maan
28-01-2011, 16:31
الزلازل فى القران الكريم للدكتور زغلول النجار
وردت لفظة الزلزلة في القرآن الكريم مرتَيْن، والإشارة في كلٍّ منهما كانت إلى زلزلة الآخرة ، وهى زلزلةٌ تفوق زلازل الدنيا بمراتبَ كثيرةٍ ، ولا يمكن تفسيرها في أُطُر العمليات التي تتمُّ بها زلازل الدنيا .
يقول ربنا - تبارك وتعالى - فى مطلع سورة الحج : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ .يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ " (الحج:2،1) .
ويقول - سبحانه وتعالى - في مَطْلَع سورة الزلزلة : " إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا . وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا . يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا . بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ " ( الزلزلة:1-6) .
أمَّا الزلازل في الدنيا فجاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم بلفظ الخَسْفِ ، أو إتيَان البُنْيَان من القَوَاعِد .
يقول ربُّنا - تبارك وتعالى - فى سورة النحل: " قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ " (النحل: 26) .
ويقول فى نفس السورة : " أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ " (النحل:45) .
ويقول ربنا ( تبارك وتعالى ) فى سورة الإسراء : " أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً " ( الإسراء: 68) .
ويذكر أنَّ الزلازل كانت من صور عقاب الأمم السابقة فيقول - عز من قائل - : " فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ "(العنكبوت:40) .
ويجعل من وقوع الزلازل تهديداً دائِماً مُستمِراً للخَارِجِين على أوامرِ الله، المُنكِرين لرسالته، والخارجين على شرعه فيقول - عز من قائل - : " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ "(الملك:16) .
والخَسْفُ لُغَةً : هو الغَوْر والتَغْيِيب في الأرض أو تغييب الأرض بهم، والقواعد هي الدَّعائم والعُمَد أي الأساس، وهذا ما يحدث بالضبط أثناءَ حدوث الزِّلازل، ويأتى وصف وقوع زلازل الدُّنيا في القرآن الكريم بِقَلْب القُرَى عَالَيَها سَافَلَهَا كما جاء فى عقاب قوم لوط - عليه السلام - حيثُ يذكر القرآن الكريم : " فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ "(هود:82-83) .
يظنُّ كثيرٌ من النَّاس أنَّ الأرضَ التي نحيا عليها مُستقِرَّةٌ راسخةٌ لا حراكَ بها، ولا نشاطَ لها، وهو استنتاجٌ خاطئٌ، ومناقضٌ للواقع، ومُخالِفٌ للمُلاحَظَات الحسيَّة المُباشِرة وغيرُ المُباشِرة، والتي تؤكِّد أنَّ كوكبنا – الأرض- كوكبٌ دائمُ النَّشاط والحركة، له من حركاته المُتعدِّدة ونشاطاته الخارجيَّة والداخليَّة ما يشهد له بالديناميكيَّة الحركيَّة النشطة، وبالتفاعلات الفيزيائيَّة والكيميائيَّة المُتعدِّدة والتي يمكن إيجازها فيما يلي من حركات الأرض :
الحركة المِحوَرَيَّة (المغزليَّة أو الدورانيَّة) :
تدور الأرض حَوْلَ محورها أمام الشَّمس من الغرب إلى الشرق مرةً كلَّ 24 ساعةٍ تقريباً (23 ساعة، 56 دقيقة، 4 ثوان وهو طول اليوم النجميُّ، أما اليوم الشمسىُّ فيبلغ مقداره 24 ساعةٍ تماماً). بسرعةٍ تصل إلى 465م/ث عندَ خطِّ الاستواء (أي 40.000كم/يوم) وتُعرَف هذه الحركة الأرضيَّة باسم الحركة المغزليَّة (Spinning) . ويتقاسم يومَ الأرض الَّليل والنَّهار بتفاوتٍٍ قليلٍ من طول كلِّ منهما نظراً لميْل محور دوران الأرض بمقدار 23.5 درجة على العمود النازل على مستوى مدارها .
الحركة الانتقاليَّة (المداريَّة) :
كذلك تجرى الأرض فى مدار بيضاويٍّ (إهليلجيّ) مُحَدَّدٍ لها حول الشَّمس في اتَّجاهٍ عكس اتجاه عقرب السَّاعة (وذلك إذا نظرنا إليها من قطب الأرض الشماليِّ) بسرعةٍ تبلغ 29.77كم/ث لتتمَّ هذه الدورة في سنةٍ شمسيَّةٍ يُقَدَّر طولها الآن بـ ¼ 365 يومٍ شمسيٍّ (366.24 يوم نجميّ) وتدور الأرض مع الشَّمس وبقيَّة المجموعة الشَّمسيَّة حولَ مركز مجرَّتنا (سكة التبَّانة أو درب التبَّانة أو الطريق اللبنيّ) بسرعةٍ تتراوح بين 206كم/ثانية (741.600كم/ساعة)، 222 كم / ث ( أي حواليْ 000ر800 كم / ساعة ) في مدارٍ لولبيٍّ لتتمَّ دورتها تلك في مدةٍ تُقَدَّر بحواليْ 250 مليون سنة .
وتجرى مجموعتنا الشَّمسيَّة بما فيها الأرض التي نحيا عليْها مع المجرَّة في الفضاء الكَوْنيِّ إلى نهايةٍ لا يعلمها إلا الله .
وليست هذه الحركات الخارجيَّة للأرض هي كلُّ نشاط هذا الكوكب ، فإنَّ قارةً مثل أمريكا الشماليَّة ينخفض سطحها سنوياً بمُعَدَّل 0.03مم، بينما ترتفع بعض السَّلاسل الجبليَّة على سطحها بمعدَّل 0.02مم في السَّنة .
والغلاف الصخريُّ للأرض يَخْلَق ، ويَبْلَى ، ويَتَجَدَّد بغيره ، في حركةٍ مستمرَّةٍ تُجدِّد شباب الأرض وقابليَّتها للإعمار . ويتَّضح لنا هذا النَّشاط أكثر ما يتَّضح فى حركات الأرض الداخليَّة العديدة ومن أبرزها الزلازل والبراكين، والحركات البانية للجبال .
وقد عُرِفَت الزَّلازل والبراكين مُنذُ القِدَم على أنَّهما من أخطر صور الكوارث الأرضيَّة، ولَمْ يُعْرَف دوْرها في تجديد مادة الغلاف الصخريِّ للأرض، وإثرائِها بخامات المعادن الاقتصاديَّة ، ورفعِها لسطح الأرض لمقاومة آثار عمليَّات التَعْرِيَة إلا مُنذُ سنواتٍ قليلةٍ . ومن هنا كان اعتبارهما من ضروريَّات بناء الأرض واستقامة وجودها، وفي نفس الوقت يُعْتَبَر كلٌّ من الزَّلازل والبراكين من أكثر صور الكوارث الأرضيَّة خطراً وذلك لفجائيَّة حدوثهما ، وكثرة تَرَدُّدهما ، ولاتِّساع دائرة تأثير كلٍّ منهما ، ولِعُنْف ذلك التأثير على سطح ومناخ الأرض .
