ملتقى الفيزيائيين العرب

ملتقى الفيزيائيين العرب (http://www.phys4arab.net/vb/index.php)
-   منتدى الفيزياء الكونية. (http://www.phys4arab.net/vb/forumdisplay.php?f=8)
-   -   مدخل في الفيزياء الكونية (http://www.phys4arab.net/vb/showthread.php?t=19865)

idrissi528 01-12-2007 19:08

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
أخي الكريم / منير قيش
أنا أعارضك في ماقلت حيث
اقتباس:

معرفة أصل الكون
يعنيك كثيرا أخي الإنسان أن تقرأ أو تسمع شيئا عن الكون، أصله وتركيبه...فإليك كيف أراه أنا من وجهة نظري.
يعتبر الكون بالنسبة للعقل البشري كل متماسك من الأجزاء، ليس أزلي وإنما محدث يتواجد ضمن مجال مفتوح لا حد له ولا نهاية، ميزته الوحيدة الممكن معرفتها هي الأبدية التي يفتقر لها الكون وما فيه، وهذا المجال المفتوح هو الوجود، نقيض العدم، ممتد في كل الفضاء اللانهائي وبدونه لا يمكن وجود أي موجود وأن كل الموجودات التي هي فيه إنما هي منه وإليه.
إن ذات الوجود الأزلي(الله) غير قابلة للوصف لأن الوصف لا يتم إلا بإسقاط أو تشبيه الشيء المراد وصفه بشيء آخر معروف ومألوف لدى الشخص السائل، وحسب ما هو معروف أن الأشياء التي لم يسبق لنا رؤيتها أو لمسها يصعب علينا تخيلها أو بالأحرى التحدث عنها إضافة إلى أننا نعيش في عالم كله من الذرات لأن بين كل ما هو موجود في الكون يوجد قاسم مشترك وحيد هو الذرة ممـا يعني أن عــالمـنا هو عــالم النواة و الإليكترون، والأشياء تتميز لنا فيه عن بعضها البعض باختلاف تركيباتها. أما عالم الوجود الأبدي فليس فيه ذرات لأنه ببساطة لو كانت فيه مثل هذه الأشياء لكان فانيا (لأن الذرات تفنى) وما لا يقبل الفناء يملك القوة على الوجود دائما ما دامت قوته لا تنحصر في مكان محدد أو زمان محدود الأمد، ولما كان في الكون كل شيء يموت ويفنى فلقد ترتب على ذلك أن يكون لوجوده ابتداء وظهوره لم يكن مستقلا عن ذات الوجود الدائم الذي هو الله بل جاء منه وسيبقى فيه. وبمشيئته انطلقت نشأته ومن ذاته الممثلة للوجود جاء كل شيء. ومما لا شك فيه أن جوهر الأشياء له ارتباط شديد بهذه الذات وبالتالي يكون هذا الجوهر هو مادة الكون، مثلما نقول عن الخشب مادة السبورة، فهو صلة الوصل بين الصانع والمصنوع بمعنى أنه الوسيلة التي سخرها الله من ذاته لصنع الكون ما دام هو منه، ولا يصح أن نقول أن الجوهر مادة الله لأن ليست لله مادة يمكن للعقل البشري تصورها، وإنما أعني بالجوهر هنا أصل السلسلة السببية الكامن وراء كل الأشياء الموجودة ومدعوم بقوة الله.
إن الكون مجبر على أن يسير على نظام لا بد منه ولا شيء فيه يحدث قبل أوانه وتبعا لذلك، فإن كل ما يحدث فيه إنما هو إلا نتيجة آلية لقوانين مختلفة وجد منسقة تعمل كلها تحت نظام القانون العام الذي وضعه الخالق منذ أول وهلة. ولصنع كون مثل كوننا لا يكلف ذلك من الله شيء فيكفيه أن يشاء ما دام هو منبع القوانين كلها. ولو حصل أن توصل العقل البشري إلى معرفة كل القوانين التي تحكم الكون فذلك لا يعني أن المعرفة البشرية قد بلغت الكمال فمهما وصلت من مستويات عالية ومهما توسعت فلن تتجاوز مجال الكون الصغير المهمل حجمه بالمقارنة مع أبدية مجال الله.
وتحتاج معرفة الكون ككل إلى معرفة الجزء منه معرفة دقيقة وكما سبق ذكره فبين كل ما فيه من سماوات، شمس، أقمار، كواكب، غابات، محيطات،غازات، جبال وحيوانات، يوجد قاسم مشترك وحيد هو الذرة التي لا زال لغزها يحير عقول علماء الفيزياء النووية. وإن لم نتوصل إلى معرفة العلاقة الأساسية لتركيب أصغر نظام في الكون فلن نتوصل أبدا إلى معرفة قانون أكبر نظام فيه
و سؤالي لك هو هل تعلم قصة إكتشاف الإنفجار العضيم .
إي ملاحضات -إدوين هابل و مصادقة كبار العلماء لها -

