@سعوديه@
28-02-2011, 21:48
العلم من العقلانية التجريبية إلى التجربة العقلانية:
رغم ما أولاه العِلم الكلاسيكي من قيمة للتجربة باعتبارها مصدرا للحقيقة وحكما فاصلا بين الفرضية الباطلة والفرضية العلمية فإن هذه الوضعية لم تستمر طويلا خصوصا بعد ظهور أزمة العلوم نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين المتمثلة في انتقال العلم على الأقل في مجال الفيزياء موضوع بحثنا من النسيج الاعتيادي للواقائع إلى العمق الجزئي للمادة الذرية، وهو ما اختصت به الميكروفيزياء كل ذلك جعل العلماء يراجعون منطلقاتهم المنهجية، حيث تم الانتباه إلى أن الوقائع لم تعد شواهدا على الحقيقة العلمية بل أصبحت هي نفسها في حاجة لدعائم نظرية تثبت وجوهها بحيث يمكن القول أن الذرة بمكوناتها هي كائن عقلي قبل أن تكون واقعة فعلية فليست واقعة الذرة هي التي تعطينا فكرة الذرة، بل إن العكس هو الصحيح أي أن الواقع الذري للمادة لا يستقيم إلا إذا كان العالم قد أنشأ نموذجا نظريا سابقا لهذا الواقع، وبالتالي فإن لاتجربة قد انسحبت في إطار التفكير العلمي لصالح التنظير العقلاني الرياضي أي أن الرياضيات باعتبارها وسيلة للتفكير وليس للتعبير فقط، أصبحت هي السند الاستدلالي للمقولات العلمية، وهكذا فإن التجربة نفسها ستصبح ذات طبيعة عقلانية أي إن العالِم سوف يستبق الواقع المحيط من خلال خيال النظري، ويقوم بإنشاء تجارب ذات طبيعة عقلانية خالصة، وهذا ما جعلنا نسمع داخل مجال الفيزياء عن تجارب نظرية صِرفة من قبيل (قط شويجندر)و(شيطان ماكس ويل).
إن عملية التحرر هذه جعلت وتيرة التقدم العلمي غير مرتبطة بما هو واقع فقط، ولكن بما هو إمكاني أيضا وهذا ما جعل فيلسوف العلم الشهير باشلار يعتبر بأن العلم الحديث قد استعاض عن سؤال لماذا بسؤال آخر لما لا إلا أن هذا لا يمنع أن مجموعة من العلماء المحافظين يقاومون بكيفية من الكيفيات محاولات التخطي التي يقوم بها العلماء المبدعون، وهذا ما يجعل تاريخ العلم يرتبط بتوتر عميق بين عقل يدافع على الماضي يدعوه باشلار ب"العقل الأورطوكسي" و"عقل مفارقي" لا يرضى ببداهة العلم ومسلماته.:mommy_cut:
رغم ما أولاه العِلم الكلاسيكي من قيمة للتجربة باعتبارها مصدرا للحقيقة وحكما فاصلا بين الفرضية الباطلة والفرضية العلمية فإن هذه الوضعية لم تستمر طويلا خصوصا بعد ظهور أزمة العلوم نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين المتمثلة في انتقال العلم على الأقل في مجال الفيزياء موضوع بحثنا من النسيج الاعتيادي للواقائع إلى العمق الجزئي للمادة الذرية، وهو ما اختصت به الميكروفيزياء كل ذلك جعل العلماء يراجعون منطلقاتهم المنهجية، حيث تم الانتباه إلى أن الوقائع لم تعد شواهدا على الحقيقة العلمية بل أصبحت هي نفسها في حاجة لدعائم نظرية تثبت وجوهها بحيث يمكن القول أن الذرة بمكوناتها هي كائن عقلي قبل أن تكون واقعة فعلية فليست واقعة الذرة هي التي تعطينا فكرة الذرة، بل إن العكس هو الصحيح أي أن الواقع الذري للمادة لا يستقيم إلا إذا كان العالم قد أنشأ نموذجا نظريا سابقا لهذا الواقع، وبالتالي فإن لاتجربة قد انسحبت في إطار التفكير العلمي لصالح التنظير العقلاني الرياضي أي أن الرياضيات باعتبارها وسيلة للتفكير وليس للتعبير فقط، أصبحت هي السند الاستدلالي للمقولات العلمية، وهكذا فإن التجربة نفسها ستصبح ذات طبيعة عقلانية أي إن العالِم سوف يستبق الواقع المحيط من خلال خيال النظري، ويقوم بإنشاء تجارب ذات طبيعة عقلانية خالصة، وهذا ما جعلنا نسمع داخل مجال الفيزياء عن تجارب نظرية صِرفة من قبيل (قط شويجندر)و(شيطان ماكس ويل).
إن عملية التحرر هذه جعلت وتيرة التقدم العلمي غير مرتبطة بما هو واقع فقط، ولكن بما هو إمكاني أيضا وهذا ما جعل فيلسوف العلم الشهير باشلار يعتبر بأن العلم الحديث قد استعاض عن سؤال لماذا بسؤال آخر لما لا إلا أن هذا لا يمنع أن مجموعة من العلماء المحافظين يقاومون بكيفية من الكيفيات محاولات التخطي التي يقوم بها العلماء المبدعون، وهذا ما يجعل تاريخ العلم يرتبط بتوتر عميق بين عقل يدافع على الماضي يدعوه باشلار ب"العقل الأورطوكسي" و"عقل مفارقي" لا يرضى ببداهة العلم ومسلماته.:mommy_cut: