المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العذاب ليس له طبقة


nuha1423
12-10-2011, 16:44
بسم الله الرحمن الرحيم


http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat24165cb559.gif

مقال يكتب بماء الذهب

الدكتور مصطفى محمود رحمه الله


العذاب ليس له طبقة


الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب.

و ساكن الزمالك الذي يجد الماء و النور و السخان و التكييف و التليفون

و التليفيزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر

من سوء الهضم و السكر و الضغط

و المليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة

و الخوف من الأماكن المغلقة و الوسواس و الأرق و القلق.


http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif

و الذي أعطاه الله الصحة و المال و الزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة

و لا يعرف طعم الراحة.

و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء

و انتصر في كل معركة لم يستطع أن ينتصر على ضعفه و خضوعه للمخدر

فأدمن الكوكايين و انتهى إلى الدمار.

و الملك الذي يملك الأقدار و المصائر و الرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه

ذليلا لنزواته.

و بطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif

كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق.

و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء

الدنيوي متقارب.فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوض بقدر ما يحرم

و ييسر بقدر ما يعسر.. و لو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه

و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية..

و لما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور.

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif

إنما هذه القصور و الجواهر و الحلي و اللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب..

و في داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة.

و الحاسدون و الحاقدون و المغترون و الفرحون مخدوعون في الظواهر

غافلون عن الحقائق.

و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق و لو أدركه القاتل لما قتل

و لو عرفه الكذاب لما كذب.

و لو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس و لسعينا في العيش بالضمير

و لتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب في الدنيا و لا مغلوب في الحقيقة

و الحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر و محصولنا من الشقاء و السعادة متقارب

برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات..

فالعذاب ليس له طبقة و إنما هو قاسم مشترك بين الكل..

يتجرع منه كل واحد كأسا وافية ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر

و تباين الدرجات و الهيئات


http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif



و ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة و شقاء و إنما اختلاف مواقف..

فهناك نفس تعلو على شقائها و تتجاوزه و ترى فيه الحكمة و العبرة

و تلك نفوس مستنيرة ترى العدل و الجمال في كل شيء و تحب الخالق في كل أفعاله..

و هناك نفوس تمضغ شقاءها و تجتره و تحوله إلى حقد أسود و حسد أكال..

و تلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.
.


http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif

أما في كوامن الأسرار و على مسرح الحق و الحقيقة.. فلا يوجد ظالم و لا مظلوم

و لا متخم و لا محروم.. و إنما عدل مطلق و استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة

لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم

و ينير بها ضمائر العميان و يلاطف أهل المسكنة و يؤنس الأيتام و المتوحدين في الخلوات

و يعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم.. ثم يميل بيد القبض و الخفض

فيطمس على بصائر المترفين و يوهن قلوب المتخمين

و يؤرق عيون الظالمين و يرهل أبدان المسرفين..

و تلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم و النسمات المبشرة

التي تأتي من الجنة.. و المقدمات التي تسبق اليوم الموعود..

يوم تنكشف الأستار و تهتك الحجب و تفترق المصائر إلى شقاء حق و إلى نعيم حق..

يوم لا تنفع معذرة.. و لا تجدي تذكرة.

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif

و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم

و أهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم

و رأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا،

فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة

هي راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.

أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة

و المرأة و الدرهم و فدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم

و أحمالا من الخطايا و ظمأً لا يرتوي و جوعا لا يشبع.


http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayatbbe3743e65.gif

فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت..

و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك.


(من روائع دكتور مصطفى محمود رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر له)

http://www.nsaayat.com/up/uploads/nsaayat917f9389b9.gif

الحارث
12-10-2011, 21:25
فعلا رااااااائعة من الروائع
أشكرك على هذا الاختيار الأكثر من راااائع
سبحانك يا رب كيف قسمت بيننا العيش!!!!
فعلا نعم الله علينا كثيرة لكن لا ندركها

أشكرك مرة أخرى
ودمت مبدعة ومتميزة
بارك الله فيك وجزاك كل الخير

معلمه طموحه
12-10-2011, 22:58
حفظــــــــــك الله

مقالـه رائعه

لايوجد أختيـــــــار أفضل مما قدره الله لنا..الحمدلله على كل حال..أسعدك الله..

الليزر الخارق
13-10-2011, 06:48
جميل جدا *

سلمت يداك المبدعة ^-^ وأنار الله دربك *

فعلا العذاب ليس له طبقة فالراحة الأبدية هناك في الجنة رزقنا الله وأياكن جنة الفردوس *

محبة للعلم والتعلم
13-10-2011, 07:35
بصراحة موووضووع رائع جدا وهذا حقا واقع في الحقيقة ان الانسان يحسد ويحقد على اخيه لما يراه من الظاهر ولا يعلم من ان في باطنه بنفس الهم الذي في باطنه هو بصرااحة اعجبني الموووضووع بطريقة راااقية جداً:s_thumbup:
واتمنى لك التفيق والإستمرار في عرض مثل هذه المواضيع الراقية والجميلة والله لايحرمنا من مشاركاتك الفعالة
وجزالك الله خيرا في الدنيا والاخرة