عمر الريسوني
15-03-2010, 17:44
سبحان من له المجد والثناء والحمد والبقاء ذو الجلال والاكرام .
وصلوات منك ربي ورحمة الى خير الخلق والمرسلين وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين .
اللهم اني أسألك أن تعصمني من الزلل ، وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل ، وارزقني في أموري حسن العواقب
المتأمل في العالم من حوله يرى بيتا كبيرا معدا أحسن الاعداد فيه ما يحتاجه ساكنه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط وجواهر مبثوثة في كل مكان ، وهذا يعني أن العالم المخلوق ينطوي على تدبير وتقدير ونظام محكم ، والعقل البشري له الحكم فيحكم صراحة أنه لا بد لهذا التدبير من مدبر ولهذا التنظيم من منظم ، والعقل رؤيته في مجال محدوديته
ولو كشف الغطاء لعرف المبنى الحق دائما وأبدا
وعرف أنه الله
القائم بذاته المقدسة المنطوية فيها جميع الحقائق بأسرها
علما اجماليا في عين التفصيل وتفصيليا في عين الاجمال
فالصفات الذاتية هي عين الذات المتعالية
والواجد للشيء غني بالذات
ومعرفة الله شيء عظيم ، وماذا بعد الحق الا الضلال
ولو عرف العباد الله حق معرفة
لانعدم كل سؤال (نسبية العقل) يفظي الى التظنن في هذه المعرفة
فالعلم كل العلم أنه الله لا اله غيره
وهذا منتهى العلم والحق
وهذه حقيقة لاغبار عليها
والعقول قاصرة وعاجز
فالله تعالى مبدأ كل كمال ومنشأ كل جمال
هو الحق
فالأصل والحمد لله كله خير ومبنى حق
فالحمد لله على هذا الخير وهذا الكنز الموجود
(أولا وآخرا وظاهرا وباطنا)
ومن حكمة الله الجلية أن وهب العبد مواهب
يتطلع منها الى معرفة الحق
(وسعني قلب عبدي المؤمن)
حديث قدسي
فسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر
فهذه المعرفة ليست من علوم البرهان ولا علوم النظر ولا علوم الخلائق من حكماء ومتكلمين
بل معرفة تتحصل لأولياء الله خالصة الذين يشاهدون الله بقلوبهم فيكشف لهم ما لا يكشفه لغيرهم
(وجعلنا له نورا يمشي به) الآية
ومعرفة الحق تقتضي دوام الصلة بين الحق والخلق بشرط سلامة العقل
في نظام عام ثابت الأصول الشرعية على صراط مستقيم من الاحسان
ومكارم الأخلاق فتأخذ الحياة معناها الحقيقي ومبناها الحق
فالقلوب الصحيحة قلوب نقية طاهرة ما دامت حية بالمعرفة ، والقلب هو محل النور الذي يعرف به العبد ربه ، وهو سر لا يطلع عليه أحد سواه سبحانه
كان لسري تلميذة ، ولها ولد عند المعلم ، فبعث به المعلم الى الرحا ،فنزل الصبي الى الماء فغرق ، فأعلم المعلم سريا بذلك ، فقال السري : قوموا بنا الىأمه ، فمضوا اليها ، وتكلم السري في علم الصبر ، تم تكلم في علم الرضا .
فقالتيا أستاذ وأي شيء تريد بهذا ؟ فقال لها : ان ابنك غرق ، فقالت : ابني ، فقال نعم ،فقالت : ان الله عز وجل ما فعل هذا ، ثم عاد السري في كلامه في الصبر والرضا ،فقالت : قوموا بنا ، فقاموا معها حتى انتهوا الى النهر ، فقالت : أين غرق ؟ فقالوا : ههنا ، فصاحت به : ابني محمد ، فأجابها :لبيك يا أماه ، فنزلت وأخدت بيده ، فمضتبه الى منزلها ، فالتفت السري الى الجنيد ، وقال أي شيء هذا ؟ قال الجنيد : أقول ، قال : قل ، قال: ان المرأة مراعية لما لله عز وجل عليها ، وحكم من كانمراعيا لما لله عز وجل عليه ألا يحدث عليه حادثة حتى يعلمه بذلك ، فلما لم تكنحادثة لم يعلمها بذلك ، فأنكرت ، فقالت : ان ربي عز وجل ما فعل هذا .
