المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوم الفرقان..في ذكرى يوم الفرقان (مع غزوة بدر الكبرى ) <1>


هوائية
17-09-2008, 01:14
إن غزوة بدر
- بملابساتها وبما ترتب عليها في تاريخ الحركة الإسلامية وفي التاريخ البشري جملة -
تقوم معلماً ضخماً في طريق تلك الحركة وفي طريق هذا التاريخ .

وقد سمى الله - سبحانه - يومها (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان). .

كما أنه جعلها مفرق الطريق بين الناس في الآخرة كذلك
لا في هذه الأرض وحدها ;
ولا في التاريخ البشري على هذه الأرض في الحياة الدنيا وحدها .

فقال سبحانه:

(هذان خصمان اختصموا في ربهم:فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار , يصب من فوق رؤوسهم الحميم , يصهر به ما في بطونهم والجلود . ولهم مقامع من حديد . كلما أرادوا أن يخرجوا منها - من غم - أعيدوا فيها , وذوقوا عذاب الحريق
. .
إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير . وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد . .). .
[ الحج:19 - 24 ]

وقد ورد أن هذه الآيات نزلت في الفريقين اللذين التقيا يوم بدر
. .
يوم الفرقان
. .
لا في الدنيا وحدها ,
ولا في التاريخ البشري على الأرض وحدها ;
ولكن كذلك في الآخرة وفي الأبد الطويل
. .
وتكفي هذه الشهادة من الجليل - سبحانه - لتصوير ذلك اليوم وتقديره
. .
وسنعرف شيئاً من قيمة هذا اليوم , حين نستعرض الوقعة وملابساتها ونتائجها . .

هوائية
17-09-2008, 01:19
قال ابن إسحاق:فحدثني محمد بن مسلم الزهري ,
وعاصم بن عمر بن قتادة , وعبد الله بن أبي بكر ,
ويزيد بن رومان , عن عروة بن الزبير .
وغيرهم من علمائنا ,
عن ابن عباس رضي الله عنهما
. .
كل قد حدثني بعض الحديث , فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر , قالوا:
"
لما سمع رسول الله [ ص ] بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم ,
وقال:
" هذه عير قريش فيها أموالهم , فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها "

فانتدب الناس , فخف بعضهم وثقل بعضهم ,
وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله [ ص ] يلقى حرباً [

وفي زاد المعاد وإمتاع الأسماع أنه [ ص ] أمر من كان ظهره - أي ما يركبه - حاضراً بالنهوض ,
ولم يحتفل لها احتفالاً كبيراً ]
. .
وقال ابن القيم:" وجملة من حضر بدراً من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً:

من المهاجرين ستة وثمانون .
ومن الأوس واحد وستون .
ومن الخزرج مائة وسبعون .
وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج , وإن كانوا أشد منهم وأقوى شوكة وأصبر عند اللقاء ,
لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة , وجاء النفير بغتة ,
وقال النبي [ ص ] لا يتبعنا إلا من كان ظهره حاضراً .
فاستأذنه رجال ظهورهم كانت في علو المدينة أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم , فأبى .

ولم يكن عزمهم على اللقاء , ولا أعدوا له عدة , ولا تأهبوا له أهبة .
ولكن جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد " .

هوائية
17-09-2008, 01:27
وكان أبو سفيان - حين دنا من الحجاز - يتحسس الأخبار , ويسأل من لقي من الركبان ,
تخوفاً على أمر الناس [ أي على أموالهم التي معه في القافلة ]
حتى أصاب خبراً من بعض الركبان:أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك . فحذر عند ذلك .
فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري , فبعثه إلى مكة ,
وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ,
ويخبرهم أن محمداً قد عرض لنا في أصحابه . فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة .

قال المقريزي في "إمتاع الأسماع":فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول:

يا معشر قريش , يا آل لؤي ابن غالب , اللطيمة [ وهي العير التي تحمل الطيب والمسك والثياب وليس فيما تحمله طعام يؤكل ] قد عرض لها محمد في أصحابه
. الغوث الغوث .
والله ما أرى أن تدركوها ! وقد جدّع أذني بعيره , وشق قميصه وحول رحله .

فلم تملك قريش من أمرها شيئاً حتى نفروا على الصعب والذلول ,
وتجهزوا في ثلاثة أيام . وقيل في يومين . وأعان قويهم ضعيفهم .
وقام سهيل بن عمرو , وزمعة بن الأسود , وطعيمة بن عدي , وحنظلة بن أبي سفيان , وعمرو بن أبي سفيان , يحضون الناس على الخروج .
فقال سهيل:يا آل غالب , أتاركون أنتم محمداً والصباة من أهل يثرب يأخذون عيراتكم وأمواكم ?
من أراد مالاً فهذا مال , ومن أراد قوة فهذه قوة .
فمدحه أمية بن أبي الصلت بأبيات !

