تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : «داعش».. استحضار المغول


فراج
06-02-2015, 02:57
«داعش».. استحضار المغول
بقلم: محمد محبوب
من الظلم أن نشبه عصابات "داعش" بالخوارج، فهم ربما يلتقون مع الخوارج في منحاهم التكفيري لكن الخوارج لم يرتكبوا جرائم إبادة جماعية بشعة على نطاق واسع كما تفعل "داعش"، والواقع هو ان هنالك تماثلا كبيرا بين الغزو الداعشي والغزو المغولي من ناحية الجرائم البشعة التي تقشعر لها الأبدان وتشيب لها الولدان، وهذا أبن الأثير يصف حالته في الكتابة عن الغزو المغولي (لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم إليها رجلاً وأؤخر أخرى، فمَن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين، ومَن الذي يهون عليه ذكر ذلك، فيا ليت أمي لم تلدني، يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا، إلا أني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ذلك لا يجدي نفعاً).
من الواضح ان أسلوب الغزو الداعشي يسير على خطى الغزو المغولي في أساليب الدعاية والحرب النفسية، فكان المغول يقتلون بطريقة بربرية آلاف الضحايا في المدينة التي يحتلونها كي تصل الأخبار إلى المدن الأخرى بشأن فظاعة الغزاة، ولهذا هرب الكثيرون من بيوتهم ولجأوا الى مناطق أكثر أمنا، ولدينا أحد الأمثلة الدالة على بشاعة الغزو المغولي لأقاليم المشرق في صورة ياقوت الحموي، فعندما وصلت إليه أخبار التوسعات المغولية لجأ إلى مغادرة "مرو" ثم هرب الى بلاد الشام فرارا من مصير دموي كان من الممكن أن ينتظره، وعند احتلال بغداد تم تخريب أكثر الأبنية والجوامع والمدارس والمراقد، وقد قدر بعض المؤرخين عدد الضحايا بالمليون، وكانوا يذبحون الناس كما يذبحون الشاة، تماماً كما تفعل عصابات "داعش" اليوم، ولم يعد في بغداد إلا القتلى في الطرقات كأنها التلول كما وصفها ابن كثير، أضف إلى ذلك طريقة تدريب الجيش المغولي وفق منهج خاص يعرف بطريقة (موغداي) وتعني (حب الموت)، وهو منهج لا يختلف كثيراً عن الأسلوب الانتحاري الذي تتبعه عصابات "داعش".
إن جرائم ابادة جماعية مثل ما حدث في سبايكر وغيرها تمثل تقليداً لجرائم الغزو المغولي من ناحية محاولة نشر الرعب من خلال فظاعة الغزاة، فقد ذبح المغول غالبية سكان مدينة "نيسابور" ولإظهار بشاعة المشهد قطعوا رؤوس الضحايا وعملوا منها ثلاثة أهرامات، هرم لرؤوس الرجال، وهرم لرؤوس النساء، وثالث لرؤوس الأطفال، فحتى الأطفال لم يبقوا على حياتهم، وهناك عبارة فارسية أوردتها المصادر عن أحد الرجال الذين فروا من مذابح المغول فقال: "لقد قدموا وذبحوا ونهبوا ثم انصرفوا" وهي تدل على الكارثة بعبارة موجزة، وتظهر لنا أن أهم ما يميز الغزو المغولي لتلك المدن الدمار والخراب والدماء.
أما المدن التي لم تتعرض لغارات المغول، فقد كانت تواجه موقفاً بالغ الخطورة والسبب أنها كانت تخشى أن تواجه موقف المدن السابقة، فهل تستسلم أم تواجه، على الرغم من أن مواجهة المغول لم تكن عملية سهلة في ظل غياب التكافؤ، وهذا يبين لنا كيف أن المغول كانوا يستعملون سلاحاً خطيراً وهو "الحرب النفسية"، فكان الناجون من كل مدينة يذهبون للمدن الأخرى الآمنة كي يرووا قصص المذابح الدموية، وبالتالي استسلمت بعض الجيوش للمغول من دون مقاومة بسبب الحرب النفسية قبل الهزيمة العسكرية.