فالأرض التي نحيا عليها تتعرَّض سنوياً لحواليْ مليون هزَّةٍ أرضيَّةٍ ، ( أي بمعدل 250 هزَّةً أرضيَّةً فى كلِّ يومٍ تقريباً) أغلبُها هزَّاتٌ خفيفةٌ تُسَجِّلها أجهزة الرَّصد الزلزاليِّ ، ولا يكاد يشعر بها الإنسان ، وبعضها هزَّاتٌ خفيفةٌ أو متوسطةٌ ، وحواليْ مائة إلى مائة وخمسين هزَّةٍ أرضيَّةٍ منها تُعتَبَرهزَّاتٍ مُدَمِّرةً في المناطق الآهلة بالسُّكان ، 20 منها ذاتُ تدميرٍ شاملٍ ، بالإضافة إلى هزَّةٍ واحدةٍ كلَّ 5-10 سنوات تبلغ قمَّة حدود الدَّمار الشَّامل. كما تتعرَّض الأرض لحواليْ عشرين ثورةْ بركانيَّةٍ كُبرَى كلَّ خمسين عاماً تقريباً أي بمعدَّل ثورةٍ واحدةٍ كلَّ سنتَيْن ونصف السَّنة في المُتوسِّط . ومن رحمة الله بعباده أنَّ معظم هذه الزَّلازل والبراكين تحدث في قيعان البحار والمحيطات ، بينما يحدث أقلُّها على اليابسة .
وعلى ذلك فإنَّ الخسائر البشريَّة والماديَّة التى يمكن أن تَنجُم عن هزَّةٍ أرضيَّةٍ واحدةٍ قد لا تستغرق إلا ثوانٍ معدودةٍ يمكن أن تُقَدَّر بمئات الآلاف من القتلى ، والجرحى ، وبملايين المُشَرَّدين، وبمئات الملايين من الدولارات ، وكذلك الأضرار التى يمكن أن تنتج عن ثورةٍ بركانيَّةٍ واحدةٍ .
ففى زلزال جنوب آسيا الذي وقع في ساعةٍ مبكرةٍ من صباح الأحد المُواِفق 14/11/1425هـ ( 26/12/2004م ) ( حواليْ الثامنة صباحاً بتوقيت جاكرتا ) قُدِّرَت خسائره بأكثر م 000ر295 نفْسٍ ، وأكثر من مليون مُصَابٍ ، وأكثر من خمسة ملايين مُشَرَّدٍ ، بالإضافة إلى خسائرَ ماديَّةٍ فاقت عشرات المليارات من الدولارات . وبذلك اعتُبِر خامسَ أقوى زلزالٍ منذ بداية القرن العشرين ، وثانىَ أكبر زلزالٍ تشهده الأرض خلالَ نصف القرن الماضي بعدَ زلزال تشيلي الذي وقع سنة 1960م وتجاوزت قوَّته مقاييس ريختر لِتصلَ إلى 5ر9 درجةٍ على هذا المقياس الذي يقف عند الرَّقم 9 رغم كونه مَفتُوحَاً لأقوى من ذلك .
وفي زلزالٍ حدث بالصين عام 1396هـ (1976م) كان عدد القتلى أكثر من 650.000 نفْسٍ، والجرحى أكثر من 780.000نفْسٍ، وقُدِّرَت الخسائر الماديَّة ببلايين الدولارات .
وفي زلزالٍ قديمٍ (1556م) بنفس المنطقة بلغ عدد القتلى أكثر من 850.000 نفْسٍ .
وفي صبيحة الأحد 18 مايو سنة 1980م ثار بركان جبل سانت هيلين (في جنوب غرب ولاية واشنطن) (Mount St. Helen Volcano)وأدَّت ثورته إلى نسف مُعْظَم المَخرُوط البركانيِّ والذي كان يرتفع لأكثر من 2900متراً، لِينخفضَ في لحظةٍ وجيزةٍ إلى حفرةٍ لا يزيد ارتفاع جدارها عن 410 متراً ، وتنطلق طاقةٌ تفجيريَّةٌ تفوق في شدَّتها بمئات المرات الطاقة الناتجة عددَ تفجير قنبلتَيْ هيروشيما ونجازاكى الذريَّتَيْن التى أسقطتهما الطائرات الأمريكيَّة فوقَ هاتَيْن المدينتَيْن اليابانيَّتَيْن بعد استسلام الجيش اليابانيِّ في نهاية الحرب العالميَّة الثانية .
وقد نتج عن هذا الثوران البركانيِّ تدمير الغابات فى دائرةٍ تزيد مساحتها عن 400كم2، وغطَّت الغازات والأبخرة والرَّماد البركانيُّ في درجات حرارةٍ تزيد عن 800°م مساحاتٍ كبيرةً من اليابسة والماء . مما أدَّى إلى قتل أعدادٍ كبيرةٍ من النَّاس ، و الكائنات الحيَّة الأخرى ، قُتِلَ بعضُهم من شدَّة الحرارة أو بفعل الغازات الخانقة، وقَذَفَ الانفجار بعضهم من قمَّة الجبل إلى سفوحه ودُفِنَ البعض في الأوحال الناتجة عن ذلك التفجير .
وقد قُّدِرَت كميُّة الرَّماد البركانيِّ الذى اندفع من داخل الأرض بحواليْ 3-4كم3 ، وقد ارتفع بعض هذا الرَّماد البركانيِّ إلى 18كم فوقَ مستوى سطح الأرض ، وقد حملت الرِّياح هذا الدَّمار إلى مسافاتٍ بعيدةٍ بلغت ولايتّيْ أوكلاهوما ومنيسوتا ، ودمَّرت مساحاتٍ زراعيَّةٍ كبيرةٍ في ولاية واشنطن إلى قرب ولاية مونتانا كما تراكم هذا الرَّماد البركانيُّ بِسُمْكٍ يزيد على المترّيْن في المناطق المُجَاوِرَة وأدَّى انتشاره في الهواء إلى إظلام الدَّنيا وقتَ الظَّهيرة .
وهذه الكميَّة من الدَّمار البركانيِّ تساوى تقريباً كميَّة الرَّماد الذي انطلق من فوهة بركان جبل فيزوفيوس الذي طَمَرَ مدينة بومبي (Pompeii) بالقرب من نابلي في جنوب غرب إيطاليا سنة 79م ، وأدَّى إلى قتل كلِّ من فيها من الأحياء وتَحَجُّر أجسادهم على الأوضاع التي كانوا عليها وقتَ ثورة البركان ، وكانت من مدن العُصَاة على الأرض ، بارز أهلُها اللهَ - تعالى - بُمختَلَف صور المعاصي التي تتجاوز كلَّ ما وضع الله للإنسان من حدودٍ، فَلَقُوا جزاءهم جزاءاً موفوراً في الدُّنيا ولَعذاب الآخرة أَنْكَى وأَشدّ ُ.
وقبلَ ثورة بركان جبل سانت هيلين بشهرَيْن حدثت سلسلةٌ من الهزَّات الأرضيَّة الخفيفة في المنطقة، وتلى ذلك تصاعد كميَّاتٍ قليلةٍ من الدُّخَان والرَّماد أخذت في التَّزايد تدريجياً حتَّى تمَّ نسف المخروط البركانِّي بالكامل ، وقد صاحب عمليةَ تَصاعُد الدُّخان والرَّماد الأولى زَحْفُ الأوحال الناتجة عن انصهار الجليد المُتَجَّمِع على قمَّة الجبل ، كما سبق نسفَ المَخرُوط البركانيِّ انتفاخُ طرفه الشماليِّ بمعدَّل عدَّة أمتارٍ في اليوم حتى تمَّ نسفه بالكامل تقريباً ، وقد صاحب عمليةَ النَّسف هزَّةٌ أرضيَّةٌ بلغت قوتها 5.1 درجةٍ على مقياس رختر .
