المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صريعة التسمم الراديومي ....ماري كوري .!


دلوعة البصريات
20-08-2006, 20:13
ها أنا أعود اليكم بقصة واحدة من أععظم نساء التاريخ "مدام كوري" التي شرفت النسائية بكل طبقاتها وكانت مثالا للمرأة والزوجة والعالمة والعاملة والمواطنة الصالحة لن أطيل عليكم واليكم نبذة هي اختصار لمختصر حياتها الحافلة .....

فقد أم .........
انحدرت ( ماري سكلو دوفسكا )التي نعرفها اليوم باسم ( مدام كوري )من أرومة شريفة من الفلاحين .وكان والدها قد ارتفعا فوق مستوى الفلاحين ووصلا الى ذلك المستوى الذي يضم الصفوة وهم المتعلمين تعليما عاليا وكان والدها استاذا لعلم الفيزيقا في المدرسة العالية ب(وارسو ) وكانت والدتها عازفة بيانو ماهرة .وكانت ( مانيا) وذلك اسم التدليل بدلا من ماري , وقد ورثت عقل والدها ويدي أمها . واظهرت كفاءة مبكرة وحبا عظيما للعلوم التجريبية , ولكن والديها لم يسمحا لابن من ابنائهما الخمسة بارهاق نفسه في المذاكرة .فقد كانت هناك شائبة لمرض السل تسري في الأسرة . وكان الأطفال ابناء (سكلودو فسكا) يضيفون الى صلاتهم اليومية كل مساء (....ونرجوك يارب أن تعيد لوالدتنا صحنها .)لقد كانت الأم مريضة بالسل , وقد أراد الله – ولا راد لقضاءه – أن يأخذ مدام (سكلودو فسكا)من بين ابناءها .وكانوا الآن أربعة فقط لأن أحدهم كان قد مات مريضا بالتيفوس وكان عمر (مانيا ) 10 سنوات فقط عندما فقدت أمها .وكانت الأسرة التي تجتمع حول المائدة بعد رحيل الأم أسرة حزينة فقيرة . ذلك أن الأب فقد منصبه في المدرسة العالية بسبب تطلعه الى تحرير بولندا من طغيان القيصر الروسي . وافتتح الأب مدرسة داخلية , بيد أنها لم تحقق نجاحا يذكر . يا له من موقف صعب ..ماذا يفعل الأب ولديه أربعة أفواه نشيطة بحاجة للطعام , وأربعة أجسام نامية بحاجة للملابس , وأربعة عقول متفتحة بحاجة للتعليم ؟!!
البصق على الطريقة البولندية !...
كانت تجري في دماء ابناء (سكلودو فسكا)الأربعة قوة التربية البولندية.كما كان لديهم طموح القلب البولندي أيضا . وطموح الروح الحرة في الجسم المكبل بالأغلال . وكان أبناء (سكلودو فسكا)يحاربون , مثل أبيهم , ضد الشدائد كما يحاربون ضد الطغيان . وعندما كانت مانيا تذهب الى مدرستها كل صباح كانت تمر في طريقها بتمثال أقيم من أجل ( البولنديين المخلصين لملكهم ) . وذلك يعني – بصريح العبارة – من أجل البولنديين الخائنين لوطنهم . لأن من يخلص للملك الغاصب فانه يكون بذلك خائنا لبلده . وكانت مانيا تهتم دائما بأن تبصق على ذلك التمثال , واذا حدث انها لم تقم سهوا بأداء (الواجب)لذلك التمثال فانها كانت تعود ادراجها لتصلح خطأها حتى ولو جازفت بالتأخير عن ميعاد المدرسة !
الشعر المتمرد ...!
