تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ارض البرتقال الحزين "1"


نسمة حياة
02-04-2010, 07:24
ارض البرتقال الحزين "غسان كنفاني"



أبعد من الحدود

صعد الرجل الهام الدرجات القليلة إلى بيته , فتح له الباب , القى محفظته الجلدية فوق الطاولة , قبل زوجته , نظر الى طفله النائم في الحرير الأزرق , فك رباط عنقه , ساعده الخادم على خلع حذائه , اخذت زوجته المعطف , علقته على المشجب , فرك يديه مستمتعاً بالدفء ..

أتريد أن تتناول عشاءك الآن؟

أوه نعم , أنا جائع جداً ...

استدارت زوجته ذاهبة الى خارج الغرفة , رغرغ الصغير في حريره الأزرق , أصوات الصحون تأتي اليه مخدرة من وراء باب غرفة الطعام ,

ثم صوت زوجته:

هل مسكتموه؟

من ؟

الشاب الذي قفز من النافذة أثناء التحقيق . .

ليس بعد ولكن اين يريد أن يفر؟ سيكون مآله الينا بين ساعة وأخرى ..

ماذا كانت جريمته بالضبط ؟

من اين لي ان ادري؟ لقد طلب مقابلتي ثم هرب ...

قام عن الكرسي الوثير, انتعل شحاطته ذات الفرو، اجتاز الباب الى غرفة الطعام ، جلس في كرسيه المفضل ، قرب وجهه من صحن الحساء واستمتع بالبخار المتصاعد منه . . .

هذا الحساء ساخن جداً, سيحرقي. .

عليك ان تنتظر برهة . .

انا مرهق جداً اليوم .

تراخى في كرسيه وأحس بثقل يتمدد في جفنيه, سمع صوت شباك ينغلق بعنف, زوجته تنسى دائماً شباك الحمام مفتوحاً فتلعب به الريح . . أحس برغبة جامحة في النوم . . كيف استطاع ذلك الشقي ان يثب من الشباك دون ان يؤذي نفسه ؟ كلهم شياطين مجرمون . .

-(( سوف القي خطاباً امامك ))

سمع هذه الجملة بوضوح فحاول ان يرفع رأسه ، الا انه كان مستمتعاً بالدفء ، والنعاس، سأل نفسه : تراه من يكون ؟

-(( الشاب الذي هرب من النافذة , عاد من النافذة يا سيدي!))

ومرة اخرى لم يشأ أن يرفع رأسه رغم أنه أحس بشيء من الرعب . . . كان بخار الحساء ما زال يتصاعد فيحمل الى وجهه نكهة رطوبة دافئة ، قال لنفسه (( لاشك أنهم امسكوا ذلك الشاب . . أنا أفكر به الآن لأن حاستي السادسة نامية, انا أثق بها )). .

-((لن تقاطعني يا سيدي, أليس كذلك؟ أريد أن ألقي خطاباً ))

-(( لا لن اقاطعك ))

لم يعد بوسعه ، الآن ، ان يفتح عينيه ورغم ذلك فهو لم ينم بعد. . انها اللحظات القليلة العائمة التي تسبق النوم مباشرة, هكذا فكر، انه يعرف جيداً هذه اللحظات, ويمتصها, نصف واع, حتى الثمالة . .

-(( إسمح لي يا سيدي أن ارتجف امامك ريثما يبرد الحساء, انت لن تمنعي من الارتجاف , أليس كذلك ؟ انه حق ما زال متوفراً لي حتى الأن . . شيء مؤسف ولكنه حقيقة واقعة . . ان رجالك لا يستطيعون ان يمنعوني من ذلك , اعتقد أنهم يرغبون في ذلك . . أليس الارتجاف حركة ؟ ولكن كيف يتعين عليهم أن يفعلوا؟ ايعطونني معطفاً؟ كيف ؟ يعطون الخنزير معطفاً؟ ))

هز رأسه في محاولة عنيفة لابعاد الصوت الحاد إلا أذ الحروف كانت تتكلب في صدغية كالعلق . .

