وإلاّ فالويل كل الويل لمن يتلكأ لساعة واحدة. وكان همام، حين بدأ يفكر بالبرنامج، قد كلف الدكتور خضر عبد العباس، وهو فيزيائي نظري مغمور قليل النشاط العلمي ومن منتسبي مركز البحوث النووية، أن يُعدَّ له دراسة أولية عن برنامج التسلح النووي فاعتكف خضر في مكتبة التويثة أياماً قلائل وقرأ عدداً من المقالات السطحية حول تصميم السلاح النووي فنقلها نقلاً آلياً ووضعها ضمن دراسة مقتضبة شارحاً لهمام تصميم السلاح النووي الذي لا يزيد عن ما يعلمه القارئ العادي أو ما يكتب في الكتب المنهجية للتدريس الجامعي الأولي في علوم الفيزياء النووية. استدعى همام خضر حمزة إلى مكتبه وطلب منه أن يسمي بعض المنتسبين ممن يستطيعون تقديم العون له لتنفيذ ما ورد في دراسته الأولية فاقترح عليه إسمي الدكتور غازي الشاهري وصالح الخفاجي وعدة أشخاص من الفيزيائيين والمهندسين الشباب. بادر همام حالاً بإرسال كتاب رسمي إلى حامد يوسف حمادي السكرتير الشخصي لصدام بشأن إلحاق مجموعة (مشروع الحسين) بجهاز الأمن الخاص وأرسل نسخة من كتابه إلى حسين كامل الذي طلب منه هاتفياً أن يبعث بهذه المجموعة إليه فوراً وعند التحاق هذه المجموعة بحسين كامل قال حسين لخضر حمزة: من اليوم فصاعداً سيكون اسمك السري محمد حازم ووفر له موقعاً في بناية نقابات العمال التي كان قد استولى عليها وضمها إلى مملكته الجديدة "هيئة التصنيع العسكري" وأخذ يغدق على خضر حمزة أو محمد حازم الهبات وأولها بوضع سيارة وسائق تحت تصرفه فانتشى هذا العالم المغمور زهواً مثل ديك رومي ووجد بوناً شاسعاً بين غرفته المتواضعة في مركز البحوث النووية ومكتبه الجديد الواسع ذي الأثاث الفاخر وعدد من الهواتف مع تخصيص خادم له وسائق يخدم عائلته إضافة لسائقه الشخصي فبدأ يتخيل أنه سيكون حقاً صانع القنبلة النووية لصدام حسين وأنه سيحظى بجوائز التكريم مؤملاً أن جميع أعمال مجموعة جعفر ليست أكثر من تقديم المادة الأولية (اليورانيوم عالي التخصيب) لقنبلته.

no1
24-10-2005, 20:59
الاجتماع الحاسم والمفاجأة الهزيلة
في صباح يومٍ ممطر من أيام أيلول (سبتمبر) 1987 إتصل حامد يوسف حمادي السكرتير الشخصي لصدام بهمام (رئيس المنظمة) طالباً منه الإعداد لاجتماع عاجل في موقع التويثة برئاسته وحضور المعنيين بشؤون التسلح النووي. فكان له ما أمر، وعقد الاجتماع في قاعة في الطابق العلوي من مكتبة التويثة وترأس الاجتماع حامد وحضرهُ الفريق عامر السعدي ممثلاً شخصياً لحسين كامل وحضر الاجتماع من المنظمة همام وجعفر ونعمان وخالد ابراهيم سعيد (الذي كان يشغل منصب مدير مركز البحوث النووية آنذاك) كما حضر الاجتماع خضر حمزة. طلب حامد حمادي من عامر السعدي أن يعرض على المجتمعين خلاصة لتقرير مجموعة مشروع الحسين (مجموعة خضر حمزة) عن متطلبات برنامج التسلح النووي. فقرأ عامر السعدي بنبرة السخرية أن البرنامج يحتاج إلى تخصيص بليون دولار وإلى تعيين ثلاثمئة عالم من حملة الدكتوراه بتخصصات نادرة للعمل ضمن البرنامج الذي سيستغرق عشر سنوات بعد تأمين هذه المتطلبات لإنجاز البرنامج وتجهيز القنبلة النووية (قنبلة خضر حمزة/ محمد حازم صانع قنبلة صدام!). كان خالد ابراهيم سعيد يجلس قبالة عامر السعدي فتبسم ضاحكاً وقال بنبرة التحدي أنا أستطيع أن أنفذ البرنامج بأقل من نصف المدة هذه وبإمكانات مركز البحوث النووية الذاتية ومن دون أي تخصيص إضافي. عندها نظر جعفر إلى همام ونعمان متعجباً بينما ابتسم عامر السعدي بابتسامته المعروف بها وحوّل وجهه نحو حامد يوسف حمادي وقال: "المسألة انتهت... البرنامج عاد إلى المنظمة وننتظر التنفيذ من قبلكم وبما اقترحه خالد ابراهيم سعيد" وانفض الاجتماع المصيري بهذه العجالة بينما كنا معتادين حين مناقشة موضوع بسيط كتصاميم بناية لمشاريع الهندسة الكيميائية كان النقاش يبدأ بعد صلاة المغرب ولا ينتهي إلاّ عند أذان الفجر.
صدام مستقبلاً جعفر جعفر.
استدعى حسين كامل خضر حمزة وأمره أن يغادر فوراً ليلتحق بوظيفته السابقة هو وجماعته في منظمة الطاقة الذرية. فغادر مهرولاً ونسي أن يصطحب معه أوراقه الشخصية ومن بينها نسخة من تقريرٍ كان قد أعده لحسين كامل صبّ فيه جام حقده وغضبه على قياديي المنظمة بدءاً بهمام رئيس المنظمة وانتهاء بظافر سلبي مدير عام إدارة مجموعة البرنامج الوطني النووي (أي مجموعة جعفر) متهماً إياهم باحتكار الامتيازات وتجاهلهم باقي منتسبي المنظمة من أمثاله، علماً أن همام أمر موظفاً إدارياً بعد يومين أو ثلاثة للذهاب إلى مقر نقابات العمال وجلب ما تركته مجموعة خضر حمزة هناك حين غادرت مهرولة إلى موقع التويثة تحت مطرقة حسين كامل. فوقعت نسخة تقرير حمزة إلى حسين كامل بيد رئيس المنظمة واطلع وآخرون على ما تحتويه من تشنيع وافتراءات.