كانت الثائرة الصغيرة مانيا لا تعبر عن احتقارها للظلم في غياب ظالميها فحسب , بل في حضورهم أيضا . وكانت هناك مدرسة في مدرستها تدعى ( مدموازيل ماير ) وهي المشرفة الالمانية على المدرسة وأحدى من يمثلن السلطة الأجنبية الحاكمة في بولندا , وكانت هذه الجاسوسة التي تنزلق على الأرض لابسة خفا مكتوم الصوت امرأة ذات جسم ضئيل ومقدرة هائلة على الحقد . وقد جعلت حياة تلميذاتها البولنديات شيئا لا يطاق , وعلى الأخص تلك الفتاة (سكلودو فسكا)التي كانت تتجرأ على مقابلة كلامها العنيف السليط بابتسامة ازدراء .ولكن مانيا لم تكن تكتفي دائما بمجرد هذا التعبير الصامت . فقد حدث ذات مرة أن حاولت الجاسوسة في شيئ من الخشونة أن تسوي الخصل المتمردة بالطريقة البولندية في شعر مانيا وأن تجعلها على شكل الضفيرة التقليدية للفتاة الألمانية , غير أن مجهوداتها ضاعت سدى , ذلك أن شعر مانيا مثل روحها , رفض أن يستسلم للمسات الطاغية واغتاظت ( ماير ) من ذلك ( الشعر العنيد ) وكذلك من نظرة الازدراء التي تطل من عيني تلميذتها البولندية , فصاحت بها في آخر الأمر ( لا تحملقي في بهذه الطريقة ).اني أمنعك من أن تزدريني وأن تنظري الى العلياء هكذا . ولكن مانيا قابلت تلك الخشونة والفضاضة برقة ومنطقية :(انني لا أستطيع أن أفعل غير ذلك يا آنسة ), ذلك أن قامتها كانت أطول كثيرا من قامة (مدموازيل ماير ) !

دلوعة البصريات
20-08-2006, 20:15
مربية أطفال .....!
حصلت مانيا برغم تمردها , على الميدالية الذهبية عند اتمام دراستها في المدرسة الثانوية عام 1883م .ولم يكن ذلك بغريب على آل (سكلودو فسكا). ورأى والدها عند ذلك أن ما حصلته من الدرس يكفيها في الوقت الحاضر فلتذهب الآن الى الريف لمدة عام لتقوي جسمها , وحدثته نفسه (يجب أن لا تسقط هذه الطفلة الحسناء فريسة للسل مثل أمها ). وانقضى عام عادت مانيا بعده الى (وارسو ) حيث واجهت مستقبل غير مضمون حيث كانت شقيقتها الكبرى ( برونيا ) تريد أن تدرس في جامعة (السوربون ) في باريس , وكانت مانيا مثل ذلك تريد .ولكن كيف يمكن تحقيق ذلك والأسرة ليس لديها من المال ما يكفي للانفاق على واحدة منهما فقط , ناهيك عن اثنتين خلال تعليمهما في الجامعة . وكانت الجملة تبدو مستعصية الحل .ولكنني أرى حلا ! هكذا قالت مانيا وأفصحت عن ذلك .. (سوف أجد لنفسي عملا كمربية أطفال واساعدك حتى تكملي تعليمك , وبعد ذلك تحصلين على الدكتوراة وبعدها تساعدينني ). وكانت تلك الخطوة تبدو جريئة بعيدة التحقيق . لكنها نفذت وانتج ثمارها المرجوة , وأصبحت مانيا معلمة أشبه بالخادمة , لدى سيدة غبية , فظة , ضيقة الخلق , حمقاء , كانت تقتصد من ثمن زيت المصابيح لتبعثر ما ادخرته في لعب القمار ! . وسرعان ما استبدلت سيدتها بسيدة أخرى .
صخرة التقاليد ...!
لماذا لم تتزوج مانيا من (كازيمير ) ؟ ومن (كازيمير ) هذا ؟ انه الابن الأكبر لسيدتها الأخرى . وهل أحبها ؟ أحبها وأحبته , اذ عندما رجع من ( وارسو ) حيث كان يدرس في الجامعة الى عائلته لقضاء العطلة وقع فورا في غرام الآنسة مانيا الصغيرة الحسناء , التي لم تكن تتكلم فقط كلام العلماء بل كانت أيضا ترقص أيضا رقص الفنانيين !. لكن لم يقدر لهما , وكل شيئ نصيب , أن يتزوجا . وما السبب ؟ التقاليد , فقد رفضت والدة ( كازيمير ) أن تقبل مربية أطفال لتكون أحد أفراد عائلتها, ناسية أنها هي نفسها كانت مربية أطفال قبل زواجها !.
لا يأس مع الحياة :
لم اليأس يا مانيا ؟ ( انني دفنت آمالي وطموحاتي ..وأدتها ونسيتها ..ان الأسوار أقوى من الرؤوس التي تنطحها .انني أنوي أن أودع هذه الدنيا الحقيرة , ان الخسارة علي لن تكون كبيرة والأسف من أجلي لن يطول ) .
