no1
07-12-2005, 22:11
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا البحث كتبه صلاح الدين ابراهيم أبو عرفة جزاه الله عنا خيرا وأحببت أن تطلعوا عليه
سفينة نوح.. استوت بجانب المسجد الأقصى!
قد يقول قائل: بل استوت على جبال "أراراط" عند تركيا!.
وقد يقول قائل: بل هي في مكان آخر لا يعلم!.
وقد يقول آخر: وما يعنينا, وماذا يفيدنا؟!.
فنقول للفريق الأول: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين, فإن كان من عند النبي محمد عليه الصلاة والسلام فنعما هو, وارتضينا وآمنا, وإن كان من عند غير النبي, فليس بشيء, خاصة وأنه نص "منحول" من التوراة, وفي هذا مخالفة لأمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام من حديثه الصحيح, بألا نأخذ من أهل الكتاب. وفي أمر النبي ما فيه من التعطيل الواضح لنصوص التوراة والانجيل, مما لم يصرح بصحته النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام, وفيه ما فيه من صرف الناس إلى "الكتاب والحديث" وما فيهما من العلم الخالص.
ونقول للفريق الثاني: فلنبحث, ما دامت آية من آيات الله, صنعت بعينه ووحيه, وتركها آية للمدّكرين. فالعبد المؤمن يعظم أفعال الله ولا يتهونها, عدا ما في الآيات من التلميح إلى حفظها والإشارة إلى رفعتها, {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية, لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}.
ونقول للفريق الأخير الذي يسأل ماذا تعنينا؟, فنقول: قد عنت الله من قبل, وحسب!.
وأما ماذا يفيدنا منها, فنقول: لم يفدنا الجهل بها, حتى يضرنا العلم بها!.
بل ولعل وراءها ما وراءها, ألم يجعلها الله آية للعالمين, فنحن من العالمين, أفلا نسأل عنها ولو قليلا؟!. {فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}.
ومن كان يظن أن الله صنعها لينجي الخلائق فيها وحسب, فهو مخطئ, ألم ينجّ الله موسى ومن معه بغيرما فلك؟!. بل السفينة آية بذاتها باقية بعد النجاة, {ولقد تركناها آية فهل من مدّكر}؟.
ثم ألا نرى هذه الحملات المحمومة للبحث عنها, كأصل للبشرية الأولى, بل وللخلق كله؟. فلماذا نبقى نحن المسلمون المستأخرين دائما, حتى إذا وجدها غيرنا, قلنا وتطاولنا: إنها عندنا في القرآن, والقرآن سبق العلوم!, ولن نجد يومها من يصدقنا.
وما دمنا نقرأ لمن عاين الحدث يومها, بل لمن خلق الحدث كله, ومن كتابه المحفوظ, فلنبحث مؤمنين واثقين مستندين إلى ركن شديد, أن البلاغ حق وصدق محفوظ!.
قبل أن نبدأ البحث
قبل أن نتوجه في هذه الرحلة العظيمة, نلفت من سيمضي معنا أن ما عند الناس من العلوم عن السفينة جله خطأ مصنوع!.
فما "يشاع" من أنها سفينة من ألواح من خشب, فلا أصل له, فقد تكون من خشب وقد تكون من شيء آخر, ومن استدل على الخشب من آية سورة القمر {وحملناه على ذات ألواح ودسر}, فاستدلاله غير صحيح!.
فاللوح, أسم لهيئة منتظمة صنعت بعناية, {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}. أمن خشب لوح الله المحفوظ أم من حديد؟!.
وليس في الكلمة أدنى دلالة على مادة الهيئة والصنعة, فقد يكون لوحا من خشب, أو من حجر, أو من حديد, {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه}, فمن يقطع لنا أنها ألواح من خشب؟.
وما تتناقله التفاسير من أن الله أوحى إلى نوح أن اصنع الفلك, فقال نوح: وكيف أصنعها ولست بنجار؟, فأنبت الله له شجرة مائة عام, فنجرها نوح مائة عام أخرى!.
???
