تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الفراسة..


احساس
21-06-2008, 03:49
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله

الفراسة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ …
أما بعد: قال الله تعالى {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ} [(75) سورة الحجر]

ذكر عدد من أهل العلم أن هذه الآية في أهل الفِراسة.

والفِراسة هو نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن الملتزم سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- يكشف له بعض ما خفي على غيره مستدلاً عليه بظاهر الأمر فيسدد في رأيه،

يفرق بهذه الفراسة بين الحق والباطل والصادق والكاذب دون أن يستغني بذلك عن الشرع.

وهو يختلف عن الفَراسة الذي هو حذق ركوب الخيل.

وإذا ما اجتمع بالمرء الأمران الفِراسة والفَراسة فهذا نور على نور وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، بصيرة في القلب، وقوة في البدن لمنازلة أعداء الله في الجهاد.

والخسارة من حرم الأمرين.

هذه الفراسة هو ما يسميه العلماء بالفراسة الإيمانية وهذا يكون بحسب قوة الإيمان،

فمن كان أقوى إيماناً فهو أحد فِراسةً.

فمن غرس الإيمان في أرض قلبه الطيبة الزاكية وسقى ذلك الغراس بماء الإخلاص والصدق والمتابعة،
كان من بعض ثمره هذه الفراسة.

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله))

ثم قرأ قول الله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}. [رواه الترمذي].

وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم)) [رواه الطبراني في الأوسط].

وأصل هذا النوع من الفراسة، من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ قال الله تعالى {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا} [(122) سورة الأنعام].


يتبع,,

احساس
21-06-2008, 04:00
هذه الفراسة تتكون للعبد بحسب قربه من الله،
فإن القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه،
وكان تلقيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه، وأضاء له من النور بقدر قربه، فرأى في ذلك ما لم يره البعيد المحجوب

. دخل قوم على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وعمر في مقدمة الصحابة ممن عرف بالفراسة -رضي الله عنه- وسيأتي معنا شيء من أخباره بعد قليل،

قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري: ((لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس مُحدّثون فإن يك في أمتي فإنه عمر)).

دخل قوم من مَذحِج على الفاروق عمر فيهم الأشتر النخعي، فصعّد فيه عمر النظر وصوّبه، وقال: "أيهم هذا؟ قالوا: مالك بن الحارث، فقال: ما له قاتله الله،

إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً".

فكان كما تفرس -رضي الله عنه- فكان منه في الفتنة ما كان.

ودخل رجل على عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها، فقال له عثمان: "يدخل عليّ أحدكم وأثر الزنى ظاهر على عينيه؟!

فقلت: أوحيٌ بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة..

قال أبو شجاع الكرماني: "مَن عمَّر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وكف نفسه عن الشهوات، وغض بصره عن المحارم، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة".

وقد ذكر الله سبحانه قصة قوم لوط وما ابتلوا به ثم قال بعد ذلك: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}

وهم المتفرسون الذين سلموا من النظر المحرم والفاحشة وقال تعالى عقيب أمره للمؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النــور].

قال ابن القيم -رحمه الله- معقباً على كلام الكرماني: "وسر هذا أن الجزاء من جنس العمل

فمن غض بصره عما حرم الله -عز وجل- عليه عوضه الله تعالى من جنسه ما هو خير منه،

فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى،

وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه فإن القلب كالمرآة والهوى كالصدأ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي عليه،

وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات فيكون علمه وكلامه من باب الخرص والظنون" انتهى.

والفرق بين الفراسة والظن: أن الظن يخطئ ويصيب وهو يكون مع ظلمة القلب ونوره وطهارته ونجاسته، ولهذا أمر تعالى باجتناب كثير منه وأخبر أن بعضه إثم.

وأما الفراسة فأثنى على أهلها ومدحهم في قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ}

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: "أي للمتفرسين" وقال تعالى {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} [(273) سورة البقرة]،

وقال تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [(30) سورة محمد]،

فالفراسة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنـزه من الأدناس وقرب من الله فهو ينظر بنور الله الذي جعله في قلبه

احساس
21-06-2008, 04:07
ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يروي عن ربه -عز وجل- أنه قال: ((ما تقرب إلى عبدي بمثل ما افترضت عليه

ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)).

فأخبر سبحانه أن تقرب عبده منه يفيده محبته له فإذا أحبه قرب من سمعه وبصره ويده ورجله، ف

سمع به وأبصر به وبطش به ومشى به، فصار قلبه كالمرآة الصافية تبدو فيها صور الحقائق على ما هي عليه فلا تكاد تخطئ له فراسة

فإن العبد إذا أبصر بالله أبصر الأمر على ما هو عليه،

فإذا سمع بالله سمعه على ما هو عليه وليس هذا من علم الغيب بل علام الغيوب

قذف الحق في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس التي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه،

وإذا غلب على القلب النور فاض على الأركان وبادر من القلب إلى العين فكشف بعين بصره بحسب ذلك النور.

وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مقدمة المتفرسين

روى الحاكم في المستدرك وغيره عن عمرو بن عبسة السُلمي -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعرض الخيل وعنده عيينة
بن بدر الفزاري فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا أعلم بالخيل منك. فقال عيينة: وأنا أعلم بالرجال منك.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فمن خير الرجال؟ قال: رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، ورماحهم على مناسج خيولهم من رجال نجد،

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كذبت بل خير الرجال رجال اليمن،

والإيمان يمان إلى لخمٍ وجُذام، ومأكول حمير خير من أكلها، وحضرموت خير من بني الحارث،

والله ما أبالي لو هلك الحارثان جميعاً، لعن الله الملوك الأربعة، جَمَداً، ومَخُوساً، وأبضَعة، وأختهم العَمَرَّدة،

ثم قال: أمرني ربي أن ألعن قريشاً مرتين فلعنتهم، وأمرني أن أصلي عليهم فصليت عليهم مرتين مرتين.

ثم قال: لعن الله تميم بن مرة خمساً وبكر بن وائل سبعاً ولعن الله قبيلتين من قبائل بني تميم: مَقاعس وملادس،

ثم قال: عُصية عصت الله ورسوله. ثم قال: أسلم وغفار ومزينة وأحلافهم من جهينة خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله يوم القيامة،

ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مَذحِج)).

إننا نعيش في زمن ووقت يحتاج فيه المؤمن أن يكون يقضاً فطناً لديه شيء من الفراسة وإلا لتخطفته الرياح ولعبت به كما لعبت بغيره، والأصل في المؤمن أن يكون ذكياً لا أن يكون مغفلاً ساذجاً، تمرر من بين يديه أمور وأمور وهو لا يدري.

وخلاصة أمر الفراسة أنها تحتاج إلى إيمان وتقوى، فكلما كان العبد أكثر إيماناً كلما فتح الله على قلبه وأعطاه فراسة في الأمور، فصار يرى ما لا يرى غيره. وقد حصل للصحابة وأكابر السلف من هذا الكثير

للشيخ ناصر الأحمد .. من موقعه بتصرف يسير ..

دانـــه
21-06-2008, 15:30
مشكووووره

أختي إحساس

على الموضوع القيم و المفيد

و الطرح الجميل




و الله يجعله في موازين حسناتك

و يرزقك سعادة الدارين الدنيا و الآخره ... اللهم آمييين






احترامي و تقديري,,,,,

سما15
22-06-2008, 00:17
بارك الله فيك
موضوع رائع
جزاك الله كل خير

صدام
22-06-2008, 01:45
رائع اختي
بارك الله فيك
سلمت يداك على هذا الموضوع القيم الذي استمتعت بقراءته

نترقب منك المزيد
تحياتي

ربانة
22-06-2008, 04:03
أولا اهلا بأستاذتنا احساس وسهلا التي اثرتنا فيما مضى بالقيم من القول

وعوداً حميداً

في هذه الصفحة رأينا العجب العجب من الفراسة هذه

والتوسم في العباد

شكرا لك احساس على هذا الموضوع الرائع