كانت هذه اجابة مانيا على التساؤل : لم اليأس ؟
مانيا ..أمسكي عليك حياتك ،انك ستكونين في المستقبل واحدة من أشهر نساء الدنيا . وتغلبت على يأسها ، ورجعت الى التدريس والتقتير معا لتستمر في مساعدة برونيا لتكمل دراستها في ( السوربون ) . ولم يخيب الله مسعى الشقيقتان الطموحتان , فقد تمكنت برونيا بفضل مساعدات مانيا وبفضل ما لديها من مقدرة فطرية على تحمل عضات الجوع وآلامه , من أن تتم دراستها بنجاح وتحصل على بكالوريوس الطب وهي تتضور جوعا . وتزوجت من أحد زملاءها الأطباء . برونيا .. لقد جاء دورك لكي تقومين بنصيبك في الاتفاقية التي عقدتها معك مانيا . وهكذا استطاعت المربية الشابة أن ترى آخر الأمر تحقيق أعز أحلامها وهو الذهاب للسوربون .

الجوع كافر ...؟!
هاهي الآن في باريس . الاسم : ماري (سكلودو فسكا).العمل : طالبة بكلية العلوم . السن : 23 عاما .الشعر : أشقر رمادي . الشخصية : صموتة . الكفاءة : نادرة – كانت هذه هي أهم المعلومات عنها من واقع بطاقتها الشخصية . استمرت سنوات أربع وهي تعيش معيشة الراهب المتنسك وقد رفضت أن تكون عبئا على أختها , ومن ثم فقد سكنت بمفردها في حجرة فوق السطوح في منزل في الحي اللاتيني . وكانت الحجرة في غاية الوضاعة , فلم يعرف لها الماء كما لم تعرف لها التدفئة طريقا ، وكذلك الضوء اللهم الا شعاع يتيم يأتيها متسللا من كوة صغيرة في سقفها المائل . وعاشت في السجن , أقصد في الحجرة , على غذاء فقير يتكون في العادة من خبز وزبد وشاي ,ولم تكن تضاف له بيضة أو إصبع موز واحد الا في المناسبات !.وكان ما لا بد أن يكون ..الاغماء .وقد اسعفها زوج أختها برونيا . وعرف سبب الاغماء ( جوع وجهد ) ,فقد كان كل ما أكلته خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية لا يعدو عن قبضة من فجل ونصف رطل كريز !.وقد أخذها , برغم مقاومتها , الى منزله حيث اعتنت برونيا باطعامها وجعلتها تستريح بضعة أيام رجعت بعدها الى كتبها وجوعها برغم كل الاحتجاجات من قبل أختها وزوجها .ولكن على الرغم من كل هذه المعاناة , فقد كانت مانيا ذات عقل متأهب وخيال متوثب ومهارة فائقة , وكان أساتذتها يبتهجون بما يلاحظون من حماسها الدافق ويشجعونها دوما على القيام بمزيد من الأبحاث . وكان من بين تشجيعهم لها ألا تجري أبحاثها في ميدان واحد فحسب وانما في ميدانيين . ومن ثم عقدت العزم على الحصول على درجة ماجستير مزدوجة في علم الطبيعة وفي الرياضيات .ونجحت فيما عزمت عليه , فاجتازت امتحانها الأول لدرجة الماجستير في الطبيعة في عام 1893 ، ثم اجتازت امتحانها الثاني لدرجة الماجستير في الرياضيات في عام 1894 .
شريك الحياة ...!!
(بيير كوري ..بيير كوري ) اسم حملته ( ماري سكلو دو فسكا ) وأصبحت منذ ارتباطها به تنتسب اليه . ولكن ما هي القصة ؟ بعد حصول مانيا على الماجستير ذهبت الى (بولندا ؟ لقضاء عطلة قصيرة ، فرجعت بعدها الى باريس . وكانت بعد اندفاعها الأول غير الموفق الى دوامة الميول العاطفية ، فقد نذرت أن تكرس بقية حياتها لنوع واحد من الحب وهو حب العلم ، وقررت أنها ليست بحاجة إلى الرجال ! وفي المقابل كان هناك شاب يعيش في باريس يدعى (بيير كوري ) قد كرس حياته للعلم أيضا وقرر انه هو أيضا ليس بحاجة الى النساء ! ولعب القدر لعبته وتقابل الاثنان ذات يوم في مسكن احد الأساتذة البولنديين خلال زيارته لباريس . يالها من مصادفة غريبة ، وياله من لقاء عجيب .. ( عندما دخلت الحجرة كان بيير واقفا امام النافذة بجوار باب يؤدي الى الشرفة . وقد بدا في نظري حديث السن جدا على الرغم من انه كان في الخامسة والثلاثين من عمره . وقد تأثرت كثيرا بالصراحة التي تطل من عينيه . وبما يبدو على قامته الطويلة من مظاهر الاهمال الخفيف . وأحببت كلماته البطيئة المتروية وبساطته وابتسامته التي كانت تمتزج فيها الحكمة بالشباب ، وبدأنا نتحدث في شئون العلم . وقبل ان نعرف ما حدث كنا قد اصبحنا حبيبين !) هذاما قالته مانيا عن ذلك اللقاء .
