تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : معالم في الطريق


تغريـد
19-11-2008, 01:11
ينبغي أن يكون مفهوماً لأصحاب الدعوة الإسلامية أنهم حين يدعون الناس لإعادة إنشاء هذا الدين ،
يجب أن يدعوهم أولاً إلى اعتناق العقيدة
- حتى لو كانوا يدعون أنفسهم مسلمين ، وتشهد لهم شهادات الميلاد بأنهم مسلمون ! -

يجب أن يعلموهم أن الإسلام هو " أولاً " إقرار عقيدة : " لا إله إلا الله " - بمدلولها الحقيقي ،

وهو رد الحاكمية لله في أمرهم كله ،

وطرد المعتدين على سلطان الله بادعاء هذا الحـق لأنفسهم ،
إقرارها فـي ضمائرهم وشعائرهم ،
وإقرارها في أوضاعهم وواقعهم ..

ولتكن هذه القضية هي أساس دعوة الناس إلى الإسلام ،
كانت هي أساس دعوتهم إلى الإسلام أول مرة ..

هذه الدعوة التي تكفل بها القرآن المكي طوال ثلاثة عشر عاماً كاملة ..

فإذا دخل في هذا الدين - بمفهومه هذا الأصيل - عصبة من الناس .. فهذه العصبة هي التي يطلق عليها إسم " المجتمع المسلم " ..
المجتمع الذي يصلح لمزاولة النظام الإسلامي في حياته الاجتماعية ، لأنه قرر بينه وبين نفسه أن تقوم حياته كلها على هذا الأساس ،
وألا يحكم في حياته كلها إلا الله .

وحين يقوم هذا المجتمع بالفعل يبدأ عرض أسس النظام الإسلامي عليه ،
كما يأخذ هذا المجتمع نفسه في سن التشريعات التي تقتضيها حياته الواقعية ،
في إطار الأسس العامة للنظام الإسلامي .. فهذا هو الترتيب الصحيح لخطوات المنهج الإسلامي ..

فهذا هو الترتيب الصحيح لخطوات المنهج الإسلامي الواقعي العملي الجاد .

ولقد يخيل لبعض المخلصين المتعجلين ، ممن لا يتدبرون طبيعة هذا الدين ، وطبيعة منهجه الرباني القويم ، المؤسس على حكمة العليم الحكيم وعلمه بطبائع البشر وحاجات الحياة
.. نقول :
لقد يخيل لبعض هؤلاء أن عرض أسس النظام الإسلامي - بل التشريعات الإسلامية كذلك - على الناس ،
مما ييسر لهم طريق الدعوة ، ويحبب الناس في هذا الدين !

وهذا وَهْمٌ تنشئه العجلة !
وَهْمٌ كالذي كان يمكن أن يقترحه المقترحون :
أن تقوم دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أولها تحت راية قومية ، أو راية اجتماعية ، أو راية أخلاقية ، تيسيراً للطريق !

إن القلوب يجب أن تخلص أولاً لله ، وتعلن عبوديتها له وحده ،
بقبول شرعه وحده ، ورفض كل شرع آخر غيره .. من ناحية المبدأ
.. قبل أن تخاطب بأي تفصيل عن ذلك الشرع يرغبها فيه !

إن الرغبة يجب أن تنبثق من إخلاص العبودية لله ،
والتحرر من سلطان سواه ،
لا من أن النظام المعروض عليها .. في ذاته .. خير مما لديها من الأنظمة في كذا وكذا على وجه التفصيل .

إن نظام الله خير في ذاته ، لأنه من شرع الله ..
ولن يكون شرع العبيد يوماً كشرع الله ..
ولكن هذه ليست قاعدة الدعوة .

إن قاعدة الدعوة أن قبول شرع الله وحده أيّاً كان ، ورفض كل شرع غيره أيّاً كان ، هو ذاته الإسلام ،
وليس للإسلام مدلول سواه ،
فمن رغب في الإسلام ابتداء فقد فصل في القضية ،
ولم يعد بحاجة إلى ترغيبه بجمال النظام وأفضليته

.. فهذه إحدى بديهيات الإيمان !
* * *

تغريـد
19-11-2008, 01:20
وبعد ، فلا بد أن نقول كيف عالج القرآن المكي قضية العقيدة في خلال الثلاثة عشر عاماً

.. إنه لم يعرضها في صورة " نظرية " ولا في صورة " لاهوت " !