وفي أغسطس 1883م اختفت جزيرةٌ بركانيَّةٌ إندونيسيَّةٌ صغيرةٌ كانت تقع بين جزيرتَيْ جاوة وسُومَطْرَة ، وكانت تُعْرَف باسم جزيرة كراكاتوا (Krakatoa)، ومَثَّلَ اختفاؤها أعنف انفجارٍ بركانيٍّ عرفته البشرية، ونتج عن هذا الانفجار حفرةٌ يزيد عمقها على 300 متراً في قاع البحر حيثُ كانت تقع الجزيرة، ومن شدَّة الانفجار سُمِعَ دويُّه على بعد 5000كم ؛ وارتفع الرَّماد البركانيُّ إلى 80 كم فوق سطح الأرض ، وغَطَّى سفناً في البحر على بُعدٍ يزيد عن 2000كم من موقع الجزيرة ، وأظلمت السماء لمدَّة يومَيْن مُتتالِيَيْن ، وقد صاحب ذلك اهتزازاتٌ عنيفةٌ رفعت الأمواج البحريَّة إلى 40 متراً فوق مستوى سطح البحر ، وتسببت في إغراق 35.000 شخص وتدمير ثلاثمائة مدينةٍ، وقد أدَّى تطاير الرَّماد البركانيِّ الدَّقيق في الطَّبقات العُليَا من الغلاف الغازيِّ إلى غروب الشَّمس بلَوْنٍ أحمرٍ في كلِّ غرب أوروبا ، وإلى انخفاض درجات حرارة الغلاف الغازيِّ للأرض بحواليْ نصف درجةٍ مئويَّةٍ لعدَّة سنواتٍ مُتتالِيةْ .
ومن قبلُ اختفت جزيرة "سانتورين" أو "ثيرا" (Santorin or Thera ) من المنطقة بين اليونان وجزيرة كِرِيت في حواليْ 1500ق.م . وقد كانت جزيرةً بركانيَّةً ، أدَّى انفجارها إلى تَصاعُد كميَّاتٍ كبيرةٍ من الرَّماد البركانيِّ بلغ 3-4 مرات ما صدر عن بركان "كراكاتوا" ممَّا أدَّى إلى تغطية مساحاتٍ شاسعةٍ من حَوْض البحر الأبيض المتوسِّط بالرَّماد البركانيِّ شملت شمالىْ مصرَ وكلٍّ فلسطين وشمالِ المملكة العربيَّة السعوديَّة .
أين تتركز الزلازل والبراكين :
الزلازل والبراكين عمليَّتان مُتواصِلتان ، فثوران البراكين قد يُصَاحَب بعددٍ من الهزَّات الأرضيَّة، كما قد تُصَاحَب الزلازل بخروج قَدْرٍ من الطُّفوح البركانيَّة ، والعمليتان متلازمتان أيضاً مع الحركات البانية للجبال ، ويرتبط ذلك النَّشاط الداخليُّ للأرض بتوزيع الطَّاقة الحراريَّة فيها والناتجة عن تَحلُّل العناصر المُشِعَّة تحت غلافها الصخريِّ ، ممَّا يؤدى إلى اختلاف توزيع تلك الطاقة الحراريَّة، فبارتفاعها المُفاجِئ تنصهر الصُّخور وتتحول إلى كتلٍ مَائِعةٍ ترتفع منها تيَّارات الحمل الشَّديدةُ الحرارة إلى الأجزاء السُفْلَى من غلاف الأرض الصخريِّ، حيثُ تبرد نسبياً فتتحرَّك هابطةً إلى أسفل لِتُعَاوَدَ الكَرَّة من جديد ، وتؤدى حركة تلك الدوامات العاتية إلى تمزيق الغلاف الصخريِّ للأرض إلى عددٍ من الألواح واللوَيْحَات التي تتحرَّك فوق نطاق الضَّعف الأرضيِّ الموجود تحت الغلاف الصخريِّ للأرض مُباشَرةً ، وهو نطاقٌ توجد فيه الصُّخور في حالةٍ لَدِنَةٍ، شبه منصهرة ، عالية الكثافة ، وعالية اللزوجة ؛ ومع دوران الأرض حول محورها ، وتَرنُّحها ، وجَريِها ، تنزلق ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض إما مُتباعِدةً عن بعضها البعض ، أو مُصطَدِمةً مع بعضها البعض ، أو مُنزَلِقةً عبر حدود البعض الأخر، ويعين على حركة هذه الألواح كلٌّ من تيَّارات الحمل النَّشطة في نطاق الضَّعف الأرضيِّ من تحتها ، وملايين الأطنان من الصهارة الصخريَّة والطُّفوح البركانيَّة المُتدِفِّقة عبر الصدوع الفاصلة بينها في مناطق التباعد .
وألواح الغلاف الصخريِّ للأرض لها أشكالٌ رباعيَّة الأضلاع فى أغلب الأحوال ، فإذا تحرَّكت تلك الألواح الصخريَّة بمُسَاعَدَة العوامل التى سبقت الإشارة إليها، مُتباعِدةً عن بعضها البعض من جهة فإنها ترتطم مع البعض الأخر فى الجهة المُقابِلة ، وتنزلق عبر الألواح المُجاوِرة عند الحدين الآخرين ، دون تَباعُدٍ أو اصطدامٍ ، وتُصَاحَب حركة الألواح تلك بالهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة وبِتَكَوُّن السلاسل الجبليَّة .
ومن العوامل الأولية التى تحدد عنف الثورة البركانية ما يلى :
التركيب الكيميائيِّ والمعدنيِّ للصهارة .
درجة حرارتها .
كميَّة الغازات المُذَابَة فيها .
ومن العوامل الأوليَّة التي تحدِّد عنف قوَّة الهزَّة الأرضيَّة هى كميَّة الطَّاقة المُنطلِقة من داخل الأرض إلى سطحها أثناء حدوث تلك الحركات الأرضية .
توزيع أحزمة الزلازل والبراكين على سطح الأرض :
تتوزَّع الزَّلازل والبراكين في أحزمةٍ محدودةٍ على سطح الأرض، يقع 80% م0نها في حزام المحيط الهادي إلى التقائه بالمحيط الهنديِّ (ويشمل السَّواحل الغربيَّة للأمريكتَيْن، والسَّواحل الشرقيَّة لآسيا بما في ذلك جزر اليابان، الفلبين ، أندونيسيا ، وغير ذلك من جزرجنوب شرقي آسيا، وجزر المحيط الهنديِّ والسَّواحل الشرقيَّة لأستراليا)، ويقع 15% منها في حزام سلسلة جبال الألب- الهيمالايا، ويعرف هذان الحزامان باسم "حلقة النار" (The Ring of Fire)،أمَّا الخمسة فى المائة الباقية من الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة فتتوزَّع في مناطقَ مُتفرِّقةٍ من الأرض .