ولكن ماهو ذلك الشاب بالضبط ؟ ، أصله ، فصله ، مؤهلاته ، أعماله ، الخ . انه ابن طبيب فرنسي ، وقد حصل على درجة بكالوريوس في العلوم وهو في سن السادسة عشرة وعلى درجة الماجستير في الطبيعة وهو في سن الثامنة عشرة . وعندما قابل ماري كان قد أصبح رئيس المعمل في مدرسة الكيمياء والطبيعة في باريس . وكان ما حققه من نجاح وانتصارات قد وضعاه في الصف الأول من علماء فرنسا .. لقد صاغ قانون التماثل في تركيب البلورات ، وأكتشف – بالاشتراك مع اخيه (جاك ) – ظاهرة (بيزو ) في الكهرباء ( تولد الكهرباء عن طريق الضغط ) ، وابتكر جهازا جديدا لقياس الكميات الصغيرة جدا من الكهرباء قياسا دقيقا . وصنع آلة فائقة الحساسية سميت باسم (مقياس كوري ) لمراجعة نتائج التجارب العملية .
وكم راتبه ؟ كانت الدولة الفرنسية تمنحه في مقابل كل تلك الأعمال العظيمة راتبا زهيدا لا يتجاوز ثلاثمائة فرنك شهريا ، أي ما يعادل 30 جنيها مصريا . وذلك بأسعار القرن التاسع عشر ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!.وتقدم بيير على استحياء يعرض الزواج على مدام 0سكلو دوفسكا ) معتمدا على راتبه الضئيل وأعماله العظيمة .ووافقت مانيا على استحياء كذلك .وقد اتضح فيما بعد – وهذا للتاريخ – أن زواجهما هذا لم يكن مجرد زمالة فقط بين عبقريين ، وانما كان رفقة حب عميق ، وقد تم زواجهما بطريقة هي في حد ذاتها تعتبر ثورة على التقاليد فقد كان كلاهما مفكرا حرا لم يلجأ الى محام أو قسيس لاتمام إجراءات الزواج . وتمتعا بشهر عسل فيه من النعومة والطراوة وفيه من التحرر والانطلاق ما يمهد لهما السبيل لعمل مضن يجلب ويخلد الذكرى لاسم (كوري ).

دلوعة البصريات
20-08-2006, 20:16
جائزة نوبل .....مرتان ‍‍‍‍!
كانت ماري أو مدام كوري من الآن ، تقوم بشئون المنزل . وقد ولدت طفلة ثم أتبعتها بأخرى . ومع الحمل والولادة كانت تدرس لنيل درجة الدكتوراه في علم الدكتوراه في علم الطبيعة . مجهود مضن وعمل متواصل ، هذا مع وجود تلف في رئتها اليسرى ، انما العدوى المتوارثة في عائلة (سكلودوفسكا ) ، لذا حذرها الأطباء ونصحوها أن تذهب الى احدى المصحات ولكنها لم تعرهم اهتماما . لقد كانت مدام كوري مهتمة هي وزوجها بيير بتجارب العالم الفرنسي (هنري بيكريل ) التي دفعه الى اجرائها كشف (رونتجن ) لأشعة اكس وخواصها في النفاذ خلال الأجسام . فما هو كنه هذه الخاصية الغامضة ، خاصية النفاذ من الأجسام المعتمة ؟ ومن أين يأتي تلك الطاقة العجيبة اللازمة لها ؟ كانت تلك الأسئلة وأمثالها تخلب لب ماري وبيير كوري .ها هنا لموضوع اذن موضوع لدراسة مبتكرة وأصيلة . انه موضوع بحث جدير بدرجة الدكتوراه من السوربون . هكذا كانت البداية متواضعة ومتحمسة في نفس الوقت لذلك البحث الذي أدى إلى اكتشاف الراديوم . لقد بدأت مدام كوري في سلوك طريق يوصلها إلى شهادة عادية من شهادات الدكتوراه ، لكنها وجدت نفسها – في نهاية الطريق – أمام جائزتي نوبل ‍‍‍!