ولم يعرضها في صورة جدل كلامي كالذي زاوله ما يسمى " علم التوحيد " !

كلا ! لقد كان القرآن الكريم يخاطب فطرة " الإنسان " بما في وجوده هو
وبما في الوجود حوله من دلائل وإيحاءات ..

كان يستنقذ فطرته من الركام ،
ويخلص أجهزة الاستقبال الفطرية مما ران عليها وعطل وظائفها ،
ويفتح منافذ الفطرة ،
لتتلقى الموحيات المؤثرة وتستجيب لها .

هذا بصفة عامة

00 وبصفة خاصة كان القرآن يخوض بهذه العقيدة معركة حية واقعية ..
كان يخوض بها معركة مع الركام المعطل للفطرة في نفوس آدمية حاضرة واقعة ..

ومن ثم لم يكن شكل " النظرية " هو الشكل الذي يناسب هذا الواقع الخاص .

إنما هو شكل المواجهة الحية للعقابيل والسدود والحواجز والمعوِّقات النفسية والواقعية في النفوس الحاضرة الحية ..

ولم يكن الجدل الذهني - القائم على المنطق الشكلي - الذي سار عليه في العصور المتأخرة علم التوحيد ، هو الشكل المناسب كذلك .

. فلقد كان القرآن يواجه " واقعاً " بشريّاً كاملاً بكل ملابساته الحية ،

ويخاطب الكينونة البشرية بجملتها في خضم هذا الواقع ..

وكذلك لم يكن " اللاهوت " هو الشكل المناسب .

فإن العقيدة الإسلامية ، ولو أنها عقيدة ،

إلا أنها تمثل منهج حياة واقعية للتطبيق العملي ،

ولا تقبع في الزاوية الضيقة التي تقبع فيها الأبحاث اللاهوتية النظرية !

كان القرآن ، وهو يبني العقيدة في ضمائر الجماعة المسلمة ،
يخوض بهذه الجماعة المسلمة معركة ضخمة مع الجاهلية من حولها ،
كما يخوض بها معركة ضخمة مع رواسب الجاهلية في ضميرها هي وأخلاقها وواقعها ..

ومن هذه الملابسات ظهر بناء العقيدة لا في صورة " نظرية " ولا في صورة " لاهوت " ،
ولا في صورة " جدل كلامي " ..
ولكن

في صورة تجمع عضوي حيوي وتكوين تنظيمي مباشر للحياة ،
ممثل في الجماعة المسلمة ذاتها ،

وكان نمو الجماعة المسلمة في تصورها الاعتقادي ،
وفي سلوكها الواقعي وفق هذا التصور ،
وفي دربتها على مواجهة الجاهلية كمنظمة محاربة لها ..
كان هذا النمو ذاته ممثلاً تماماً لنمو البناء العقيدي ،
وترجمة حية له ..

وهذا هو منهج الإسلام الذي يمثل طبيعته كذلك .


وإنه لمن الضروري لأصحاب الدعوة الإسلامية أن يدركوا طبيعة هذا الدين ومنهجه في الحركة على هذا النحو الذي بينَّاه .

ذلك ليعلموا أن مرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكي على هذا النحو ،
لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العملي للحركـة الإسلامية ،
والبناء الواقعي للجماعة المسلمة .
لم تكـن مرحلة تلقِّي " النظرية " ودراستها !

ولكنها كانت مرحلة البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معاً ..

وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى .

هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة ،

وأن تتم خطوات البناء على مهل ، وفي عمق وتثبت ..

ثم هكذا ينبغي ألا تكون مرحلة دراسة نظرية للعقيدة ،
ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة - أولاً بأول - في صورة حية ،
متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة
ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع حركي ،
يعبر نموه من داخله ومن خارجه عن نمو العقيدة ذاتها ،
ومتمثلة في حركة واقعية تواجه الجاهلية ،
وتخوض معها المعركة في الضمير وفي الواقع كذلك ،
لتتمثل العقيدة حية ، وتنمو نمواً حياً في خضم المعركة .


وخطأ أي خطأ - بالقياس إلى الإسلام -
أن تتبلور العقيدة في صورة " نظرية " مجردة للدراسة الذهنية .. المعرفية الثقافية ..
بل خطر أي خطر كذلك .