منير قنيش 02-12-2007 03:31

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
بالطبع أعرفها أخي الإدريسي، ولولا معرفتي بها وإحاطتي بكل جوانبها لما بحثت عن شيء آخر بغية الإقتناع به.
وفيما يخص معارضتك لأفكاري فأنا أحييك على حرصك لعدم تعرض عقلك لتدفق أفكار غيرك لأنه من الخطر أن نقرأ عن موضوع قبل أن نكون قد فكرنا فيه بأنفسنا...فنحن عندما نقرأ لغيرنا يكون غيرنا هو من يفكر لنا، وهذا ما يحصر أفكارنا ويكبح انطلاقها كما يشل قوة التفكير. لكن أريد أن أعرف أين تكمن معارضتك فيما قلته؟
في كل الأحوال موضوعي هذا هو موضوع شمولي طويل لم يكتمل طرحه ويجب قراءته قراءة متأنية حينئذ يمكنك التعليق والمعارضة وكل شيء تريده.
بطبيعة الحال أنك تعلم يا أخي أن كل شيء في هذا الكون يخضع لنظام ملموس نشعر به.
هذا النظام هو نظام شمولي يضم أنظمة جزئية عديدة ومختلفة لكنها رغم اختلاف وظائفها تبقى دائما محتفظة بنفس الخصائص. وتعد النظمة الثلاثية أصغر جزء في هذا النظام فهي الجزء الذي لا يتجزأ فيه.

في الفكر

النظمة الثلاثية الفكرية هي وحدة تهدف في نشاطها إلى تنظيم الفكر وتحقيق التوافق بين الدين والفلسفة والعلم، وهي لا تعد مركبة بهذا الاعتبار من أجزاء تختلف طبيعة بعضها عن بعض. وكما سبق أن قلت فقصة ظهور الفلسفة إلى جانب الدين الذي نشأت منه تشبه إلى حد كبير قصة ظهور أمنا حواء إلى جانب أبونا آدم الذي خلقت منه، وإذا كان تعايش و تكامل آدم وحواء نتج عنه ظهور كل المجتمعات فإن تكامل الفلسفة والدين تولدت عنه كل العلوم.

في الاجتماع

النظمة الثلاثية الاجتماعية وهي وحدة نظام البشرية تهدف إلى تطور الجنس البشري واستمراريته. وهذه الوحدة هي الأسرة المتألفة من الرجل والمرأة والأولاد والتي تعد أصغر جزء في نظام البشرية. سأعود لطرحها مفصلة في وقت لاحق.