ومشى نوفل بن معاوية الديلي إلى أهل القوة من قريش فكلمهم في بذل النفقة والحُملان لمن خرج .

فقال عبد الله بن أبي ربيعة:
هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت .
وأخذ من حويطب بن عبد العزى مائتي دينار وثلاث مائة دينار قوى بها في السلاح والظهر ,
وحمل طعيمة بن عدي على عشرين بعيراً , وقواهم وخلفهم في أهلهم بمعونة .
وكان لا يتخلف أحداً من قريش إلا بعث مكانه بعيثا .
ومشوا إلى أبي لهب فأبى أن يخرج أو يبعث أحداً ,
ويقال:إنه بعث مكانه العاصي , ابن هشام بن المغيرة - وكان له عليه دين - فقال:اخرج , وديني لك . فخرج عنه !
. . .
وأخذ عداس
[ وهو الغلام النصراني الذي أرسله عتبة وشيبة ابنا ربيعة بقطف من العنب لرسول الله [ ص ] يوم خرج إلى الطائف فرده أهله رداً قبيحا , وأتبعوه السفهاء والصبية يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين , فلجأ منهم إلى بستان عتبة وشيبة . وقد وقع في نفس عداس ما وقع من أمر رسول الله [ ص ] , فأكب على يديه وقدميه يقبلهما ! ]
يخذل شيبة وعتبة ابني ربيعة عن الخروج , والعاص بن منبه بن الحجاج .
وأبي أمية بن خلف أن يخرج , فأتاه عقبة بن أبي معيط وأبو جهل فعنفاه .
فقال ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي ! فابتاعوا له جملاً بثلاث مائة درهم من نعم بني قشير , فغنمه المسلمون !
.
وما كان أحد منهم أكره للخروج من الحارث بن عامر .
ورأى ضمضم بن عمرو أن وادي مكة يسيل دماً من أسفله وأعلاه .
ورأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤياها [ وفيها نذير لقريش بالقتل والدم في كل بيت ]
. . .
فكره أهل الرأي المسير , ومشى بعضهم إلى بعض ,
فكان من أبطئهم عن ذلك الحارث بن عامر , وأمية بن خلف , وعتبة وشيبة ابنا ربيعة , وحكيم بن حزام ,
وأبو البختري [ ابن هشام ] وعلي بن أمية بن خلف , والعاص بن منبه ; حتى بكتهم أبو جهل , وأعانه عقبة بن أبي معيط , والنضر بن الحارث بن كلدة ,
فاجمعوا المسير
. .
وخرجت قريش بالقيان والدفاف يغنين في كل منهل ,
وينحرون الجزر , وهم تسعمائة وخمسون مقاتلاً . . وقادوا مائة فرس ,
عليها مائة دارع سوى دروع المشاة . وكانت إبلهم سبعمائة بعير .
وهم كما ذكر الله تعالى عنهم بقوله:
(ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس ,
ويصدون عن سبيل الله , والله بما يعملون محيط)
. .
[ الأنفال:47 ] .

وأقبلوا في تجمل عظيم وحنق زائد على رسول الله [ ص ] وأصحابه , لما يريدون من أخذ عيرهم ,
وقد أصابوا من قبل عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه [ في سرية عبد الله بن جحش ] .
. وأقبل أبو سفيان بالعير ومعها سبعون رجلاً [ في رواية ابن إسحاق ثلاثون رجلاً ] منهم مخرمة بن نوفل , وعمرو ابن العاص , فكانت عيرهم ألف بعير تحمل المال .
وقد خافوا خوفاً شديداً حين دنوا من المدينة ,
واستبطأوا ضمضم بن عمرو والنفير [ الذين نفروا بن قريش ليمنعوا عيرهم ]
. . فأصبح أبو سفيان ببدر وقد تقدم العير وهو خائف من الرصد .
فضرب وجه عيره , فساحل بها [ أي اتجه إلى ساحل البحر بعيداً عن طريق المدينة ] وترك بدراً يساراً ,
وانطلق سريعاً . .

وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل . يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر
. .
وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع ,
ويخبرهم أن قد نجت عيرهم .
فلا تجزروا أنفسكم أهل يثرب [ يعني لا تعرضوا أنفسكم لأن يذبحكم أهل يثرب ] فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك .
إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم , وقد نجاها الله !
فعالج قريشاً فأبت الرجوع [ من الجحفة ] .
وقال أبو جهل:لا والله لا نرجع حتى نرد بدراً , فنقيم ثلاثاً ,
ننحر الجزر , ونطعم الطعام , ونشرب الخمر , وتعزف القيان علينا ;
فلن تزال العرب تهابنا أبداً
. .
وعاد قيس إلى أبي سفيان , فأخبره بمضى قريش .

فقال:واقوماه ! هذا عمل عمرو بن هشام [ يعني أبا جهل ] كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى ,
والبغي منقصة وشؤم . إن أصاب محمد النفير ذللنا . .