فنقول إن هذا ليس بشيء, ومثل هذه النصوص هي من مسئولية العلماء المحققين, إذ يتركوها بغير تصحيح أو توجيه. فأول ما يسأل السائل المحقق: من أين لكم بهذا النص, هل عندكم من الله سلطان به, من كتاب أو حديث, فإن لم يأتونا بسلطان, فإنما هذا من الكذب على الله وعلى نبيه نوح, والله لا يستحيي من الحق!.
فحال ما نسمع بسفينة نوح, يتبادر إلى أذهاننا سفينة خشبية من الطراز العتيق, بدائية كأشد الفلك بداءة, فلا ترقى بحال أن ترسو بمصاف المحدثات من المنشآت العصرية, من البوارج المتطورة, بصنعتها وقوتها وأدائها!. وهنا عجيب التناقض مما ألفينا عليه آباءانا.
لنتخيل معا
فلك يصنعه "نبي" بعين الله ووحيه, أي بأمره ورعايته, بتصميمه وأشرافه, وهو الله المبدع, فكيف يكون؟!.
إنه بلا شك أعلى مستوى مما يُتصور من الفلك, وأحسنها صنعة, وأتمها أداء, بما يتصاغر معه كل صنعة للناس, إلى يوم القيامة!.
وليقرأ من شاء أن يقرأ {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون, وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}, فالآية صريحة, أن كل ما نركبه اليوم وحتى قيام الساعة, إنما هو "من مثل" الفلك الأول عند نوح, فهو أحسنها صنعة وأعلاها مثالا.
فمهما تتخيله وتخيّله نصوص التوراة والكتب العتيقة, ومن أخذ عنهم فهو باطل, لا يستقيم مع أبعاد وصف الله للفلك.
فلنبدأ بحثنا
كتاب الله المحفوظ يرسم لهذه الرحلة العظيمة علامتين, علامة البدء, وعلامة الاستواء والاستقرار. نجد هاتين العلامتين صراحة في سورة هود من الآية 40 إلى الآية 44 {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور, قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن, وما آمن معه إلا قليل}, إلى {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي, وغيض والماء وقضي الأمر واستوت على الجودي}.
إذا هاتان هما العلامتان, تبدأ من فوران "التنور", وهذه علامة لمكان وتوقيت في آن واحد, حتى تنتهي بالاستواء على "الجودي".
فأي تنور هذا, وأين هذا "التنور"؟
وأي جودي هذا, وأين هذا "الجودي"؟
كتب التفسير لا تعطي جوابا شافيا على هذين السؤالين, بل تكتفي بـ"الظن", بين جودي غابر في بلاد الحجاز, هكذا بهذا التضبيب والتتويه, أو كما تقول بعض التفاسير الاخرى أنه "قد" يكون جبل "اراراط" بتركيا, وقلنا أن هذا النص مقتبس من الكتاب المنسوخ, التوراة, والتوراة ليست دليلا ولاحجة, بل هي مثلمة على من احتج بها!.
وليس عندنا نص صريح للنبي محمد عليه الصلاة و السلام, فوجب أن نعكف على القرآن للاسترشاد والاهتداء, ولا نقول أبدا: إن سلفنا لم يقولوا به, ولم يبحثوا عنه. فنحن لا نتعبد لله بجهد من سبقنا, ولا بفهم من سبقنا, إلا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, ومن وصى به من الخلفاء المهديين. ونحن نحيى بزماننا بكتاب الله وهدي نبيه, لا بزمان من سبقنا, ألا تروننا تركنا الخيل والبغال والحمير, واستوينا على الفارهات الجاريات, وتركنا الخيام وبيوت الطين, ونزلنا الشاهقات والقصور؟. ولم نتمسك إلا بالكتاب والحديث.
أين نحن الآن؟.
كما أشرنا من قبل, فإن سورة هود تذكر العلامتين صراحة, وتشاركها بواحدة منهما "صريحة", سورة المؤمنون, فنجد "التنور" فيها أيضا, كما وصف الحال في هود, بكثير من التشابه والتفصيل, فيما لا تجده في سورة غيرهما, كأنهما تعضدان وتصدقان بعضهما.
ولكن في سورة المؤمنون علامة فارقة عظيمة, وإشارة ظاهرة للباحثين "المدّكرين".
