خالد الغامدي
11-10-2009, 21:05
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://egyptianislamicgroup.com/Public/articles/interview/11/images/552557950.jpg
بقلم/ هشام النجار
منذ أكثر من أسبوع تمنيت على أخي الأستاذ هاني ياسين في مكالمة هاتفية الذهاب إلى الدكتور مصطفى محمود، ليس فقط لإجراء لقاء صحفي معه لنشره على الموقع، ولكن ليرى الدكتور - الذي يعانى الوحدة والمرض - وفاء وبر أبناء الحركة الإسلامية بكبار العلماء والمفكرين.
وليعلم أن هناك بقية من بني وطنه لا يزال الوفاء يجرى في عروقهم في زمن استشرى فيه الجحود والنكران كالوباء .
أردت أن أدخل على قلب ذلك الرجل الكبير الفرحة وهو يحتضر مودعا الدنيا، عندما يجد أمامه أبناءه الذين طالما اختلفوا معه في كثير من القضايا والأفكار، وقد جاءوا أليه ليسكنوا بعض الألم وليخففوا بعض الوجع!!
وما أقسى آلام النكران وما أوجع الشعور بجحود الوطن الذي وهب له نفسه وعلمه وحياته وعمره.
هل يصدق أحد أن عالماً كبيراً ومفكراً وأديباً وفيلسوفاً فذاً في حجم الدكتور مصطفى محمود تكون هذه نهايته.. مريضاً وحيداً في غرفته لا يجد من أبناء وطنه اهتماماً ولا سؤالاً ولا زيارة، ولا حتى دعاء بالشفاء، فضلاً عن المبادرة إلى علاجه في أرقى المستشفيات ورعايته على نفقة الدولة!!
هل يصدق أحد أن كاتباً فذاً له أكثر من ثمانين كتاباً في مختلف فروع العلم والمعرفة والأدب، لا يجد اهتماماً يذكر من وزارة الثقافة في بلده !
وهل يصدق أحد أن إعلامياً كبيراً كان صاحب واحد من أهم وأنجح البرامج في الثمانينات، لا يجد اهتماماً يذكر من وزارة الإعلام في بلده !
وقد صرخت ابنته أمل بالشكوى من جحود وعقوق المقربين من والدها وتدهور حالته الصحية.
وأقسى ما في هذا المشهد المفجع هو رد أحد المسئولين في وزارة الثقافة المصرية على طلب أحدهم برعاية الدكتور وعلاجه على نفقة الوزارة، فقال المسئول: ده خلاص بيودع !!!!!!!!
مما دفع أحدهم إلى الذهاب لإحدى دول الخليج لعله يجد هناك ما لم يجده في مصر تجاه واحد من نوابغها ومفكريها الكبار.
هذا للأسف الشديد هو ما حدث مع الدكتور مصطفى محمود الذي كان في يوم من الأيام ملأ السمع والبصر، والذي غزا بأسلوبه السلس الراقي البسيط وأفكاره الفلسفية العميقة وكارزميته الإعلامية الهادئة الجذابة قلوب الملايين على امتداد العالم الإسلامي.
نحن لن نسأل عن الملايين التي أهدرت في حملة ترشح وزير الثقافة لمنصب اليونسكو، فقد رماها السيد الوزير وراء ظهره !
ولن نطلب كشف حساب من وزارات وهيئات وشخصيات عديدة شاركت بجهودها الجبارة وأموالها الفائضة (عن حاجة المصريين الشبعانين) من أجل اشباع طموح فارغ لا قيمة له.
ولن نذكر أسماء الممثلين والممثلات والفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات الذين عالجتهم الدولة على نفقتها الخاصة !
ولكن نتساءل:
ما هو المعيار الذي توزن به الشخصيات في مصر المحروسة ؟
وما هو الإنتاج والقيمة والحصيلة الفكرية والإبداعية والعلمية التي تشفع لصاحبها في هذا البلد ، فتجعله مصانا مستورا في شيخوخته ومرضه ووحدته وضعفه ؟
الدكتور مصطفى محمود ليس واحدا ً من مدعى الثقافة والفكر من معتنقي الشيوعية البائدة الذين يرفلون في عطايا وإنعامات ومنح وجوائز وزارة الثقافة، لكنه مفكر مصري عبقري، بدأ شاكا ً وأنعم الله عليه باليقين والإيمان بعد رحلة بحث وتأمل ودراسة وقراءة طولها ثلاثون عاماً.
وهو فوق ذلك صاحب الردود العلمية الرصينة العميقة والمواقف المشهودة التي أفحمت الماديين والماركسيين والملحدين.
وللرجل أياد في ميدان الدعوة إلى الإسلام بمركزه الإسلامي الشهير ومسجده المعروف بالمهندسين بمركزه الطبي الذي طالما قدم خدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل من فقراء القاهرة وغيرها من المحافظات.