جعفر: انتقال المجموعة الأولى إلى خارج المنظمة
لم ننتظر طويلاً لنواجه إجراءات حسين كامل المباغتة إلينا فبعد أيام قلائل أصدر صدام أمراً بنقل المجموعة الأولى (G1) بكامل منتسبيها ومشاريعها ومعداتها من المنظمة إلى جهاز الأمن الخاص وبارتباط مباشر بحسين كامل.. غضب رئيس المنظمة همام من هذا التصرف التكتيكي الذي يتناقض مع استراتيجية المنظمة في أسلوب تنفيذ البرنامج النووي الوطني، غير أنني لم أُظهِر أي رد فعل، وعندما أظهر لي نعمان عدم ارتياحه من هذا القرار وتوقعه وصول قرارات أخرى على شاكلة هذا قلت له "نحن نعمل لإنجاح البرنامج ولا يهمنا الارتباط الإداري الذي يقرر لنا، وعلينا التركيز على الجوانب العلمية والفنية والمضي قدماً بمشاريعنا". لم يكن نعمان معتاداً على هدوء أعصاب مثلي ولكنه أيقن أن ليس بمقدور أحد أن يعترض على قرارات صدام فهو الآمر الناهي ومن لا يروق له ذلك فليشرب ما شاء من البحر.
جعفر: تأسيس البتروكيمياويات 3
لم يتوقف طموح حسين كامل في السيطرة على البرنامج النووي الوطني عند عتبة استيلائه على إحدى تكنولوجيات ذلك البرنامج بل أخذ يتحين الفرص للاستيلاء على البرنامج بأكمله. وجاءته الفرصة الذهبية مرة أخرى في النصف الثاني من عام 1988 عندما عرض رئيس المنظمة همام عبدالخالق على صدام تقدم العمل في البرنامج النووي الوطني فذكر أن ثمة تأخراً في خطة تجهيز ثلاث ورش تابعة لمنشأة عقبة بن نافع بالمكائن المتخصصة، وأشار في مذكرته إلى وجود عثرات ضمن خطة تنفيذ أبنية ومرافق موقع الطارمية المخصص للمرحلة الإنتاجية من برنامج التخصيب بطريقة الفصل الكهرومغناطيسي علماً أن هذا الموقع تنفذه الشركة الفدرالية للمشاريع المتخصصة (شركة حكومية يوغسلافية) بعقد مع منشأة عقبة بن نافع التابعة لوزارة الصناعة والتصنيع العسكري نيابة عن منظمة الطاقة الذرية. كان طبيعياً أن يحيل صدام حسين هذه المذكرة إلى حسين كامل بصفته وزير الصناعة والتصنيع العسكري وهي الوزارة التي اتهمها رئيس المنظمة بالتقصير. طار صواب حسين كامل حين قرأ المذكرة فهو يعتقد أن وزارته لا تخطئ ولا تتوانى في تنفيذ خططها، فأعاد المذكرة إلى الرئيس العراقي معلقاً: "إذا كانت معظم الفعاليات التصنيعية والإنشائية للمنظمة تتم في وزارتنا وإن كنا نحن سبّبنا التأخير فلماذا لا ينتقل البرنامج النووي الوطني بالكامل إلى وزارتنا كي نحكم سيطرتنا على حُسن تنفيذ فعالياته كلها ولا نكون الجهة الملامة في التأخير والتقصير". اقتنع الرئيس بمنطق حسين وأمر رئيس ديوان الرئاسة أحمد حسين خضير أن يترأس اجتماعاً للطرفين ويتوصل معهم إلى توصية تعرض عليه. وتم عقد هذا الاجتماع في تشرين الأول (اكتوبر) من عام 1988 وحضره من وزارة الصناعة والتصنيع العسكري الوزير نفسه ووكيل الوزارة الأقدم لشؤون التصنيع العسكري عامر السعدي والمدير العام للدائرة الفنية في التصنيع العسكري نزار جمعة قصير العاني والمدير العام لمنشأة عقبة بن نافع أحمد مرتضى أحمد والمدير العام لمنشأة الفاو عبد الفتاح بينما حضره من جانب المنظمة رئيسها همام عبدالخالق وكذلك المدير العام للمجموعة الثالثة المهندس ظافر رشيد سلبي (اضافة لحضوري شخصياً). وبعد أن افتتح الجلسة أحمد حسين خضير بدأ حسين كامل الحديث بانفعال وصوت عال صاباً جام غضبه على رئيس المنظمة همام عبدالخالق متهماً إياه بتعليق إخفاقات برنامجه على شماعة منشآت التصنيع العسكري فغدا الوضع متشنجاً وبدا واضحاً للجميع أن المنظمة قد خسرت في الجولة الأولى ولا تستطيع الصمود أمام حجج حسين كامل ومقترحه الذي بدا منطقياً في معطيات الحدث، وكان رد همام متشنجاً وضعيفاً وهكذا انتهى الاجتماع.
قرارات ومراسيم
في صباح اليوم التالي اتصل بي حسين كامل هاتفياً وأخبرني بصدور قرار صدام حسين بنقل البرنامج النووي الوطني بجميع مشاريعه ومنتسبيه ومعداته إلى وزارة الصناعة والتصنيع العسكري. وطلب مني بأن يستمر العمل كما هو عليه وأن يكون الارتباط في كل الأمور به شخصياً. وفي مطلع عام 1989 صدر مرسوم جمهوري بتأسيس كيان اسمه مشروع البتروكيماويات 3 وهو اسم وهمي برئاستي وفي الوقت نفسه تم تعييني في منصب وكيل وزارة الصناعة والتصنيع العسكري وأن يرتبط هذا الكيان بالوزير حسين كامل. وقبل أن ننتقل إلى قصة تقدم العمل في البرنامج ليصل إلى ما وصل إليه وما اكتنفه من مصاعب علمية وهندسية وتصنيعية كبيرة تم التغلب عليها واحدة إثر الأخرى بالجهد الخلاق والعمل الجماعي المنظم وبنكران الذات، نجد من الأهمية بمكان أن ندون هنا الجهد الخلاق الذي بذل لتأمين الحصول على التجهيزات اللازمة والحساسة من الأسواق العالمية المتاحة للجميع وما رافق ذلك من عراقيل وإجراءات للتغلب على المحددات الدولية والمراقبة المخابراتية العالمية المشدّدة وكيف تمكنّا من تجاوز هذه المحددات ببراعة لا تقل عن براعة البحث والتطوير والاختراع الذي أنجزناه خلال المسيرة الخلاّقة في تنفيذ البرنامج. لقد تم الحصول على المعدات والمكائن والتجهيزات من الأسواق العالمية بأسلوب التخفي والتمويه ومن خلال أغطية تكنولوجية مموهة وعبر قنوات تجهيز ثلاث هي: - قناة التجهيز من خلال دوائر وأقسام المشتريات في وزارات ودوائر الدولة، مثل الشركة العامة للمشاريع النفطية (سكوب) والمنشأة العامة للصناعات الكهربائية والمنشأة العامة للصناعات الهندسية الثقيلة. - تأسيس أقسام مشتريات وهمية في وزارات معينة تعمل خصيصاً لتجهيزات البرنامج النووي الوطني، لا سيما التجهيزات بالغة الحساسية وشملت هذه الأقسام مديرية الأجهزة الفنية والمديرية العامة للتجهيزات الصناعية وقسم الخدمات الهندسية. - تأسيس شركات وهمية ضمن القطاع الخاص لتتولى تصريف مشتريات البرنامج مثل شركة أحمد رشيد أحمد ومشروع تطوير الوحدات الصناعية وكنا نستعرض حاجتنا للمشتريات الخارجية فإن وجدناها تجهيزات اعتيادية نستوردها عبر قناة مشتريات الطاقة الذرية أما عندما نجد أن جهازاً ما أو معدة محددة متخصصة وقد تجلب الانتباه وتحرك جرس مراقبة الشركات المجهزة أو الأجهزة المخابراتية الدولية المعنية بمراقبة مشتريات العراق كنا ندرس مواصفات المعدة ونجتهد لإيجاد استخدام صناعي غير الاستخدام الحقيقي ضمن برنامجنا وعندئذ نحدد قناة المشتريات التي تتولى استيرادها، وعلى سبيل المثال أردنا استيراد نحو 210 مضخات تفريغ عملاقة من النوع الانتشاري لاستخدامها في إحداث تفريغ وتأمين استقراره بحدود 10-7 ملي تور ضمن وعاء الفاصلة الكهرومغناطيسية الإنتاجية وهو وعاء بحجم (10)متر مكعب لموقع الطارمية ومثلها لاحقاً لموقع الشرقاط. (اجتهدنا بأننا سنستخدم هذه المضخات ضمن مشروع صناعي لفصل حامض الأولييك من الزيوت النباتية.. ولكي نظهر صحة هذا التمويه أعددنا التصميم الأساس والتفصيلي لمنظومة إنتاجية لهذا الحامض وأعددنا برنامجاً تدريبياً نظرياً للمهندسين حول أسلوب تنفيذها ونصبها وتشغيلها كل ذلك كي يكون نقاشهم مع الشركة المجهزة مقنعاً انطلاقاً من مبدأ (الاقتناع قبل الإقناع) وفاتحنا العديد من الشركات المصنعة في دول مختلفة لشراء هذا العدد الكبير من المعدات وسافر مهندسونا المدرَّبون لمفاوضة الشركات المجهزة ووجدوا هناك أن برنامج تدريبهم النظري أعطى ثماره حيث استطاعوا محاورة الشركات المجهزة حول شكوكهم بعدم حاجة المنظومة الإنتاجية (التمويهية) لمضخات بهذه المواصفات وتمكنا من استيراد العشرات من هذه المضخات قبل أن نجابه بحجز 27 مضخة في الولايات المتحدة الأمريكية ومنع الشركة المجهزة (CVC Products Inc.) من بيعها للعراق. وعندئذ حاولنا تصنيع مثل هذه المضخة بأسلوب الهندسة العكسية وتمكنا من تصنيع أنموذج تجريبي واحد. وحين أردنا استيراد زيت الفومبلين لاستخدامه في هذه المضخات وهو زيت يقاوم التعرض لغازات الهالوجينات مثل الكلور أو الفلور أو لمركباتهما وجد مهندسونا الموفدون لمفاوضة الشركات المجهزة صعوبة في إقناع المجهزين بضرورة استخدام هذا الزيت المتخصص جداً لمنظومة إنتاجية بسيطة مثل إنتاج حامض الأولييك فعلق مدير مبيعات إحدى الشركات المجهِّزة قائلاً: (إذا كانت لديكم مبالغ كثيرة لشراء زيت لا تحتاجونه لمنظومة صناعية بسيطة فهذا شأنكم ولابأس لنا من الاستفادة من فائض أموالكم) وعندها التزم مهندسونا الصمت لأن الغاية كانت شراء الزيت وبالكميات الكبيرة المطلوبة. وبأسلوب المشتريات هذا كنا نبذل جهداً ضائعاً كبيراً لجوانب خارج مسلكنا الأساس ولكنها كانت ضرورية ضمن مسلسل الغش والتمويه. غير أننا لم نكن موفقين في جميع مشترياتنا بهذه الطريقة فعندما أرادت المجموعة الرابعة المعنية ببرنامج التسلح النووي شراء أفران متخصصة لتستخدم في مصبوبات فلز اليورانيوم اتصلت عام 1989 بشركة كونسارك(Consarc Corporation New Jersey, USA) لشراء فرن من نوع شكل الجمجمة يعمل عند درجات حرارة عالية ولغيره من الأفران فكان المخطط المقرر أن تشترى من فرع الشركة في سكوتلاندا تحت غطاء تمويهي لاستخدامها في صب أطراف صناعية لمعوقي الحرب ولم نتمكن من الحصول عليها إذ تدخل البيت الأبيض الأمريكي ومنع عملية الشراء في حزيران من عام 1990. وحتى لو لم يحصل هذا المنع فلم يكن بمقدورنا تسلُّمها لأن إجراءات الحصار دخلت حيز التنفيذ بعد ذلك بشهرين إثر غزو صدام لدولة الكويت.