في المادة

النظمة الثلاثية المادية هي وحدة نظام المادة تهدف إلى حفظ الطاقة التي تمتلكها هذه الأخيرة. والوحدة هذه التي هي الذرة تتألف من البروتون والنيوترون ثم الإليكترونات تماما كما وجدنا في الفكر والاجتماع هناك أشياء ثلاثة مرتبطة فيما بينها. الأول ينتج عنه الثاني وبفضلهما معا ينتج الثالث والغاية واحدة هي الاستقرار والتوازن.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى فالأفكار القصوى التي جاء بها العلماء كفكرة الانفجار العظيم سئمت منها وتركتها جانبا منذ سنين. ولا بأس أن أعرض البعض منها لكي تتحقق من ذلك


الكون في نظر علماء العصر الحديث

يعتبر عـلم الفلك أقـدم العـلوم التي عـرفها التاريخ، همه مـسألة بـداية الـكون و تـطوره وهو الأمر الذي كثيرا ما شغل بال عـلماء الطبيعة و الفلاسفة على مر العصور وعبر كل الثقافات. ولعل ما يميز المرحلة الراهنة عن سابقاتها أنه قد طرحت خلال العقود الأخيرة نماذج تحاول التأريخ للكون معتمدة في ذلك على نظريات يقال عنها فيزيائية، ولعل ابرز هذه النماذج في الوقت الراهن وأكثرها شعبية بين العلماء نموذج الانفجار العظيم الذي كان سببا لولود الكون.

فخلال حقبة بلانك التي تعتبر المدة الفاصلة، اختلطت جميع المقادير الفيزيائية الحالية المستعملة في الفضاء إلى حد فقدانها معناها الحالي. ثم توحدت هذه القوى وانقسمت إلى نماذج من التجاذبات فتكونت القوى الحالية كما أن الدقائق الصغيرة الأولية انقسمت وولدت معها الكوارك والبروتون والنيوترون فتجمعت هذه الأخيرة لتنتج الهيدروجين والدوتوريوم والهليوم والليثيوم، والإلكترونات التي كانت حرة تجمعت مع النواة لتشكل بنية كهربائية محايدة وهي الذرة. هكذا بدأت نشأة الكون عند العلماء انطلاقا من الانفجار الذي انتشر في كل نقط الفضاء فحصل تضخم هائل وتمت مضاعفات أبعاد الكون. وفجأة أصبحت المادة شفافة، فانتشر الضوء بعد مرور 300 آلف سنة في كل مكان بدون حاجز ثم ظهرت المجرات والنجوم.
إن المادة والإشعاع اللتان تشكلان الكون حاليا كانتا في الماضي السحيق مجتمعتين في مادة كونية أولية في جزء صغير جدا من الفضاء، ثم بواسطة تفجير ما تمددت المادة في الفضاء ودخلت في عملية فيزيو- كيميائية معقدة أدت مع الزمن إلى ميلاد الكون على الهيأة التي يوجد عليها اليوم.
ويرجع ظهور المجرات حسب العلماء إلى كون المادة التي كانت في البداية متجانسة تعرضت لتغيرات يعود سببها إلى كون الذرات كانت في وقت سابق تملأ مكانا على حساب مكان آخر، مما جعل هذه المادة تصبح غير متجانسة كما لم تعد لها نفس الحرارة فتكونت الجلطات وفي هذه الأماكن حيث تزداد الكثافة قليلا عن المعتاد بدأت هذه المواد تجذب إليها المادة المحيطة بها محدثة ما يشبه كرة الثلج وداخل هذه الكرة أي المجرة، بدأت نفس الظاهرة تحيل نفسها حيث تكاثفت المادة بصفة غير منتظمة تحت تأثير الجاذبية وكونت النجوم والكواكب وبفضلها ارتفعت الحرارة ملايين الدرجات وتحررت القوى النووية التي لم يكن لها دور في بداية تشكل الكون وبعدما تم دمج الذرات تكونت أخرى أكثر كثافة كالكربون والأوكسجين. وفي آخر الأمر قامت الجاذبية بخلط وتجميع هذه الجلطة مكونة مختلف بنيات الكون، إلا أن الاختلاف الحاصل بين العلماء يدور فقط حول التسلسل الزمني لهذه العمليات.
وفيما يخص ظهور الشمس، فيقول العلماء أنها نتجت عن تكاثف غازات وجزيئات دقيقة في وسط سديم وتستحوذ على أكبر قدر من الحرارة لدرجة انطلقت عندها التفاعلات النووية الحرارية التي تبقي على هذه الحرارة. أما الأرض فقد ظهرت منذ ما يزيد عن أربعة ملايير وستة مائة مليون سنة. ويرجع العلماء أن نشأتها مع كل كواكب النظام الشمسي كانت نتيجة لتكاثف المادة. وهكذا يلاحظ بعدما كانت درجة حرارتها مرتفعة أنها تبرد تدريجيا بفقدانها الحرارة المتجمعة أثناء فترة التكوين التي تغذي نشاطها الداخلي (براكين، زلازل، حركة الصفائح على سطح الأرض.....).
وتفيد بعض الدراسات أن الأرض مكونة من عدة طبقات متركزة، تشكل الطبقة الخارجية منها القشرة الأرضية وتحت هذه القشرة مباشرة توجد طبقة ثانية تسمى الطبقة الوسطى (الرداء)، وفي المركز توجد النواة. أما الغلاف الصخري فتكونه القشرة الأرضية والجزء العلوي من الطبقة الوسطى. فحسب العلماء، تشكلت الأرض بتكون النواة بهجرة العناصر الثقيلة( حديد, نيكل..) نحو مركزها. أما الرداء فقد تكون من عناصر طافية غنية بالسيليكات، ثم تكونت بعد ذلك قشرة رقيقة من البازلت وصخور شبيهة به فوق الرداء بعد أن برد سطحيا.