عجائب الدنيا ثمانية ....‍!
ولكن الرحلة في ذلك الطريق لم تكن سهلة ومريحة ، وانما كانت شاقة وعسيرة ، وكانت تتطلب مذ الخطوة الأولى رجل وامرأة لديهما خيال فائق وشجاعة نادرة وصبر طويل .فقد قابلا منذ البداية عقبات من الصعب قهرها وقهراها . وكان المعمل الذي أعطاه لهما مدير مدرسة الطبيعة لإجراء تجاربهما هي عبارة عن مخزن أخشاب قديم متهدم . وفي ذلك "المعمل" البارد الرطب الذي يشبه "العشة " اندفعت الباحثة الصغيرة المصابة بالدرن ومعها زوجها نحو المجهول بكل تصميم . وكان متوسط درجة حرارة المعمل في الشتاء يهبط إلى نحو 7 درجات مئوية . كما كانت أجهزته قليلة وعتيقة , ولكنهما أخذا يختبران بها خواص اليورانيوم وطبيعته . واكتشفا أن الاشعاع الغامض لذلك العنصر كان خاصة ذرية , وكان ذلك كشفا علميا أدى فيما بعد (عام 1945م) إلى اختراع القنبلة الذرية !
وتستمر المسيرة الصعبة , وتذهب مدام كوري في ذات يوم الى أختها وقلبها يدق دقا عنيفا وهي تقول : (أتعرفين يا برونيا أن الاشعاع الذي لم أتمكن من تفسيره انما مصدره عنصر كيمياوي جديد ؟ ان ذلك العنصر موجود وعلي اكتشافه ).
وشرعت الآن ,وبصحبة زوجها , في العمل على اكتشاف ذلك العنصر الجديد .
كانت قد لاحظت وجود تلك القدرة الهائلة على الأشعاع في مادة (البتشبلند)وهي احدى أكاسيد اليورانيوم . وظنت مدام كوري أن الجزء ذا النشاط الاشعاعي من(البتشبلند)ربما لا يبلغ أكثر من جزء من مائة جزء من (البتشبلند) ولكن كم تكون دهشتها لوأنها عرفت –في ذلك الوقت –أن ذلك العنصر الجديد الذي كانت تحاول فصله كان يبلغ جزء من عشرة الآف جزء من هذا الجزء من المائة , أو بعبارة أخرى جزء من مليون جزء من خام (البتشبلند)"؟!.
يا لها من نسبة جد ضئيلة !يضاف اليها أن ثمن الطن الواحد من (البتشبلند) و ما يحتويه من يورانيوم أكثر مما يطيقان دفعه . وكانت تلك المشكلة تبدو مستعصية الحل . ولكن لابد من حل...اذا كان العنصر الجديد موجود في (البتشبلند), وهو في نفس الوقت مختلف عن اليورانيوم , فانه يمكن الحصول عليه وفصله من (المتخلفات)الباقية من(البتشبلند)بعد استخلاص اليورانيوم منه ...هكذا تساءلا .وان صح هذا , فان الحلم وشيك الوقوع , خصوصا وان هذه المتخلفات تعتبر عديمة القيمة وفي وسعهما أن يحصلا على كميات كبيرة منها بمال يزيد كثيرا على تكاليف نقلها .وانتابت الدهشة الناس كلهم عندما بدأ هذان العالمان (العجيبان ) يأمران أن تشحن أطنان من النفايات الى مخزن الأخشاب الذي يعملان فيه . وعندما وصلت النفايات أمسكا بجاروف وأخذا يقذفانها شيئا فشيئا داخل مخزن قديم من الحديد الزهر ذي أنبوبة صدئة .واستمرا أربعة أعوام عملهما هذا كما لو كانا وقادين يعملان في جوف سفينة , فهما يجرفان ويلهثان ويسعلان من أثر الأبخرة الضارة . وقد تناسيا كل هذا العذاب , وركزا فكرهما في شيء واحد وهو أن يستدرجا سر العنصر الجديد يخرج إليهما من وسط المعدن الملتهب . واستدرجا سران ! فبدلا من أن يجدا عنصرا واحدا وجدا عنصرين جديدين : أسميا أولهما (بولونيوم ) على اسم وطن ماري الأصلي بولندا ، وأسميا الآخر (راديوم ).وكانت خواص البولونيوم مدهشة فعلا ، اذ كان نشاطه الاشعاعي أكبر بكثير من نشاط اليورانيوم . ولكن خواص الراديوم كانت هي العجيبة الثامنة الكبرى في الدنيا حقا . فقد وجدا أن قدرته الأشعاعية تزيد عن قدرة اليورانيوم بنحو مليون ونصف مليون في المائة !.