عازف الفيزياء
24-10-2005, 23:46
ألف شكر لك وعلى السرد القيم

no1
25-10-2005, 01:37
جعفر ضياء جعفر ونعمان النعيمي

طارق عزيز يقلد جعفر وساماً. نعمان: مفاجأة الارتجال والعجلة
بعد أسبوعين كاملين من غزو الكويت وتحديداً في 17 آب (أغسطس) 1990 وعندما كنتُ منشغلاً في مكتبي في موقع التويثة بمسألة علمية هامة في حوالى الساعة 13:30 من يوم قائظ رنّ جرس هاتفي وإذا بي أسمع الدكتور خالد ابراهيم سعيد المدير العام للمجموعة الرابعة يخبرني بانفعال أن حسين كامل في طريقه من البوابة الخارجية إلى البوابة الداخلية لموقع التويثة وأن علينا الذهاب على عجل لاستقباله كوننا المسؤولين الوحيدين المتواجدين في هذا الموقع.
حسين كامل يريد قنبلة نووية على وجه السرعة
لم يترك حسين كامل لنا مجالاً للسلام عليه وعلى رفيقه بل بادرنا بالقول خذوني إلى غرفة اجتماع سرية لا يتمكن أحد من التنصت إلى حديثنا فاقترح خالد الذهاب إلى غرفة اجتماعات شبه مهجورة في مبنى إنتاج النظائر المشعة وكأنه كان مستعداً لأمرٍ كهذا.. وما أن جلسنا حول مائدة الاجتماع حتى بادر حسين كامل إلى إصدار أمره للبدء الفوري بمعاملة قضبان الوقود النووي عالي التخصيب وكذلك الوقود الأدنى تخصيباً بما فيه المشعع وغير المشعع واستخلاص اليورانيوم عالي التخصيب منها لاستخدامه بصنع قنبلة نووية ريثما يصل برنامج التخصيب إلى إنتاج الكميات المطلوبة لإنتاج المزيد من هذه القنابل. وقع هذا الأمر موقع الصاعقة على مسامعي وقلتُ له: "إن هذا الوقود خاضع لرقابة مستديمة لتفتيش دوري ولمرتين في كل سنة من قبل مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية". لم يرق هذا الاعتراض لمسمع حسين كامل وأخذته العزة بمركزه لتنفيذ هذا المشروع الذي أطلق عليه اسم البرنامج المعجّل وكاد أن يشتاط غضباً فحاول خالد ابراهيم سعيد تهدئة غضبه بدعوى أن تنفيذ هذا البرنامج أمر ممكن. نظرت إلى عامر السعدي فوجدته يهز رأسه تأييداً للأمر بابتسامته المعهودة التي يُعرف بها. وبينما كان الموقف متشنجاً من غير أن ندرك بأن اعتراضنا على أمر حسين كامل قد يفقدنا المنصب أو ربما يطيح برأسنا دخل جعفر إلى غرفة الاجتماع، حيث كان قد استلم مهاتفة عاجلة من سكرتيره يخبره بوجود حسين كامل في موقع التويثة فحضر مسرعاً، وحال جلوسه على كرسي قبالة حسين كامل أعاد عليه الوزير أمره دون أن يقول له كلمة "الله بالخير" لازمة الترحيب المعروفة عند العراقيين. حوّل جعفر وجهه نحوي وخالد، ثم بدأ يتحدث عن الجوانب التكنولوجية اللازمة لتنفيذ الأمر فتفتحت سريرة حسين حيث اعتبر حديث جعفر التكنولوجي موافقة ضمنية منه على البدء بتنفيذ أمره. ونهض مسرعاً يهبط السلم متخطياً تسلسله المدرج ويتبعه لاهثاً عامر السعدي، أما نحن الثلاثة فلا نكاد نستطيع اللحاق بالاثنين لاضطراب حالنا من صدمة هذا الأمر الذي لم يكن بالبال ولا بالحسبان.
جعفر: بعد توديع حسين وعامر
عدنا إلى مكتبي فأصدرتُ أمراً بتشكيل لجنة برئاسة نعمان وعضوية عدد من الكيماويين والمهندسين الكيماويين والمصممين والمصنعين لتنفيذ الجانب الأول من البرنامج وهو استخلاص اليورانيوم عالي التخصيب من الوقود الفرنسي المشعع لدرجة قليلة والوقود الروسي غير المشعع على أن ينجز العمل في غضون ثلاثة أشهر. وأمرنا خالد أن يسير ببرنامج التسلح بسرعة تتناسب وسرعة الحصول على مادة اليورانيوم عالي التخصيب الملائم لصنع القنبلة، غير أن خالد أخبرَنا بكل برود أن برنامجه يسير بأقصى سرعة ولا يمكن التعجيل به أكثر من ذلك فوعدناه بأننا سندخل مع منتسبيه للتعجيل بالجوانب النظرية لبرنامج التسلح. وفي اليوم التالي أرسلنا مذكرة إلى حسين كامل أخبرناه فيها أن استخدام هذا الوقود لغير الاستعمالات المقررة له في تشغيل المفاعل النووي سيعني خرق العراق لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT) وهي المعاهدة التي كان العراق قد وقع عليها عام 1972 كما أخبرناه أن الوقود يخضع لمسؤولية منظمة الطاقة الذرية العراقية وليس إلى مشروع البتروكيمياويات-3 فجاءت الإجابة سريعة بأن الموافقة قد حصلت على تنفيذ البرنامج وكذلك على نقل الوقود من مسؤولية منظمة الطاقة الذرية إلى مشروع بترو-3. وأدركنا أن جملة (حصلت الموافقة) تعني عرفاً موافقة الرئيس بالذات فبدأنا بتنفيذ البرنامج المعجل بثقة واطمئنان على أن البرنامج يحظى بموافقة المسؤول الأعلى في العراق. أما نحن مؤلفي هذا الكتاب فلا نعلم حتى الآن مَن الذي أوحى لحسين كامل بهذه الفكرة إذ أنه لم يكن يعلم بوجود هذا الوقود ولم يعلم بإمكان استخلاص اليورانيوم عالي التخصيب منه، أي أنه لا بدّ وأن يكون قد وصله مقترح من شخص ذي خلفية علمية نووية.
