ربانة
25-05-2012, 12:54
.
بقلم / أماني الغانمي .. ربانة
(1)
جدّي مُدَّنِي يدَيّك , وامسح بها على رأسي , اليتيم منك,
هي فوزٌ أعظم من جائزة نوبل
والسلام وأوسكار وكل الجوائز القديمة والحديثة وما سيخترعون .
هي مسحةٌ طبيةٌ فوق جُرحٍ ملوثٍ ؛أنا ,
هي شربةُ زمزمٍ باردٍ , يتلهف عليها عَطِشٌ؛ أنا .
هي ريحة الليمون ... في أنفي .
جدي مُدَّنِي يدَّيكَ..
ولا تكترث , لن أطيل .. ثواني حتى أستعيد الجهات ,
أشمها وأقبل ظهرها ,
ولاتنسَ أن تمسح على رأسي بها؛ فالحياة بعدك
لوثتْ صدري حتى صار فيه بئرٌ أسود ؛ كل الذي ينضحه سميكٌ ومعتم !
مدني بها حتى أهزم كل هذه الهزيمة التي طوقتني ,
ثم إن شئتَ ــــــــ بعدها ــــ إقبضها .
(2)
جدي ؛ بيني وبينك سوى قناةُ الماء ,
قناةُ الذكريات
والأيام القديمة,
قناةُ تنشر قصص الشتاء ,والعباءة الصوف ــ عباءتك ــ الــ تطوف بها على أجسادنا الصغيرة ؛أحفادك .
جدي ؛ هذا الماءُ ــــ لا بدَ يوماً ــــ قد خُلط بقهوتك ,
وأنت تعبر من هنا , أو من هناك ,
لابد أنك كببت خُلاصتها فيه ,
لابد أن الماء قد احمرتْ وجنتيه من طينة
وخشونة يديك ؛ كالنساء الخجلى من اطراء الرجال الرجال !
جدي؛ بيني وبينك سوى قناةُ الماء ,
وسأطوي زوارقا ورقا فيها ؛ فيها حزني , فيها موتي يوم أن رحلتَ ,
فيها نحيبنا بناتك , فيها كل الذي كان ,
سأطوي زوارقا ..زوارقا ,
وأهشها على صفحة الماء , سأكتب فيها ؛
أنّه لابد
ويستجيب الماء ويلمنا من أطرافنا إلى أطرافنا ويقرب بيننا كل الجسور .
(3)
تحدثُ الهزاتُ في البورصة من شيءٍ يمس النفط ولو شائعة عابرة ؛ وأنت كنت النفط الذي نفذ فخسرنا , خسرنا خسارة لا يمكن أن تُعوض.
الأبواب عدوة , صرتُ لا آبه إلا للباب , الباب الذي لطالما انفتح وخرجت علينا منه , بعد انتهاء كل صلاة تأتينا ملبساً بوضاءة وبسمة لايمكن لأحدٍ أعرفه اتقان مثلها , وعينان ملؤهما بردا وسلاما .جدي كيف حالك وأنت بين الجنادل ؟ والله تعب قلبي الأسبوع المنصرم بعد اشتداد البرد , تسألت بل إعتصر ألمٌ قلبي جراء سؤالٍ مفادهُ " أتشعر بالبرد وأنت ياحبيبي في العراء ؟!"
أقسم بالله وأنا أكتب ـ الآن ـ هذا الكلام شعرتُ بنفس الرعدةِ
وكيف أني لم أساعدك في لحافك لتدرء هذا البرد !
يالا هذا الرحيلُ من هولٍ , يذهل بي ؟!
بعد رحيلك يا جدي ؛أودُ لو أني أسكن خارجَ المجرةِ ذي ,صارت كلُ الأمكنةِ تعبٌ ؛و موبوءةٌ بجرثومةِ ذكرى تقتلني بك .
جدي والله إني أشتاقك ,أشتاقك . يا جدي ؛ الدارُ , الطريقُ , شجرُ الليمونِ , ماكِنةُ البئرِ في مزرعتِك , سيارتُك , بابُك وقتُ الفجرِ ؛
كلها توقفتْ لم تعد تترجم سَكَنَةً أو حركةً لكَ .
(4)
إنها لإحدى الكُبر, وقنوطٌ عقيمٌ يمرُ بلأسئلةِ !
اليأس أبوها وأمها ؛ أن لاتثبتَ أقدامهم على الأرضِ السويةِ دونك ؛ وزر غيابك , جعلها تنفي استواء وقفتهم , و كون الأرض ليست خصبةً ـــ كفاية ــ بأنفاسك ؛ فلن تصلُح ــ ولو رغِموا ــ حرثاً لذكرى!
كيف الخلوص لسبيلك أيها الراكض عبرهم ؟ كيف لهم أن يحفظوا وجهك دون أن يخطئوا لون عينيك؟ توقّف ــ بالله عليك ــ توقّف ودعهم يتأملوك !
فلا محالة أن تموت سوقهم , المصفرة , الذابلةُ , حد أن تهتشُها الريحُ , فتذرُها دقيقاً, ولن يتبقَ منها بعد حينٍ أيُ أثر!
ولكنّ كلُ شيءٍ يصيرُ بدلاً ؛ إن جئتَ !
ريحُك الطيبة الـــ تهب عبر الأبوابِ مع كل ذاكرةٍ تنزف, تفعل الأفاعيل , وتنقلبُ بكَ حدود المكان أنّى وجدتَ , وأما عدمكَ هو فقدان وجوههم؛ فالمرآيا لاتكذب , وجودك في قلوبهم لا يعكس شيئا يروه ! يلقطوا قشتك من بين تراب ذاكرتهم فلا ينالوا إلا الخسارة .
أوَ لا زلتَ تحمل أباريق الماء المعطر بزهر قلبك ,لتنضحه على حلم نائم , يتّثاقلُ إلى الأرض , نسي أن يصحو . أما تعبتَ يوماً من كل هذا الحِمل ؟!
من بمثل صبحك ــــ لهم ــــ تتيقظ الأنحاء فيه عصافير وبلابل ؟!
والوصيةُ , موعظةٌ, ضعيفةٌ , لاتملك قوة الشر !
وصيتك , لا تكفي ,
لاتكفي , أن تمرر حماقة الحياة فوق حياتهم المبتلةُ بكَ.
حنونٌ أنت,قدر حنان الشمس وقت العصرِ, و رغم طبعك الحار , لا تمسّهُم بسوء !
بعدما رحلتَ ؛ بقيتْ أثرةٌ في قلوبهم منك , يلا لزوجة بطانة روحك ؟! تعّنُ في آفاقهم كالدهان الأحمر , يخيلُ لهم دما يمثل جريمة الطريق حينما اغتالك وأزاحك عنه !
لن يزدردوا إلا خيبة إن تذكروك , كنت دوما ما تملء المصابيح لهم زيتا لضوءٍ ، لايقطع ، يمشي بهم وسط الأحراش فلا يوجلوا !
وأنا أعرف حقيقة صحبتك معهم ! فقلوبهم كقلبك , لاتحب أن تكتشف قطعاً , تحب أن تمر بعفويتك في الحياة دون أدنى مفاصلة مع التحريات اتجاه أي مرور لعابر بك ؛ كل ما تفعله تبحث عن ملامحك وسط قلوبهم , كالطيور التي تقع على أشباهها , ثم تأخذ بأيديهم , وهم لم يمنعونك يدا , كأنك تسحرهم بطريقة ما ! وتهديهم تجربتك خوف أن يضلوا الطريق ,
يالك من طيب حنون!
قلبك ؛ ميدان يلعب الأطفال في أسواره , أبيضاً كالقطن .
وروحك تمنع الشوكَ شوكه , فتزهر زهراً معطرا , أخالك تستجلبُ تربةً من "هولندا" , وماءً عذبا من" الريف الفرنسي " حتى صار صدرك كل هذا المشتلُ , الأخضرُ , المذهلُ , يروق للكثيرين أن يتنعموا بجمالٍ تفننتَ في تذويقه.
كرمك جبال ألب تتحدرُ منها شلالاتٌ عملاقة عقب كل هطول مطريٍ , تروي كل هؤلاء وأنتَ عطِشٌ ؟!
تروي هؤلاء ذوي الأسنان الحادة والأنياب الناهشة , فتعود نازفاً من النهش !
لكنك رغم هذا لاتلوثك بلحم أحدهم قط !
الحلاج نفهم شطحاته ولكنّ تأثيره في العقول قد أذهلني , أظنك تستبقي بعض السر خلف باب قلبك , كالذي عرفه , فقد كنت نوعا من الحكماء النادرين حكمة , المؤثرين اتساعا , رقيّتَ كل هؤلاء الذين تسلقوك , لصياغةٍ مكينة بها عوالم لاتفهم قصة المكر وألاعيب الثعالب !
كل هؤلاء الذين تجاوزت بهم قنطرة الخبث كيف لك أن تفعل وتحملهم جملةً واحدة ؟!
كبروا وصاروا يحلمون بإتساعٍ , وحلمك مات معك , كبروا بك و لم تعد منحنيات ذراعي أمهاتهم تحوز أحلامهم .
حلمك وحده اندثر؛
فبقيت بلا قدمٍ تسرح كالسحاب في قلوبهم المتعبة بك .
.
بقلم / أماني الغانمي .. ربانة
(1)
جدّي مُدَّنِي يدَيّك , وامسح بها على رأسي , اليتيم منك,
هي فوزٌ أعظم من جائزة نوبل
والسلام وأوسكار وكل الجوائز القديمة والحديثة وما سيخترعون .
هي مسحةٌ طبيةٌ فوق جُرحٍ ملوثٍ ؛أنا ,
هي شربةُ زمزمٍ باردٍ , يتلهف عليها عَطِشٌ؛ أنا .
هي ريحة الليمون ... في أنفي .
جدي مُدَّنِي يدَّيكَ..
ولا تكترث , لن أطيل .. ثواني حتى أستعيد الجهات ,
أشمها وأقبل ظهرها ,
ولاتنسَ أن تمسح على رأسي بها؛ فالحياة بعدك
لوثتْ صدري حتى صار فيه بئرٌ أسود ؛ كل الذي ينضحه سميكٌ ومعتم !
مدني بها حتى أهزم كل هذه الهزيمة التي طوقتني ,
ثم إن شئتَ ــــــــ بعدها ــــ إقبضها .
(2)
جدي ؛ بيني وبينك سوى قناةُ الماء ,
قناةُ الذكريات
والأيام القديمة,
قناةُ تنشر قصص الشتاء ,والعباءة الصوف ــ عباءتك ــ الــ تطوف بها على أجسادنا الصغيرة ؛أحفادك .
جدي ؛ هذا الماءُ ــــ لا بدَ يوماً ــــ قد خُلط بقهوتك ,
وأنت تعبر من هنا , أو من هناك ,
لابد أنك كببت خُلاصتها فيه ,
لابد أن الماء قد احمرتْ وجنتيه من طينة
وخشونة يديك ؛ كالنساء الخجلى من اطراء الرجال الرجال !
جدي؛ بيني وبينك سوى قناةُ الماء ,
وسأطوي زوارقا ورقا فيها ؛ فيها حزني , فيها موتي يوم أن رحلتَ ,
فيها نحيبنا بناتك , فيها كل الذي كان ,
سأطوي زوارقا ..زوارقا ,
وأهشها على صفحة الماء , سأكتب فيها ؛
أنّه لابد
ويستجيب الماء ويلمنا من أطرافنا إلى أطرافنا ويقرب بيننا كل الجسور .
(3)
تحدثُ الهزاتُ في البورصة من شيءٍ يمس النفط ولو شائعة عابرة ؛ وأنت كنت النفط الذي نفذ فخسرنا , خسرنا خسارة لا يمكن أن تُعوض.
الأبواب عدوة , صرتُ لا آبه إلا للباب , الباب الذي لطالما انفتح وخرجت علينا منه , بعد انتهاء كل صلاة تأتينا ملبساً بوضاءة وبسمة لايمكن لأحدٍ أعرفه اتقان مثلها , وعينان ملؤهما بردا وسلاما .جدي كيف حالك وأنت بين الجنادل ؟ والله تعب قلبي الأسبوع المنصرم بعد اشتداد البرد , تسألت بل إعتصر ألمٌ قلبي جراء سؤالٍ مفادهُ " أتشعر بالبرد وأنت ياحبيبي في العراء ؟!"
أقسم بالله وأنا أكتب ـ الآن ـ هذا الكلام شعرتُ بنفس الرعدةِ
وكيف أني لم أساعدك في لحافك لتدرء هذا البرد !
يالا هذا الرحيلُ من هولٍ , يذهل بي ؟!
بعد رحيلك يا جدي ؛أودُ لو أني أسكن خارجَ المجرةِ ذي ,صارت كلُ الأمكنةِ تعبٌ ؛و موبوءةٌ بجرثومةِ ذكرى تقتلني بك .
جدي والله إني أشتاقك ,أشتاقك . يا جدي ؛ الدارُ , الطريقُ , شجرُ الليمونِ , ماكِنةُ البئرِ في مزرعتِك , سيارتُك , بابُك وقتُ الفجرِ ؛
كلها توقفتْ لم تعد تترجم سَكَنَةً أو حركةً لكَ .
(4)
إنها لإحدى الكُبر, وقنوطٌ عقيمٌ يمرُ بلأسئلةِ !
اليأس أبوها وأمها ؛ أن لاتثبتَ أقدامهم على الأرضِ السويةِ دونك ؛ وزر غيابك , جعلها تنفي استواء وقفتهم , و كون الأرض ليست خصبةً ـــ كفاية ــ بأنفاسك ؛ فلن تصلُح ــ ولو رغِموا ــ حرثاً لذكرى!
كيف الخلوص لسبيلك أيها الراكض عبرهم ؟ كيف لهم أن يحفظوا وجهك دون أن يخطئوا لون عينيك؟ توقّف ــ بالله عليك ــ توقّف ودعهم يتأملوك !
فلا محالة أن تموت سوقهم , المصفرة , الذابلةُ , حد أن تهتشُها الريحُ , فتذرُها دقيقاً, ولن يتبقَ منها بعد حينٍ أيُ أثر!
ولكنّ كلُ شيءٍ يصيرُ بدلاً ؛ إن جئتَ !
ريحُك الطيبة الـــ تهب عبر الأبوابِ مع كل ذاكرةٍ تنزف, تفعل الأفاعيل , وتنقلبُ بكَ حدود المكان أنّى وجدتَ , وأما عدمكَ هو فقدان وجوههم؛ فالمرآيا لاتكذب , وجودك في قلوبهم لا يعكس شيئا يروه ! يلقطوا قشتك من بين تراب ذاكرتهم فلا ينالوا إلا الخسارة .
أوَ لا زلتَ تحمل أباريق الماء المعطر بزهر قلبك ,لتنضحه على حلم نائم , يتّثاقلُ إلى الأرض , نسي أن يصحو . أما تعبتَ يوماً من كل هذا الحِمل ؟!
من بمثل صبحك ــــ لهم ــــ تتيقظ الأنحاء فيه عصافير وبلابل ؟!
والوصيةُ , موعظةٌ, ضعيفةٌ , لاتملك قوة الشر !
وصيتك , لا تكفي ,
لاتكفي , أن تمرر حماقة الحياة فوق حياتهم المبتلةُ بكَ.
حنونٌ أنت,قدر حنان الشمس وقت العصرِ, و رغم طبعك الحار , لا تمسّهُم بسوء !
بعدما رحلتَ ؛ بقيتْ أثرةٌ في قلوبهم منك , يلا لزوجة بطانة روحك ؟! تعّنُ في آفاقهم كالدهان الأحمر , يخيلُ لهم دما يمثل جريمة الطريق حينما اغتالك وأزاحك عنه !
لن يزدردوا إلا خيبة إن تذكروك , كنت دوما ما تملء المصابيح لهم زيتا لضوءٍ ، لايقطع ، يمشي بهم وسط الأحراش فلا يوجلوا !
وأنا أعرف حقيقة صحبتك معهم ! فقلوبهم كقلبك , لاتحب أن تكتشف قطعاً , تحب أن تمر بعفويتك في الحياة دون أدنى مفاصلة مع التحريات اتجاه أي مرور لعابر بك ؛ كل ما تفعله تبحث عن ملامحك وسط قلوبهم , كالطيور التي تقع على أشباهها , ثم تأخذ بأيديهم , وهم لم يمنعونك يدا , كأنك تسحرهم بطريقة ما ! وتهديهم تجربتك خوف أن يضلوا الطريق ,
يالك من طيب حنون!
قلبك ؛ ميدان يلعب الأطفال في أسواره , أبيضاً كالقطن .
وروحك تمنع الشوكَ شوكه , فتزهر زهراً معطرا , أخالك تستجلبُ تربةً من "هولندا" , وماءً عذبا من" الريف الفرنسي " حتى صار صدرك كل هذا المشتلُ , الأخضرُ , المذهلُ , يروق للكثيرين أن يتنعموا بجمالٍ تفننتَ في تذويقه.
كرمك جبال ألب تتحدرُ منها شلالاتٌ عملاقة عقب كل هطول مطريٍ , تروي كل هؤلاء وأنتَ عطِشٌ ؟!
تروي هؤلاء ذوي الأسنان الحادة والأنياب الناهشة , فتعود نازفاً من النهش !
لكنك رغم هذا لاتلوثك بلحم أحدهم قط !
الحلاج نفهم شطحاته ولكنّ تأثيره في العقول قد أذهلني , أظنك تستبقي بعض السر خلف باب قلبك , كالذي عرفه , فقد كنت نوعا من الحكماء النادرين حكمة , المؤثرين اتساعا , رقيّتَ كل هؤلاء الذين تسلقوك , لصياغةٍ مكينة بها عوالم لاتفهم قصة المكر وألاعيب الثعالب !
كل هؤلاء الذين تجاوزت بهم قنطرة الخبث كيف لك أن تفعل وتحملهم جملةً واحدة ؟!
كبروا وصاروا يحلمون بإتساعٍ , وحلمك مات معك , كبروا بك و لم تعد منحنيات ذراعي أمهاتهم تحوز أحلامهم .
حلمك وحده اندثر؛
فبقيت بلا قدمٍ تسرح كالسحاب في قلوبهم المتعبة بك .
.