والدكتور مصطفى محمود ليس واحدا ً من الشعراء والكتاب محدودي الموهبة ممن اختاروا التطاول على رب العالمين والإساءة إلى رموز الإسلام والنيل من ثوابته طريقا للوصول إلى قلب وعقل المسئولين عن الثقافة في بلدنا، لكنه عالم موهوب ومتميز.. استطاع في وقت قصير أن يثقف الملايين من المسلمين بمبادئ إعجاز الله عز وجل في الكون والخلق.
وكان برنامجه الراقي (العلم والإيمان) جرعة إيمانية أسبوعية ينتظرها المسلمون بشغف ليزدادوا إيمانا ً ويقينا وعلما ومعرفة وليستمتعوا بأسلوب العرض الساحر الذي تفرد به الدكتور مصطفى محمود.
والدكتور مصطفى محمود لم يكن ممثلا سينمائيا أو مسرحيا ، وليس مهرجا من مهرجي السيرك الثقافي في مصر المحروسة، ولم يكن يوما من هواة الظهور الإعلامي ولا من حواة البلاط ومحترفي السلطة، بل عاش حياته زاهدا في كل شيء، ورفض المنصب الوزاري الذي عرضه عليه الرئيس الراحل أنور السادات، وعاش لقضيته وفلسفته وفكره وعلمه، مستمتعا بالحرية التي نالها أخيرا والتي يصفها في كتابه ( السؤال الحائر) قائلا ً:
" نعم تلك كانت الحرية الحقة.. حينما بلغت غاية العبودية لله ، وفككت عن يدي القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزيفة ؛ المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة والقوة.. وشعرت أنى لم أعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء" .
أقول للمسئولين عن الثقافة في بلادي: الرجل ليس محتاجا لأحد ولا لشيء لأنه أصبح في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء.
ولكن ليس معنى هذا أنكم في حل من المساءلة والحساب عن هذه الأموال والجهود التي بذلتموها ووضعتموها في غير موضعها، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة أمام الملك سبحانه وتعالى وعلى رؤوس الخلائق والأشهاد.
وأقول لمفكرنا وأديبنا الكبير الدكتور مصطفى محمود في هذه اللحظات الفارقة بين حياة مشهودة مليئة بالانجازات والنجاحات.. مثقلة بالحزن والألم والوحدة والجحود والمرض.
وبين وموت كان شغله الشاغل أن يفك شفرته ويكشف أسراره ويحل ألغازه ويرى ما وراء بوابته.. أقول لك:
يا دكتور مصطفى .. ليتنى .. ليتنى أستطيع لقاءك !!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://egyptianislamicgroup.com/Public/articles/interview/11/images/552557950.jpg
بقلم/ هشام النجار
منذ أكثر من أسبوع تمنيت على أخي الأستاذ هاني ياسين في مكالمة هاتفية الذهاب إلى الدكتور مصطفى محمود، ليس فقط لإجراء لقاء صحفي معه لنشره على الموقع، ولكن ليرى الدكتور - الذي يعانى الوحدة والمرض - وفاء وبر أبناء الحركة الإسلامية بكبار العلماء والمفكرين.
وليعلم أن هناك بقية من بني وطنه لا يزال الوفاء يجرى في عروقهم في زمن استشرى فيه الجحود والنكران كالوباء .
أردت أن أدخل على قلب ذلك الرجل الكبير الفرحة وهو يحتضر مودعا الدنيا، عندما يجد أمامه أبناءه الذين طالما اختلفوا معه في كثير من القضايا والأفكار، وقد جاءوا أليه ليسكنوا بعض الألم وليخففوا بعض الوجع!!
وما أقسى آلام النكران وما أوجع الشعور بجحود الوطن الذي وهب له نفسه وعلمه وحياته وعمره.
هل يصدق أحد أن عالماً كبيراً ومفكراً وأديباً وفيلسوفاً فذاً في حجم الدكتور مصطفى محمود تكون هذه نهايته.. مريضاً وحيداً في غرفته لا يجد من أبناء وطنه اهتماماً ولا سؤالاً ولا زيارة، ولا حتى دعاء بالشفاء، فضلاً عن المبادرة إلى علاجه في أرقى المستشفيات ورعايته على نفقة الدولة!!
هل يصدق أحد أن كاتباً فذاً له أكثر من ثمانين كتاباً في مختلف فروع العلم والمعرفة والأدب، لا يجد اهتماماً يذكر من وزارة الثقافة في بلده !
وهل يصدق أحد أن إعلامياً كبيراً كان صاحب واحد من أهم وأنجح البرامج في الثمانينات، لا يجد اهتماماً يذكر من وزارة الإعلام في بلده !
وقد صرخت ابنته أمل بالشكوى من جحود وعقوق المقربين من والدها وتدهور حالته الصحية.
وأقسى ما في هذا المشهد المفجع هو رد أحد المسئولين في وزارة الثقافة المصرية على طلب أحدهم برعاية الدكتور وعلاجه على نفقة الوزارة، فقال المسئول: ده خلاص بيودع !!!!!!!!
مما دفع أحدهم إلى الذهاب لإحدى دول الخليج لعله يجد هناك ما لم يجده في مصر تجاه واحد من نوابغها ومفكريها الكبار.
هذا للأسف الشديد هو ما حدث مع الدكتور مصطفى محمود الذي كان في يوم من الأيام ملأ السمع والبصر، والذي غزا بأسلوبه السلس الراقي البسيط وأفكاره الفلسفية العميقة وكارزميته الإعلامية الهادئة الجذابة قلوب الملايين على امتداد العالم الإسلامي.
نحن لن نسأل عن الملايين التي أهدرت في حملة ترشح وزير الثقافة لمنصب اليونسكو، فقد رماها السيد الوزير وراء ظهره !
ولن نطلب كشف حساب من وزارات وهيئات وشخصيات عديدة شاركت بجهودها الجبارة وأموالها الفائضة (عن حاجة المصريين الشبعانين) من أجل اشباع طموح فارغ لا قيمة له.
ولن نذكر أسماء الممثلين والممثلات والفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات الذين عالجتهم الدولة على نفقتها الخاصة !
ولكن نتساءل:
ما هو المعيار الذي توزن به الشخصيات في مصر المحروسة ؟
وما هو الإنتاج والقيمة والحصيلة الفكرية والإبداعية والعلمية التي تشفع لصاحبها في هذا البلد ، فتجعله مصانا مستورا في شيخوخته ومرضه ووحدته وضعفه ؟
الدكتور مصطفى محمود ليس واحدا ً من مدعى الثقافة والفكر من معتنقي الشيوعية البائدة الذين يرفلون في عطايا وإنعامات ومنح وجوائز وزارة الثقافة، لكنه مفكر مصري عبقري، بدأ شاكا ً وأنعم الله عليه باليقين والإيمان بعد رحلة بحث وتأمل ودراسة وقراءة طولها ثلاثون عاماً.
وهو فوق ذلك صاحب الردود العلمية الرصينة العميقة والمواقف المشهودة التي أفحمت الماديين والماركسيين والملحدين.
وللرجل أياد في ميدان الدعوة إلى الإسلام بمركزه الإسلامي الشهير ومسجده المعروف بالمهندسين بمركزه الطبي الذي طالما قدم خدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل من فقراء القاهرة وغيرها من المحافظات.
والدكتور مصطفى محمود ليس واحدا ً من الشعراء والكتاب محدودي الموهبة ممن اختاروا التطاول على رب العالمين والإساءة إلى رموز الإسلام والنيل من ثوابته طريقا للوصول إلى قلب وعقل المسئولين عن الثقافة في بلدنا، لكنه عالم موهوب ومتميز.. استطاع في وقت قصير أن يثقف الملايين من المسلمين بمبادئ إعجاز الله عز وجل في الكون والخلق.
وكان برنامجه الراقي (العلم والإيمان) جرعة إيمانية أسبوعية ينتظرها المسلمون بشغف ليزدادوا إيمانا ً ويقينا وعلما ومعرفة وليستمتعوا بأسلوب العرض الساحر الذي تفرد به الدكتور مصطفى محمود.
والدكتور مصطفى محمود لم يكن ممثلا سينمائيا أو مسرحيا ، وليس مهرجا من مهرجي السيرك الثقافي في مصر المحروسة، ولم يكن يوما من هواة الظهور الإعلامي ولا من حواة البلاط ومحترفي السلطة، بل عاش حياته زاهدا في كل شيء، ورفض المنصب الوزاري الذي عرضه عليه الرئيس الراحل أنور السادات، وعاش لقضيته وفلسفته وفكره وعلمه، مستمتعا بالحرية التي نالها أخيرا والتي يصفها في كتابه ( السؤال الحائر) قائلا ً:
" نعم تلك كانت الحرية الحقة.. حينما بلغت غاية العبودية لله ، وفككت عن يدي القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزيفة ؛ المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة والقوة.. وشعرت أنى لم أعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء" .
أقول للمسئولين عن الثقافة في بلادي: الرجل ليس محتاجا لأحد ولا لشيء لأنه أصبح في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء.
ولكن ليس معنى هذا أنكم في حل من المساءلة والحساب عن هذه الأموال والجهود التي بذلتموها ووضعتموها في غير موضعها، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة أمام الملك سبحانه وتعالى وعلى رؤوس الخلائق والأشهاد.
وأقول لمفكرنا وأديبنا الكبير الدكتور مصطفى محمود في هذه اللحظات الفارقة بين حياة مشهودة مليئة بالانجازات والنجاحات.. مثقلة بالحزن والألم والوحدة والجحود والمرض.
وبين وموت كان شغله الشاغل أن يفك شفرته ويكشف أسراره ويحل ألغازه ويرى ما وراء بوابته.. أقول لك:
يا دكتور مصطفى .. ليتنى .. ليتنى أستطيع لقاءك !!