قال ابن إسحاق:وقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي , وكان حليفاً لبني زهرة , وهم بالجحفة يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم , وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل . وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا بي جبنها , وارجعوا , فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة . لا ما يقول هذا [ يعني أبا جهل ] فرجعوا , فلم يشهدها زهري واحد . . ولم يكن بقي من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس , إلا بني عدي ابن كعب , لم يخرج منهم رجل واحد [ في إمتاع الأسماع أن طعمة بن عدي حمل على عشرين بعيراً , وقواهم وخلفهم في أهلهم بمعونة ] . . وكان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة . فقالوا:والله لقد عرفنا يا بني هاشم , وإن خرجتم معنا , إن هواكم لمع محمد . فرجع طالب إلى مكة مع من رجع !
قال ابن إسحاق:وخرج رسول الله [ ص ] في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه .
وكانت إبل أصحاب رسول الله [ ص ] يومئذ سبعين بعيراً فاعتقبوها [ أي كانوا يركبونها بالتعاقب ] فكان رسول الله [ ص ] وعلي بن أبي طالب , ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً . وكان حمزة بن عبد المطلب , وزيد بن حارثة , وأبو كبشة وأنسة موليا رسول الله [ ص ] يعتقبون بعيراً . وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيراً . .
قال المقريزي في إمتاع الأسماع:

هوائية
17-09-2008, 01:31
ومضى رسول الله [ ص ] حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش .
فاستشار الناس , فقام أبو بكر - رضي الله عنه - فقال فأحسن .
ثم قام عمر فقال فأحسن .
ثم قال:يا رسول الله , إنها والله قريش وعزها , والله ما ذلت منذ عزت ,
والله ما آمنت منذ كفرت , والله لا تسلم عزها أبداً ,
ولتقاتلنك , فأتهب لذلك أهبته , وأعد لذلك عدته .
ثم قام المقداد بن عمرو فقال:

يا رسول الله , امض لأمر الله , فنحن معك ,
والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون .
ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا , إنا معكما مقاتلون .
والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا [ وبرك الغماد موضع بأقصى اليمن ]

فقال له رسول الله [ ص ] خيراً ودعا له بخير
. .
ثم قال:" أشيروا علي أيها الناس " .
وإنما يريد الأنصار
. .
وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار ,
لأنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم
[ وذلك في بيعة العقبة الثانية التي هاجر على أساسها رسول الله [ ص ] إلى المدينة ]

فقام سعد بن معاذ - رضي الله عنه - فقال:
أنا أجيب عن الأنصار , كأنك يا رسول الله تريدنا !
قال:" أجل " .
قال:إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك في غيره
[ يعني كما يبدو أنك ربما تكون قد خرجت لأمر ثم أوحي إليك في غيره إذ كان قد خرج للعير ثم عرض النفير ] ,
فإنا قد آمنا بك , وصدقناك , وشهدنا أن ما جئت به حق ,
فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة .
فامض يا نبي الله لما أردت .
فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل .
وصل من شئت ,
واقطع من شئت ,
وخذ من أموالنا ما شئت ;
وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت .
والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط ,
وما لي بها من علم ; وما نكره أن نلقى عدونا غداً ,
وإنا لصبر عند الحرب , صدق عند اللقاء ,
لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عيناك
. .
وفي رواية أن سعد بن معاذ

قال:إنا خلفنا من قومنا قوماً ما نحن بأشد حباً لك منهم , ولا أطوع لك منهم ;
ولكن إنما ظنوا أنها العير .
نبني لك عريشاً فتكون فيه , ونعد عندك رواحلك ,
ثم نلقى عدونا , فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببناه ,
وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا
. .
فقال له النبي [ ص ] خيراً .

وقال:" أو يقضي الله خيراً من ذلك يا سعد " .

فلما فرغ سعد من المشورة قال رسول الله [ ص ]:

" سيروا على بركة الله , فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين .

والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم "
. .
فعلم القوم أنهم إنما يلاقون القتال وأن العير تفلت ;
ورجوا النصر

هوائية
17-09-2008, 01:34
إخوتي الكرام
أترككم هنا عند تلك الصورة المشرقة
على أن نكمل معكم الحديث عن هذا اليوم العظيم

(المرجع: في ظلال القرآن )

و إلى لقاء قريب بإذن الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محب المعرفة
17-09-2008, 07:27
شكرا جزيلا هوائية
وجعلها الله في ميزان حسناتك

على سرد تفاصيل غزوة بدر

وكفاها فخرا و تعظيما انها غزوة بدر


((إن الله قد وعدني إحدى الطائفتين .
والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم ))" صلى الله عليه وسلم

بانتظار البقية...........

هوائية
18-09-2008, 10:35
بارك الله فيك أخي محب المعرفة

بإذن الله سنواصل الرحلة في أقرب فرصة

لك خالص الشكر و التقدير