وعلى الرَّغم من ذلك فلا يمكن استثناء أيُّ جزءٍ من سطح الأرض من إمكانيَّة حدوث الزَّلازل والبراكين، وذلك لأنَّ الغلاف الصخريَّ للأرض - والذي يتراوح سُمْكُه بين 100، 150 كم في القارات، وبين 60،65 كم تحتَ البحار والمحيطات - مُمزَّقٌ بشبكةٍ هائلةٍ من الصُّدوع التي تمتدُّ لعشرات الآلاف من الكيلو مترات طولاً وعرضاً لِتحيطَ بالكرة الأرضيَّة إحاطةً كاملةً، فتُقسِّم غلافها الصخريِّ إلى عدد من الألواح الكبيرة والصغيرة، التي تطفو فوق طبقةٍ لَدِنَهٍ، مائعةٍ من الصُّخور شبه المنصهرة، عالية اللزوجة والكثافة، والتي تندفع منها المتداخلات النارية والطُّفوح البركانيَّة بكميَّاتٍ هائلةٍ عبر الصدوع الفاصلة بين الألواح المُتباعِدة عن بعضها، فيؤدي ذلك الاندفاع إلى انزلاق تلك الألواح الأرضيَّة عبر سطح الأرض مُتباعِدةً عن بعضها من جهة، ومُرتطِمةً بالبعض الأخر في الجهة المُقابِلة، ومُنزلِقةً عبر الألواح المُجاوِرة في الجهتين الأُخريَيْن، وكلَّما زادت شدَّة ارتطام الألواح ببعضها زاد عُنْف حدوث الهزَّات الأرضيَّة، والثورات البركانيَّة، والحركات البانية للجبال .
ومن هنا فقد لاحَظَ الدَّارسون للزَّلازل والبراكين مُنذُ القِدَم تَرَكُّز تلك الظَّواهر الأرضيَّة فى أحزمةٍ محدَّدةٍ تحيط بمساحاتٍ كبيرةٍ من اليابسة أو من قيعان البحار والمحيطات، وتكاد تلك المساحات المحصورة أن تخلوَ فى داخلها من الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة .
وقد اتضح بالدراسة أنَّ أحزمة الزَّلازل تنطبق مع الحدود الفاصلة بين ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض، ومن هنا ارتبط حدوث الزلازل في أذهان الدارسين بتَكَوُّن الصُّدوع الأرضيَّة خاصَّةً تلك التي تصطدم عندها ألواح الغلاف الصخريِّ فيهبط أحد اللَوْحَيْن المُتصادِميْن تحت الآخر مُكوِّناً أعمق الأغوار المُحيطيَّة التي يتجمع فيها سُمْكٌ هائلٌ من الصخور الرسوبيَّة التى تكشط مِن فوق اللوح الصخريِّ الهابط وتُلقِي فوق اللوح الراكب لتساهم في تَكَوُّن السلاسل الجبليَّة الناتجة عن تلك الحركة ، فتّكثُرعندها الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة .
وتتركز الهزَّات الأرضيَّة أيضاً حول أقواس الجزر البركانيَّة (Volcanic Island Arcs) من مثل جزر كلٍّ من المحيط الهادي والهندي والبحر الكاريبى ، وتؤدي الهزَّات الأرضيَّة في تلك المناطق البحريَّة إلى تكوين اندفاعاتٍ مائيَّةٍ مُدمِّرةٍ تُعرَف باسم اهتزازات الأمواج البحريَّة (Seismic sea waves or Tsunamis)، والاسم الأخير (تسونامى) تعبيرٌ يابانيٌّ عن الاهتزازات البحريَّة العنيفة المُصاحِبة للزلازل أو الانهيارات الصخريَّة وتأثيرِها في كلٍّ من الأمواج السطحيَّة والعميقة ، وهي ظاهرةٌ مُدمِّرةٌ للمُنشَئات والقُرَى والمدن الساحليَّة ، ولمُختلَف وسائل المواصلات البحريَّة ، ولمنصَّات الحفر في المناطق البحريَّة ، كما حدث في زلزال جنوب آسيا الأخير .
أمَّا الصدوع التى تتباعد عندها ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض فيندفع من خلالها ملايين الأطنان من الصهارة والطفوح البركانيَّة التى تَبرَد بالتدريج مُكوِّنةً مُرتَفَعَاتٍ تعلو قيعان البحار والمحيطات بآلاف الأمتار ، وتُعرَف باسم حوافِ أواسط المحيطات (Mid-oceanic ridges)، وتوجد في أواسطَ كلِّ محيطات الأرض من أمثال المحيط الأطلسيِّ ، والهنديِّ ، والهادي، وتوجد عادةً في هيئة أقواسٍ مُتَّصِلةٍ تتخلَّلها أغوارٌ سحيقةٌ تندفع من خلالها ملايين الأطنان من الصهارة والحمم البركانيَّة التى تساعد على دفع الألواح الصخريَّة بعيداً عن تلك الأغوار التي تشقُّ أواسط المحيطات والبحار ، ويُصَاحِب ذلك الاتِّساع لقيعان البحار والمحيطات موجاتٌ من الهزَّات الأرضيَّة المُتقارِبة في الزَّمن ، والمحدودة في المكان ، ولذلك تكون عادةً أقلَّ عنفاً وتدميراً من الهزَّات الناتجة عند حدوث تصادم ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض .
وقد أدَّى تسجيل مواقع المراكز التى تنطلق منها الهزَّات الأرضيَّة بطريقةٍ مُطَّرِدةٍ إلى تحديد حدود ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض وإلى بروز مفهوم تحرِّك تلك الألواح (Plate Tectonics) ، وهو المفهوم الذى من خلاله تمَّ تفسير الكثير من الظواهر الأرضيَّة، من مثل تَكَوُّن الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة والسلاسل الجبليَّة، وتَكَوُّن كلٍّ من القارات وقيعان البحار والمحيطات ، وفُهِمَت كيفية تَكَوِّن هذه الظواهر الأرضيَّة وتحديد مواطن تَرَكُّزها مُفِيدَاً في تخطيط وتصميم المشاريع العُمْرَانيَّة ، حيثُ من الواجب تحاشي نقاط الضَّعف هذه في القشرة الأرضيَّة في إقامة كلِّ المشاريع العمرانيَّة والهندسيَّة .
ويمكن تقسيم الزَّلازل حسب أسباب نشأتها إلى زلازلَ ناتجةٍ عن تَحَرُّك ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض (Tectonic Earthquakes) ، وزلازلَ مُصاحِبةٍ للثورات البركانيَّة (Volcanic Earthquakes) ، وزلازلَ ناتجةٍ عن الانهيارات الأرضيَّة (Collapse Earth quakes) ، وزلازلَ اصطناعيَّةٍ يقوم بها الإنسان بواسطة التفجير أو الطَّرْقِ (Explosion and Hammering Earthquakes) Artificial Earthquakes، ويمكن تقسيمها من ناحية عُمْق ِالمَنْشَأ إلى زلازلَ ضحلةٍ أو متوسِّطةٍ أو عميقة المَنْشَأ ، ومن ناحية قوَّتها، ومن ناحية شدَّتها ومن ناحية موقعها من ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض ، على الحدود المُتصادِمة أو المُتباعِدة أو المُنزلِقة أو داخل لوح الغلاف الصخرى نفسه .
