المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوسبة الكمية Quantum Computing


مَعين بن جنيد
10-08-2008, 16:41
بسم الله الرحمن الرحيم


Quantum Computing
الحوسبة الكمية

By: Kevin Bonsor
ترجمة: مَعين يحيى بن جنيد
قسم الفيزياء و الفلك-جامعة الملك سعود

إن الكمية الهائلة من الطاقة التشغيلية التي تقوم بتطويرها و إنتاجها شركات الحواسب (الكمبيوترات) ليست قادرة على إرواء ظمئنا للسرعة و زيادة القدرة الحوسبية.
في العام 1947م، توقع هاورد أكين Howard Aiken و هو أحد مهندسي الحاسب الأمريكيين: "إن ستة حواسب رقمية Digital Computers قادرة على إنجاز ما تحتاجه أمريكا من حوسبة"، وقام آخرون مثله بتنبؤات خاطئة عن كمية الطاقة الحوسبية اللازمة لدعم النمو التقني (التكنولوجي).
و بلا ريب، فإن "أكين" لم يضع في حسبانه الكمية الهائلة من البيانات المتولدة عن الأبحاث العلمية، و لا انتشار الحواسب الشخصية، و لا ظهور الانترنت الذي أوقد حاجاتنا إلى المزيد و المزيد من القدرة الحوسبية.
و يبقى السؤال مفتوحا: هل سنحصل في يوم ما على القدرة الحوسبية التي تلبي حاجاتنا؟ أو التي نريدها؟ فإذا كان عدد الترانزستورات في المعالجات الميكروية يستمر في التضاعف كل 18 شهرا -استنادا إلى قانون مور Moor's Law- فإننا سنصل في العام 2020 أو العام 2030م إلى معالجات ميكروية تقاس دوائرها بالمقياس الذري؛ و الخطوة المنطقية التالية هي إنشاء حواسب كمية Quantum Computers، و هي التي ستسخر طاقة الأنوية و الجزيئات للقيام بمهام الذاكرة و المعالجة.
إن الحواسب الكمية لها القدرة على إنجاز حسابات معينة أسرع بملايين المرات من أي حاسب رقمي سيليكوني.
و قد بنى العلماء بالفعل حاسبا كميًّا بدائيًّا يستطيع أن يقوم بحسابات محددة، و لكنّ إنتاج حاسبا كميا عمليا ما يزال على بعد سنين من الوقت الحاضر. و في هذا المقال سوف نتعرف على ماهية الحواسب الكمية، و كذلك سنتعرف على مجالات استخدامها.