أخلاق ...
كانت القاعدة المتبعة مع من يتسلمون جائزة "نوبل " هي أن يذهبوا لأستلامها بأنفسهم في " ستوكهلم " . ولكن " الكوريين " كانا غير قادرين على القيام بالرحلة فقد كانا مريضين . وهكذا استمرا في عملهما في هدوء وتواضع كما استمرا في الحرمان والعوز وانفقا كل نقودهما على تجاربهما الجديدة متناسيين ، في تسام روحي مجيد ، مصالحهما الشخصية . وعندما تقررت قيمة الراديوم العلاجية ووجدا أن له تأثيرا فعالا في معالجة أمراض كثيرة من بينها السرطان ، حثهما أصدقائهما أن يسجلا لنفسيهما عملية استخلاص الراديوم . ولو فعلا ذلك لضمنا لنفسيهما ثروة طائلة ، حيث أن ثمن الجرام الواحد من الراديوم كان يقدر اذ ذاك بنحو 150000 دولار . ولكنهما رفضا الحصول على أي ربح من اكتشافهما قائلين :" أن الراديوم هو أداة للرحمة وليست للتجارة !" .
البحث .. عن معمل !
لم يرفض " الكوريان " الأرباح فحسب وانما رفضا التكريم ايضا . وكان كل ما يطلبانه من دنياهما هو أن تعطى لهما حجرة معمل جديد للقيام بتجاربهما . وعندما كتب مدير " السوربون " الى " بيير " يخبره بأن الوزير قد قدم اسمه للحصول على وسام جوقة الشرف ، رد "بيير " – تؤيده "ماري " – " أرجوكم التكرم بشكر سعادة الوزير وتبليغه بأنني لا أشعر بأقل رغبة في الحصول على أوسمة ، ولكنني في أشد الحاجة الى معمل ".ومع ذلك فقد سمح "بيير " ، فقي مناسبة واحدة فقط ، بأن يقدم اسمه لنيل منصب رفيع . فقد أصر زملاؤه العلماء على أن يرشح نفسه لعضوية المجمع العلمي . ولم يكن قبوله لهذا الأمر رغبة منه في الحصول على ذلك التكريم في حد ذاته ، انما لأن ذلك سيعطيه الفرصة ليحصل على منصب أستاذ في " السوربون " ومن ثم يكون له الحق بالتالي للحصول على معمل .
للضرورة... أحكام !
شرع بيير في القيام على مضض بجولته على أعضاء المجمع العلمي ، اذ كانت العادة المتبعة أن يقوم كل مرشح بمثل هذه الجولة يطنطن فيها على مؤهلاته لذلك الشرف . واليك وصف أحد الصحفيين الباريسيين لتلك الحملة التي قام بها بيير لدخول المجمع العلمي :" كان بيير يشعر بالخجل برغم عنه كلما اضطر الى تلك الأشياء الحقيرة مثل ارتقاء السلالم ودق الاجراس ثم دخول المنازل لكي يشرح السبب في حضوره . ولكن مما يزيد الطين بله ، أنه كان مضطرا لأن يتحدث عن نفسه وعن تفوقه وأن يتباهى بعلمه واكتشافاته . ولما كان كل ذلك يبدو له محنة وعذابا ، فقد كان يعظم من شأنه خصمه ويمدحه بإسهاب و إخلاص قائلا :ان مسيو أماجا لديه مؤهلات أفضل منه شخصيا ، أي بيير نفسه ، للدخول الى المجمع العلمي ، وانتخب المجمع مسيو أماجا !