وردت لفظة الزلزلة في القرآن الكريم مرتَيْن، والإشارة في كلٍّ منهما كانت إلى زلزلة الآخرة ، وهى زلزلةٌ تفوق زلازل الدنيا بمراتبَ كثيرةٍ ، ولا يمكن تفسيرها في أُطُر العمليات التي تتمُّ بها زلازل الدنيا .
يقول ربنا - تبارك وتعالى - فى مطلع سورة الحج : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ .يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ " (الحج:2،1) .
ويقول - سبحانه وتعالى - في مَطْلَع سورة الزلزلة : " إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا . وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا . وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا . يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا . بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا .يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ " ( الزلزلة:1-6) .
أمَّا الزلازل في الدنيا فجاءت الإشارة إليها في القرآن الكريم بلفظ الخَسْفِ ، أو إتيَان البُنْيَان من القَوَاعِد .
يقول ربُّنا - تبارك وتعالى - فى سورة النحل: " قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ القَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ " (النحل: 26) .
ويقول فى نفس السورة : " أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ " (النحل:45) .
ويقول ربنا ( تبارك وتعالى ) فى سورة الإسراء : " أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لاَ تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً " ( الإسراء: 68) .
ويذكر أنَّ الزلازل كانت من صور عقاب الأمم السابقة فيقول - عز من قائل - : " فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ "(العنكبوت:40) .
ويجعل من وقوع الزلازل تهديداً دائِماً مُستمِراً للخَارِجِين على أوامرِ الله، المُنكِرين لرسالته، والخارجين على شرعه فيقول - عز من قائل - : " أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ "(الملك:16) .
والخَسْفُ لُغَةً : هو الغَوْر والتَغْيِيب في الأرض أو تغييب الأرض بهم، والقواعد هي الدَّعائم والعُمَد أي الأساس، وهذا ما يحدث بالضبط أثناءَ حدوث الزِّلازل، ويأتى وصف وقوع زلازل الدُّنيا في القرآن الكريم بِقَلْب القُرَى عَالَيَها سَافَلَهَا كما جاء فى عقاب قوم لوط - عليه السلام - حيثُ يذكر القرآن الكريم : " فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ . مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ "(هود:82-83) .
يظنُّ كثيرٌ من النَّاس أنَّ الأرضَ التي نحيا عليها مُستقِرَّةٌ راسخةٌ لا حراكَ بها، ولا نشاطَ لها، وهو استنتاجٌ خاطئٌ، ومناقضٌ للواقع، ومُخالِفٌ للمُلاحَظَات الحسيَّة المُباشِرة وغيرُ المُباشِرة، والتي تؤكِّد أنَّ كوكبنا – الأرض- كوكبٌ دائمُ النَّشاط والحركة، له من حركاته المُتعدِّدة ونشاطاته الخارجيَّة والداخليَّة ما يشهد له بالديناميكيَّة الحركيَّة النشطة، وبالتفاعلات الفيزيائيَّة والكيميائيَّة المُتعدِّدة والتي يمكن إيجازها فيما يلي من حركات الأرض :
الحركة المِحوَرَيَّة (المغزليَّة أو الدورانيَّة) :
تدور الأرض حَوْلَ محورها أمام الشَّمس من الغرب إلى الشرق مرةً كلَّ 24 ساعةٍ تقريباً (23 ساعة، 56 دقيقة، 4 ثوان وهو طول اليوم النجميُّ، أما اليوم الشمسىُّ فيبلغ مقداره 24 ساعةٍ تماماً). بسرعةٍ تصل إلى 465م/ث عندَ خطِّ الاستواء (أي 40.000كم/يوم) وتُعرَف هذه الحركة الأرضيَّة باسم الحركة المغزليَّة (Spinning) . ويتقاسم يومَ الأرض الَّليل والنَّهار بتفاوتٍٍ قليلٍ من طول كلِّ منهما نظراً لميْل محور دوران الأرض بمقدار 23.5 درجة على العمود النازل على مستوى مدارها .
الحركة الانتقاليَّة (المداريَّة) :
كذلك تجرى الأرض فى مدار بيضاويٍّ (إهليلجيّ) مُحَدَّدٍ لها حول الشَّمس في اتَّجاهٍ عكس اتجاه عقرب السَّاعة (وذلك إذا نظرنا إليها من قطب الأرض الشماليِّ) بسرعةٍ تبلغ 29.77كم/ث لتتمَّ هذه الدورة في سنةٍ شمسيَّةٍ يُقَدَّر طولها الآن بـ ¼ 365 يومٍ شمسيٍّ (366.24 يوم نجميّ) وتدور الأرض مع الشَّمس وبقيَّة المجموعة الشَّمسيَّة حولَ مركز مجرَّتنا (سكة التبَّانة أو درب التبَّانة أو الطريق اللبنيّ) بسرعةٍ تتراوح بين 206كم/ثانية (741.600كم/ساعة)، 222 كم / ث ( أي حواليْ 000ر800 كم / ساعة ) في مدارٍ لولبيٍّ لتتمَّ دورتها تلك في مدةٍ تُقَدَّر بحواليْ 250 مليون سنة .
وتجرى مجموعتنا الشَّمسيَّة بما فيها الأرض التي نحيا عليْها مع المجرَّة في الفضاء الكَوْنيِّ إلى نهايةٍ لا يعلمها إلا الله .
وليست هذه الحركات الخارجيَّة للأرض هي كلُّ نشاط هذا الكوكب ، فإنَّ قارةً مثل أمريكا الشماليَّة ينخفض سطحها سنوياً بمُعَدَّل 0.03مم، بينما ترتفع بعض السَّلاسل الجبليَّة على سطحها بمعدَّل 0.02مم في السَّنة .
والغلاف الصخريُّ للأرض يَخْلَق ، ويَبْلَى ، ويَتَجَدَّد بغيره ، في حركةٍ مستمرَّةٍ تُجدِّد شباب الأرض وقابليَّتها للإعمار . ويتَّضح لنا هذا النَّشاط أكثر ما يتَّضح فى حركات الأرض الداخليَّة العديدة ومن أبرزها الزلازل والبراكين، والحركات البانية للجبال .
وقد عُرِفَت الزَّلازل والبراكين مُنذُ القِدَم على أنَّهما من أخطر صور الكوارث الأرضيَّة، ولَمْ يُعْرَف دوْرها في تجديد مادة الغلاف الصخريِّ للأرض، وإثرائِها بخامات المعادن الاقتصاديَّة ، ورفعِها لسطح الأرض لمقاومة آثار عمليَّات التَعْرِيَة إلا مُنذُ سنواتٍ قليلةٍ . ومن هنا كان اعتبارهما من ضروريَّات بناء الأرض واستقامة وجودها، وفي نفس الوقت يُعْتَبَر كلٌّ من الزَّلازل والبراكين من أكثر صور الكوارث الأرضيَّة خطراً وذلك لفجائيَّة حدوثهما ، وكثرة تَرَدُّدهما ، ولاتِّساع دائرة تأثير كلٍّ منهما ، ولِعُنْف ذلك التأثير على سطح ومناخ الأرض .