تعريف الحاسب/الحاسوب الكميّ

لسنا بحاجة إلى العودة إلى الماضي البعيد لنبحث عن أصول الحوسبة الكمية، فعلى الرغم من أن الحواسب تحيط بنا في غالبية فترة القرن العشرين، فإن التنظير للحواسب الكمية قد بدأ قبل عشرين عاما و حسب، و ذلك من قبل فيزيائي يعمل في مختبر أرجون الوطني، و هو باول بينيوف Paul Benioff الذي تنسب إليه أول نظرية كمية تطبيقية للحواسب، و ذلك في العام 1981م.
لقد طرح باول أول نظرية عن إنشاء آلات تيورية كمية Quantum Turing Machine، حيث إن معظم الحواسب الرقمية، كالتي نستخدمها الآن، مبنية على نظرية تيورينج Turing Theory.
في الثلاثينات الميلادية طور ألان تيورينج Alan Turing الآلات التيورية، و هي التي تحوي شريطا من الأطوال غير المنتهية و المقسمة على شكل مربعات صغيرة متساوية، و كل مربع يمكنه أن يحمل أحد الرمزين: الصفر أو الواحد (0 أو 1) أو أن يُترَك خاليا. و يمكن أن تُقرأ تلك الرموز بأداة للقراءة و الكتابة (أي: لقراءة الرموز و كتابتها)، حيث تُعطَى التعليمات (الأوامر) إلى الآلة لكي تقوم بإنجاز برنامجا محددا. قد يبدو ذلك مألوفا لدينا! و من هنا ننتقل إلى الآلات التيورية الكمية، حيث إنها تختلف عن السابقة بأن الشريط المذكور يكون موجودا في حالة كمية، و كذلك الأمر بالنسبة لأداة القراءة و الكتابة.
إن معنى ذلك هو أن الرموز على الشريط يمكن أن تأخذ القيمة 0 أو 1 أو أي تراكب Superposition بين الصفر و الواحد!
و بينما تتمكن الآلات التيورية من إنجاز عملية حسابية واحدة، فإن الآلات التيورية الكمية باستطاعتها أن تقوم بحسابات عديدة في الوقت ذاته.
إن حواسبنا الحالية، التي هي آلات تيورية، تعمل من خلال التعامل مع البتّات Bits التي تكون في إحدى حالتين: إما الصفر، أو الواحد. لكنّ الحواسب الكمية ليست محدودة بهاتين الحالتين، بل إنها تستطيع أن تحل تشفير المعلومات بوصفها بتّات كمية، أو كيوبتّات Qubits.
يمكن للكيوبت أن يكون 1 أو 0 أو عبارة عن تراكب محدد يكون فيه صفرا و واحدا في آن معًا! أو في أي مكان بينهما!
إن الكيوبتّات تمثل الذرات التي تعمل مع بعضها لتتصرف بوصفها ذاكرة حوسبية و معالجات. و لأن الحواسب الكمية يكمن أن تحوي تلك الحالات الآنية المضاعفة؛ فهي تملك القدرة على أن تكون أكثر فعالية من أفضل الحواسب الخارقة الموجودة حاليا بملايين المرات!
إن تراكب الكيوبتّات هو ما يعطي الحواسب الكمية خاصية التوازي الطبيعية Inherent Parallelism. و استنادا إلى الفيزيائي ديفيد ديتش David Deutsch؛ يسمح ذلك التوازي للحواسب الكمية بأن تعمل على ملايين الحسابات في الوقت نفسه، بينما يعمل جهاز الحاسب الشخصي على عملية واحدة فقط!
يستطيع الحاسب الكمي ذو الثلاثين كيوبت (30-qubits) أن يعمل بالكفاءة نفسها التي يعمل بها حاسب تقليدي ذو عشرة تيرافلوب (10-Teraflops) –أي: تريليون عملية رقمية لكل ثانية-، مع العلم أن الحاسب المثالي في وقتنا الحاضر يعمل على سرعة تقاس بالجيجافلوب (gigaflops).
كذلك تستخدِم الحواسب الكمية خاصية كمية أخرى تعرف بالتشابك Entanglement.
يظل هناك مشكل في فكرة الحواسب الكمية؛ لأننا نتعامل مع جسيمات ذرية، فإذا ما أردنا أن ننظر إليها؛ قد نشوشها فتتغير قيمتها. و لكن في الفيزياء الكمية نستطيع أن نسلط قوة خارجية على ذرتين، و بهذا نجعلهما تتشابكان؛ فتأخذ الذرة الثانية خصائص الأولى. لذلك عندما تترَك بمفردها فإنها تدور بحركتها المغزلية (البرمية) في كل الاتجاهات، و لكن ما أن تشوَّش؛ حتى تأخذ حركة مغزلية واحدة، أي قيمة واحدة، بينما تأخذ الذرة الأخرى الحركة المغزلية المعاكسة، أي قيمة معاكسة.
إن هذا ما يسمح للعلماء بمعرفة قيمة الكيوبتّات دون أن ينظروا مباشرة إلى الذرة، حيث قد يضطرهم ذلك إلى العودة إلى نظام الأصفار و الآحاد.

الحواسب الكمية في وقتنا الحاضر.

