المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صابون وطين في ساحة فلسطين


تغريـد
07-10-2009, 13:30
نادى ونادى .. وصرخ وصرخ.. لكن احدا لم يلتفت اليه ..
تراجع قليلا الى ان استند الى حائط البنك العربي بساحة فلسطين ،
بينما كانت شمس رمضان تشرف على السقوط خلف ابراج غزة المترامية امام شاطئ البحر.
في عينيه الذابلتين اختلطت ملامح البراءة والتعب والحزن واليأس
.. بينما تسللت من بين شفتيه تنهيدة متعرجة منهوكة ..
وكادت الكلمات التي كان يصرخ بها تذوب وتتلاشى بين عجلات السيارات وقرقعة العالم من حوله:
صابون .. صابون.. لكن احدا لم يلتفت الى الصابون.

تقدمت وفي صدري تحرك حزن قديم: ما اسمك ياولد ؟
استند وقد تحرك بين عينيه خيط من الاستبشار : بلال يا استاذ ..
صابون هل تريد صابون؟
ولم يكن في يده سوى فلقتين من الصابون ،
قلت : وهل تتاجر في الصابون؟
سكت قليلا ثم اجاب بغصة : لا ، ولكني اريد ان ابيع ما معي ،
قلت : الواحد يبيع الحلويات ، او اللبان !! ولكن لا اعرف من يبيع الصابون هكذا في الشوارع!!
قال وقد تراجع الامل لديه وعاد واستند الى الحائط: ياسيدي !! كل واحد رزقه على الله ..
ازداد فضولي فسألته : هل تدرس في المدرسة يا بلال؟
قال : واحصل على الترتيب الاول.
قلت: والدك ماذا يعمل؟

سكت ، وتردد حينما رأى البيلفون في يدي ،
ثم بصعوبة سألني : وانت ماذا تعمل ؟
قلت له : استاذ في الجامعة ..
قال ظننتك تعمل في السلطة !! ثم تنهد قليلا وقال : والدي معتقل ..
قلت عند اليهود ؟
قال : ياليت كنا حصلنا على مساعدات ولكنه معتقل منذ 3 سنوات في غزة ،
قلت: ولا احد يساعدكم ؟
قال : امي ترفض المساعدات وتعمل وحدها خياطة في البيت ،
قلت : وما قصتك مع الصابون ؟
قال: جارتنا احضرت لنا هذا الصابون هدية ..
ولم تكن امي في البيت .. فخشيت ان تراه امي فترده ،
واخذته لابيعه واشتري بثمنه قطايف لاختي الصغيرة لانها كل يوم تراه في ايدي اولاد الجيران ونفسها فيه ولا تستطيع ان تطلبه من امي ،
فهمت يا استاذ ؟
قلت : فهمت وسأشتري منك الصابون ..
فرح وقال : الحمد لله .. بسرعة بالله عليك قبل ان تغيب الشمس حتى استطيع ان افرّح اختي ..

ناولته الفلوس ونظرت اليه وهو يسابق الريح كفراشة صغيرة يتعانق ظله مع تراب الارض
ويرنو وجهه البرئ الى اشعة الشمس التي استطاعت ان تفلت من بين الابراج المتضخمة ... حتى تلاشى ..

ونظرت في يدي لاجد فلقتي الصابون قلت ، وانا انظر في وجوه الناس الساكتين: ماذا سافعل بهذا الصابون ؟
وكانت يدي الاخرى تشير الى سيارة ، توقفت السيارة وركبت ..

قال: الى اين
قلت : خان يونس كيف حالك؟
قال : طين في طين ،
قلت : ليش لا سمح الله ،
قال: لان حياتنا صارت زفت بعيد عنك ،
ضحكت وقلت : الى هذا الحد يا رجل ؟
قال: واكثر ، وعندها تناولت فلقة من الصابون وقلت : ما رأيك ان تقبل مني هذه الهدية؟
قال: ماذا؟ قلت: صابون ..
استغرب وقال: لماذا؟ قلت حتى تغسل الزفت والطين ..
ضحك وقال : معك حق نحن بحاجة الى الكثير من الصابون
قلت: توكل على الله.. وقد سقطت الشمس تماما وارتفع الاذان.


د. صلاح البردويل (بتصرف)

الحارث
07-10-2009, 14:16
قصة رائعة ومؤثرة جدا
كان الله في عون اخواننا في فلسطين
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

تغريـد
07-10-2009, 19:33
بارك الله فيك أخي الحارث