aymanabdeen
12-06-2006, 15:28
منقول
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ID=20576&SectionID=0
- عبد الناصر يئس.. والسادات استسلم.. ومبارك باع
- التنظيم الطليعي وراء فشل مصر في صناعة القنبلة النووية
- مصر فشلت في ثلاث محاولات لامتلاك السلاح النووي
حوار- حسونة حماد
مع تصاعد الصراع النووي على مستوي العالم خاصةً بعد أزمةِ الملف النووي الإيراني، وفي ظلِّ امتلاك الصهاينة لأكثرَ من مائتي رأس نووية بالفعل تتردَّد تساؤلاتٌ كثيرةٌ حول مخاطر انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط وتأثيره عليها، خاصةً بعد تداول معلومات تؤكد اقتراب إيران من تصنيع القنبلة النووية.
الدكتور عصمت زين الدين
(إخوان أون لاين) يناقش هذه التساؤلات من خلال حديث مع الدكتور عصمت زين الدين (المستشار النووي للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومؤسس قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية) طرح خلاله تصوراته حول ضرورة البرنامج النووي وأبعاد المشكلة النووية في مصر والعالم العربي والتجارب السابقة في هذا المجال، وما مقومات النجاح وأسباب الفشل؟ وهل مصر قادرةٌ الآن على دخول النادي النووي؟ وهل يمكن الوصول لقنبلة عربية مشتركة؟ وما الدول العربية المرشحة لدخول النادي النووي؟ وفي أي اتجاه تصير المقارنة بين القنبلة النووية الإيرانية ونظيرتها الصهيونية؟.. إلى غير ذلك من الأسئلة في الحوار التالي:
* بدايةً ما مدى أهمية البرنامج النووي المصري في الفترة الراهنة؟
** البرنامج المصري ضروري لأمرين:
الأول: أنه مسألة أمن قومي ووطني وإستراتيجي، بالرغم من أنَّ العالمَ اليوم لديه أسلحةٌ تقليديةٌ وأخرى تكنولوجية وإلكترونية متطورة جدًّا إلا أنَّ الفيصل الرئيس في حسم أي معركة أو أي مواجهة عسكرية وقت الضرورة هو السلاح النووي (القنبلة الذرية)، وأي دولة مهما تعهَّدت بأنها لن تستعملَ السلاح النووي فإنها عندما تكون مضطرةً ومصيرها مهددٌ فلا بد أنها سوف تستخدمه بالفعل، وهذا الكلام ليس جديدًا ففي عام 1973م عندما عبر الجيش المصري القناة وأصبح الوضع يُنذر باحتمالِ وصول الجيش المصري والسوري إلى الحدود الصهيونية لم يكن أمام الصهاينة إلا استخدام السلاح النووي وقنابلها الذرية، وكان لديها في ذلك الوقت 220 قنبلةً ذريةً حسب تقارير المخابرات الدولية.
مفاعل ديمونة النووي الصهيوني
وفعلاً أخرج ديان القنابل النووية ووضعها على رءوس الصواريخ ليستعملها وقت الضرورة وعند التهديد الحاسم بالقضاء على الكيانِ الصهيوني في هذا الوقت بالذات وأمام التهديد النووي لمصر قدَّم لنا الاتحاد السوفيتي مساندةً تاريخيةً؛ حيث قام بوضع القنابل النووية للصواريخ ووضعها على المراكبِ التي عبرت بالفعل مضيق البسفور وعندما علمت بذلك المخابرات الأمريكية نبَّهت تل أبيب، وكان ذلك هو العامل الرادع الذي منعها من استخدام السلاح النووي، وهذا يؤكد أنَّ السلاحَ النووي حتى الآن هو الفيصل في حسم أي معركة عند الضرورة ولا غنى عنه.