إن القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاماً كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى ..
كلا ! فلو أراد الله لأنزل هذا القرآن جملة واحدة ،
ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عاماً ،
أو أكثر أو أقل ، حتى يستوعبوا " النظرية الإسلامية " .


ولكن الله - سبحانه - كان يريد أمراً آخر ،
كان يريد منهجاً معيناً متفرداً .
كان يريد بناء جماعة وبناء حركة وبناء عقيدة في وقت واحد ..
كان يريد أن يبني الجماعة والحركة بالعقيدة ،
وأن يبني العقيدة بالجماعة والحركة
.. كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الحركي الفعلي ،
وأن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو الصورة المجسمة للعقيدة ..

و الله - سبحانه - يعلم أن بناء النفوس والجماعات لا يتم بين يوم وليلة ،
فلم يكن هنالك بد أن يستغرق بناء العقيدة المدى الذي يستغرقه بناء النفوس والجماعة
.. حتى إذا نضج التكوين العقيدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعي لهذا النضوج .

* * *

هذه هي طبيعة هذا الدين - كما تستخلص من منهج القرآن المكي -

ولا بد أن نعرف طبيعته هذه ،

وألا نحاول تغييرها تلبية لرغبات معجلة مهزومة أمام أشكال النظريات البشرية !

فهو بهذه الطبيعة صنع الأمة المسلمة أول مرة ،
وبها يصنع الأمة المسلمة في كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود كما أخرجها الله أول مرة .


سيد قطب

ام ياسر
19-11-2008, 18:57
جزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك

صاحبة سمو ذاتي
19-11-2008, 19:30
جزاك الله كل خير واثقل به موازين حسناتك..
دمتي بود..

@ايمي@

تغريـد
19-11-2008, 21:36
أخواتي الكريمات

أم ياسر

صاحبة سمو ذاتي

أشكر لك طيب المرور

بارك الله فيكم و جزاكم كل خير

ربانة
20-11-2008, 01:48
أهلا بهكذا فارهات من الكلم
انا اشعر بروح هذه الكاتبة وهذا الخط الانتقائي كيف لي ان لا اعرفه دمتي مبدعة ايتها الرائعة التي اتعلم منها كل يوم فريدة من الفرائد لعملاق شامخ لازال يحيا في كتبه التي لازلنا لانرى اطراف بحورها


الموضوع قيم بحدود القيمة نفسها
معالم في الطريق احدى ثريات معلقة في سموات الفكر الذكي وياليتنا نقرأ بشغف قرأة لست كأي قراءة انما قراءة الفاعلين

دمتي مبدعة ايتها الباذخة

تغريـد
20-11-2008, 17:24
نعم يا ربانة

كلمات مليئة بالمعاني و الحكمة

بسطة و عميقة

و توضح لنا الطريق

هذه هي الأفكار التي دفع حياته ثمنا لها

الطريق الصحيح يبدأ من هنا

كلمات تحتاج إلى ليس فقط لأن نتعمق و نفهم معانيها

بل أن نتمثلها في أنفسنا و في تعاملاتنا

أن نكون مستعدين للتضحية و الصبر مهما كانت مرارة الواقع و آلامه

يجب ألا نستعجل النصر و لا خطوات الطريق

.,.,.,

و نحن بدورنا يجب أن نفهم ما أراده منا

لا أن نفعل كما تفعل الكثير من الحركات التي تسمى اسلامية

تفهم معاني سطحية وترفع شعارات يحملونها لسيد قطب و هو منها برئ

يجب أن نبني الاسلام في النفوس لأنه الحق

و من هذا الحق نستمد قوتنا و استعلائنا و...
كل المعاني الجميلة

و نستعد للتضحية
ثم التضحية
ثم التضحية


هذا ما أرادنا أن
نتعلمه

من كتاباته

فكان قدوة و دفع نفسه في المقدمة

تماما كما هي الهمم العالية دوما

شكرا لك عزيزتي
كلماتك دفعتني للكتابة

بارك الله فيك و حقق كل آمالك

النارية
24-11-2008, 19:40
بارك الله فيك أختي تغريد على هذا الطرح المميز

تغريـد
25-11-2008, 23:29
عزيزتي النارية أشكر لك مرورك الكريم بارك الله فيك