شرودنجر العرب
30-07-2007, 00:51
كلمة عن الشاعر
مالك بن الريب التميمي شاعر مقلّ لم تشتهر من شعره إلا هذه القصيدة ومقاطع شعرية في الوصف والحماسة وردت في كتاب الأغاني.
وكان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوحشاً سيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه . وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد وذهب معه وأبلى بلاءً حسناً ، وفي عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله ، مرض مرضاً شديداً ، فقال هذه القصيدة الرائعة الفريدة يرثي بها نفسه.
وتتمتع هذه القصيدة في أدبنا بشهره فذه لأن الإنسان مهما صدقت عاطفته في رثاء حبيب فلن تكون أصدق منها عندما يرثي نفسه.
وقد كانت وفاة مالك بعيد نظمه لهذه القصيدة في خلافة معاوية سنة 56هـ.
1 ألا ليـت شِعـري هـلْ أبيتـنّ ليلـةً
بجنبِ الغضىَ أُزجـي القـلاصَ النَّواجيـا
2 فليت الغضى لم يقطعِ الرّكـب عرضـهُ
وليـت الغضـىَ ماشـى الرِّكـابَ لياليـا
3 لقد كان في أهلِ الغضى لوْ دنَا الغضـى
مـزارٌ ولكـنَّ الغضـىَ لـيـس دانِـيـا
4 ألـم ترنـي بِعـتُ الضلالـةَ بالهُـدى
وأصبحتُ في جيش ابـن عفـان غَازِيـا
5 دعاني الهوى من أهل وُدّي وصُحبتـي
بـذي الطّبسـيـنِ فالتـفـتُ ورَائِـيـا
6 أجبـتُ الهـوى لمّـا دعانـي بزفـرةٍ
تقـنَّـعـتُ مـنـهـا أنْ أُلاَمَ رِدائـيِــا
7 لعمري لئن غالـتْ خُراسـانُ هامتـي
لقدْ كنـتُ عـن بابـيْ خُراسـان نائيـا
8 فللّـه درِّي يــوم أتــركُ طائـعـاً
بَـنِـيَّ بأعـلـى الرَّقمتـيـنِ ومالـيـا
9 ودرُّ الظـبـاءِ السّانـحـات عشـيـةً
يُخبـرَّن أنِّـي هـالـكٌ مــن ورائـيـا
10 ودرُّ كبـيـريّ اللّـذيـنِ كلاهـمـا
علـيَّ شفيـقٌ نـاصـحٌ مــا ألانـيـا
11 ودرُّ الهوى من حيثُ يدعو صحابـه
ودرُّ لـجَـاجـاتـي ودرُّ انـتـهـائـيـا
12 تذكرتُ من يبكـي علـيّ فلـم أجـد
سِوى السيـفِ والرمـحِ الرُّدَينـي باكيـا
13 وأشقـرَ خنـذيـذٍ يـجـرُّ عنـانـهُ
إلى الماء لـم يتـرك لـه الدّهـرُ ساقيـا
14 ولكـن بأطـراف السُّمينـةِ نـسـوةٌ
عَزيـزٌ عليهـنّ العَشـيـةَ مــا بـيـا
15 صَريعٌ على أيـدي الرجـالِ بقفـرةٍ
يُسـوُّونَ لحـدي حيـثُ حُـمَّ قضائـيـا
16 ولمّـا تـراءت عنـد مـرو منيّتـي
وحـلّ بهـا سُقمـي وحـانـت وفاتـيـا
17 أقـول لاصحابـي ارفعونـي فإننـي
يَقـرُّ بعينـي أن سُهـيـل بــدا لـيـا
18 وياصاحبي رَحْلى دنا المـوتُ فانـزلا
برابـيـةٍ إنـــي مـقـيـمٌ ليـالـيـا
19 أقيما علـيّ اليـومَ أو بعـض ليلـةٍ
ولا تُعجِلانـي قـد تبـيـنَ مــا بـيـا
20 وقوما إذا مـا سُـلَّ رُوحـي فهيئـا
لـيَ السِّـدْرَ والاكفـانَ ثـمّ ابكيـا ليـا
21 ولا تحسُدانـي بــاركَ اللهُ فيكـمـا
من الارضِ ذاتِ العرضِ أنْ توُسعـا ليـا
22 وخُطّـا بإطـراف الاسنـةِ مضجعـي
ورُدَّا علـى عيـنـيَّ فـضـل ردائـيـا
23 خُذانـي فجُرانـي ببـردي إليكـمـا
فقـدْ كنـتُ قبـل اليـومِ صعبـاً قياديـا
24 وقدْ كنتُ عطّافـاً إذا الخيـلُ أدبـرت
سريعاً لـدى الهيجـا إلـى مـن دعانيـا
25 وقد كنتُ محموداً لدى الزّاد والقِـرَى
وعن شتمي ابـن العَـمِّ والجـارَ وانيـا
26 وقد كنتُ صباراً على القِرنِ في الوغى
ثقيـلاً علـى الأعـداءِ عضبـاً لسانيـا
27 وطوراً تراني فـي رَحـاً مُستديـرةٍ
تُـخـرِّقُ أطــرافُ الـرِّمـاحِ ثيابـيـا