الأيام تتسارع والمخاوف تتحقق
وبدأ تشاؤمنا يزداد يوماً بعد يوم غير أن عملنا تواصل وفق الخطة وبالزخم ذاته وكأن شيئاً لم يحدث وبدأنا نلاحظ عناد صدام وعدم استجابته للانسحاب من الكويت كما أنه لم يكترث لتجمع مئات الآلاف من أفراد قوات الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في منطقة الخليج العربي. واستمر صدام يعيش في برجه العاجي أسير أفكاره وتخيلاته إذ إن المعروف عنه – وهو يتباهى بذلك دوماً - أنه لا يتراجع عن قرار اتخذه.
نعمان: واستمر العمل بالبرنامج
استمر نشاطنا في نصب الفاصلات الكهرومغناطيسية الإنتاجية في موقع الطارمية فاكتمل نصب ثماني فاصلات وخضعت للتشغيل التجريبي حيث أنتجنا حوالى 750 غراماً من اليورانيوم بدرجة تخصيب 3-4 في المئة وهو إنجاز مهم تكنولوجياً غير أنه غير كافٍ - لا من حيث كمية المنتج ولا من حيث درجة التخصيب لصنع قنبلة نووية. ووصل البرنامج المعجّل بقيادتنا إلى مراحل متقدمة حيث أُنجز تصميم وتصنيع ونصب وتجربة منظومة استخلاص اليورانيوم من قضبان الوقود المخزونة ذات التخصيب العالي (93 في المئة) ثم جاء حسين كامل لتفقدها ففرح بما تحقق من إنجاز.
جعفر: دعوتي لزيارة صدام حسين
بعد يومين أو ثلاثة من زيارته هذه طلب حسين كامل مني مرافقته لزيارة صدام حسين في داره في الرضوانية واستقبَلنا مرافقه الأقدم اللواء أرشد ياسين (زوج أخته غير الشقيقة) والذي هيأ لنا مكاناً للاجتماع في باحة قصره السكني ذلك. بادر حسين كامل بإعلام صدام حسين بالتقدم الحاصل في البرنامج المعجّل وأنه سيحصل على كمية من اليورانيوم عالي التخصيب كافية لتصنيع قنبلة نووية أولى في غضون فترة قريبة، غير أن صدام استمع دون أن يعقب، إذ كان سارح الذهن يفكر في أمر ما يقلقه فلم يعلق على الخبر ولم يحث على المزيد من الاستعجال فأيقنتُ أن صدام غير مستعجل بالأمر وسألت نفسي: تُرى لماذا بدأنا المشروع إذا؟! ولماذا ضيعنا جزءاً مهماً من جهدنا وسنعرِّض العراق للمساءلة عن سبب خرقه لتعهداته ضمن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟! وهكذا يبدو لنا الآن ونحن نسجل الشهادة أن حسين كامل كان يتصرف لذاته يدفعه إلى ذلك غروره واعتداده بنفسه وعدم وجود أحد في الدولة ممن يجازف ويعارضه أو يقول له إن قرارك هذا غير صحيح.
نعمان: الليلة الأخيرة
في حدود الساعة الثامنة من مساء الأربعاء 16/1/1991 قمنا بجولة ضمن أرجاء موقع التويثة يرافقنا سامي الأعرجي فتفقدنا خنادق الطوارئ التي كانت قد حُفِرت في عدة أماكن من حدائق التويثة الجميلة فشوهتها ووجدنا تلك الخنادق غير ملائمة للجوء المنتسبين داخلها فهي ضيقة ورطبة ومغطاة بصفائح غير سميكة من الفولاذ المغلفن وفوقها طبقة من التراب فاستنتجنا أنها غير ملائمة ولكن ما العمل الآن؟! ثم ذهبنا للقاء أعضاء اللجنة المعنية بتنفيذ البرنامج المعجَّل فوجدناهم يستعدون لإذابة أحد قضبان الوقود الفرنسي المنشأ في خزان الإذابة وهي الخطوة الأولى ضمن خطوات استخلاص اليورانيوم عالي التخصيب من قضيب الوقود المكون أصلاً من يورانيوم مغلفٍ بسبيكة من الألمنيوم. وبعد مداولة مستفيضة تقرر إرجاء هذه الخطوة الحاسمة إلى صباح اليوم التالي فيما إذا لم يحدث العدوان في تلك الليلة ولنطلب من جعفر الحضور لمشاهدة البدء بهذا العمل الهام والمحفوف بالمخاطر التكنولوجية وبتبعاته السياسية. ولاحظنا أن مفاعل 14 تموز (IRT 5000) كان لا يزال يعمل بكامل طاقته في هذه الليلة التي تنذر بالشؤم، ولم أتدخل في الأمر حيث أن جعفر كان قد طلب من منظمة الطاقة الذرية الاستمرار بتشغيل المفاعل بهدف تشعيع مادة البزموث والحصول على مقادير من البولونيوم 210 لاستخدامه كقادح للقنبلة النووية. ووافق رئيس المنظمة على مضض تنفيذ الطلب وعدم رفضه فهو يعلم أن حسين كامل متأهب لإبلاغ صدام بأن رئيس المنظمة يضع العراقيل أمام البرنامج النووي، ومن يقوى على إزعاج صدام في تلك الأيام العصيبة؟! غادرت بعد ذلك إلى داري مرهقاً وخلدت إلى نوم قلق دون تناول وجبة العشاء المتأخرة جداً. وعند الساعة الثانية والنصف من بعد منتصف الليل استيقظنا مع جميع أفراد العائلة على أصوات انفجارات مدوية فتجمع الجميع في ركن آمن من أركان البيت في الساعة السابعة من صباح يوم 17/1/1991 وصل السكرتير مؤيد (أبو أحمد) إلى دارنا يقود السيارة المخصصة لنا أثناء الطوارئ وكانت من نوع لاندكروز واصطحبنا إلى موقع التويثة مروراً بشوارع بغداد وقد وجدناها مقفرة وموحشة. وصلنا وسكرتيرنا الذي واصل مرافقتنا طيلة أيام الحرب إلى موقع التويثة فوجدنا سامي الأعرجي وفريق طوارئه قد تخندق في ملجأ تحت أرض مباني هيئة الخدمات الهندسية الواقعة قرب السياج الخارجي لموقع التويثة. وتجولنا ضمن موقع التويثة نتفقد أبنيتها فوجدناها سالمةً ولم تصب بأذى.