تلك التي في الآية 29 {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين, وقل رب أنزلني مُنزلا مباركا وأنت خير المنزلين}.
أين هذا المنزل المبارك؟
وهي منزل, بفتح الميم أوبضمها, وكلاهما قراءتان متواترتان, فأين هو؟!.
قلنا من قبل إن اعتمادنا كله على هذا القرآن وحديث النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام, فهذا القرآن هو "دائرة معارف المسلمين وموسوعتهم الجامعة", فحيثما أشكل علينا شيء, أو خفي عنا شيء, فهو مرجعنا ومردنا, من عنده نبدأ, وإليه ننتهي, وما سوى ذلك فليس بحجة!.
فهذه "الموسوعة الكاملة" تحدد منزلين مباركين لا غير, {للذي ببكة مباركا} و{المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}, والبركة في القرآن ما اختُصت بأرض مثلما اختصت بأرض المسجد الأقصى, حتى أن الله لما ذكر المسجدين مجتمعين, بارك المسجد الأقصى خصوصا {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}.
إذا نحن بين "منزلين" مباركين لا ثالث لهما, والثاني منهما أظهر بركة وأكثر بيانا.
والأول منهما للأمن بواد غير ذي زرع, والثاني للبركة, فكثر ما يلتزم البيت الحرام في القرآن بالأمن, مثلما كثرت البركة للأخير.
وما زلنا نقرأ من سورة الأنبياء عن أبينا أبراهيم {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}. فها هي النجاة مرة أخرى إلى الأرض المباركة ظاهرة جلية لا تتلبس على أحد, مثلما نجى الله نوحا إلى المنزل المبارك, ومثلما ستنزل الخلافة في ختام الرسالة في الأرض المقدسة, فهو منزل النجاة المبارك.
فوجب أن نبدأ البحث منهما, لا أن نغض الطرف عنهما, فنبدأ البحث من سواهما, ففي هذا ما فيه من التيه والتضليل, ولا يفعله عاقل.
ومن يرى أن الله قصد منزلا مباركا آخرا, فليأتنا ببينة من الله!.
فباعتمادنا على تخصيص البركة بالمسجد الأقصى, نتجه إليه ونبدأ من عنده. والقصة القرآنية لا تترك الوصف معمما دون تحديد, بل هي تحدد "الجودي" من الأرض المباركة.
فأين "الجودي" في الأرض المباركة؟.
"الجودي" بأل التعريف عند علماء اللغة للعهد, أي للقصد بالعين, فهي تعني جوديا معينا, لا أي جودى بالإطلاق. ولعلنا نصل إلى المكان المنشود من دلالة اللفظ والمعنى, فما معنى "الجودي"؟.
هي في جذرها من "الجود", وهي بذاتها من الكرم والعطاء والبركة, فلنعد مرة أخرى إلى "موسوعتنا" المباركة -القرأن- ولنبحث عن بقعة "جواد" معطاء, أين نجدها؟!.
{والتين, والزيتون, وطور سينين, وهذا البلد الأمين}. إن أحب القارئ أن يعرف رأي التفاسير في "الطور", فنقول له: إنها على اختلاف, فلم يقطع أحد بقوله, فمنهم من قال: الذي في سيناء مصر, ومنهم من قال الذي في بلاد الشام "الأرض المباركة", والقول الأول من أنه في سيناء مصر, قول مرجوح لا أصل له, وإنما تلبس الفهم فيه من كلمة "سيناء", فمن يقطع أن الله أراد بها "سيناء" مصر, ولو كان كذلك لما قال الله هنا "سينين" إن كانت هي "سيناء"!.
وذكر الرازي في تفسيره أدلة كثيرة تقوي مذهب من قال بأن المراد بطور سينين وطور سيناء إنما هو طور بيت المقدس, ومنها ما ذكر عن المفسرين "قتادة" و"الكلبي" من أن " طور سيناء" تعني الجبل المشجر المثمر, فهل هذا في صحراء سيناء؟, ولو كانت سيناء مصر بالقطع, لما اختلف فيها أحد.
ثم إن سورة التين نفسها تشي بهذا, فالآية دون تكلف, تذكر بقعتين يقسم الله بهما, الطور, والبلد الأمين, فأما البلد الأمين فعرفناه, وأما الطور, فالذي ببيت المقدس, وهاكم دليلنا!.