من المحتمل أن تحل الحواسب الكمية محل الرقائق السيليكونية Silicon Chips، مثلما حلت الترانزستورات محل الأنابيب المفرغة Vacuum Tubes.
و لكن حتى الآن، تظل التقنية المطلوبة لتطوير الحواسب الكمية بعيدة شيئا ما. فمعظم الأبحاث التي تختص بالحوسبة الكمية ما زالت نظرية.
إن أكثر الحواسب الكمية تقدما في وقتنا الحاضر لم تستطع أن تتجاوز سبعة كيوبت (7-qubits) و هذا يعني أننا ما زلنا في مرحلة أولية. على أية حال، تظل قدرة الحواسب الكمية على تقديم حسابات سريعة و سهلة -قد تتطلب من الحواسب العادية وقتا طويلا- هي الدافع لتطوير الأبحاث، فهناك تقدم رئيس في الحوسبة الكمية أخذ مجراه في السنوات القليلة الماضية، و دعنا نلقي نظرة على بعض الحواسب الكمية التي تم تطويرها:
* في شهر أغسطس من العام 2000م، طور الباحثون في شركة IBM حاسبا كميا مدعين أنه الأكثر تطورا في الوقت الحاضر. إنه حاسب كمي بخمسة كيوبت (5-qubits)، و هو مصمم ليسمح لخمس ذرات من الفلورين أن تتفاعل Interaction سوية بوصفها كيوبتات، و قد برمِـجت بواسطة نبضات كهرومغناطيسية ذات تردد راديويّ، و يتم الكشف عنها –أي: قراءة بياناتها- بواسطة جهاز الرنين المغناطيسي النووي NMR و هو شبيه بذلك الذي يستخدم في المستشفيات.
و بقيادة الدكتور إسحاق شوانج Isaac Chuang، استطاع فريق IBM أن يحل مسألة رياضية من ذلك النوع الذي يُدخِل الحواسب العادية في دوائر تكرارية Repeated Cycles. و تعرَف تلك المسألة بمسألة إيجاد الرتبة Order-Finding، و هي تتعلق بإيجاد الزمن الدوري لدوال محددة، و هي سمة نموذجية لعدة مسائل رياضية تدخل ضمن الكتابة المشفرة Cryptography.
* و في شهر مارس من العام نفسه، أعلن العلماء في مختبر لوس ألاموس الوطني LANL عن تطويرهم لحاسب كمي بسبعة كيوبت (7-qubits) ضمن قطرة واحدة من مائع ما، و قد تم استخدام جهاز NMR للتعامل مع الجسيمات في أنوية جزئيات حمض الكروتونك التحولي(1) Trans-Crotonic Acid ، و هو مائع خفيف يتكون من جزئيات الهيدروجين و الكربون. كما يتم استخدام جهاز NMR لتسليط نبضات كهرومغناطيسية تجبر الذرات على التّراصّ. و تكون تلك الجسيمات في حالة توازٍ أو تعاكس مع اتجاه المجال المغناطيسي؛ فتسمح للحاسب الكمي بأن يحاكي عملية فك تشفير المعلومات التي تقوم بها الحواسب الرقمية.
* في العام 1998م، استطاع الباحثون في لوس ألاموس بالتعاون مع باحثي MIT أن يوزعوا كيوبت واحدا بين ثلاث لفات برمية نووية 3 Nuclear Spins في كل جزيء من محلول الألانين (2) Alanine أو جزيئات الإيثيلين ثلاثي الكلور Trichloroethylene.
إن عملية توزيع الكيوبت يجعل تحريفه صعبًا (أي يزيد من احتمالية حفظه)، و هي تسمح للباحثين أن يستخدموا التشابك في دراسة التفاعل Interaction بين الحالات بوصفها طريقة غير مباشرة لتحليل المعلومات الكمية.

لو استطعنا أن نبني حواسب كمية وظيفية؛ فإنها ستكون ذات أهمية كبيرة في التعامل مع الأرقام الضخمة جدا، و بالتالي ستكون مفيدة جدا لإجراء عمليات تشفير المعلومات السرية و فك تشفيرها. و إذا افترضنا أن أحدها قد تم بناؤه في وقتنا الحاضر؛ فإن المعلومات الموجودة في الشبكة العنكبوتية لن تكون في أمان؛ لأن طرقنا الحالية في التشفير تعد ضحلة بالموازنة مع الطرق المعقدة الممكنة في الحواسب الكمية.
كذلك يمكن استخدام الحواسب الكمية لإجراء عملية البحث في عدد كبير من قواعد البيانات و ذلك خلال كسر (جزء) من الوقت الذي تتطلبه الحواسب التقليدية.
إن الحوسبة الكمية ما تزال في مراحل التطوير الأولية، و التقنية المطلوبة لإنشاء حاسب كمي عمليّ تبعد سنين عنّا، لأن الحواسب الكمية لا بد أن تحوي عدة درازن Dozen من الكيوبتات لتكون قادرة على حل المشاكل الحقيقية، و بالتالي ستخدمنا بوصفها طريقةُ حوسبةٍ ناجحة.

3-1-1427هـ


المصدر: HowStuffWorks.com
[line]
هوامش:
(1) حمض الكروتونك Crotonic Acid: هو حمض عضوي يستخدم في تحضير المواد الصيدلانية. و رمزه هو C4H6O2. [المترجم]
(2) الألانين Alanine: هو حمض أميني متبلور، يشترك في تأسيس العديد من البروتينات، و رمزه هو C3H7NO2. [المترجم]

الأسطووورة
07-03-2009, 20:43
الحوسبة الكمية تقنية رااااائعة في التراسل وتشفير المعلومات ..
لها القدرة على معالجة كميات كبيرة ومعقدة من المعلومات وبسرعة أكبر ,,
إنه بالفعل مجال بحث رائع ..