فالأرض التي نحيا عليها تتعرَّض سنوياً لحواليْ مليون هزَّةٍ أرضيَّةٍ ، ( أي بمعدل 250 هزَّةً أرضيَّةً فى كلِّ يومٍ تقريباً) أغلبُها هزَّاتٌ خفيفةٌ تُسَجِّلها أجهزة الرَّصد الزلزاليِّ ، ولا يكاد يشعر بها الإنسان ، وبعضها هزَّاتٌ خفيفةٌ أو متوسطةٌ ، وحواليْ مائة إلى مائة وخمسين هزَّةٍ أرضيَّةٍ منها تُعتَبَرهزَّاتٍ مُدَمِّرةً في المناطق الآهلة بالسُّكان ، 20 منها ذاتُ تدميرٍ شاملٍ ، بالإضافة إلى هزَّةٍ واحدةٍ كلَّ 5-10 سنوات تبلغ قمَّة حدود الدَّمار الشَّامل. كما تتعرَّض الأرض لحواليْ عشرين ثورةْ بركانيَّةٍ كُبرَى كلَّ خمسين عاماً تقريباً أي بمعدَّل ثورةٍ واحدةٍ كلَّ سنتَيْن ونصف السَّنة في المُتوسِّط . ومن رحمة الله بعباده أنَّ معظم هذه الزَّلازل والبراكين تحدث في قيعان البحار والمحيطات ، بينما يحدث أقلُّها على اليابسة .
وعلى ذلك فإنَّ الخسائر البشريَّة والماديَّة التى يمكن أن تَنجُم عن هزَّةٍ أرضيَّةٍ واحدةٍ قد لا تستغرق إلا ثوانٍ معدودةٍ يمكن أن تُقَدَّر بمئات الآلاف من القتلى ، والجرحى ، وبملايين المُشَرَّدين، وبمئات الملايين من الدولارات ، وكذلك الأضرار التى يمكن أن تنتج عن ثورةٍ بركانيَّةٍ واحدةٍ .
ففى زلزال جنوب آسيا الذي وقع في ساعةٍ مبكرةٍ من صباح الأحد المُواِفق 14/11/1425هـ ( 26/12/2004م ) ( حواليْ الثامنة صباحاً بتوقيت جاكرتا ) قُدِّرَت خسائره بأكثر م 000ر295 نفْسٍ ، وأكثر من مليون مُصَابٍ ، وأكثر من خمسة ملايين مُشَرَّدٍ ، بالإضافة إلى خسائرَ ماديَّةٍ فاقت عشرات المليارات من الدولارات . وبذلك اعتُبِر خامسَ أقوى زلزالٍ منذ بداية القرن العشرين ، وثانىَ أكبر زلزالٍ تشهده الأرض خلالَ نصف القرن الماضي بعدَ زلزال تشيلي الذي وقع سنة 1960م وتجاوزت قوَّته مقاييس ريختر لِتصلَ إلى 5ر9 درجةٍ على هذا المقياس الذي يقف عند الرَّقم 9 رغم كونه مَفتُوحَاً لأقوى من ذلك .
وفي زلزالٍ حدث بالصين عام 1396هـ (1976م) كان عدد القتلى أكثر من 650.000 نفْسٍ، والجرحى أكثر من 780.000نفْسٍ، وقُدِّرَت الخسائر الماديَّة ببلايين الدولارات .
وفي زلزالٍ قديمٍ (1556م) بنفس المنطقة بلغ عدد القتلى أكثر من 850.000 نفْسٍ .
وفي صبيحة الأحد 18 مايو سنة 1980م ثار بركان جبل سانت هيلين (في جنوب غرب ولاية واشنطن) (Mount St. Helen Volcano)وأدَّت ثورته إلى نسف مُعْظَم المَخرُوط البركانيِّ والذي كان يرتفع لأكثر من 2900متراً، لِينخفضَ في لحظةٍ وجيزةٍ إلى حفرةٍ لا يزيد ارتفاع جدارها عن 410 متراً ، وتنطلق طاقةٌ تفجيريَّةٌ تفوق في شدَّتها بمئات المرات الطاقة الناتجة عددَ تفجير قنبلتَيْ هيروشيما ونجازاكى الذريَّتَيْن التى أسقطتهما الطائرات الأمريكيَّة فوقَ هاتَيْن المدينتَيْن اليابانيَّتَيْن بعد استسلام الجيش اليابانيِّ في نهاية الحرب العالميَّة الثانية .
وقد نتج عن هذا الثوران البركانيِّ تدمير الغابات فى دائرةٍ تزيد مساحتها عن 400كم2، وغطَّت الغازات والأبخرة والرَّماد البركانيُّ في درجات حرارةٍ تزيد عن 800°م مساحاتٍ كبيرةً من اليابسة والماء . مما أدَّى إلى قتل أعدادٍ كبيرةٍ من النَّاس ، و الكائنات الحيَّة الأخرى ، قُتِلَ بعضُهم من شدَّة الحرارة أو بفعل الغازات الخانقة، وقَذَفَ الانفجار بعضهم من قمَّة الجبل إلى سفوحه ودُفِنَ البعض في الأوحال الناتجة عن ذلك التفجير .
وقد قُّدِرَت كميُّة الرَّماد البركانيِّ الذى اندفع من داخل الأرض بحواليْ 3-4كم3 ، وقد ارتفع بعض هذا الرَّماد البركانيِّ إلى 18كم فوقَ مستوى سطح الأرض ، وقد حملت الرِّياح هذا الدَّمار إلى مسافاتٍ بعيدةٍ بلغت ولايتّيْ أوكلاهوما ومنيسوتا ، ودمَّرت مساحاتٍ زراعيَّةٍ كبيرةٍ في ولاية واشنطن إلى قرب ولاية مونتانا كما تراكم هذا الرَّماد البركانيُّ بِسُمْكٍ يزيد على المترّيْن في المناطق المُجَاوِرَة وأدَّى انتشاره في الهواء إلى إظلام الدَّنيا وقتَ الظَّهيرة .
وهذه الكميَّة من الدَّمار البركانيِّ تساوى تقريباً كميَّة الرَّماد الذي انطلق من فوهة بركان جبل فيزوفيوس الذي طَمَرَ مدينة بومبي (Pompeii) بالقرب من نابلي في جنوب غرب إيطاليا سنة 79م ، وأدَّى إلى قتل كلِّ من فيها من الأحياء وتَحَجُّر أجسادهم على الأوضاع التي كانوا عليها وقتَ ثورة البركان ، وكانت من مدن العُصَاة على الأرض ، بارز أهلُها اللهَ - تعالى - بُمختَلَف صور المعاصي التي تتجاوز كلَّ ما وضع الله للإنسان من حدودٍ، فَلَقُوا جزاءهم جزاءاً موفوراً في الدُّنيا ولَعذاب الآخرة أَنْكَى وأَشدّ ُ.
وقبلَ ثورة بركان جبل سانت هيلين بشهرَيْن حدثت سلسلةٌ من الهزَّات الأرضيَّة الخفيفة في المنطقة، وتلى ذلك تصاعد كميَّاتٍ قليلةٍ من الدُّخَان والرَّماد أخذت في التَّزايد تدريجياً حتَّى تمَّ نسف المخروط البركانِّي بالكامل ، وقد صاحب عمليةَ تَصاعُد الدُّخان والرَّماد الأولى زَحْفُ الأوحال الناتجة عن انصهار الجليد المُتَجَّمِع على قمَّة الجبل ، كما سبق نسفَ المَخرُوط البركانيِّ انتفاخُ طرفه الشماليِّ بمعدَّل عدَّة أمتارٍ في اليوم حتى تمَّ نسفه بالكامل تقريباً ، وقد صاحب عمليةَ النَّسف هزَّةٌ أرضيَّةٌ بلغت قوتها 5.1 درجةٍ على مقياس رختر .
