مشاهدة النسخة كاملة : لفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله
لقد شهد تاريخ الدعوة إلى الله نماذج منوعة من نهايات في الأرض مختلفة للدعوات . .
شهد مصارع قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم شعيب ، وقوم لوط ، ونجاة الفئة القلية العدد ، مجرد النجاة . ولم يذكر القرآن للناجين دوراً بعد ذلك في الأرض والحياة .
وهذه النماذج تقرر أن الله سبحانه وتعالى يريد أحياناً أن يعجَّل للمكذبين الطغاة بقسط من العذاب في الدنيا ، أما الجزاء الأوفى فهو مرصود لهم هناك .
وشهد تاريخ الدعوة مصرع فرعون وجنوده ، ونجاة موسى وقومه ، مع التمكين للقوم في الأرض فترة كانوا فيها أصلح ما كانوا في تاريخهم ، وإن لم يرتقوا قط إلى الاستقامة الكاملة ، وإلى إقامة دين الله في الأرض منهجاً للحياة شاملاً . .
وهذا نموذج غير النماذج الأولى .
وشهد تاريخ الدعوة كذلك مصرع المشركين الذين استعصوا على الهدى والإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وانتصار المؤمنين انتصاراً كاملاً .
مع انتصار العقيدة في نفوسهم انتصاراً عجيباً .
وتم للمرة الوحيدة في تاريخ البشرية أن أقيم منهج الله مهيمناً على الحياة في صورة لم تعرفها البشرية قط ، من قبل ولا من بعد .
وشهد - كما رأينا - نموذج أصحاب الأخدود . .
وشهد نماذج أخرى أقل ظهوراً في سجل التاريخ الإيماني في القديم والحديث . وما يزال يشهد نماذج تتراوح بين هذه النهايات التي حفظها على مدار القرون .
ولم يكن بدّ من النموذج الذي يمثله حادث الأخدود ، إلى جانب النماذج الأخرى ، القريب منها والبعيد . .
لم يكن بد من هذا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون ، ولا يؤخذ الكافرون !
ذلك ليستقر في حس المؤمن - أصحاب دعوة الله - أنهم قد يدعون إلى النهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله ، وأن ليس لهم من الأمر شيء ، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله !
إن عليهم أن يؤدوا واجبهم ، ثم يذهبوا ، وواجبهم أن يختاروا الله ، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة ، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية . ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم ، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء . وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان ، أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه .
إنهم أجراء عند الله ، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا وقبضوا الأجر المعلوم ! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير ، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير !
وهم يقبضون الدفعة الأولى طمأنينة في القلب ، ورفعة في الشعور ، وجمالاً في التصور ، وانطلاقاً من الأوهاق والجواذب ، وتحرراً من الخوف والقلق ، في كل حال من الأحوال .
وهم يقبضون الدفعة الثانية في الملأ الأعلى وذكراً وكرامة ، وهم بعد في هذه الأرض الصغيرة .
ثم هم يقبضون الدفعة الكبرى في الآخرة حساباً يسيراً ونعيماً كبيراً .
ومع كل دفعة ما هو أكبر منها جميعاً ، رضوان الله ، وانهم مختارون ليكونوا أداة لقدره وستاراً لقدرته ، يفعل بهم في الأرض ما يشاء .
لقد كان القرآن ينشئ قلوباً يعدها لحمل الأمانة ، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع - وهي تبذل كل شيء ، وتحتمل كل شيء - إلى شيء في هذه الأرض ، ولا تنظر إلا إلى الآخرة ، ولا ترجو إلا رضوان الله ، قلوباً مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت . بلا جزاء في هذه الأرض قريب ، ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة ، وغلبة الإسلام وظهور المسلمين ، بل لو كانوا هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بالمكذبين الأولين !
حتى إذا وجدت هذه القلوب ، التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطى بلا مقابل - أي مقابل - وأن تنتظر الآخرة وحدها موعداً للفصل بين الحق والباطل . حتى إذا وجدت هذه القلوب ، وعلم الله منها صدق نيّتها على ما بايعت وعاهدت ، آتاها النصر في الأرض ، وائتمنها عليه ، لا لنفسها ، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه ، ولم تتطلع إلى شئ من الغنم في الأرض تعطاه ، وقد تجردت لله حقاً يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه .
وكل الآيات التي ذكر فيها النصر ، وذكر فيها المغانم ، وذكر فيها أخذ المشركين في الأرض بأيدي المؤمنين نزلت في المدينة . . بعد ذلك . . وبعد أن أصبحت هذه الأمور خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه .
وجاء النصر ذاته لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة الإنسانية ، تقرره في صورة عملية محددة تراها الأجيال . . فلم يكن جزاء التعب والنصب والتضحية والآلام ، إنما كان قدراً من قدر الله تكمن وراءه حكمة نحاول رؤيتها الآن !
وهذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله ، في كل أرض وفي كل جيل ، فهي كفيلة بأن تريهم معالم الطريق واضحة بلا غبش ، وأن تثبت خطى الذين يريدون أن يقطعوا الطريق إلى نهايته ، كيفما كانت هذه النهاية . ثم يكون قدر الله بدعوته وبهم ما يكون ، فلا يلتفتون في أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء ، وبالعرق والدماء ، إلى نصر أو غلبة ، أو فصل بين الحق والباطل في هذه الأرض . .
ولكن إذا كان الله يريد أن يصنع بهم شيئاً من هذا لدعوته ولدينه فسيتم ما يريده الله . . لا جزاء على الآلام والتضحيات . . لا ، فالأرض ليست دار جزاء . . وإنما تحقيقاً لقدر الله في أمر دعوته ومنهجه على أيدي ناس من عباده يختارهم ليمضي بهم من الأمر ما يشاء ، وحسبهم هذا الاختيار الكريم ، الذي تهون إلى جانبه وتصغر هذه الحياة ، وكل ما يقع في رحلة الأرض من سراء أو ضراء
سيد قطب
المبتدئة منار
23-01-2008, 16:29
وها انت ثانية تعودين استاذتى الفاضلة لتخطي لنا من السطور ما هو اروع
بصراحة كنت اقف عند كل سطر من هذه السطور وارى مغازى وابعاد تحملها السطور بين طياتها
ربما كانت هذه السطور ترمز الى حال من الاحوال ولكنها تجسد واقعا وكما قلت هى لفتة لا بد للدعاة من ان يتخذوها نبراسا لدعوتهم
انت وسيد قطب رائعان بكل ما للكلمة من معنى
تحياتى
. لا جزاء على الآلام والتضحيات . . لا ،
فالأرض ليست دار جزاء . . وإنما تحقيقاً لقدر الله في أمر دعوته ومنهجه على أيدي ناس من عباده يختارهم ليمضي بهم من الأمر ما يشاء ، وحسبهم هذا الاختيار الكريم ، الذي تهون إلى جانبه وتصغر هذه الحياة ، وكل ما يقع في رحلة الأرض من سراء أو ضراء
هذا هو العزاء
وكان الله في عونكم
نعم كل من على الارض من الأفئدة المسلمة تجد لنفسها العزاء عندما تتألم وتضحي في سبيل الله
هوائيتنا اسعدتني بأن كان هذا هو الاختيار نعم اختيار ينبع من نفسك المؤمنة الصابرة ثبتنا الله واياك وجميع المسلمين بالقول الثابت
لقد فرحت بأن عدنا معك ومع مراسي روح الفرح هذا الذي يحيل النفوس المتعبة من هذه الحياة ويهون عليها كل شيء
كذلك فرحت كثيرا لوجود مبتدئة منار ولكأن عناوين هوائيتنا المغناطيس الذي يجذبها لنراها
حفظتكم السلامة
شكرا جزيلا
عذرا على الخطأ ..
حفظكم الله وليس السلامة فلاسلامة تحفظ من دون الله
أختي منار أنت الرائعة
أسعدني مرورك كثيرا
بارك الله فيك
أختي أم ياسر أشكر لك مرورك الطيب
بارك الله فيك
أشكرك كثيرا أختي ربانة
و لنا الكثير من العزاء أيضا في القلوب التي هي معنا رغم بعد المسافات
و أشكر لك دعواتك الطيبة بارك الله فيك
أصلح الله حالنا و حال المسلمين جميعا و ألف بين قلوبنا
إنه على كل شيء قدير
vBulletin® v3.8.7, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir
diamond