no1
25-10-2005, 01:38
جعفر: في صباح يوم العدوان
غادرتُ منزلي صباح الخميس يرافقني الملازم الثاني محمد ياسين قاصداً الموقع البديل لمقر وزارة الصناعة والتصنيع العسكري - في بناية تسويق إطارات السيارات في موقع السيدية جنوب غربي بغداد ومن هناك غادرتُ إلى موقع التويثة حيث استقبلني العقيد أحمد المشهداني مدير أمن البرنامج النووي الوطني ثم اتجهنا صوب مقر قوة الدفاع الجوي لجنوب بغداد الذي يقع خارج سياج التويثة من الجهة الشمالية وعلى بعد بضع مئات الأمتار من نهر دجلة فالتقينا بآمر تلك القوة العميد الركن ناجي خليفة الذي طلب منا تزويد قوته بكميات مضافة من الماء والغذاء لتوزيعها على جميع سرايا قوته المتخندقة حول موقع التويثة كما طلب وقود الديزل لتشغيل أجهزة توليد الدخان الذي يؤمّن التشويش على متحسسات صواريخ توماهوك فيحرفها عن أهدافها، ثم توجهنا إلى مصنعي الربيع ودجلة في موقع الزعفرانية القريب من موقع التويثة فالتقينا بمنتسبي الطوارئ فيها وارتحنا لحالهما، ثم بعد ذلك غادرنا بسرعة إلى مركز السيطرة على توزيع القدرة الكهربائية ضمن بغداد وهو يتبع مؤسسة الكهرباء ومن بعد ذلك زرنا المحطة الثانوية بجهد 400 كيلوفولت في شرق بغداد كما زرنا محطات التحويل الثانوية بقدرة 132 كيلوفولت والموجودة في منطقتي المشتل وبغداد الجديدة جنوب - شرقي بغداد وتفقدنا جميع هذه المحطات وأعددنا تقريراً موجزاً بالدمار الذي لحق بها في الليلة الأولى من القصف أرسلناه إلى الموقع البديل لاطلاع الوزير حسين كامل.
يفعلون عكس ما يقولون في القوانين الدولية
مساء يوم الجمعة 18/1/1991 ظهر جورج بوش الأب على شاشة التلفزيون ليعلن للأمة الأميركية وللعالم أجمع أن جميع المنشآت النووية العراقية قد دُمرت بالكامل ولم تعد تشكل خطراً على السلام العالمي. أثار إعلانه ذلك لدينا الاستهزاء والسخرية فنحن نعلم أفضل من أي شخص آخر أن جميع منشآتنا النووية كانت سالمة إلى تلك اللحظة فأدركنا أن العدوان الأميركي على العراق لم يكن قطعاً لتحرير الكويت بل كان هذا (التحرير) ذريعة لتحطيم كل ما بناه العراق من معالم الحضارة الإنسانية المعاصرة وأن أهم معلم يرغب بوش تدميره هو البرنامج النووي لتبقى إسرائيل المدللة الوحيدة في المنطقة العربية والتي تمتلك سلاحاً نووياً ترهب به العرب. ومما يجدر ذكره أن الجمعية العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت قد أصدرت قراراً تأريخياً في أعقاب عدوان إسرائيل على مفاعل تموز العراقي في 7 حزيران 1981 وينص على أن العدوان على منشآت نووية يكافئ عدواناً بالسلاح النووي. واستناداً لهذا القرار وظناً منا أن أخلاقيات دول الحلفاء سوف لن تسمح لها بالاعتداء على المنشآت النووية العراقية أثناء هذه الحرب كي لا تعرض العراق والدول المجاورة لأخطار تسرب إشعاعي. وكم كان ظناً خاطئاً فلم تمضِ سوى أيام قلائل على إعلان بوش الأب حتى انقضّت طائرات وصواريخ الأمريكان على مباني موقع التويثة وهو الموقع المعلن والمعروف للجميع بكونه موقعاً نووياً. فدمرت مفاعل 14 تموز للأبحاث والذي كان يعمل بكامل قدرته عشية عدوان عاصفة الصحراء ثم دمرت مبنى مفاعل تموز2 وهو المفاعل قليل القدرة الذي لم تصبه إسرائيل في عدوانها قبل عقد من السنين وربما كانت مدركةً ضمن خططها الشيطانية أنها ستترك تدميره لحليفتها الولايات المتحدة الأميركية. وكاد تدمير هذين المفاعلين أن يخلق حادثة نووية مروِّعة لولا عناية الله جلت قدرته في حماية العراق.
نعمان: إنقاذ ما يمكن إنقاذه
جاء هذا العدوان على موقع التويثة ليضعنا أمام مسؤولية كبيرة تجاه شعبنا وتجاه شعوب العالم فتقرر نقل الوقود من تحت أنقاض المفاعلين المدمرين إلى موقع آمن في مكان قريب من موقع التويثة يسمى جرف الندَّاف ويبعد عنه نحو 7 كم فأجرى جعفر اتصالات مستعجلة وعلم بوجود أحواض كونكريتية لدى منشأة الفاو العامة بحجم 2.5×2×2 متر مكعب كانت المنشأة قد بنتها لخزن الماء لمواقع القوات المسلحة المرابطة في الأراضي العراقية والكويتية فابتاع عدداً منها ووضع كل واحدة داخل حفرة في موقع جرف الندّاف وضمن محيط دائرة واسعة. وتولّى مصنع الربيع الميكانيكي تصنيع أحواض من الحديد المغلفن ثم وُضعت داخل الأحواض الكونكريتية وملئت بالماء اللاأيوني (أي الخالي من الأملاح)... كل ذلك أنجز أيام الحرب ثم جاءت الفعاليات البطولية حيث تطوع عدد من المنتسبين للتسلل إلى أقبية الوقود في أحواض مائية تحت أنقاض المفاعل المدمر وكأنهم محترفو تسلق الجبال تحزموا بحبال يمسك بها رجال خارج المبنى المدمر فأخرجوا قضبان الوقود من مخابئها تحت الأنقاض ونقلوها إلى الموقع الأكثر أمناً ضمن سلالٍ من الشباك المصنوعة من الفولاذ الذي لا يصدأ وأشرف جعفر بنفسه على هذا الإنجاز الكبير الذي تم أثناء النهار وفي فترات متقطعة بين غارات الحلفاء غير آبهين بتساقط القنابل من حولهم يدفعهم إلى ذلك شعورهم الوطني بواجب تجنيب العراق كارثة بيئية محققة هي عندهم أهم بكثير من أرواحهم وسلامتهم.
جعفر: قرار جديد
وفي نيسان (ابريل) 1991 صدر قرار بتفكيك وزارة الصناعة والتصنيع العسكري إلى كيانين: الأول هو وزارة الصناعة والمعادن والثاني هيئة التصنيع العسكري وأبقى القرار على حسين كامل مشرفاً عليهما... إضافة لكونه وزيراً للدفاع ومشرفاً على وزارة النفط آنذاك وعُيِّن عامر السعدي وزيراً للصناعة والمعادن، وحيث أنني كنتُ قبل ذلك مسؤولاً عن قطاع الكهرباء وهو قطاع عائد إلى وزارة الصناعة والمعادن فالتحقتُ بالعمل وكيلاً لهذه الوزارة ومسؤولاً عن قطاع الكهرباء أيضاً فتوطدت صداقتي مع عامر السعدي واقتربت وجهات نظرنا في العديد من الشؤون التكنولوجية والصناعية. وأصبحت هيئة التصنيع العسكري تحت إدارة الوكيل الأقدم عامر محمد رشيد العبيدي والوكيل العميد نزار جمعة قصير العاني. في 8 تموز 1991 أصدر حسين كامل أمراً بتعييني لهيئة التصنيع العسكري وكالة وهي مؤسسة عملاقة تحتاج إلى مدير متفرغ لإدارتها بالكامل مما أبعدني أكثر فأكثر عن منتسبي بترو-3 مما جعلهم يشعرون بأنهم أصبحوا الآن بلا قائد موجِّه ولا هدفٍ، فأي تحطيم للمعنويات أكثر من هذا لأناس كانوا شعلة وضاءة وجيشاً معطاءً في العلم والتكنولوجيا.
جعفر: وللحديث هذه الصلة
بعد بضعة أيام من مباشرتنا منصب إدارة الهيئة أمرنا حسين كامل بإعداد مسودات لأوامر يُصدرها صدام بنقل عدد من فعاليات بترو-3 إلى الهيئة وأعددنا خمسة فقط وقعها حسين في الحال وبعث بها إلى مكتب رئيس الجمهورية لغرض توقيعها. في تشرين الأول من العام ذاته استقال حسين كامل من جميع مناصبه من غير أن ينشر السبب عن هذا الحدث المفاجئ غير أننا نستطيع الآن توضيح الأسباب التي أدت لذلك بما يلي: إثر قصف الجسور في العراق خلال عاصفة الصحراء تضرر العديد منها ومن بينها جسر الجمهورية في بغداد الذي يعد أهم جسر في مركز بغداد ويقع بجوار وزارة التخطيط كما تهدم الجسر المعلق بالكامل وهو الذي يربط الكرادة داخل بكرادة مريم في الكرخ ويقع على مقربة من البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري. وكان حسين كامل رئيساً للجنة العليا للحشد الهندسي للطرق والجسور (تشكلت أثناء الحرب العراقية - الإيرانية لدعم المجهود الحربي في إنشاء الطرق والجسور والسواتر الترابية) وهي لجنة تضم عدداً من الوزارات والشركات الإنشائية ذات الصلة وسكرتيرها العام عدنان عبد المجيد جاسم العاني أحد وكلاء وزارة الصناعة والتصنيع العسكري آنذاك. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أُوكِل لهذه اللجنة مسؤولية وضع الأولويات لإعمار جسور العراق المتضررة كافة بما في ذلك إصلاح الجسرين في بغداد فأُوكِل إصلاح جسر الجمهورية إلى وزارة الإسكان والتعمير في حين أُوكِل إصلاح الجسر المعلق إلى هيئة التصنيع العسكري. بعد الحرب كان إعمار جسر الجمهورية عملاً مدنياً تقليدياً فسارت عملية إعماره بسرعة بينما تطلب إعمار الجسر المعلق تهديمه بالكامل بجهد صنف الهندسة الآلية الكهربائية التابعة للجيش وتطلب إعماره استيراد الحبال الفولاذية وتصنيع الكثير من المستلزمات محلياً. إكتمل إصلاح جسر الجمهورية بوقت قياسي في تموز من عام 1991 فتولى وزير الإسكان والتعمير المهندس محمود ذياب أحمد المشهداني زف البشرى إلى