وفي أغسطس 1883م اختفت جزيرةٌ بركانيَّةٌ إندونيسيَّةٌ صغيرةٌ كانت تقع بين جزيرتَيْ جاوة وسُومَطْرَة ، وكانت تُعْرَف باسم جزيرة كراكاتوا (Krakatoa)، ومَثَّلَ اختفاؤها أعنف انفجارٍ بركانيٍّ عرفته البشرية، ونتج عن هذا الانفجار حفرةٌ يزيد عمقها على 300 متراً في قاع البحر حيثُ كانت تقع الجزيرة، ومن شدَّة الانفجار سُمِعَ دويُّه على بعد 5000كم ؛ وارتفع الرَّماد البركانيُّ إلى 80 كم فوق سطح الأرض ، وغَطَّى سفناً في البحر على بُعدٍ يزيد عن 2000كم من موقع الجزيرة ، وأظلمت السماء لمدَّة يومَيْن مُتتالِيَيْن ، وقد صاحب ذلك اهتزازاتٌ عنيفةٌ رفعت الأمواج البحريَّة إلى 40 متراً فوق مستوى سطح البحر ، وتسببت في إغراق 35.000 شخص وتدمير ثلاثمائة مدينةٍ، وقد أدَّى تطاير الرَّماد البركانيِّ الدَّقيق في الطَّبقات العُليَا من الغلاف الغازيِّ إلى غروب الشَّمس بلَوْنٍ أحمرٍ في كلِّ غرب أوروبا ، وإلى انخفاض درجات حرارة الغلاف الغازيِّ للأرض بحواليْ نصف درجةٍ مئويَّةٍ لعدَّة سنواتٍ مُتتالِيةْ .
ومن قبلُ اختفت جزيرة "سانتورين" أو "ثيرا" (Santorin or Thera ) من المنطقة بين اليونان وجزيرة كِرِيت في حواليْ 1500ق.م . وقد كانت جزيرةً بركانيَّةً ، أدَّى انفجارها إلى تَصاعُد كميَّاتٍ كبيرةٍ من الرَّماد البركانيِّ بلغ 3-4 مرات ما صدر عن بركان "كراكاتوا" ممَّا أدَّى إلى تغطية مساحاتٍ شاسعةٍ من حَوْض البحر الأبيض المتوسِّط بالرَّماد البركانيِّ شملت شمالىْ مصرَ وكلٍّ فلسطين وشمالِ المملكة العربيَّة السعوديَّة .
أين تتركز الزلازل والبراكين :
الزلازل والبراكين عمليَّتان مُتواصِلتان ، فثوران البراكين قد يُصَاحَب بعددٍ من الهزَّات الأرضيَّة، كما قد تُصَاحَب الزلازل بخروج قَدْرٍ من الطُّفوح البركانيَّة ، والعمليتان متلازمتان أيضاً مع الحركات البانية للجبال ، ويرتبط ذلك النَّشاط الداخليُّ للأرض بتوزيع الطَّاقة الحراريَّة فيها والناتجة عن تَحلُّل العناصر المُشِعَّة تحت غلافها الصخريِّ ، ممَّا يؤدى إلى اختلاف توزيع تلك الطاقة الحراريَّة، فبارتفاعها المُفاجِئ تنصهر الصُّخور وتتحول إلى كتلٍ مَائِعةٍ ترتفع منها تيَّارات الحمل الشَّديدةُ الحرارة إلى الأجزاء السُفْلَى من غلاف الأرض الصخريِّ، حيثُ تبرد نسبياً فتتحرَّك هابطةً إلى أسفل لِتُعَاوَدَ الكَرَّة من جديد ، وتؤدى حركة تلك الدوامات العاتية إلى تمزيق الغلاف الصخريِّ للأرض إلى عددٍ من الألواح واللوَيْحَات التي تتحرَّك فوق نطاق الضَّعف الأرضيِّ الموجود تحت الغلاف الصخريِّ للأرض مُباشَرةً ، وهو نطاقٌ توجد فيه الصُّخور في حالةٍ لَدِنَةٍ، شبه منصهرة ، عالية الكثافة ، وعالية اللزوجة ؛ ومع دوران الأرض حول محورها ، وتَرنُّحها ، وجَريِها ، تنزلق ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض إما مُتباعِدةً عن بعضها البعض ، أو مُصطَدِمةً مع بعضها البعض ، أو مُنزَلِقةً عبر حدود البعض الأخر، ويعين على حركة هذه الألواح كلٌّ من تيَّارات الحمل النَّشطة في نطاق الضَّعف الأرضيِّ من تحتها ، وملايين الأطنان من الصهارة الصخريَّة والطُّفوح البركانيَّة المُتدِفِّقة عبر الصدوع الفاصلة بينها في مناطق التباعد .
وألواح الغلاف الصخريِّ للأرض لها أشكالٌ رباعيَّة الأضلاع فى أغلب الأحوال ، فإذا تحرَّكت تلك الألواح الصخريَّة بمُسَاعَدَة العوامل التى سبقت الإشارة إليها، مُتباعِدةً عن بعضها البعض من جهة فإنها ترتطم مع البعض الأخر فى الجهة المُقابِلة ، وتنزلق عبر الألواح المُجاوِرة عند الحدين الآخرين ، دون تَباعُدٍ أو اصطدامٍ ، وتُصَاحَب حركة الألواح تلك بالهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة وبِتَكَوُّن السلاسل الجبليَّة .
ومن العوامل الأولية التى تحدد عنف الثورة البركانية ما يلى :
التركيب الكيميائيِّ والمعدنيِّ للصهارة .
درجة حرارتها .
كميَّة الغازات المُذَابَة فيها .
ومن العوامل الأوليَّة التي تحدِّد عنف قوَّة الهزَّة الأرضيَّة هى كميَّة الطَّاقة المُنطلِقة من داخل الأرض إلى سطحها أثناء حدوث تلك الحركات الأرضية .
توزيع أحزمة الزلازل والبراكين على سطح الأرض :
تتوزَّع الزَّلازل والبراكين في أحزمةٍ محدودةٍ على سطح الأرض، يقع 80% م0نها في حزام المحيط الهادي إلى التقائه بالمحيط الهنديِّ (ويشمل السَّواحل الغربيَّة للأمريكتَيْن، والسَّواحل الشرقيَّة لآسيا بما في ذلك جزر اليابان، الفلبين ، أندونيسيا ، وغير ذلك من جزرجنوب شرقي آسيا، وجزر المحيط الهنديِّ والسَّواحل الشرقيَّة لأستراليا)، ويقع 15% منها في حزام سلسلة جبال الألب- الهيمالايا، ويعرف هذان الحزامان باسم "حلقة النار" (The Ring of Fire)،أمَّا الخمسة فى المائة الباقية من الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة فتتوزَّع في مناطقَ مُتفرِّقةٍ من الأرض .