هذا دليلنا
الآية 20 من سورة المؤمنون {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}, فالآية تعقد وتجمع بقوة بين "طور سيناء" وبين النتاج والنبات بالدهن
-الزيت- للآكلين. وكل من يعرف العربية, يعرف أن "تخرج" و"تنبت" و"الآكلين", كلها صيغ مضارعة مستمرة حاضرة معنا الأن, فلنذهب جميعا إلى "صحراء سيناء" ولتخرجوا لنا شجرة "تخرج" فيها "تنبت" بالدهن وصبغ للآكلين الحاضرين الآن!.
أما {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}, فهي بلا تكلف كلها صفات "للجود" والعطاء الحاضر المستمر. فلنذهب جميعا إلى طور الأرض المباركة فلنر كم عليه من شجر الزيتون المنتج المعطاء على مدار السنين, حتى إن أهل بيت المقدس ليسمونه "جبل الزيتون"!.
والله نادى موسى عند "البقعة المباركة" من جانب الطور {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة}, فها هو الطور وها هي البقعة المباركة وها هي الشجرة مرة أخرى, فمن يقول أن في سيناء مصر من هذا من شيء, ومن يُخرج لنا علما عن الله أن الله بارك سيناء مصر, ومن يُخرج لنا علما عن الله أن الله قدس سيناء مصر, ألم يقرأ الناس {إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى}؟. وإنما القداسة والطهارة لواديين وحسب, وادي مكة, ووادي بيت المقدس.
أما نحن فعندنا من الله علم أن الله بارك حول المسجد الأقصى –والطور حول المسجد الأقصى-, وأن الله قدس الأرض المباركة, {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم}. فهي بيت المقدس والقداسة, فلمَ نعدل عنها لغيرها بغير برهان ولا بينة؟!.
ثم لو وجد اليهود في سيناء مصر ما يشير ولو بقليل من بعيد أنهم كانوا هنا يوما ما, لما تركوها!.
هذا البحث كتبه صلاح الدين ابراهيم أبو عرفة جزاه الله عنا خيرا وأحببت أن تطلعوا عليه
سفينة نوح.. استوت بجانب المسجد الأقصى!
قد يقول قائل: بل استوت على جبال "أراراط" عند تركيا!.
وقد يقول قائل: بل هي في مكان آخر لا يعلم!.
وقد يقول آخر: وما يعنينا, وماذا يفيدنا؟!.
فنقول للفريق الأول: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين, فإن كان من عند النبي محمد عليه الصلاة والسلام فنعما هو, وارتضينا وآمنا, وإن كان من عند غير النبي, فليس بشيء, خاصة وأنه نص "منحول" من التوراة, وفي هذا مخالفة لأمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام من حديثه الصحيح, بألا نأخذ من أهل الكتاب. وفي أمر النبي ما فيه من التعطيل الواضح لنصوص التوراة والانجيل, مما لم يصرح بصحته النبي الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام, وفيه ما فيه من صرف الناس إلى "الكتاب والحديث" وما فيهما من العلم الخالص.
ونقول للفريق الثاني: فلنبحث, ما دامت آية من آيات الله, صنعت بعينه ووحيه, وتركها آية للمدّكرين. فالعبد المؤمن يعظم أفعال الله ولا يتهونها, عدا ما في الآيات من التلميح إلى حفظها والإشارة إلى رفعتها, {إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية, لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية}.
ونقول للفريق الأخير الذي يسأل ماذا تعنينا؟, فنقول: قد عنت الله من قبل, وحسب!.
وأما ماذا يفيدنا منها, فنقول: لم يفدنا الجهل بها, حتى يضرنا العلم بها!.
بل ولعل وراءها ما وراءها, ألم يجعلها الله آية للعالمين, فنحن من العالمين, أفلا نسأل عنها ولو قليلا؟!. {فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين}.
ومن كان يظن أن الله صنعها لينجي الخلائق فيها وحسب, فهو مخطئ, ألم ينجّ الله موسى ومن معه بغيرما فلك؟!. بل السفينة آية بذاتها باقية بعد النجاة, {ولقد تركناها آية فهل من مدّكر}؟.
ثم ألا نرى هذه الحملات المحمومة للبحث عنها, كأصل للبشرية الأولى, بل وللخلق كله؟. فلماذا نبقى نحن المسلمون المستأخرين دائما, حتى إذا وجدها غيرنا, قلنا وتطاولنا: إنها عندنا في القرآن, والقرآن سبق العلوم!, ولن نجد يومها من يصدقنا.
وما دمنا نقرأ لمن عاين الحدث يومها, بل لمن خلق الحدث كله, ومن كتابه المحفوظ, فلنبحث مؤمنين واثقين مستندين إلى ركن شديد, أن البلاغ حق وصدق محفوظ!.
قبل أن نبدأ البحث
قبل أن نتوجه في هذه الرحلة العظيمة, نلفت من سيمضي معنا أن ما عند الناس من العلوم عن السفينة جله خطأ مصنوع!.
فما "يشاع" من أنها سفينة من ألواح من خشب, فلا أصل له, فقد تكون من خشب وقد تكون من شيء آخر, ومن استدل على الخشب من آية سورة القمر {وحملناه على ذات ألواح ودسر}, فاستدلاله غير صحيح!.
فاللوح, أسم لهيئة منتظمة صنعت بعناية, {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}. أمن خشب لوح الله المحفوظ أم من حديد؟!.
وليس في الكلمة أدنى دلالة على مادة الهيئة والصنعة, فقد يكون لوحا من خشب, أو من حجر, أو من حديد, {وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه}, فمن يقطع لنا أنها ألواح من خشب؟.
وما تتناقله التفاسير من أن الله أوحى إلى نوح أن اصنع الفلك, فقال نوح: وكيف أصنعها ولست بنجار؟, فأنبت الله له شجرة مائة عام, فنجرها نوح مائة عام أخرى!.
???
فنقول إن هذا ليس بشيء, ومثل هذه النصوص هي من مسئولية العلماء المحققين, إذ يتركوها بغير تصحيح أو توجيه. فأول ما يسأل السائل المحقق: من أين لكم بهذا النص, هل عندكم من الله سلطان به, من كتاب أو حديث, فإن لم يأتونا بسلطان, فإنما هذا من الكذب على الله وعلى نبيه نوح, والله لا يستحيي من الحق!.
فحال ما نسمع بسفينة نوح, يتبادر إلى أذهاننا سفينة خشبية من الطراز العتيق, بدائية كأشد الفلك بداءة, فلا ترقى بحال أن ترسو بمصاف المحدثات من المنشآت العصرية, من البوارج المتطورة, بصنعتها وقوتها وأدائها!. وهنا عجيب التناقض مما ألفينا عليه آباءانا.
لنتخيل معا
فلك يصنعه "نبي" بعين الله ووحيه, أي بأمره ورعايته, بتصميمه وأشرافه, وهو الله المبدع, فكيف يكون؟!.
إنه بلا شك أعلى مستوى مما يُتصور من الفلك, وأحسنها صنعة, وأتمها أداء, بما يتصاغر معه كل صنعة للناس, إلى يوم القيامة!.
وليقرأ من شاء أن يقرأ {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون, وخلقنا لهم من مثله ما يركبون}, فالآية صريحة, أن كل ما نركبه اليوم وحتى قيام الساعة, إنما هو "من مثل" الفلك الأول عند نوح, فهو أحسنها صنعة وأعلاها مثالا.
فمهما تتخيله وتخيّله نصوص التوراة والكتب العتيقة, ومن أخذ عنهم فهو باطل, لا يستقيم مع أبعاد وصف الله للفلك.
فلنبدأ بحثنا
كتاب الله المحفوظ يرسم لهذه الرحلة العظيمة علامتين, علامة البدء, وعلامة الاستواء والاستقرار. نجد هاتين العلامتين صراحة في سورة هود من الآية 40 إلى الآية 44 {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور, قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن, وما آمن معه إلا قليل}, إلى {وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي, وغيض والماء وقضي الأمر واستوت على الجودي}.