لقد تعرضت البلدان خلال الغزو المغولي إلى أهوال شديدة وفظائع مزلزلة وتفنن المغول في ابتكار طرق القتل البشعة، فذبحوا الناس جميعاً،لا فرق بين طفل وامرأة وشيخ،وكان الجنود المغول يذبحون الطفل أمام والديه وقد اغتصبوا النساء أمام الرجال، وهذه الفظائع لم تعرف الإنسانية مثلها في تاريخها الطويل، وقام بها أناس لا تعرف قلوبهم رأفة ولا رحمة ولا تلين لبكاء أو استعطاف، وكانوا يعمدون دائماً الى تسريب ناجين بطريقة أو بأخرى وغض النظر عن هروبهم الى مدن وقرى أخرى بهدف نشر الرعب بين العسكر والمدنيين من فظاعة جرائم الغزو المغولي.
وإذا ما تتبعنا الجرائم التي ترتكبها عصابات "داعش" اليوم فاننا نجد بأنها تقلد الى حد كبير الغزو المغولي في أساليب الحرب النفسية. بالطبع "داعش" تستخدم تقنيات العصر في الحرب النفسية ولا تعتمد فقط على ما يرويه الناجون من فظاعات، وقد تحدث خبراء ومحللون أخيرا إلى أن (قوة داعش) لا تكمن بأي حال من الاحوال بقدراتها العسكرية أو بتكتيكاتها الستراتيجية على أرض المعارك كما يتصور البعض، ولكن "داعش" تعتمد على التباهى الفج بجرائمها عبر مواقع الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعى، وهذا الجهد المنظم والمكرس لتصوير التنظيم على أنه يشبه الى حد كبير الغزو المغولي في وحشيته المفرطة، جعلته لا يكتسب فقط سمعة التنظيم الذي لا يقهر أمام الجيوش التقليدية، ولكن منحته أيضا القدرة على كسب عقول وقلوب فئات من شباب الشرق الذين يستهويهم الانضمام إلى الفئة الغالبة فى صراع عالمي وأيديولوجي كما يحاول التنظيم تصويره، وهو ما دفع المحلل الأميركي البارز ديفيد بروكس فى مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز"، الى ان يصف ذلك بأنه نقطة تحول غامضة فى أعراف وقواعد السلوك البشري، وأن يصف ما تقوم به "داعش" ومريدوها عبر الشبكة الإلكترونية بأنه لعب ضد قواعد الحضارة الإنسانية.
العراق وسوريا وكل العالم الحر بحاجة الى استيعاب درس الغزو المغولي في مواجهة تنظيم "داعش"، فهذا هو الوجه الأول لمعادلة دحر التنظيم، أما الوجه الثاني فهو يتمثل في فهم المنهج المملوكي في كسب المعركة ضد الغزو المغولي في عين جالوت، فنحن نحتاج الى جيش عقائدي قوي يؤمن بنفسه وبقدراته الذاتية ويتبنى عقيدة التضحية بالنفس وقد لمسنا كيف استطاعت قوات الحشد الشعبي من دحر عصابات "داعش" في آمرلي ومعارك كثيرة أخرى حدثت في شرق وشمال البلاد.
إذا نجحنا في فهم العدو فاننا نكون قد كسبنا نصف المعركة أو ربما كلها لا سيما وان هذا العدو يعتمد بصورة أساسية على الحرب النفسية في مهاجمة واحتلال المدن والأراضي، بل أن عصابات "داعش" احتلت مدينة الموصل بأسلوب الحرب النفسية ولم تدخل في أية مواجهة عسكرية.
للأسف اننا نجد وسائل اعلام عربية وغربية تساعد كثيراً في نشر رسائل عن (رعب داعش) بعضها بصورة قصدية والبعض الآخر لكسب القارئ عن طريق الإثارة، الأمر الذي يساعد على التقليل من معنويات القوات الأمنية والسكان المدنيين، بينما لا نجد الا القليل من الأخبار والتقارير عن بطولات القوات الأمنية والسكان المدنيين في دحر عصابات "داعش" وعن الحالة المخزية لبعض أسرى "داعش"، وهي حالة تدحض الصورة المبالغ فيها التي ينشرها الاعلام عن بسالة مقاتلي "داعش .
في الرابط التالي :
http://www.imn.iq/articles/view.2226/