وعلى الرَّغم من ذلك فلا يمكن استثناء أيُّ جزءٍ من سطح الأرض من إمكانيَّة حدوث الزَّلازل والبراكين، وذلك لأنَّ الغلاف الصخريَّ للأرض - والذي يتراوح سُمْكُه بين 100، 150 كم في القارات، وبين 60،65 كم تحتَ البحار والمحيطات - مُمزَّقٌ بشبكةٍ هائلةٍ من الصُّدوع التي تمتدُّ لعشرات الآلاف من الكيلو مترات طولاً وعرضاً لِتحيطَ بالكرة الأرضيَّة إحاطةً كاملةً، فتُقسِّم غلافها الصخريِّ إلى عدد من الألواح الكبيرة والصغيرة، التي تطفو فوق طبقةٍ لَدِنَهٍ، مائعةٍ من الصُّخور شبه المنصهرة، عالية اللزوجة والكثافة، والتي تندفع منها المتداخلات النارية والطُّفوح البركانيَّة بكميَّاتٍ هائلةٍ عبر الصدوع الفاصلة بين الألواح المُتباعِدة عن بعضها، فيؤدي ذلك الاندفاع إلى انزلاق تلك الألواح الأرضيَّة عبر سطح الأرض مُتباعِدةً عن بعضها من جهة، ومُرتطِمةً بالبعض الأخر في الجهة المُقابِلة، ومُنزلِقةً عبر الألواح المُجاوِرة في الجهتين الأُخريَيْن، وكلَّما زادت شدَّة ارتطام الألواح ببعضها زاد عُنْف حدوث الهزَّات الأرضيَّة، والثورات البركانيَّة، والحركات البانية للجبال .
ومن هنا فقد لاحَظَ الدَّارسون للزَّلازل والبراكين مُنذُ القِدَم تَرَكُّز تلك الظَّواهر الأرضيَّة فى أحزمةٍ محدَّدةٍ تحيط بمساحاتٍ كبيرةٍ من اليابسة أو من قيعان البحار والمحيطات، وتكاد تلك المساحات المحصورة أن تخلوَ فى داخلها من الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة .
وقد اتضح بالدراسة أنَّ أحزمة الزَّلازل تنطبق مع الحدود الفاصلة بين ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض، ومن هنا ارتبط حدوث الزلازل في أذهان الدارسين بتَكَوُّن الصُّدوع الأرضيَّة خاصَّةً تلك التي تصطدم عندها ألواح الغلاف الصخريِّ فيهبط أحد اللَوْحَيْن المُتصادِميْن تحت الآخر مُكوِّناً أعمق الأغوار المُحيطيَّة التي يتجمع فيها سُمْكٌ هائلٌ من الصخور الرسوبيَّة التى تكشط مِن فوق اللوح الصخريِّ الهابط وتُلقِي فوق اللوح الراكب لتساهم في تَكَوُّن السلاسل الجبليَّة الناتجة عن تلك الحركة ، فتّكثُرعندها الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة .
وتتركز الهزَّات الأرضيَّة أيضاً حول أقواس الجزر البركانيَّة (Volcanic Island Arcs) من مثل جزر كلٍّ من المحيط الهادي والهندي والبحر الكاريبى ، وتؤدي الهزَّات الأرضيَّة في تلك المناطق البحريَّة إلى تكوين اندفاعاتٍ مائيَّةٍ مُدمِّرةٍ تُعرَف باسم اهتزازات الأمواج البحريَّة (Seismic sea waves or Tsunamis)، والاسم الأخير (تسونامى) تعبيرٌ يابانيٌّ عن الاهتزازات البحريَّة العنيفة المُصاحِبة للزلازل أو الانهيارات الصخريَّة وتأثيرِها في كلٍّ من الأمواج السطحيَّة والعميقة ، وهي ظاهرةٌ مُدمِّرةٌ للمُنشَئات والقُرَى والمدن الساحليَّة ، ولمُختلَف وسائل المواصلات البحريَّة ، ولمنصَّات الحفر في المناطق البحريَّة ، كما حدث في زلزال جنوب آسيا الأخير .
أمَّا الصدوع التى تتباعد عندها ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض فيندفع من خلالها ملايين الأطنان من الصهارة والطفوح البركانيَّة التى تَبرَد بالتدريج مُكوِّنةً مُرتَفَعَاتٍ تعلو قيعان البحار والمحيطات بآلاف الأمتار ، وتُعرَف باسم حوافِ أواسط المحيطات (Mid-oceanic ridges)، وتوجد في أواسطَ كلِّ محيطات الأرض من أمثال المحيط الأطلسيِّ ، والهنديِّ ، والهادي، وتوجد عادةً في هيئة أقواسٍ مُتَّصِلةٍ تتخلَّلها أغوارٌ سحيقةٌ تندفع من خلالها ملايين الأطنان من الصهارة والحمم البركانيَّة التى تساعد على دفع الألواح الصخريَّة بعيداً عن تلك الأغوار التي تشقُّ أواسط المحيطات والبحار ، ويُصَاحِب ذلك الاتِّساع لقيعان البحار والمحيطات موجاتٌ من الهزَّات الأرضيَّة المُتقارِبة في الزَّمن ، والمحدودة في المكان ، ولذلك تكون عادةً أقلَّ عنفاً وتدميراً من الهزَّات الناتجة عند حدوث تصادم ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض .
وقد أدَّى تسجيل مواقع المراكز التى تنطلق منها الهزَّات الأرضيَّة بطريقةٍ مُطَّرِدةٍ إلى تحديد حدود ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض وإلى بروز مفهوم تحرِّك تلك الألواح (Plate Tectonics) ، وهو المفهوم الذى من خلاله تمَّ تفسير الكثير من الظواهر الأرضيَّة، من مثل تَكَوُّن الهزَّات الأرضيَّة والثورات البركانيَّة والسلاسل الجبليَّة، وتَكَوُّن كلٍّ من القارات وقيعان البحار والمحيطات ، وفُهِمَت كيفية تَكَوِّن هذه الظواهر الأرضيَّة وتحديد مواطن تَرَكُّزها مُفِيدَاً في تخطيط وتصميم المشاريع العُمْرَانيَّة ، حيثُ من الواجب تحاشي نقاط الضَّعف هذه في القشرة الأرضيَّة في إقامة كلِّ المشاريع العمرانيَّة والهندسيَّة .
ويمكن تقسيم الزَّلازل حسب أسباب نشأتها إلى زلازلَ ناتجةٍ عن تَحَرُّك ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض (Tectonic Earthquakes) ، وزلازلَ مُصاحِبةٍ للثورات البركانيَّة (Volcanic Earthquakes) ، وزلازلَ ناتجةٍ عن الانهيارات الأرضيَّة (Collapse Earth quakes) ، وزلازلَ اصطناعيَّةٍ يقوم بها الإنسان بواسطة التفجير أو الطَّرْقِ (Explosion and Hammering Earthquakes) Artificial Earthquakes، ويمكن تقسيمها من ناحية عُمْق ِالمَنْشَأ إلى زلازلَ ضحلةٍ أو متوسِّطةٍ أو عميقة المَنْشَأ ، ومن ناحية قوَّتها، ومن ناحية شدَّتها ومن ناحية موقعها من ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض ، على الحدود المُتصادِمة أو المُتباعِدة أو المُنزلِقة أو داخل لوح الغلاف الصخرى نفسه .