دلوعة البصريات
20-08-2006, 20:17
درس ...للصحفيين !
كان "بيير كوري "بارعا في محاولاته للهروب من الشهرة , وكذلك كانت ماري . وكانت وسيلتها البسيطة للتخفي هي أن لا تلجأ للتخفي ! فلم يكن أحد يظن أبدا من النظرة الأولى لهذه السيدة الريفية الشابة وهي في رداءها الأسود المتواضع , أنها هي نفسها العالمة الشهيرة الحائزة على جائزة "نوبل " . وذات يوم كان أحد مراسلي الصحف الأمريكية يتتبع آثار "الكوريين " بحماس, وسمع أنهما يقضيان اجازتهما في احدى قرى الصيادين . وعندما وصل الى القرية سأل عن الطريق الى كوخهما . وعند الكوخ وجد سيدة شابة تجلس حافية القدمين على عتبة الباب فسألها :
-هل أنت مديرة هذا المسكن ؟
- أجل .
- هل السيدة موجودة في المنزل .
- كلا .أنها بالخارج .
- هل تنتظرين رجوعها قريبا ؟
- لا أظن ذلك .
وعندئذ جلس المراسل الفضولي المراسل الفضولي , كعادة الصحفيين , على عتبة الباب بجوارها وقال لها : " هل يمكنك أن تخبريني عن أي شيئ من أمورها الخاصة ؟ "فأجابت " ماري ": لا شيئ عندي الا رسالة واحدة طلبت مني مدام كوري أن أنقلها الى مراسلي الصحف , وهي أن تقللوا من فضولكم بحثا عن أخبار الناس وأ، تتطلعوا الى ما هو أجدى ".
عضو .. رغم أنفه !
وأصبح بيير برغم أنفه عضوا آخر الأمر في المجمع العلمي بدون أن يرغب في الانضمام اليه وبدون أن يرغب المجمع في ضمه اليه !.
وبعد عدة اجتماعات , أدرك بيير عدم وجود جدوى حقيقية للمجمع العلمي . وفي ذلك كتب يقول : " انني لم أكتشف بعد ما هو الغرض من وجود مثل ذلك المجمع !" . ومع ذلك فقد كان المجمع السبب في تحقيق حلم " الكوريين " الكبير , فقد مكن بيير في الحصول على منصب في السوربون , ومع المنصب كان الحلم , أي المعمل الذي طالما بحثا عنه .

الكارثة ...!
يبدو أن النعمة لا تتم وأن الفرحة لا تدوم, لم هذا التشاؤم ؟ انه ليس تشاؤم ولكنه تقرير واقع . فاذا سرتك الدنيا يوما أهمتك أياما . واذا أضحكتك ساعة أبكتك ساعات !. فبعد أن حقق بيير وزوجته كثيرا من الانتصارات العلمية وحصلا على حلم حياتهما كان القدر يدبر لهما أمرا . ففي صباح ممطر خبأ ضوء الشمس فيه من أيام ابريل عام 1906م , خرج بيير من بيته ليذهب الى ناشر كتبه وكان هذا هو الخروج الأخير . اذ بعد ساعات قليلة أعادوه الى ماري جثة هامدة . فقد زلت قدمه وسقط على أرض الشارع الرطبة فداسته عربة نقل ثقيلة . يا لها من كارثة مروعة ... لقد انتهت سعادة ماري ...أصبح فؤادها فارغا أبيضت عيناهامن الحزن . لقد أصبحت أرملة ولكن ليست ككل الأرامل . فلم يكن الفقيد الغالي مجرد زوج فحسب , ولكنه كان الصديق والمحب والشريك في البيت والعمل معا .أجل لقد انتهت سعادة ماري , ولكن لحسن الحظ ان عملها لم ينته هو الآخر . وها هو عرض مغر يقدم لها لتكون أستاذة في السوربون وتحل محل زوجها في منصبه . انه حقا عرض مغر ولكنه لم تكن تتمناه أبدا . على أية حال لعل في المنصب الجديد بعض العزاء لتلك الأرملة الثكلى . وكانت هي بالعل أول مرة في التاريخ الفرنسي يمنح فيها منصب في التعليم العالي لأحدى السيدات , وأخذت تواصل تحقيق الرسالة بعدما تسلمت الراية في معمل بيير الجديد الذي أصبحت من الآن مديرته .
رثاء ..!