موقع الضبعة النووي المصري لتوليد الكهرباء
أما الأمر الثاني فهو إنتاج طاقة نووية سلمية لتحويلها إلى طاقة كهربائية لتكون بديلاً للوسائل التقليدية لمصادر الطاقة الكهربائية سواء المائية أو الحرارية التي تشير الحسابات إلى نفادها على أقصى تقدير في عام 2020م وإضافةً إلى ذلك هناك بعد اقتصادي خطير (وهو ما تستند عليه إيران الآن)، وهو الاستمرار في زيادة ارتفاع أسعار البترول، حيث وصل سعر البرميل خلال 30 سنة منذ عام 1973م وحتى الآن من 3 دولارات للبرميل عندما كان الدولار تقريبًا بستين أو سبعين قرشًا، أما الآن فالدولار يوازي حوال سبعة جنيهات، وتشير بعض الحسابات إلى الاستمرار في ذلك ليصل سعر البترول تقريبًا في عام 2025م إلى 150 دولارًا للبرميل، ومثله الغاز الطبيعي (ورغم كل ذلك فإن مصر عقدت معاهدةً لبيع الغاز الطبيعي المصري للصهاينة لمدة 20 سنة بسعر اليوم تحت ضغطٍ أمريكي، وهذا لا يدل على جهل الحسابات وإنما هو جريمة وخضوع واستسلام وإذلال، ولا يوجد أي مبرر لمثل هذه المعاهدة، وهذا تدمير لأكبر رصيد للطاقة في البلد).
ومن هنا تأتي ضرورة البرنامج النووي لاستكمال إنتاج الطاقة بالوسائل التقليدية والوصول للوضع الأمثل.
مصر والنووي
* ما الذي يمنع مصر من الطموح النووي؟
** المشروع النووي يحتاج ثلاثة أشياء:
أولاً: كوادر وخبرات.. ولا يوجد عندنا مثل هذه الكوادر.
ثانيًا: قدرات تصنيع.. وهي لم تكن ولا تزال غير متوفرة لدينا.
ثالثًا: التحرر من الضغوطِ الدولية التي تعمل على حِرمانك من الاستمرارِ في الوصولِ لقدرات تصنيع الوقود، وتجعلك خاضعًا لها دائمًا خاصةً بعد 30 أو 40 سنةً بعد استنفاد مصادر إنتاج الطاقة التقليدية، وتتحكم فيك بإعطائك أو حرمانك من الوقود النووي حتى ولو تطورت الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح فهم أيضًا سيكونون قد سبقونا بعشرين عامًا (يعني أنهم يرسمون لسيطرة اقتصادية رهيبة على لقمة العيش بالتحكم في مصادر الطاقة بعد استنفاد مصادرنا الحالية).
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر
والحقيقة أنَّ عبد الناصر كان في ذهنه تصنيع السلاح النووي، وفعلاً طلب تجهيز الإمكانات اللازمة لذلك، والواقع أننا بدأنا في هذه المرحلة عام 1955م بقصد تصنيع السلاح النووي ولأجلها أُنشئت هيئة الطاقة الذرية بأنشاص، لكن تمَّ تخريبها، وفي عام 1964م قمتُ بإنشاء قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية خصيصًا لتوفير خبرات وإعداد كوادر رفيعة على المستوى العالمي في تصنيع السلاح النووي، وتمَّ تخريبه وتطفيشه أيضًا، وهاتان كانت محاولتين بداءيتين لكيفية وضع البرنامج النووي (كمرحلةِ تجهيز)، ولكي أبدأ في مشروع نووي لا بد أن أصمم، وأحل مشكلات، وأبني، ولا بد من كوادر وبحث علمي.
والبحث العلمي يتوفر جزئيًّا بإمكانات هيئة الطاقة الذرية كبداية متواضعة للغاية، وأنشأ مفاعلاً نوويًّا 2 ميجا وات للتدريب، ولا يرقى إلى مستوى أي مفاعل نووي له قيمة في أي مشروع نووي حقيقي، لا يزيد عن ماكينة ديزل كبيرة في واقعه، وهو أصبح الآن ومنذ خمس سنوات فقط 30 ميجا وات، وأيضًا هو لا قيمةَ له، وكذلك الخبرات بدأت جزئيًّا في هيئة الطاقة الذرية، وكانت الخبرات غير قادرةٍ على استيعاب التكنولوجيا النووية الكاملة والرفيعة؛ لأنَّ أصلها من تخصصات غير نووية (كيمياء- ميكانيكا- كهرباء- إلكترونيات)، وليس لهم دراسة عميقة ومتكاملة في الهندسة النووية وأبعادها وبكل فروعها وتخصصاتها والقدرات الصعبة الموجودة بها، وقسم الهندسة النووية بدأ عام 1964م في تكوين هذه الخبرات، وبدأنا منذ ذلك الحين في وضع دراسات لبرنامج نووي، ولكي أبدأ في تنفيذ المشروع النووي وبناء محطات ومفاعلات نووية مستوردة من الخارج يجب البدء في تكوين خبرات تدريب فنية ميدانية، والثاني لاستكمال احتياجات الطاقة على مستوى مصر كلها بحيث لا يكون الاعتماد بالاستمرار آجلاً أو عاجلاً على البترول والغاز، ففرنسا الآن 80% من طاقتها تنتجه من محطات نووية، وبالفعل تمَّ تخريج أول دفعة أصيلة قادرة على عمل أي نشاطات نووية بكامل أبعادها.
* لماذا فشلت هيئة الطاقة الذرية؟
** هيئة الطاقة الذرية تكونت من شبابٍ صغير لهم قيادات وأساتذة كبار من كليةِ الهندسة والعلوم، ولم يكن لهم تأهيلٌ كافٍ في هذه المجالاتِ، والمشكلة أنَّ هذه المجموعة سيطر عليها عناصر انتهازية، وهذه هي الخطورة في المجتمع ككل خاصة في ظل حكم ديكتاتوري استبدادي يهيمن عليه فرد واحد، لا يثق إلا بمَن حوله فقط، ومَن يريد المنصب لا بد أن يكون منافقًا، ومع الأسف سيطر على هيئةِ الطاقة الذرية في مستواها الأعلى عددٌ من هؤلاء الأفراد، والأكثر من ذلك عندما كوَّن عبدالناصر التنظيمَ الطليعي أو السري، وكان أحد أبرز عناصر قيادة التنظيم السري لعبد الناصر وشعراوي جمعة (واحد من هيئة الطاقة الذرية)، وهذا الشخص يتحمل المسئولية الأولى في تعويق كل جهد خالص وعمل جاد لتفعيل أي برنامج نووي لمصر.
وكان هؤلاء الأفراد حريصين على الإيحاءِ لعبد الناصر أنهم وحدهم علماء البلد، وهم كل شيء، وما سواهم لا يساوون شيئًا حتى الكوادر الشابة رغم أنها كانت أفضل منهم بكثيرٍ، قاموا بمحاربتهم وتطفيشهم، وعندما جاء اللواء صلاح هدايت الذي كان محبوبًا ومقربًا جدًّا من القيادة السياسية برئاسة هيئة الطاقة الذرية وجد أنها في يد هؤلاء الأفراد الذين استطاعوا بالفعل تطفيشه.
* من أين جاءت فكرة إنشاء قسم الهندسة النووية؟
** في عام 1964م أُنشئ قسم الهندسة النووية، وإنشاء هذا القسم لم يأتِ من سياسة الدولة ولا بمجهود منها؛ لأن الدولةَ آنذاك كانت معتمدةً على هيئةِ الطاقة الذرية، ولكن بالحسِّ الوطني والوعي الموجودين لدى بعض أساتذة الجامعة، ومنهم عصمت زين الدين، أدركتُ وأنا أعمل في الخارج في هيئة الطاقة النووية بإنجلترا وفي المركزِ النووي بشركاتِ الطاقة بإنجلترا، خاصةً عندما اطلعت على أبحاثِ التقدم النووي للصهاينة، فعلمتُ أنه من المؤكدِ أنهم سيصلون في عام 1972م إلى تصنيع السلاح النووي، وكان ذلك عام 1962م، 1963م، وبعد عودتي لمصر قرَّرت إنشاء قسم الهندسة النووية بمجهود فردي، ولم تكن هذه الفكرة وحيًا من السماء، ولكن كانت مستلهمةً من فكرة إنشاء أول قسم نووي بأنجلترا في الخمسينيات، عندما أنشأه اثنان من زملائي، وكان ذلك بتكليف رسمي من جامعة لندن، ومَن هنا استقرت الفكرة.
التنظيم الطليعي المدمر
* وكيف تمَّ تدميره؟
** في ذلك الوقت كان يسيطر على الجامعةِ التنظيمات الطليعية، وهي السرية بمعنى أن مجلس الكلية كان مكونًا من 25 عضوًا منهم 14 تنظيمًا سريًّا و3 عملاء مباحث ومخابرات، و4 وصوليين يريدون المناصب والوصول لرئاسة الجامعة و4 جادين، ونفس ما حدث في هيئة الطاقة الذرية حدث في قسم الهندسة النووية، فلم يتوفر أي ميزانية إنشائية لهذا القسم، ورغم ذلك كانت هنالك طرقٌ استطعت أن أموِّلَ منها القسم، فكنت أبحث دائمًا في آخرِ العام عن فائضِ الميزانيةِ لدى أمين الجامعة الذي كان يخشى أن يردها لوزارة المالية حتى لا يُقال عليه إنه فاشل، فكنت انتهز هذه الفرصة، وأحصل على هذا الفائض لصالح القسم، وأعطوني حجرتين فقط للقسم، وعندما أردت أن أُنشئ مكتبةً للقسم أنشأتها على السلم، وكانت أول مكتبة تنشأ بأقسام كلية الهندسة.
فكان أعضاء التنظيم السري بمجلس الكلية يريدون أن يكونوا في المقدمة أو الصورة، ولا يعطون الفرصة لأي شخصٍ آخر، واستمرَّ هذا الصراع منذ ذلك الوقت ولا زال حتى الآن.
فرغم أن رئيس الجامعة وعميد الكلية ووكلاءها وبعض أعضاء مجلسها كانوا من التنظيم السري ويعيقون إنشاء القسم بكافة السبل إلا أننا نجحنا بفضل الله في إنشائه، وفي هذا الوقت أيقنت أنَّ مصرَ إذا تُركت على هذا المنوال ستُدمر؛ لأن ما يحدث في كلية الهندسة يحدث في باقي الكليات وباقي الجامعات.
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ID=20576&SectionID=0
- عبد الناصر يئس.. والسادات استسلم.. ومبارك باع
- التنظيم الطليعي وراء فشل مصر في صناعة القنبلة النووية
- مصر فشلت في ثلاث محاولات لامتلاك السلاح النووي
حوار- حسونة حماد
مع تصاعد الصراع النووي على مستوي العالم خاصةً بعد أزمةِ الملف النووي الإيراني، وفي ظلِّ امتلاك الصهاينة لأكثرَ من مائتي رأس نووية بالفعل تتردَّد تساؤلاتٌ كثيرةٌ حول مخاطر انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط وتأثيره عليها، خاصةً بعد تداول معلومات تؤكد اقتراب إيران من تصنيع القنبلة النووية.
الدكتور عصمت زين الدين
(إخوان أون لاين) يناقش هذه التساؤلات من خلال حديث مع الدكتور عصمت زين الدين (المستشار النووي للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، ومؤسس قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية) طرح خلاله تصوراته حول ضرورة البرنامج النووي وأبعاد المشكلة النووية في مصر والعالم العربي والتجارب السابقة في هذا المجال، وما مقومات النجاح وأسباب الفشل؟ وهل مصر قادرةٌ الآن على دخول النادي النووي؟ وهل يمكن الوصول لقنبلة عربية مشتركة؟ وما الدول العربية المرشحة لدخول النادي النووي؟ وفي أي اتجاه تصير المقارنة بين القنبلة النووية الإيرانية ونظيرتها الصهيونية؟.. إلى غير ذلك من الأسئلة في الحوار التالي:
* بدايةً ما مدى أهمية البرنامج النووي المصري في الفترة الراهنة؟
** البرنامج المصري ضروري لأمرين:
الأول: أنه مسألة أمن قومي ووطني وإستراتيجي، بالرغم من أنَّ العالمَ اليوم لديه أسلحةٌ تقليديةٌ وأخرى تكنولوجية وإلكترونية متطورة جدًّا إلا أنَّ الفيصل الرئيس في حسم أي معركة أو أي مواجهة عسكرية وقت الضرورة هو السلاح النووي (القنبلة الذرية)، وأي دولة مهما تعهَّدت بأنها لن تستعملَ السلاح النووي فإنها عندما تكون مضطرةً ومصيرها مهددٌ فلا بد أنها سوف تستخدمه بالفعل، وهذا الكلام ليس جديدًا ففي عام 1973م عندما عبر الجيش المصري القناة وأصبح الوضع يُنذر باحتمالِ وصول الجيش المصري والسوري إلى الحدود الصهيونية لم يكن أمام الصهاينة إلا استخدام السلاح النووي وقنابلها الذرية، وكان لديها في ذلك الوقت 220 قنبلةً ذريةً حسب تقارير المخابرات الدولية.
مفاعل ديمونة النووي الصهيوني
وفعلاً أخرج ديان القنابل النووية ووضعها على رءوس الصواريخ ليستعملها وقت الضرورة وعند التهديد الحاسم بالقضاء على الكيانِ الصهيوني في هذا الوقت بالذات وأمام التهديد النووي لمصر قدَّم لنا الاتحاد السوفيتي مساندةً تاريخيةً؛ حيث قام بوضع القنابل النووية للصواريخ ووضعها على المراكبِ التي عبرت بالفعل مضيق البسفور وعندما علمت بذلك المخابرات الأمريكية نبَّهت تل أبيب، وكان ذلك هو العامل الرادع الذي منعها من استخدام السلاح النووي، وهذا يؤكد أنَّ السلاحَ النووي حتى الآن هو الفيصل في حسم أي معركة عند الضرورة ولا غنى عنه.
موقع الضبعة النووي المصري لتوليد الكهرباء
أما الأمر الثاني فهو إنتاج طاقة نووية سلمية لتحويلها إلى طاقة كهربائية لتكون بديلاً للوسائل التقليدية لمصادر الطاقة الكهربائية سواء المائية أو الحرارية التي تشير الحسابات إلى نفادها على أقصى تقدير في عام 2020م وإضافةً إلى ذلك هناك بعد اقتصادي خطير (وهو ما تستند عليه إيران الآن)، وهو الاستمرار في زيادة ارتفاع أسعار البترول، حيث وصل سعر البرميل خلال 30 سنة منذ عام 1973م وحتى الآن من 3 دولارات للبرميل عندما كان الدولار تقريبًا بستين أو سبعين قرشًا، أما الآن فالدولار يوازي حوال سبعة جنيهات، وتشير بعض الحسابات إلى الاستمرار في ذلك ليصل سعر البترول تقريبًا في عام 2025م إلى 150 دولارًا للبرميل، ومثله الغاز الطبيعي (ورغم كل ذلك فإن مصر عقدت معاهدةً لبيع الغاز الطبيعي المصري للصهاينة لمدة 20 سنة بسعر اليوم تحت ضغطٍ أمريكي، وهذا لا يدل على جهل الحسابات وإنما هو جريمة وخضوع واستسلام وإذلال، ولا يوجد أي مبرر لمثل هذه المعاهدة، وهذا تدمير لأكبر رصيد للطاقة في البلد).
ومن هنا تأتي ضرورة البرنامج النووي لاستكمال إنتاج الطاقة بالوسائل التقليدية والوصول للوضع الأمثل.
مصر والنووي
* ما الذي يمنع مصر من الطموح النووي؟
** المشروع النووي يحتاج ثلاثة أشياء:
أولاً: كوادر وخبرات.. ولا يوجد عندنا مثل هذه الكوادر.
ثانيًا: قدرات تصنيع.. وهي لم تكن ولا تزال غير متوفرة لدينا.
ثالثًا: التحرر من الضغوطِ الدولية التي تعمل على حِرمانك من الاستمرارِ في الوصولِ لقدرات تصنيع الوقود، وتجعلك خاضعًا لها دائمًا خاصةً بعد 30 أو 40 سنةً بعد استنفاد مصادر إنتاج الطاقة التقليدية، وتتحكم فيك بإعطائك أو حرمانك من الوقود النووي حتى ولو تطورت الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح فهم أيضًا سيكونون قد سبقونا بعشرين عامًا (يعني أنهم يرسمون لسيطرة اقتصادية رهيبة على لقمة العيش بالتحكم في مصادر الطاقة بعد استنفاد مصادرنا الحالية).
الرئيس الراحل جمال عبد الناصر
والحقيقة أنَّ عبد الناصر كان في ذهنه تصنيع السلاح النووي، وفعلاً طلب تجهيز الإمكانات اللازمة لذلك، والواقع أننا بدأنا في هذه المرحلة عام 1955م بقصد تصنيع السلاح النووي ولأجلها أُنشئت هيئة الطاقة الذرية بأنشاص، لكن تمَّ تخريبها، وفي عام 1964م قمتُ بإنشاء قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية خصيصًا لتوفير خبرات وإعداد كوادر رفيعة على المستوى العالمي في تصنيع السلاح النووي، وتمَّ تخريبه وتطفيشه أيضًا، وهاتان كانت محاولتين بداءيتين لكيفية وضع البرنامج النووي (كمرحلةِ تجهيز)، ولكي أبدأ في مشروع نووي لا بد أن أصمم، وأحل مشكلات، وأبني، ولا بد من كوادر وبحث علمي.
والبحث العلمي يتوفر جزئيًّا بإمكانات هيئة الطاقة الذرية كبداية متواضعة للغاية، وأنشأ مفاعلاً نوويًّا 2 ميجا وات للتدريب، ولا يرقى إلى مستوى أي مفاعل نووي له قيمة في أي مشروع نووي حقيقي، لا يزيد عن ماكينة ديزل كبيرة في واقعه، وهو أصبح الآن ومنذ خمس سنوات فقط 30 ميجا وات، وأيضًا هو لا قيمةَ له، وكذلك الخبرات بدأت جزئيًّا في هيئة الطاقة الذرية، وكانت الخبرات غير قادرةٍ على استيعاب التكنولوجيا النووية الكاملة والرفيعة؛ لأنَّ أصلها من تخصصات غير نووية (كيمياء- ميكانيكا- كهرباء- إلكترونيات)، وليس لهم دراسة عميقة ومتكاملة في الهندسة النووية وأبعادها وبكل فروعها وتخصصاتها والقدرات الصعبة الموجودة بها، وقسم الهندسة النووية بدأ عام 1964م في تكوين هذه الخبرات، وبدأنا منذ ذلك الحين في وضع دراسات لبرنامج نووي، ولكي أبدأ في تنفيذ المشروع النووي وبناء محطات ومفاعلات نووية مستوردة من الخارج يجب البدء في تكوين خبرات تدريب فنية ميدانية، والثاني لاستكمال احتياجات الطاقة على مستوى مصر كلها بحيث لا يكون الاعتماد بالاستمرار آجلاً أو عاجلاً على البترول والغاز، ففرنسا الآن 80% من طاقتها تنتجه من محطات نووية، وبالفعل تمَّ تخريج أول دفعة أصيلة قادرة على عمل أي نشاطات نووية بكامل أبعادها.
* لماذا فشلت هيئة الطاقة الذرية؟
** هيئة الطاقة الذرية تكونت من شبابٍ صغير لهم قيادات وأساتذة كبار من كليةِ الهندسة والعلوم، ولم يكن لهم تأهيلٌ كافٍ في هذه المجالاتِ، والمشكلة أنَّ هذه المجموعة سيطر عليها عناصر انتهازية، وهذه هي الخطورة في المجتمع ككل خاصة في ظل حكم ديكتاتوري استبدادي يهيمن عليه فرد واحد، لا يثق إلا بمَن حوله فقط، ومَن يريد المنصب لا بد أن يكون منافقًا، ومع الأسف سيطر على هيئةِ الطاقة الذرية في مستواها الأعلى عددٌ من هؤلاء الأفراد، والأكثر من ذلك عندما كوَّن عبدالناصر التنظيمَ الطليعي أو السري، وكان أحد أبرز عناصر قيادة التنظيم السري لعبد الناصر وشعراوي جمعة (واحد من هيئة الطاقة الذرية)، وهذا الشخص يتحمل المسئولية الأولى في تعويق كل جهد خالص وعمل جاد لتفعيل أي برنامج نووي لمصر.