إذا هاتان هما العلامتان, تبدأ من فوران "التنور", وهذه علامة لمكان وتوقيت في آن واحد, حتى تنتهي بالاستواء على "الجودي".
فأي تنور هذا, وأين هذا "التنور"؟
وأي جودي هذا, وأين هذا "الجودي"؟
كتب التفسير لا تعطي جوابا شافيا على هذين السؤالين, بل تكتفي بـ"الظن", بين جودي غابر في بلاد الحجاز, هكذا بهذا التضبيب والتتويه, أو كما تقول بعض التفاسير الاخرى أنه "قد" يكون جبل "اراراط" بتركيا, وقلنا أن هذا النص مقتبس من الكتاب المنسوخ, التوراة, والتوراة ليست دليلا ولاحجة, بل هي مثلمة على من احتج بها!.
وليس عندنا نص صريح للنبي محمد عليه الصلاة و السلام, فوجب أن نعكف على القرآن للاسترشاد والاهتداء, ولا نقول أبدا: إن سلفنا لم يقولوا به, ولم يبحثوا عنه. فنحن لا نتعبد لله بجهد من سبقنا, ولا بفهم من سبقنا, إلا رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام, ومن وصى به من الخلفاء المهديين. ونحن نحيى بزماننا بكتاب الله وهدي نبيه, لا بزمان من سبقنا, ألا تروننا تركنا الخيل والبغال والحمير, واستوينا على الفارهات الجاريات, وتركنا الخيام وبيوت الطين, ونزلنا الشاهقات والقصور؟. ولم نتمسك إلا بالكتاب والحديث.
أين نحن الآن؟.
كما أشرنا من قبل, فإن سورة هود تذكر العلامتين صراحة, وتشاركها بواحدة منهما "صريحة", سورة المؤمنون, فنجد "التنور" فيها أيضا, كما وصف الحال في هود, بكثير من التشابه والتفصيل, فيما لا تجده في سورة غيرهما, كأنهما تعضدان وتصدقان بعضهما.
ولكن في سورة المؤمنون علامة فارقة عظيمة, وإشارة ظاهرة للباحثين "المدّكرين".
تلك التي في الآية 29 {فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين, وقل رب أنزلني مُنزلا مباركا وأنت خير المنزلين}.
أين هذا المنزل المبارك؟
وهي منزل, بفتح الميم أوبضمها, وكلاهما قراءتان متواترتان, فأين هو؟!.
قلنا من قبل إن اعتمادنا كله على هذا القرآن وحديث النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام, فهذا القرآن هو "دائرة معارف المسلمين وموسوعتهم الجامعة", فحيثما أشكل علينا شيء, أو خفي عنا شيء, فهو مرجعنا ومردنا, من عنده نبدأ, وإليه ننتهي, وما سوى ذلك فليس بحجة!.
فهذه "الموسوعة الكاملة" تحدد منزلين مباركين لا غير, {للذي ببكة مباركا} و{المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}, والبركة في القرآن ما اختُصت بأرض مثلما اختصت بأرض المسجد الأقصى, حتى أن الله لما ذكر المسجدين مجتمعين, بارك المسجد الأقصى خصوصا {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}.
إذا نحن بين "منزلين" مباركين لا ثالث لهما, والثاني منهما أظهر بركة وأكثر بيانا.
والأول منهما للأمن بواد غير ذي زرع, والثاني للبركة, فكثر ما يلتزم البيت الحرام في القرآن بالأمن, مثلما كثرت البركة للأخير.
وما زلنا نقرأ من سورة الأنبياء عن أبينا أبراهيم {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين}. فها هي النجاة مرة أخرى إلى الأرض المباركة ظاهرة جلية لا تتلبس على أحد, مثلما نجى الله نوحا إلى المنزل المبارك, ومثلما ستنزل الخلافة في ختام الرسالة في الأرض المقدسة, فهو منزل النجاة المبارك.
فوجب أن نبدأ البحث منهما, لا أن نغض الطرف عنهما, فنبدأ البحث من سواهما, ففي هذا ما فيه من التيه والتضليل, ولا يفعله عاقل.
ومن يرى أن الله قصد منزلا مباركا آخرا, فليأتنا ببينة من الله!.