وتمر خطى الزمن بطيئة متثاقلة , وماري توزع عملها بين رعاية أطفالها واجراء ابحاثها . ولكن هل ينسى الفؤاد الحبيب الراحل !؟ بالقطع لا ينساه فهذه ماري تكتب كل ليلة وقبل أن تأوي الى فراشها بيانا عن أدق أفكارها الباطنة للعزيز بيير وكأنها تناجي شخصا على قيد الحياة لا يزال!
"لقد عرضوا علي يا حبيبي أن أخلفك في منصبك وأن أقوم بتدريس منهجك وادارة معملك .وقد قبلت ذلك وأنا لا أدري ما اذا كان ذلك أمرا حسنا أو سيئا " "عزيزي بيير: انني لا أكف عن التفكير فيك ويكاد رأسي ينفجر في ذلك . انني لا أعرف كيف قدر علي أن أعيش من الآن فصاعدا من غيرك " ."أيها الحبيب الراحل . انني لا أحب الآن رؤية الشمس أو الأزهار , لأن رؤيتها تجعلني أتعذب ولكنني أشعر أنني أفضل حالا في الأيام المعتمة التي تشبه يوم فقدك . واذا كنت لم أتعلم بعد أن أكره الجو الصحو , فذلك لأن أطفالي بحاجة اليه " .
كانت هذه بعض نبضات قلب ..أنات قلب وألم فؤاد فارغ أضناه الفراغ .قلب ذاق مرارة الوحدة وعقرته وحشة الطريق ولفحته نار الحرمان .
من لم يمت بالسل ..مات بغيره !
حكمة سمعناها , ترددت أصدائها في جوف الزمان , "من لم يمت بالسيف مات بغيره , تعددت الأسباب والموت واحد " .وكان والد مانيا .أقصد مدام كوري لا يريد أن يصرعها السل كما صرع أمها من قبل . ولكن –كما قلنا –من لم يمت بالسل مات بغيره . اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى واستعر أوارها , ووجدت مدام كوري أن من أوجب واجباتها المساهمة في تخفيف الآم المصابين , ومن ثم نظمت عددا من وحدات الأشعة السينية لعلاج الجنود الجرحى وأشرفت بنفسها عليها .وأخذت تقوم بالرحلات على طول البلاد وعرضها كملاك للرحمة ذي وجه أبيض جميل وأصابع متألمة متآكلة بفعل الأحماض. وعلى الرغم من تعبها وألمها وحزنها , فانها كانت مستعدة دوما للترفيه عن الجرحى بابتسامتها المشجعة ولمستها الحانية وكلماتها الرقيقة ونظرتها المتفائلة .وكان الذعر يصيب الجنود عندما يرون جهاز الأشعة السينية المخيف ويسألون:" هل يسبب ألما ؟"وكان جوابها الذي لا يتغير هو "أبدا ..مطلقا ..ان الأمر ليشبه التقاط صور لكم ".ووضعت الحرب أوزارها , وعادت مرة أخرى الى الرحلات ومظاهر التكريم والمقابلات والأوسمة والمحاضرات والمآدب .كما عادت الى السعي والكدح والأحزان .النهاية تقترب ..تقترب"آه..كم أحس بالتعب "صرخة أطلقتها مدام كوري عندما رجعت من عملها ذات يوم وبعدها لم تستطع مغادرة فراشها .وحار الأطباء في تشخيص الداء .فمن قائل انه انفلونزا ,بينما رأى آخر انه درن ,أما ثالثهم فقد أكد أنه فقر دم خبيث .ولكنه في الحقيقة لم يكن واحدا من هذه الأمراض انه "التسمم الراديومي "الذي لم يتمكن الأطباء معرفة كنهه الا بعد وفاتها .فقد حدث تحلل تدريجي للأعضاء الحيوية في جسم مدام كوري نتيجة لتعرضها للاشعاع الشديد طوال حياتها .أجل لقد أحبت مدام كوري عملها في ميدان الراديوم المشع ,وكان هذا الحب نفسه هو الحب القاتل!.

الفيزيائي المسلم
20-08-2006, 21:53
بارك الله فيك

ناصر اللحياني
21-08-2006, 00:15
بارك الله فيك

وجزيت خيرا

خلف الجميلي
21-08-2006, 01:05
بارك الله فيك

ياسمين
21-08-2006, 20:40
جـــزيت خيرا،،،،، وزادك الله علما......