28 وقُوما علـى بئـرِ الشُّبيـكِ فأسمعـا
بها الوحشَ والبِيـض الحِسـان الرّوانيـا
29 بأنكـمـا خَلَّفتـمـانـي بـقـفـرةٍ
تَهيـلُ علـيَّ الرّيـحُ فيهـا السّوافـيـا
30 ولا تنسيـا عهـدى خليلـيّ إنّـنـي
تقَطّـعُ أوصـالـي وتبـلـىَ عظِامـيـا
31 فلـن يعـدمَ الولـدّانُ بيتـاً يُجِنُّنِـي
ولـن يعـدم الميـراث منّـي الموالـيـا
32 يقولـون : لاتبعُـدْ وهُـم يدفنونـي
وأيـن مـكـانُ البُـعـدِ إلاّ مكانـيّـا ؟
33 غداة غدٍ يالهفَ نفسـي علـى غـدٍ
إذا أدلجـوا عنّـي وأصبـحـتُ ثَـاويـا
34 وأصبح مالـي مـن طريـفٍ وتالـدٍ
لغيـري وكـان المـالُ بالامـسِ مالـيـا
35 فياليت شعري : هلْ تغيّـرتِ الرَّحـا
رحا الحربِ أم أضحـتْ بفلـجٍ كمـا هيـا
36 إذا القـومُ حلوُّهَـا جميعـاً وأنزلـوا
بهـا بقـراً حُــمَّ العُـيُـونِ سواجـيـا
37 رَعَيـنَ وقـد كـان الظـلامُ يُجِنُّهـا
يَسُفـن الخُزامـى نـورهـا والأقاحـيـا
38 وهل تركَ العيسُ المراقيـلُ بالضُّحـى
تعاليـهـا تعـلـو المـتـانَ الفيافـيـا
39 إذا عُصـبُ الركُّبَـانِ بيـن عُنيـزَةٍ
وبـولانَ عاجُـو المنقـيـاتِ المهَـاريـا
40 وياليت شعري : هل بكـتْ أمُّ مالـكٍ
كمـا كنـتُ لـو عالـوا نَعيّـك باكـيـا
41 إذا مُـتُّ فاعتَـادي القبـور فسلِّمـي
على الرّمسِ أسْقِيـتِ السّحـاب الغواديـا
42 ترى جدثاً قـد جَـرَّتِ الريـحُ فوقـهُ
غُبـاراً كـلـون القسطـلانـيِّ هابـيـا
43 رهينـة أحجـارٍ وبـئـرٍ تضمّـنـت
قرارتُـهـا مِـنّـي العـظـام البوالـيـا
44 فيـا راكبـاً إمّـا عرضـتَ فبلِّـغـا
بـنـي مـالـكٍ والـرّيـبِ ألا تلاقـيـا
45 وأبلغ أخي عمرانَ بُـردِي ومئـزري
وبلّـغ عـجُـوزِي الـيـوم ألا تدانـيـا
46 وسلّم علـى شيخـيَّ منِّـي كليهمـا
كثيـراً وعمـي وابـن عمـي وخالـيـا
47 وعطل قلوصي فـي الركـاب فإنهـا
ستـبـرُدُ أكـبـاداً وتبـكـي بواكـيـا
48 وأبصرتُ نـارَ (المازنيـاتِ) مَوْهِنـاً
بعَليـاءَ يُثنـى دونَهـا الطَّـرف رانـيـا
49 بِعـودٍ أَلنْجـوجٍ أضــاءَ وَقُـودُهـا
مَهاً فـي ظِـلالِ السِّـدر حُـوراً جَوازيـا
50 غريـبٌ بعيـدُ الـدار ثـاوٍ بقفـزةٍ
يَـدَ الدهـر معروفـاً بــأنْ لا تدانـيـا
51 أقلبُ طرفي فـوق رحلـي فـلا أرى
بـه مـن عُيـون المؤنِسـاتِ مُراعـيـا
52 وبالرملٍ منّي نسـوةٌ لـو شهدننـي
بكيـن وفَـدَّيـن الطبـيـبَ المُـداويـا
53 فمنهـن أُمِّـي وابنتاهـا وخالـتـي
وباكـيـةٌ أُخــرى تهـيـجُ البواكـيـا
54 وما كان عهد الرمّـل منـي وأهلـه
ذميمـاً ولا ودّعْــتُ بالـرّمـلِ قالـيـا
شرح المفردات
5- الرديني : الرمح القوي نسبه إلى ردينه وهي قبيلة كانت تجيد صنع الرماح
6- أشقر محبوك: يعني حصانه الأشقر القوي
7- تراءت :ظهرت وبدت. مرو:عاصمة خرسان .خل:ضعف
9- سهيل : نجم لامع يطلع من الجنوب كان العرب يحبونه ويكثرون من ذكره
10- ياصحبي رحلي: ياصاحبي في سفري
11- السدر: ورق السدر العرب يستخدمونه بدل الصابون
12- فضل ردائيا : الزائد من ثوبي
14- بردي :ثوبي
15- عطافاً: انعطف نحو الأعداء مهاجماً.أحجمت:تراجعت
17- باكيه أخرى :يعني زوجته
الشرح:
ياترى هل تعود ايامنا مع الاحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليله اسوق النياق السريعة .
كم كنت اتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه.
إن أهل الغضا احباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون.
لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان .
وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي ألذي يجرٌ رسنه الى الماء دونما فارس يسقيه .
حينما شعرت بالموت عند مدينة مرو وضعف جسمي قلت لأصحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي الايوماً أو بعض ليله لأن أمري قد اتضح ، فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤس الرماح وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي .
ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعه واسحباني إليكما بثوبي ،فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني .وكنت انعطف على الاعداء إذا تقهقرت ألخيل وأسرع إلى نجدة من يدعوني .
آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساء لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بانفسهن، منهن أمي واختاي وخالتي وزوجتي .ماكان أحسن أيام الرمل لقد كانت حميده وكان اهل الرمل محبين لنا مخلصين في ودادنا.
التعليق
إذا تأملت هذه القصيده العظيمه اتضحت لك فيها الخصائص الآتيه:
1. أن العاطفه فيها في اوج الصّدق والحراره لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحاس لا مثيل له ، إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ .وهذه الخاصه جعلت هذه القصيده من اشهر المراثي في الشعر العربي
2. المعاني فيها ابتكار وروعه كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه ،وهي تبكي بطولته وفروسيته ، وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ، ومن معانيه الطريفة : معنى تشابه فيه مع شاعر انجليزي جاء بعده .وهو قوله (( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي)) . ومن اجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه ، وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ،كما أنّ في ذكره لزوجته ووالدته وقريباته ،وتصوير شعورهنّ حين يبلغن النبأ إبداعاً ممتازاً .
3. الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ، ولكنّ بعضها يوضح جوّ ألفتوح الإسلامية ،ومن الإشارات البدويه ((ازجي القلاص النواجيا ،لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا ، واشقر محبوك ، سهيل ،ياصاحبي رحلي ، هيئا السدر.
4. في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ،فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات لشدت حبه لهذين الموضعين .حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث ..
النهايه
مالك بن الريب التميمي شاعر مقلّ لم تشتهر من شعره إلا هذه القصيدة ومقاطع شعرية في الوصف والحماسة وردت في كتاب الأغاني.
وكان مالك شابا شجاع فاتكاً لا ينام الليل إلا متوحشاً سيفه ولكنه استغل قوته في قطع الطريق هو وثلاثة من أصدقائه . وفي يوم مر عليه سعيد بن عثمان بن عفان وهو متوجه لإخماد تمرّد في خُرسان فأغراه بالجهاد في سبيل الله بدلاّ من قطع الطريق، فاستجاب مالك لنصح سعيد وذهب معه وأبلى بلاءً حسناً ، وفي عودته إلى وادي الغضا في نجد وهو مسكن أهله ، مرض مرضاً شديداً ، فقال هذه القصيدة الرائعة الفريدة يرثي بها نفسه.
وتتمتع هذه القصيدة في أدبنا بشهره فذه لأن الإنسان مهما صدقت عاطفته في رثاء حبيب فلن تكون أصدق منها عندما يرثي نفسه.
وقد كانت وفاة مالك بعيد نظمه لهذه القصيدة في خلافة معاوية سنة 56هـ.
1 ألا ليـت شِعـري هـلْ أبيتـنّ ليلـةً
بجنبِ الغضىَ أُزجـي القـلاصَ النَّواجيـا
2 فليت الغضى لم يقطعِ الرّكـب عرضـهُ
وليـت الغضـىَ ماشـى الرِّكـابَ لياليـا
3 لقد كان في أهلِ الغضى لوْ دنَا الغضـى
مـزارٌ ولكـنَّ الغضـىَ لـيـس دانِـيـا
4 ألـم ترنـي بِعـتُ الضلالـةَ بالهُـدى
وأصبحتُ في جيش ابـن عفـان غَازِيـا
5 دعاني الهوى من أهل وُدّي وصُحبتـي
بـذي الطّبسـيـنِ فالتـفـتُ ورَائِـيـا
6 أجبـتُ الهـوى لمّـا دعانـي بزفـرةٍ
تقـنَّـعـتُ مـنـهـا أنْ أُلاَمَ رِدائـيِــا
7 لعمري لئن غالـتْ خُراسـانُ هامتـي
لقدْ كنـتُ عـن بابـيْ خُراسـان نائيـا
8 فللّـه درِّي يــوم أتــركُ طائـعـاً
بَـنِـيَّ بأعـلـى الرَّقمتـيـنِ ومالـيـا
9 ودرُّ الظـبـاءِ السّانـحـات عشـيـةً
يُخبـرَّن أنِّـي هـالـكٌ مــن ورائـيـا
10 ودرُّ كبـيـريّ اللّـذيـنِ كلاهـمـا
علـيَّ شفيـقٌ نـاصـحٌ مــا ألانـيـا
11 ودرُّ الهوى من حيثُ يدعو صحابـه
ودرُّ لـجَـاجـاتـي ودرُّ انـتـهـائـيـا
12 تذكرتُ من يبكـي علـيّ فلـم أجـد
سِوى السيـفِ والرمـحِ الرُّدَينـي باكيـا
13 وأشقـرَ خنـذيـذٍ يـجـرُّ عنـانـهُ
إلى الماء لـم يتـرك لـه الدّهـرُ ساقيـا
14 ولكـن بأطـراف السُّمينـةِ نـسـوةٌ
عَزيـزٌ عليهـنّ العَشـيـةَ مــا بـيـا
15 صَريعٌ على أيـدي الرجـالِ بقفـرةٍ
يُسـوُّونَ لحـدي حيـثُ حُـمَّ قضائـيـا
16 ولمّـا تـراءت عنـد مـرو منيّتـي
وحـلّ بهـا سُقمـي وحـانـت وفاتـيـا
17 أقـول لاصحابـي ارفعونـي فإننـي
يَقـرُّ بعينـي أن سُهـيـل بــدا لـيـا
18 وياصاحبي رَحْلى دنا المـوتُ فانـزلا
برابـيـةٍ إنـــي مـقـيـمٌ ليـالـيـا
19 أقيما علـيّ اليـومَ أو بعـض ليلـةٍ
ولا تُعجِلانـي قـد تبـيـنَ مــا بـيـا
20 وقوما إذا مـا سُـلَّ رُوحـي فهيئـا
لـيَ السِّـدْرَ والاكفـانَ ثـمّ ابكيـا ليـا
21 ولا تحسُدانـي بــاركَ اللهُ فيكـمـا
من الارضِ ذاتِ العرضِ أنْ توُسعـا ليـا
22 وخُطّـا بإطـراف الاسنـةِ مضجعـي
ورُدَّا علـى عيـنـيَّ فـضـل ردائـيـا
23 خُذانـي فجُرانـي ببـردي إليكـمـا
فقـدْ كنـتُ قبـل اليـومِ صعبـاً قياديـا
24 وقدْ كنتُ عطّافـاً إذا الخيـلُ أدبـرت
سريعاً لـدى الهيجـا إلـى مـن دعانيـا
25 وقد كنتُ محموداً لدى الزّاد والقِـرَى
وعن شتمي ابـن العَـمِّ والجـارَ وانيـا
26 وقد كنتُ صباراً على القِرنِ في الوغى
ثقيـلاً علـى الأعـداءِ عضبـاً لسانيـا
27 وطوراً تراني فـي رَحـاً مُستديـرةٍ
تُـخـرِّقُ أطــرافُ الـرِّمـاحِ ثيابـيـا
28 وقُوما علـى بئـرِ الشُّبيـكِ فأسمعـا
بها الوحشَ والبِيـض الحِسـان الرّوانيـا
29 بأنكـمـا خَلَّفتـمـانـي بـقـفـرةٍ
تَهيـلُ علـيَّ الرّيـحُ فيهـا السّوافـيـا
30 ولا تنسيـا عهـدى خليلـيّ إنّـنـي
تقَطّـعُ أوصـالـي وتبـلـىَ عظِامـيـا