فباعتمادنا على تخصيص البركة بالمسجد الأقصى, نتجه إليه ونبدأ من عنده. والقصة القرآنية لا تترك الوصف معمما دون تحديد, بل هي تحدد "الجودي" من الأرض المباركة.
فأين "الجودي" في الأرض المباركة؟.
"الجودي" بأل التعريف عند علماء اللغة للعهد, أي للقصد بالعين, فهي تعني جوديا معينا, لا أي جودى بالإطلاق. ولعلنا نصل إلى المكان المنشود من دلالة اللفظ والمعنى, فما معنى "الجودي"؟.
هي في جذرها من "الجود", وهي بذاتها من الكرم والعطاء والبركة, فلنعد مرة أخرى إلى "موسوعتنا" المباركة -القرأن- ولنبحث عن بقعة "جواد" معطاء, أين نجدها؟!.
{والتين, والزيتون, وطور سينين, وهذا البلد الأمين}. إن أحب القارئ أن يعرف رأي التفاسير في "الطور", فنقول له: إنها على اختلاف, فلم يقطع أحد بقوله, فمنهم من قال: الذي في سيناء مصر, ومنهم من قال الذي في بلاد الشام "الأرض المباركة", والقول الأول من أنه في سيناء مصر, قول مرجوح لا أصل له, وإنما تلبس الفهم فيه من كلمة "سيناء", فمن يقطع أن الله أراد بها "سيناء" مصر, ولو كان كذلك لما قال الله هنا "سينين" إن كانت هي "سيناء"!.
وذكر الرازي في تفسيره أدلة كثيرة تقوي مذهب من قال بأن المراد بطور سينين وطور سيناء إنما هو طور بيت المقدس, ومنها ما ذكر عن المفسرين "قتادة" و"الكلبي" من أن " طور سيناء" تعني الجبل المشجر المثمر, فهل هذا في صحراء سيناء؟, ولو كانت سيناء مصر بالقطع, لما اختلف فيها أحد.
ثم إن سورة التين نفسها تشي بهذا, فالآية دون تكلف, تذكر بقعتين يقسم الله بهما, الطور, والبلد الأمين, فأما البلد الأمين فعرفناه, وأما الطور, فالذي ببيت المقدس, وهاكم دليلنا!.
هذا دليلنا
الآية 20 من سورة المؤمنون {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}, فالآية تعقد وتجمع بقوة بين "طور سيناء" وبين النتاج والنبات بالدهن
-الزيت- للآكلين. وكل من يعرف العربية, يعرف أن "تخرج" و"تنبت" و"الآكلين", كلها صيغ مضارعة مستمرة حاضرة معنا الأن, فلنذهب جميعا إلى "صحراء سيناء" ولتخرجوا لنا شجرة "تخرج" فيها "تنبت" بالدهن وصبغ للآكلين الحاضرين الآن!.
أما {وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين}, فهي بلا تكلف كلها صفات "للجود" والعطاء الحاضر المستمر. فلنذهب جميعا إلى طور الأرض المباركة فلنر كم عليه من شجر الزيتون المنتج المعطاء على مدار السنين, حتى إن أهل بيت المقدس ليسمونه "جبل الزيتون"!.
والله نادى موسى عند "البقعة المباركة" من جانب الطور {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة}, فها هو الطور وها هي البقعة المباركة وها هي الشجرة مرة أخرى, فمن يقول أن في سيناء مصر من هذا من شيء, ومن يُخرج لنا علما عن الله أن الله بارك سيناء مصر, ومن يُخرج لنا علما عن الله أن الله قدس سيناء مصر, ألم يقرأ الناس {إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى}؟. وإنما القداسة والطهارة لواديين وحسب, وادي مكة, ووادي بيت المقدس.
أما نحن فعندنا من الله علم أن الله بارك حول المسجد الأقصى –والطور حول المسجد الأقصى-, وأن الله قدس الأرض المباركة, {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم}. فهي بيت المقدس والقداسة, فلمَ نعدل عنها لغيرها بغير برهان ولا بينة؟!.
ثم لو وجد اليهود في سيناء مصر ما يشير ولو بقليل من بعيد أنهم كانوا هنا يوما ما, لما تركوها!.