صدام حسين مباشرةً دون إرسالها عبر اللجنة العليا للحشد الهندسي التي يترأسها حسين كامل فكان ذلك سبباً لغضبه لأنه رغب أن يتولى ذلك بنفسه باعتباره مسؤولاً عن الإعمار. إستجاب صدام حسين لطلب وزير الإسكان والتعمير أن يتم حفل تدشين الجسر برعايته (الكريمة)، ورشح عزت ابراهيم لرئاسة الاحتفالية نيابةً عن رئيس الجمهورية. وفي صبيحة احتفالية افتتاح الجسر تولى حاجم خميس مدير مكتب حسين كامل إبلاغ الوزراء ومن هم في درجة وزير ووكلاء الوزارات التي يشرف عليها حسين كامل بعدم حضور الاحتفالية وهو إجراء غير مألوف نظراً لأن أي احتفالية برعاية رئيس الجمهورية تقتضي وجوب حضور جميع المدعوين إلى الاحتفالية، غير أن أمر حسين كامل تغلب على البروتوكول فتخلف جميع من أُبلغ بعدم الحضور. جرت الاحتفالية في الصباح ثم عبر الجسر صدام حسين راجلاً ليلاًً لتفقد الجسر فأصدر أوامره بتكريم وزير الإسكان والتعمير والعاملين بمعيته في إصلاح الجسر. جنّ جنون حسين كامل وتصرف كطفل مدلل فأرسل ورقة استقالته من جميع مهامه الإشرافية على الوزارات والهيئات واللجان العديدة. وقبِل صدام استقالة صهره وعيّن ابن عمه علي حسن المجيد (وهو عم حسين كامل) وزيراً للدفاع. وفي اليوم التالي اتصلنا بوزير الدفاع الجديد نستفسر منه في ما إذا يتوجب علينا الاستمرار بمنصبنا مديراً لهيئة التصنيع العسكري وكالة فأبلغنا الوزير أن أمر حسين كامل لم يكن نظامياً وعليه لا يعتقد أن بقاءنا في ذلك المنصب أمر مستساغ فاتصلنا بمكتب رئيس الجمهورية وتسلمنا أمراً خطياً من رئاسة الجمهورية بضرورة التحاقنا بمنصبنا السابق وكيلاً لوزارة الصناعة والمعادن وأن نستمر بتركيز جهدنا لإدارة شؤون قطاع الكهرباء. وفجأة قرر صدام آخر شباط (فبراير) 1992 إعادة تعيين حسين كامل مشرفاً على هيئة التصنيع العسكري وعلى وزارة الصناعة والمعادن ووزارة النفط وبذلك عاد إلى وضعه السابق، الرجل الثاني في نظام صدام. في أول أعماله استحصل حسين كامل على أمر من صدام بنقل بترو-3 بكامل معداتها وتجهيزاتها ومنتسبيها إلى هيئة التصنيع العسكري فعقد اجتماعاً على عجل مع الكادر المتقدم لبترو-3 مساء 13/3/1992 وأخبرهم بقرار النقل وأعلمهم بأنه يتضمن احتفاظ منتسبي بترو-3 بكافة امتيازاتهم ودرجاتهم الوظيفية السابقة وأن القرار يقضي أيضاً - واعتباراً من ذلك اليوم - بانتهاء الوجود الرسمي لمشروع بترو-3 مما يعني إلغاء هذا الكيان وإلغاء برامجه وخططه السابقة كافة وأن المنتسبين سيتوزعون على منشآت التصنيع العسكري كل بحسب اختصاصه. فودع أولئك المنتسبون الحاضرون بعضهم بعضاً وأدركوا احتمالية عدم التقائهم لاحقاً وأنهم وبكل تأكيد سوف لن يعملوا مع بعضهم كوحدة متماسكة نظراً لأن هيئة التصنيع العسكري واسعة جداً ومنشآتها منتشرة ضمن رقعة جغرافية كبيرة ولا رابط بينها سوى الإدارة المركزية للهيئة.
نعمان: نعم سيدي... أمرك سيدي
خرجتُ من ذلك الاجتماع في ساعة متأخرة من المساء مكتئباً فلقد أضعتُ أفضل مرحلة من عطائي العلمي ضمن برنامج لم يعطِ ثماره والآن انتقلنا إلى هيئة تنفيذية لا مجال للبحث العلمي فيها وإن وجد فيجرى على وفق مفاهيم المؤسسة العسكرية وأنه سيصعب عليَّ وأنا العالم الباحث الليبرالي المنهج والسلوك أن أعمل بمعية مجموعة من الضباط لم أسمع منهم طيلة ذلك الاجتماع غير كلمات نعم سيدي، أمرك سيدي، و(صار سيدي) مع تبجحات تسهيل الأمور خلاف ما تحتمل ولدينا مثال: أخبرتُ حسين كامل أثناء الاجتماع أن المجموعة الكيميائية التي كانت تعمل في موقع التويثة لم يعد لها مختبرات تعمل ضمنها وهي الان محشورة في بناية لا تصلح حتى كمكاتب للدراسة النظرية فأدار وجهه صوب نائبه نزار جمعة القصير وقال له عليك أن تبني لهذه المجموعة وعلى وفق متطلبات نعمان بناية تلائم عملهم على أن تنجز البناية في غضون ثلاثة أشهر فقال له (نعم سيدي) فعجبتُ لذلك إذ أن خبرتي ترشدني أن هذه المدة قد لا تكفي لتحديد المواصفات وإنجاز التصميم الأساس وفي اليوم التالي استدعاني نزار إلى مكتبه واستدعى المدير العام لتنفيذ المشاريع الصناعية الدكتور علاء محمود حسين التميمي وهو أحد منتسبينا السابقين وقرأ عليه أمر حسين كامل كما مدون في مفكرته وقال له نريد أن نفتتح المبنى في 17 تموز المقبل فأجابه- أمرك سيدي. فالتفت إليّ وقال: "هذا هو فماذا تريد؟! (وكأن المبنى قد اكتمل)... فصول منتقاة من كتاب سينشره مركز دراسات الوحدة العربية في اواخر الشهر الجاري

اينشتاين
25-10-2005, 11:50
بارك الله فيك

خلف الجميلي
25-10-2005, 23:49
بارك الله فيك

اسامه
26-10-2005, 00:20
بارك الله فيك سؤال ارجوا الا يزعجك هل انت عراقي؟

no1
26-10-2005, 00:41
شكرا لمروركم الكريم

qarout
26-03-2008, 23:15
اشكركم جزيل الشكر