-(( لا يا سيدي , لا تحاول آن تستدعي كاتبك ليحمل لك الملف الذي يحتوي على كل التفاصيل الهامة وغير الهامة لحياتي . . تريد ان تعرف شيئاً عني؟ هل يهمك ذلك ؟ احسب على أصابعلث إذن : لي أم ماتت تحت أنقاض بيت بناه لها أبي في صفد ، أبي يقيم في قطر آخر وليس بوسعي الالتحاق به ولا رؤيته ولا زيارته , لي اخ ، يا سيدي , يتعلم الذل في مدارس الوكالة ، لي أخت تزوجت في قطر ثالث وليس بوسعها أن تراني أو ترى والدي , لي أخ آخر, يا سيدي , في مكان ما لم يتيسر لي أن أهتدي اليه بعد . . تريد آن تعرف جريمتي ؟ هل يهمك حقأ أن تعرف أم أنت فضولي بريء يا سيدي؟ لقد سكبت دون أن أعي , كل محتويات وعاء الحليب فوق رأس الموظف وقلت له انني لا اريد بيع وطني ... في لحظة جنون أم لحظة عقل ، لا أدري . . . لقد وضعوني في زنزانة سحيقة العمق لكي أقول انها لحظة جنون . . ولكنني، في تلك الزنزانة ، تيقنت أكثر من أية لحظة مضت بأنها كانت لحظة العقل الوحيدة في حياتي كلها. . .

هذا صوت أسناني تصطك من شدة البرد يا سيدي ، لا تخف انا لا أحمل سلاحاً اذا كنت تعتقد أن اسناني ليست سلاحاً , إن ساقي عاريتان ممزقتان لانني قفزت من نافذتك , وقد خطرت لبالي فكرة صغيرة وأنا أمعن في الركض مبتعداً عن غرفتك وحرسك وهي أن هذا الدم الذي سال من ساقي قد تفجر من جروح هي أول جروحي , وان ذلك , للعجب ، لا يحدث على الحدود . ولا أريد أن أخفي عنك شيئاً، يا سيدي . . لقد بعث ذلك في شيئاً يشبه الخجل ولكنه كان خجلاً حزيناً بائساً ما لبث أن صار دمعاً . . ويبدو أن ذلك الخجل هو الذي دفعي لأعود اليك من النافذة ، أم تراني عدت لأن كلمتك الأخيرة ، التي سمعتها وانا أثب من النافذة وكانت آخر ما سمعت منك ، ما تزال تنخر في رأسي كالمثقب : كلمة ناشفة انهمرت ورائي وانا أقفز : (( الخنزير ... امسكوه )) !

يا سيدي ، أنا إذن خنزير حقير ... أتسمح لي أن أكونه ؟ أنا لست أشعر ذلك إذا أردت الصدق . . ولكن لو قلت الصدق هذا ، بصوت أعلى ، إذن لزجوا بي في السجن . واذا أغلقوا وراء ظهري المزلاج فمن يستطيع ان يفتحه ؟ أنت ؟ ولا حتى من هو أعلى منك قيمة ومركزاً ...! أتعرف لماذا يا سيدي؟ لأني ، في الواقع ، لست إلا تجارة من نوع نادر،

فأنت ستسأل نفسك إذا قدر لك أن تسمع بالخبر : (( . . . وماذا سأستفيد من إطلاقه ؟)) والجواب بكل بساطة : (( لا شيء! )) فأنا لست صوتاً انتخابياً, وانا لست مواطناً, باي شكل من الأشكال , وأنا لست منحدراً من صلب دولة تسال بين الفينة والأخرى عن اخباررعاياها. . وأنا عنوع من حق الاحتجاج ء ومن حق الصراخ فماذا ستربح ؟ لا شيء . . وماذا ستخسرإذا بقيت انا وراء المزلاج ؟ لا شيء أيضاً! إذن لماذا التفكير الطويل ؟ ((خذ هذه الاوراق يا ولد ولا تزعجي بمثلها مرة اخرى! )) أرأيت ؟ مشكلة لا أبسط ولا أسهل !

لقد فكرت في الامر مطولاً في المدة الاخيرة يا سيدي . . أنت تعرف ، لا بد أن الواحد منا ما زال يفكر بين الفينة والاخرى . . لقد كنت ماشياً في الشارع وفجأة سقطت الفكرة في رآسي كلوح زجاج كبيرما لبث أن تكسر وأحسست بشظاياه تتناثر في جسدي من الداخل . . قلت لنفسي : (( أوف . . ثم ماذا؟)) وأنت ترى, إنه مجرد سؤال صغير يمكن للمرء ان يطرحه ولو بعد خمس عشرة سنة . . ولكن العجيب هذه المرة أن السؤال كان صلباً وناشفاً وأكاد أقول نهائياً . . اذ انه , فور أن سقط في رأسي , انفتح خندق مظلم طويل بلا نهاية . . .

حكاية حلم
02-04-2010, 20:47
رووووعة كتيير

يسلموووو

nuha1423
07-01-2011, 08:38
بسم الله الرحمن الرحيم

أوجعتني القصة كما هو موجع الواقع أيتها الغالية

آه ثم آه مما وصل إليه الحال

إنها أرض البرتقال الحزين التي لم تبقى إلا أرض الحزن والدم والموت ولم د هناك من برتقاا ليمون ولا زيتون

لا حول ولا قوة إلا بالله

حسبنا الله ونعم الوكيل
لا يا سيدي , لا تحاول آن تستدعي كاتبك ليحمل لك الملف الذي يحتوي على كل التفاصيل الهامة وغير الهامة لحياتي . . تريد ان تعرف شيئاً عني؟ هل يهمك ذلك ؟ احسب على أصابعلث إذن : لي أم ماتت تحت أنقاض بيت بناه لها أبي في صفد ، أبي يقيم في قطر آخر وليس بوسعي الالتحاق به ولا رؤيته ولا زيارته , لي اخ ، يا سيدي , يتعلم الذل في مدارس الوكالة ، لي أخت تزوجت في قطر ثالث وليس بوسعها أن تراني أو ترى والدي , لي أخ آخر, يا سيدي , في مكان ما لم يتيسر لي أن أهتدي اليه بعد . . تريد آن تعرف جريمتي ؟ هل يهمك حقأ أن تعرف أم أنت فضولي بريء يا سيدي؟ لقد سكبت دون أن أعي , كل محتويات وعاء الحليب فوق رأس الموظف وقلت له انني لا اريد بيع وطني ... في لحظة جنون أم لحظة عقل ، لا أدري . . . لقد وضعوني في زنزانة سحيقة العمق لكي أقول انها لحظة جنون . . ولكنني، في تلك الزنزانة ، تيقنت أكثر من أية لحظة مضت بأنها كانت لحظة العقل الوحيدة في حياتي كلها. . .


كم هو رائع وصادق غسان كنفاني وقد يكون الواقع أكثر وجعاً من هذا بكثير

آه ما أضعف أهل الإسلام إذ يعجزن عن نصرة من سحقوا تحت نير الظلم الذي لم تعرف البشرية أقسى منه في تاريخها


مميزة الاختيار

كان الله في عونهم

ولا حول ولا قوة إلا بالله



سلمت يداك بارك الله فيك وجزاك خيراً

عمر المبتكر
07-01-2011, 09:57
جميل جدا جدا

ام النووووون
07-01-2011, 11:50
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا

الحارث
07-01-2011, 11:55
انها أرض البرتقال والشعب الحزين
لاحول ولا قوة الا بالله

بارك الله فيك وجزاك كل الخير