رختر
01-04-2009, 22:22
راااائع ...لي عودة للاثراء
بارك الله في جهودك أخي الكريم

خلدون محمد خالد
30-05-2009, 03:34
تحية طيبة الزميل m.jonaid

شكراً على هذا الموضوع المميز. قمت بنسخه لاقرأه بهدوء.

على دروب الكلمة الصادقة نلتقي :s_thumbup:

المخلص دوماً

خلدون محمد خالد

مَعين بن جنيد
03-06-2009, 02:48
إخواني.. الأسطورة و رختر و خلدون.. أشكر لكم مروركم و تشجيعكم.. و بانتظار مناقشاتكم و إضافاتكم..

تحياتي الصادقة
مَعين

سهيل اليماني
26-08-2009, 09:59
رااائع

بارك الله فيك

تغريـد
01-09-2009, 00:12
بارك الله فيك أخي معين
جهد مشكور و معلومات قيمة
أخي هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن ظاهرة Entanglement

مهند الزهراني
01-09-2009, 02:58
مواضيع الأخ معين مميزة دائما وبالنسبة لظاهرة الانتالجلمنت فقد تحدث عنها البروفيسور زويل وهي تقنية كمية متطورة ولكن للأسف لا اعلم عنها بعد وأتمنى أن يوافينا الأخ معين عنها بعد أن يرجع ....

متفيزقة مبدعة
01-09-2009, 09:52
موضوع مميز وراائع منك ياخي معين .....
لكن له توسعات اخرى وكبير ..
شكرا لك :):):):):):)

الخفاش الابيض
01-09-2009, 14:18
موضوع رائع.

كليبر
01-09-2009, 22:55
لك كل الشكر اخي العزيز على هذا الموضوع الغني وانا واثق بانه عند تطوير Quantum computers
سوف تتسارع وتيرة التقدم العلمي بشكل مذهل وأتمنى ان يكون لنا نحن العرب مكانا مرموقا في مسقبل البشريه القادم بجهود شبابنا الذي نفتخر بهم.

الحارث
19-09-2009, 21:10
يعطيك العافية
بارك الله فيك

مَعين بن جنيد
02-11-2009, 18:29
السلام عليكم. حياكم الله جميعا، و جزاكم الله خيرا.

أختنا الفاضلة تغريد. سأقوم إن شاء الله بإعداد موضوع يسير عن التشابك الكمي Entanglement. و الفكرة باختصار -قد يكون مخلا- و بدون عرض تاريخي و لا التطرق إلى معادلات... أن التجارب حتى اليوم تؤكد أنه لو كان لدينا نظاما كوانتمي مكون من الكترونين أو فوتونين أو غيرها.. فأكثر... و كان لكل من الجسيم الأول و الثاني استقطاب أو غزل spin محدد... فإننا لو فصلنا الجسيمين عن بعضهما إلى مسافة ما، أيا كانت، و غيرنا استقطاب الجسيم الأول، فإن استقطاب الجسيم الثاني سوف يتغير تبعا لذلك!!!
قد يبدو هذا ليس منطقيا (و هو أمر قاد "آينشتين" و "بودولسكي" و "روزن" إلى طرح ما يعرف بمتناقضة EPR)، و لكنه أمر تفترضه ميكانيكا الكم، و تثبته التجارب حتى الآن... و على هذا المبدأ تقوم مجالات مثل المعلومات الكمية Quantum information... و التشفير الكمي...
و من باب الإشارة، أذكر أن أحد الفائزين بجائزة الملك فيصل العالمية في الفيزياء لعام 2005م كان رئيسا -و ما زال- لمجموعة علمية في جامعة فيينا بالنسما و فاز بالجائزة لتجاربه في التشفير الكمي بواسطة الضوء.. اسمه Anton Zeilinger و ألقى محاضرة رائعة في قسم الفيزياء و الفلك بجامعة الملك سعود تحدث فيها عن عمله -و بالطبع، لم أفهم معظمها آنذاك-.

الموضوع له خلفيات أخرى.... سأتطرق إليها لاحقا إن شاء الله في موضوع مستقل.

تغريـد
06-11-2009, 01:22
كل الشكر لك أخي الكريم

أنتظر موضوعك بفارغ الصبر

و أرجو أن يكون الباب مفتوحا فيه للنقاش

لتعم الفائدة و تتحدد الأفكار

فبارك الله فيك أخي الكريم و في جهودك
كل الشكر و التقدير

khaled1966
17-02-2010, 20:18
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

علوي
26-03-2010, 23:38
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه