المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الموقف الصعب بين سورتي المائدة و الكهف


abcd19
10-03-2010, 12:57
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هي خاطرة عبد فقير إلى رحمة ربّه, إن أصابت فمن الله و إن أخطأت فمن جهلي و تقصيري.
المتعارف عليه أنّ المتهم لمّا توّجه إليه تهمة بجرم لم يقترفه تكون أوّل ردود فعله: أنا بريء. أو لم أفعلها. أو عندي دليل أنّي لم أفعلها, أو غيرها من صيغ الدفاع المباشرة و الغير المباشرة عن النفس. لا أن يناقش الجرم في حدّ ذاته من الجانب المبدئي. كأن يقول السرقة ظلم كبير, إلّا في سياق دفاعه عن نفسه.

"وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (118)

سيّدنا عيسى المسيح, عليه و على رسولنا السلام, لمّا وجّه إليه خطاب مباشر لا ميل فيه "أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ". إهتزّ, صدم, تحوّل من الموقف الذي كان فيه يوم الحساب, في يوم ينادي كلّ البشر ما عدى رسول الله, صلّى الله عليه و سلّم, "نفسي, نفسي", و فكّر في الجرم كجرم . لم يستوعب. هل يمكن أن يكون هذا؟ ما هذا الجرم العظيم !!! صدم من هول الجرم ذاته دون إعتبار إلصاق الجرم بنفسه في اللحظة الأولى.
"سبحانك"!!!!
غير معقول !!!!!!
سبحانك ربّي هل وصل إجرام البشر إلى هذا الحدّ !!!
سبحانك ربّي كيف يقول بشر مثل هذا القول!!!
ماذا أسمع؟ يا إلاهي !!! هل يوجد مثل هذا الجرم؟
ثمّ يستفيق ويدرك أنّ مجرمي البشر وضعوه, هوّ, في هذه الصورة. وضعوه في هذه التهمة. عليه هنا الدفاع. ما هذا الموقف المرعب المحزن الخطير الذي وضعني فيه مجرموا النصارى؟ لماذا فعلوا بي هذا؟
لم أفعلها ربّي. " مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ", يا ربّي, "إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ" هذا دفاعي, هذا دليلي. " إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ " يا ربّي.
و قد تقيّدت بأوامرك تماما, ف " مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ".
ردّ مباشر لا يميل كما كان السؤال مباشرا لا يميل. ردّ على القياس لا يتجاوز نفس سيّدنا عيسى, عليه و على رسولنا السلام. ثمّ أردف " إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ", و ما دخلي أنا لك, كلّ المشيئة يا الله "وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ". و لم يقل إنّك أنت الغفور الرحيم ,مثلا, و لم يقل في السابقة – إن تعذب هؤلاء المجرمين- أو –إنهم يستحقون العقاب-, فلو قال 'غفور رحيم' لآستشعرنا إيحاءا برحمة الله, بمعنى ياربّي إرحمهم, فيكون بذلك عيسى بن مريم, عليه و على رسولنا السلام, قد تدّخل في قرار الله, جلّ و على علوا كبيرا عن ذلك, و لو بشكل إيحائي و لو بشكل غير مباشر, ويصبح هنالك, حينها, إقرار, ضمتي مخفي, بمشاركته في القرار, ما عاذ الله.
في هذا الموقف, وبعد صدمته, عيسى المسيح, عليه و على رسولنا السلام, لا يتكلم إلا عن نفسه. لا تهمه إلا نفسه. لا يدافع إلا عن نفسه. لا يخرج من هذا السياق قيد أنملة "إنّك أنت العزيز الحكيم" الحيادية التامة في الجواب. لن أتدخل. العزّة لك ربّي و الحكمة حكمتك ربّي. إفعل ما تشاء لا تهمّني إلا نفسي.
أنظروا إلى هذا الموقف الذي وضع فيه النصارى عيسى المسيح, عليه و على نبّينا السلام, كم هوّ خطير و محزن.