31 فلـن يعـدمَ الولـدّانُ بيتـاً يُجِنُّنِـي
ولـن يعـدم الميـراث منّـي الموالـيـا
32 يقولـون : لاتبعُـدْ وهُـم يدفنونـي
وأيـن مـكـانُ البُـعـدِ إلاّ مكانـيّـا ؟
33 غداة غدٍ يالهفَ نفسـي علـى غـدٍ
إذا أدلجـوا عنّـي وأصبـحـتُ ثَـاويـا
34 وأصبح مالـي مـن طريـفٍ وتالـدٍ
لغيـري وكـان المـالُ بالامـسِ مالـيـا
35 فياليت شعري : هلْ تغيّـرتِ الرَّحـا
رحا الحربِ أم أضحـتْ بفلـجٍ كمـا هيـا
36 إذا القـومُ حلوُّهَـا جميعـاً وأنزلـوا
بهـا بقـراً حُــمَّ العُـيُـونِ سواجـيـا
37 رَعَيـنَ وقـد كـان الظـلامُ يُجِنُّهـا
يَسُفـن الخُزامـى نـورهـا والأقاحـيـا
38 وهل تركَ العيسُ المراقيـلُ بالضُّحـى
تعاليـهـا تعـلـو المـتـانَ الفيافـيـا
39 إذا عُصـبُ الركُّبَـانِ بيـن عُنيـزَةٍ
وبـولانَ عاجُـو المنقـيـاتِ المهَـاريـا
40 وياليت شعري : هل بكـتْ أمُّ مالـكٍ
كمـا كنـتُ لـو عالـوا نَعيّـك باكـيـا
41 إذا مُـتُّ فاعتَـادي القبـور فسلِّمـي
على الرّمسِ أسْقِيـتِ السّحـاب الغواديـا
42 ترى جدثاً قـد جَـرَّتِ الريـحُ فوقـهُ
غُبـاراً كـلـون القسطـلانـيِّ هابـيـا
43 رهينـة أحجـارٍ وبـئـرٍ تضمّـنـت
قرارتُـهـا مِـنّـي العـظـام البوالـيـا
44 فيـا راكبـاً إمّـا عرضـتَ فبلِّـغـا
بـنـي مـالـكٍ والـرّيـبِ ألا تلاقـيـا
45 وأبلغ أخي عمرانَ بُـردِي ومئـزري
وبلّـغ عـجُـوزِي الـيـوم ألا تدانـيـا
46 وسلّم علـى شيخـيَّ منِّـي كليهمـا
كثيـراً وعمـي وابـن عمـي وخالـيـا
47 وعطل قلوصي فـي الركـاب فإنهـا
ستـبـرُدُ أكـبـاداً وتبـكـي بواكـيـا
48 وأبصرتُ نـارَ (المازنيـاتِ) مَوْهِنـاً
بعَليـاءَ يُثنـى دونَهـا الطَّـرف رانـيـا
49 بِعـودٍ أَلنْجـوجٍ أضــاءَ وَقُـودُهـا
مَهاً فـي ظِـلالِ السِّـدر حُـوراً جَوازيـا
50 غريـبٌ بعيـدُ الـدار ثـاوٍ بقفـزةٍ
يَـدَ الدهـر معروفـاً بــأنْ لا تدانـيـا
51 أقلبُ طرفي فـوق رحلـي فـلا أرى
بـه مـن عُيـون المؤنِسـاتِ مُراعـيـا
52 وبالرملٍ منّي نسـوةٌ لـو شهدننـي
بكيـن وفَـدَّيـن الطبـيـبَ المُـداويـا
53 فمنهـن أُمِّـي وابنتاهـا وخالـتـي
وباكـيـةٌ أُخــرى تهـيـجُ البواكـيـا
54 وما كان عهد الرمّـل منـي وأهلـه
ذميمـاً ولا ودّعْــتُ بالـرّمـلِ قالـيـا
شرح المفردات
5- الرديني : الرمح القوي نسبه إلى ردينه وهي قبيلة كانت تجيد صنع الرماح
6- أشقر محبوك: يعني حصانه الأشقر القوي
7- تراءت :ظهرت وبدت. مرو:عاصمة خرسان .خل:ضعف
9- سهيل : نجم لامع يطلع من الجنوب كان العرب يحبونه ويكثرون من ذكره
10- ياصحبي رحلي: ياصاحبي في سفري
11- السدر: ورق السدر العرب يستخدمونه بدل الصابون
12- فضل ردائيا : الزائد من ثوبي
14- بردي :ثوبي
15- عطافاً: انعطف نحو الأعداء مهاجماً.أحجمت:تراجعت
17- باكيه أخرى :يعني زوجته
الشرح:
ياترى هل تعود ايامنا مع الاحباب بوادي الغضا فأبيت فيه ليله اسوق النياق السريعة .