النص من روض الرياحين ..اليافعي
***
سبحان الله .
إن في هذه القصة لعجب ، و توقيف و إعجاز لأهل النظر ، و لأهل الظاهر ، و قبل ذلك فقد وقف فيها العارفون الجهابذ : أليس السري من سأل الجنيد :
أي شيء هذا ؟
(قاله أخ كريم)
***
جوابي للأخ الكريم
كم استوقفتني هذه القصة كما استوقفتك أخي الكريم ، ومن القصص ما فيه تثبيت للفؤاد ..
وكما تفضلتم أخي العزيز بما جاء في ردكم ، فهذه من السير العطرة التي ننهل منها العبرة ونستخلص منها خير ذكرى تنفع المؤمنين ، فهؤلاء القوم ربانيون من أهل الله تعالى ، و قلوبهم عامرة بالمعرفة والايمان ، ولو تقدم العلماء ليسطروا سيرا خيرا من سيرة القوم ما وجدوا الى ذلك سبيلا وما بلغوا مبتغاهم ..ناهجين في ذلك كتاب الله وسنة نبيه خير الخلق أجمعين المصطفى صلى الله عليه وسلم..
فلقد هبوا بتواضع وفي قلوبهم الشفقة والرحمة لعباده لتتثبيت فؤاد المرأة وصبروا أيما صبر لما ناظرتهم بعزم وتقى نادرين ، مسلمين في ذلك أمرهم لله تعالى الذي يبصرهم بما خفي عنهم ويعلمهم .
فهذا السري الورع الزاهد كان مجلسه مجلس علم ومن نصحه لتلميذه الجنيد أن لا يدع باطن علم ينقض ظاهر حكم وكان شديد الخوف من الله تعالى ويعزو حزنه وهمه وخشيته وكثرة بكائه وتضرعه في الليل والنهار الى الخوف من الله ويصف أحوال الخائف وصف العارف المعاني ، وله في الصوفي ثلاث معاني فهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه ظاهر ، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله.
أما الجنيد المربي فكان يعلم أصحابه أن العلم له ثمنه ، وثمنه هو وضعه عند من يحسن حمله ولا يضيعه ، فتوسموه في الحر ، والحر الحقيقي هو الذي عبوديته لله خالصة ولن تكون على الحقيقة عبدا لله وشيء من دون الله يسترقك ، والعبودية لله هي أن تخلص له الحب فتحب ما يحب الله وتكره ما يكره الله ، ومن يعرف الله لا يسرالا به والله تعالى يخلص الى القلوب من بره حسب ما تخلص له القلوب من ذكره.
قال الجنيد لابن شريح : طريقنا أقرب الى الحق من طريقكم ، فطالبه بالبرهان ، فقال الجنيد لرجل : ارم حجرا في حلقة الفقراء ، فرماه ، فصاحوا كلهم : الله .
ثم قال : ألقه في حلقة الفقهاء ، فألقاه ، فقالوا : حرام عليك ، أزعجتنا
فقبل شريح رأس الجنيد.
وانها والله لعبرة تشع منها الرحمة ، واذا تأملت معي أخي الكريم فسيلاحظ المرء في القرآن الكريم أن ذكر الرحمة يأتي مسبوقا على العلم (وسعت كل شيء رحمة وعلما) الآية ، فالله تعالى هو الذي له خزائن الرحمة ، وليس كل علم رحمة ، وكتاب الله العزيز كتاب فيه الهداية والرحمة ، فالذي علم القرآن هو الله ( الرحمان علم القرآن) الآية ، بأن ألبس كلماته ثياب الجلالة والرحمة لتكون علما وهدى وشفاءا للمتقين .
فهؤلاء القوم أخلصوا عملهم لله تعالى فرحمهم الله بالعلم الذي هو في أصله رحمة والله أعلم .
وصلوات منك ربي ورحمة الى خير الخلق والمرسلين وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين .
اللهم اني أسألك أن تعصمني من الزلل ، وأن تجعل لي من الأمل ما ترضاه لي من عمل ، وارزقني في أموري حسن العواقب
المتأمل في العالم من حوله يرى بيتا كبيرا معدا أحسن الاعداد فيه ما يحتاجه ساكنه فالسماء مرفوعة كالسقف والأرض ممدودة كالبساط وجواهر مبثوثة في كل مكان ، وهذا يعني أن العالم المخلوق ينطوي على تدبير وتقدير ونظام محكم ، والعقل البشري له الحكم فيحكم صراحة أنه لا بد لهذا التدبير من مدبر ولهذا التنظيم من منظم ، والعقل رؤيته في مجال محدوديته
ولو كشف الغطاء لعرف المبنى الحق دائما وأبدا
وعرف أنه الله
القائم بذاته المقدسة المنطوية فيها جميع الحقائق بأسرها
علما اجماليا في عين التفصيل وتفصيليا في عين الاجمال
فالصفات الذاتية هي عين الذات المتعالية
والواجد للشيء غني بالذات
ومعرفة الله شيء عظيم ، وماذا بعد الحق الا الضلال
ولو عرف العباد الله حق معرفة
لانعدم كل سؤال (نسبية العقل) يفظي الى التظنن في هذه المعرفة
فالعلم كل العلم أنه الله لا اله غيره
وهذا منتهى العلم والحق
وهذه حقيقة لاغبار عليها
والعقول قاصرة وعاجز
فالله تعالى مبدأ كل كمال ومنشأ كل جمال
هو الحق
فالأصل والحمد لله كله خير ومبنى حق
فالحمد لله على هذا الخير وهذا الكنز الموجود
(أولا وآخرا وظاهرا وباطنا)
ومن حكمة الله الجلية أن وهب العبد مواهب
يتطلع منها الى معرفة الحق
(وسعني قلب عبدي المؤمن)
حديث قدسي
فسبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله أكبر
فهذه المعرفة ليست من علوم البرهان ولا علوم النظر ولا علوم الخلائق من حكماء ومتكلمين
بل معرفة تتحصل لأولياء الله خالصة الذين يشاهدون الله بقلوبهم فيكشف لهم ما لا يكشفه لغيرهم
(وجعلنا له نورا يمشي به) الآية
ومعرفة الحق تقتضي دوام الصلة بين الحق والخلق بشرط سلامة العقل
في نظام عام ثابت الأصول الشرعية على صراط مستقيم من الاحسان
ومكارم الأخلاق فتأخذ الحياة معناها الحقيقي ومبناها الحق
فالقلوب الصحيحة قلوب نقية طاهرة ما دامت حية بالمعرفة ، والقلب هو محل النور الذي يعرف به العبد ربه ، وهو سر لا يطلع عليه أحد سواه سبحانه
كان لسري تلميذة ، ولها ولد عند المعلم ، فبعث به المعلم الى الرحا ،فنزل الصبي الى الماء فغرق ، فأعلم المعلم سريا بذلك ، فقال السري : قوموا بنا الىأمه ، فمضوا اليها ، وتكلم السري في علم الصبر ، تم تكلم في علم الرضا .
فقالتيا أستاذ وأي شيء تريد بهذا ؟ فقال لها : ان ابنك غرق ، فقالت : ابني ، فقال نعم ،فقالت : ان الله عز وجل ما فعل هذا ، ثم عاد السري في كلامه في الصبر والرضا ،فقالت : قوموا بنا ، فقاموا معها حتى انتهوا الى النهر ، فقالت : أين غرق ؟ فقالوا : ههنا ، فصاحت به : ابني محمد ، فأجابها :لبيك يا أماه ، فنزلت وأخدت بيده ، فمضتبه الى منزلها ، فالتفت السري الى الجنيد ، وقال أي شيء هذا ؟ قال الجنيد : أقول ، قال : قل ، قال: ان المرأة مراعية لما لله عز وجل عليها ، وحكم من كانمراعيا لما لله عز وجل عليه ألا يحدث عليه حادثة حتى يعلمه بذلك ، فلما لم تكنحادثة لم يعلمها بذلك ، فأنكرت ، فقالت : ان ربي عز وجل ما فعل هذا .