قد تضنّون أنّ الآية 109 من سورة الكهف لا علاقة لها بنا سبق:
"قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا" (الكهف 109)

إتّهم الكفار رسول الله صلّى الله عليه و سلّم, بأنّ القرآن من عنده, فيجيبهم الله مدافعا رادا عن الرسول, صلى الله عليه و سلّم بأنّ الكلمات من عند الله و أنّ الإتيان بالقرآن لا يعجزه, و لكن الإنس و الجنّ و كلّ الخلق, يعجز عن الإتيان بمثله. بل بمقدور الله, عزّ و جلّ الإتيان بغيره ف "لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا".
لم يضع الله رسوله هنا في موضع الدفاع المباشر كما كان مع سيّدنا عيسى عليه و على رسولنا السلام. بل, و الأعجب, أنّ الله, جلّ و على, هوّ من ردّ عن رسوله إتهام الكفار, في حين أنّه كان على عيسى المسيح, عليه و على رسولنا السلام, الإجابة على سؤال الله, عزّ وجلّ, مباشرة و بنفيه.
بل كان ردّ الله عن الرسول. صلّى الله عليه و سلّم, لطيفا برسول الله صلّى الله عليه و سلّم, إلى أبعد حدود اللطف. علما و أنّ رسول الله, صلّى الله عليه و سلّم, لم يدّعي ما قال الكفار و أنّ عيسى المسيح, عليه و على رسولنا السلام, لم يدّعي ما قالت النصارى. فما الفرق إذا؟
لماذا كانا موقف دفاع عيسى المسيح عليه و على رسولنا السلام, موقفا حادّا جدّا, موقف غصّة, موقفا خطيرا. وكان الردّ عن رسول الله, صلّى الله عليه و سلّم, غير مباشر تجاه محمد , صلّى الله عليه و سلّم, بل و بلطف؟
هنا خاطرة العبد الفقير إلى رحمة ربّه مخاطبكم.
الجواب: أنّ أمّة عيسى المسيح, عليه و على رسولنا السلام, هيّ من خانته, هيّ من إتّهمته, هيّ من إفترت عليه, هيّ من جرّته إلى هذا الموقف وليس أعداء عيسى المسيح, عليه و على رسولنا السلام.
و أنّ أمّة رسولنا الحبيب, محمد, صلّى الله عليه و سلّم, عاهدوه فصدقوه, و أسلموا لله وآتبعوا رسوله وفدوه بالمال و النفس, و آمنت فآتقت و أمرت بالمعروف و نهت عن المنكر, وقصمت ضهر الكفر و حرست العقيدة جهادا و دعوة و أنارت الطريق للبشر برحمة من الله و بهدّي من حبيبنا المصطفى, صلّى الله عليه و سلّم.
هل ترون أنّ الله سيضع رسوله, صلّى الله عليه و سلّم, في موقف مثل موقف عيسى المسيح عليه و على رسولنا السلام, و أمّة محمد, صلّى الله عليه و سلّم, ثابتة على التوحيد؟

تعلمون الآن يا رجال و نساء أمّة محمد , صلّى الله عليه و سلّم, لماذا كنتم خير أمّة أخرجت للناس.
و تعلمون الآن لماذا يحسدوننا.

عبد الله التونسي

بش بش
10-03-2010, 13:03
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه
جزاك الله خير الجزاء..

abcd19
10-03-2010, 13:22
بارك الله فيك بش بش على المرور. و أستأذنك لأستغّل ردّي لك لأصلح بعض أخطاء الكتابة في مقالي (لا أجد إيقونة التحرير لإصلاحها)
1) و مادخلي أنا لك, كلّ المشيئة يا الله تعوّض ب " و ما دخلي أنا, كلّ المشيئة لك يا الله
2) "لا علاقة لها بنا سبق" : لا علاقة لها بما سبق