كم كنت اتمنى لو أن الغضا مشى معنا ونحن مسافرون فلم تقطع المطايا عرضه.
إن أهل الغضا احباب مخلصون لو كانوا قريبين منا لواصلونا وزارونا ولكنهم للأسف بعيدون.
لقد كنت ضالاً فاهتديت وأصبحت في الجيش الغازي بقيادة سعيد بن عفان .
وحين أتذكر موتي ومن سيبكي عليّ لا أجد إلا رمحي وسيفي وهذا الفرس المضمّر القوي ألذي يجرٌ رسنه الى الماء دونما فارس يسقيه .
حينما شعرت بالموت عند مدينة مرو وضعف جسمي قلت لأصحابي : ارفعوا راسي لأرى نجم سهيل فهو نجم محبوب لدي لأنه يطلع من نحو أهلي ، وقد لا تنتظران عندي الايوماً أو بعض ليله لأن أمري قد اتضح ، فإذا خرجت روحي فاغسلاني بالسدر وجهزا أكفاني وأبكيا لوفاتي واحفرا قبري برؤس الرماح وغطيا وجهي بالزائد من ثوبي .
ووسعا لي في قبري لأن أرض الله واسعه واسحباني إليكما بثوبي ،فقد كنت أيام قوتي لايستطيع أحد أن يجرّني .وكنت انعطف على الاعداء إذا تقهقرت ألخيل وأسرع إلى نجدة من يدعوني .
آه على الرمّل بوادي الغضا إن فيه نساء لو رأينني لبكين لحالتي وفدّين الطبيب بانفسهن، منهن أمي واختاي وخالتي وزوجتي .ماكان أحسن أيام الرمل لقد كانت حميده وكان اهل الرمل محبين لنا مخلصين في ودادنا.
التعليق
إذا تأملت هذه القصيده العظيمه اتضحت لك فيها الخصائص الآتيه:
1. أن العاطفه فيها في اوج الصّدق والحراره لأن الشاعر حين يرثي نفسه يكون منفعلاً بإحاس لا مثيل له ، إذ نفسه أغلى عليه من كل غالٍ .وهذه الخاصه جعلت هذه القصيده من اشهر المراثي في الشعر العربي
2. المعاني فيها ابتكار وروعه كحديثه عن سيفه ورمحه وحصانه ،وهي تبكي بطولته وفروسيته ، وفي توصياته لرفاقه تأثير موجع حقاً ، ومن معانيه الطريفة : معنى تشابه فيه مع شاعر انجليزي جاء بعده .وهو قوله (( خُطّا بأطراف الأسنّة مضجعي)) . ومن اجمل معانيه مقارنته بين حالته وهو ميت يسهل على أصحابه أن يجرّوه ، وبين حالته وهو في كامل صحته حين كان من الصعب على أصحابه أن يجرّوه ،كما أنّ في ذكره لزوجته ووالدته وقريباته ،وتصوير شعورهنّ حين يبلغن النبأ إبداعاً ممتازاً .
3. الصور والأخيلة الواردة في معظم القصيدة بدويه ، ولكنّ بعضها يوضح جوّ ألفتوح الإسلامية ،ومن الإشارات البدويه ((ازجي القلاص النواجيا ،لم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا ، واشقر محبوك ، سهيل ،ياصاحبي رحلي ، هيئا السدر.
4. في القصيدة تكرار بليغ الوقع والتأثير ،فقد كرر كلمتي الغضا والرّمل عدة مرات لشدت حبه لهذين الموضعين .حتى لقد كرر كلمة الغضا ثلاث مرات في بيت واحد وهو البيت الثالث ..
النهايه