النص من روض الرياحين ..اليافعي
***
سبحان الله .
إن في هذه القصة لعجب ، و توقيف و إعجاز لأهل النظر ، و لأهل الظاهر ، و قبل ذلك فقد وقف فيها العارفون الجهابذ : أليس السري من سأل الجنيد :
أي شيء هذا ؟
(قاله أخ كريم)
***
جوابي للأخ الكريم
كم استوقفتني هذه القصة كما استوقفتك أخي الكريم ، ومن القصص ما فيه تثبيت للفؤاد ..
وكما تفضلتم أخي العزيز بما جاء في ردكم ، فهذه من السير العطرة التي ننهل منها العبرة ونستخلص منها خير ذكرى تنفع المؤمنين ، فهؤلاء القوم ربانيون من أهل الله تعالى ، و قلوبهم عامرة بالمعرفة والايمان ، ولو تقدم العلماء ليسطروا سيرا خيرا من سيرة القوم ما وجدوا الى ذلك سبيلا وما بلغوا مبتغاهم ..ناهجين في ذلك كتاب الله وسنة نبيه خير الخلق أجمعين المصطفى صلى الله عليه وسلم..
فلقد هبوا بتواضع وفي قلوبهم الشفقة والرحمة لعباده لتتثبيت فؤاد المرأة وصبروا أيما صبر لما ناظرتهم بعزم وتقى نادرين ، مسلمين في ذلك أمرهم لله تعالى الذي يبصرهم بما خفي عنهم ويعلمهم .
فهذا السري الورع الزاهد كان مجلسه مجلس علم ومن نصحه لتلميذه الجنيد أن لا يدع باطن علم ينقض ظاهر حكم وكان شديد الخوف من الله تعالى ويعزو حزنه وهمه وخشيته وكثرة بكائه وتضرعه في الليل والنهار الى الخوف من الله ويصف أحوال الخائف وصف العارف المعاني ، وله في الصوفي ثلاث معاني فهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه ظاهر ، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله.
أما الجنيد المربي فكان يعلم أصحابه أن العلم له ثمنه ، وثمنه هو وضعه عند من يحسن حمله ولا يضيعه ، فتوسموه في الحر ، والحر الحقيقي هو الذي عبوديته لله خالصة ولن تكون على الحقيقة عبدا لله وشيء من دون الله يسترقك ، والعبودية لله هي أن تخلص له الحب فتحب ما يحب الله وتكره ما يكره الله ، ومن يعرف الله لا يسرالا به والله تعالى يخلص الى القلوب من بره حسب ما تخلص له القلوب من ذكره.
قال الجنيد لابن شريح : طريقنا أقرب الى الحق من طريقكم ، فطالبه بالبرهان ، فقال الجنيد لرجل : ارم حجرا في حلقة الفقراء ، فرماه ، فصاحوا كلهم : الله .
ثم قال : ألقه في حلقة الفقهاء ، فألقاه ، فقالوا : حرام عليك ، أزعجتنا
فقبل شريح رأس الجنيد.
وانها والله لعبرة تشع منها الرحمة ، واذا تأملت معي أخي الكريم فسيلاحظ المرء في القرآن الكريم أن ذكر الرحمة يأتي مسبوقا على العلم (وسعت كل شيء رحمة وعلما) الآية ، فالله تعالى هو الذي له خزائن الرحمة ، وليس كل علم رحمة ، وكتاب الله العزيز كتاب فيه الهداية والرحمة ، فالذي علم القرآن هو الله ( الرحمان علم القرآن) الآية ، بأن ألبس كلماته ثياب الجلالة والرحمة لتكون علما وهدى وشفاءا للمتقين .
فهؤلاء القوم أخلصوا عملهم لله تعالى فرحمهم الله بالعلم الذي هو في أصله رحمة والله أعلم .