وكان هؤلاء الأفراد حريصين على الإيحاءِ لعبد الناصر أنهم وحدهم علماء البلد، وهم كل شيء، وما سواهم لا يساوون شيئًا حتى الكوادر الشابة رغم أنها كانت أفضل منهم بكثيرٍ، قاموا بمحاربتهم وتطفيشهم، وعندما جاء اللواء صلاح هدايت الذي كان محبوبًا ومقربًا جدًّا من القيادة السياسية برئاسة هيئة الطاقة الذرية وجد أنها في يد هؤلاء الأفراد الذين استطاعوا بالفعل تطفيشه.
* من أين جاءت فكرة إنشاء قسم الهندسة النووية؟
** في عام 1964م أُنشئ قسم الهندسة النووية، وإنشاء هذا القسم لم يأتِ من سياسة الدولة ولا بمجهود منها؛ لأن الدولةَ آنذاك كانت معتمدةً على هيئةِ الطاقة الذرية، ولكن بالحسِّ الوطني والوعي الموجودين لدى بعض أساتذة الجامعة، ومنهم عصمت زين الدين، أدركتُ وأنا أعمل في الخارج في هيئة الطاقة النووية بإنجلترا وفي المركزِ النووي بشركاتِ الطاقة بإنجلترا، خاصةً عندما اطلعت على أبحاثِ التقدم النووي للصهاينة، فعلمتُ أنه من المؤكدِ أنهم سيصلون في عام 1972م إلى تصنيع السلاح النووي، وكان ذلك عام 1962م، 1963م، وبعد عودتي لمصر قرَّرت إنشاء قسم الهندسة النووية بمجهود فردي، ولم تكن هذه الفكرة وحيًا من السماء، ولكن كانت مستلهمةً من فكرة إنشاء أول قسم نووي بأنجلترا في الخمسينيات، عندما أنشأه اثنان من زملائي، وكان ذلك بتكليف رسمي من جامعة لندن، ومَن هنا استقرت الفكرة.
التنظيم الطليعي المدمر
* وكيف تمَّ تدميره؟
** في ذلك الوقت كان يسيطر على الجامعةِ التنظيمات الطليعية، وهي السرية بمعنى أن مجلس الكلية كان مكونًا من 25 عضوًا منهم 14 تنظيمًا سريًّا و3 عملاء مباحث ومخابرات، و4 وصوليين يريدون المناصب والوصول لرئاسة الجامعة و4 جادين، ونفس ما حدث في هيئة الطاقة الذرية حدث في قسم الهندسة النووية، فلم يتوفر أي ميزانية إنشائية لهذا القسم، ورغم ذلك كانت هنالك طرقٌ استطعت أن أموِّلَ منها القسم، فكنت أبحث دائمًا في آخرِ العام عن فائضِ الميزانيةِ لدى أمين الجامعة الذي كان يخشى أن يردها لوزارة المالية حتى لا يُقال عليه إنه فاشل، فكنت انتهز هذه الفرصة، وأحصل على هذا الفائض لصالح القسم، وأعطوني حجرتين فقط للقسم، وعندما أردت أن أُنشئ مكتبةً للقسم أنشأتها على السلم، وكانت أول مكتبة تنشأ بأقسام كلية الهندسة.
فكان أعضاء التنظيم السري بمجلس الكلية يريدون أن يكونوا في المقدمة أو الصورة، ولا يعطون الفرصة لأي شخصٍ آخر، واستمرَّ هذا الصراع منذ ذلك الوقت ولا زال حتى الآن.
فرغم أن رئيس الجامعة وعميد الكلية ووكلاءها وبعض أعضاء مجلسها كانوا من التنظيم السري ويعيقون إنشاء القسم بكافة السبل إلا أننا نجحنا بفضل الله في إنشائه، وفي هذا الوقت أيقنت أنَّ مصرَ إذا تُركت على هذا المنوال ستُدمر؛ لأن ما يحدث في كلية الهندسة يحدث في باقي الكليات وباقي الجامعات.