ومما لا شك فيه عند العلماء أن الغلاف الجوي نشأ عن خروج الغاز من الرداء كما يحدث للصهارات أثناء الاندفاعات البركانية على مستوى أكبر. ولم يكن الغلاف الجوي يحتوي على أوكسجين بل كان يحتوي على ثاني أو كسيد الكربون والميتان والهيدروجين والأمونياك وبخار الماء. وقد تكاثف هذا الأخير أثناء تبريد الأرض وهو أصل المحيطات الأولى. أما القمر فيعد شقيق الأرض لكنه فقد كل حرارته.
هذه هي حصيلة العلماء من المعلومات المسلم بها المتعلقة بشرح مسألة البدايات والتي تعد الأساس الذي تنبني عليه تفسيرات مظاهر وظواهر الكون.
إن الاستدلال الذي استخدمه العلماء لا يشرح كيف ظهرت القوى لأول مرة في الكون كما تبقى مسألة الجوهر فيه غامضة لا نعرف حسبه ماهية الدقائق الأولية ولا نعرف أيضا كيف تولدت البروتونات ولا أين كانت الإليكترونات تعيش حرة قبل أن تتجمع مع الأجسام التي تولدت وما هو سبب التفجير الذي تحدثوا عنه.
بربك أخي، ماذا تكون هذه الجاذبية التي تكاثفت المادة بصفة غير منتظمة تحت تأثيرها والتي بفضلها ارتفعت الحرارة ملايين الدرجات وتحررت القوى النووية وتجمعت الجلطات مكونة مختلف بنيات الكون؟
إن الجاذبية بالمفهوم الذي اتخذه العلماء في شرح مسألة البدايات تعتبر إما شماعة يعلقون عليها جهلهم لحقيقة الأمور وإما إلها قادرا على كل شيء.
إنه تصور خاطئ وضعه العلماء يصعب على العقل بالمنطق أن يستوعب مفاهيمه، ولا غرابة في ذلك ما دامت الحواس هي الوسيلة المستخدمة. فالإنسان منذ القدم بدأ بحواسه لإدراك ما حوله، لكن سرعان ما ثبت له أن الحواس لا تستطيع أن تعطيه أي صورة حقيقية عن العالم خصوصا لما أدرك أن المعلومات التي جمعها عنه بواسطتها، وظن لفترة من الزمن أنها حقيقية، لم تكن سوى أوهام ورغم ذلك استمر البحث وركز العقل على التجريد لاستخدامه كإمكانية أو وسيلة في بناء المعرفة الإنسانية تحت شعار: من الخطأ نتعلم الصواب.
أرجو أن تستطعم ذوق ما قلته وشكرا

منير قنيش 02-12-2007 03:42

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
أخي الإدريسي، لقد نسيت أن ألفت نظرك إلى موضوع تركيب الذرة الذي كتبته في هذا المنتدى منتدى الفيزياء الكونية تحت عنوان نظرية تركيب الكون-الذرة- ستفهم قصدي وستعرف لماذا رفضت فكرة الانفجار العظيم التي لا تفسر شيئا من مسألة البدايات.
وأتمنى لك التوفيق.

نرجس كنفاني 03-12-2007 18:36

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
معلومات قيمة تقدمها لنا أيها الأستاذ الفاضل. كم هو جميل أن أشارك في مناقشة نظرية أو مشروع نظرية قد تصبح بين ليلة وضحاها معتمدة في المقررات الدراسية. والجميل أكثر هو أنني أناقش صاحبها شخصيا إنها فعلا لفرصة سعيدة. ما أرجوه هو أن أقرأ مداخلة علمائنا وسماع وجهة وجهة نظرهم. هذا إن كانوا متفرغين للعرب.
إنه موضوع شيق وعمل جبار قمت به، كما أظن أن هذا العلم الذي جئت به هو كرم من عند الله عليك معرفة تدبيره وتوصيله لنا نحن الناس وسيكون لك أجر كبير عند الله سبحانه وتعالى
يوفق الله في أعمالك

منير قنيش 05-12-2007 05:54

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
أشكرك أيتها الأخت الكريمة.
ما نعتني به هو كثير علي فأنا مجرد باحث عن الحقيقة لا أقل ولا أكثر.

تتمة الرسالة:

رسـالـة إنســان إلى كــل إنـســان

النظمة الثلاثية الاجتماعية

الحياة الاجتماعية دوافعها وشروطها:

إن التطور الذي عرفته الجماعة منذ القدم والتكاثر إضافة إلى الاتحاد الذي حصل بين البعض منها ضد البعض الآخر، كل ذلك جعل طبيعة العلاقات التي تربط بين الأفراد تتطور من البسيط إلى المعقد. وتعود هذه العلاقات بالدرجة الأولى إلى وحدة الدم أو اشتراك المصالح أو تقارب الأفكار. وكلما تطورت هذه العلاقات تطورت معها علاقات المجتمع ككل وأثرت بشكل عام على الحياة الاجتماعية فيه. ويعود سبب الاتحاد الذي حصل بين الأفراد رغم المنافسة والصراع إلى أن الحياة مع الآخرين مسألة طبيعية لا خيار فيها للإنسان ويتطلب تحقيقها بشكل جيد ومفيد إلتزام الفرد بالواجبات واحترامه للعادات والتقاليد مع طاعته للقوانين التي تعد الركيزة الأساسية لقيام الجماعة وتماسكها كما تعتبر مصدر قوتها الوحيد.
وإذا كان الانسان يشق طريق مجده وسط الآخرين وليس بعيدا عنهم، فإن الشخصية الانسانية لا تتحقق إلا عن طريق التأثير المتبادل بين الأفراد. والانسان بطبيعته يخضع في حياته اليومية تحت تأثير الآخر إلى ظاهرتي التجاذب والتنافر. كما أن الاحتكاك مع الآخر هو احتكاك منهجين، وحسب ما هو معروف أن احتكاك شيئين تنتج عنه حرارة قد تؤدي إلى إتلاف خصائصهما معا. ولولا تفادي هذه الظاهرة في الميكانيك لما سخرت الطاقة، لهذا يجب على الانسان أن يستفيد من تجاربه ومن تجارب الآخرين كذلك حتى يتمكن من صنع مقاومة خاصة به تحفظ له خصائصه من الإتلاف الذي قد ينتج عن حرارة احتكاكه بالآخر. وكلما كان الانسان موضوعيا في تعامله مع الآخر كلما كان التأثير عليه بسيطا ونافعا. لأن القرارات اليومية المتخذة بين الناس فيها ما هو خاضع للمصداقية وفيها كذلك ما هو مبني على الغش والخداع. وهذه الصفات إضافة إلى الكذب والنفاق والطمع والحسد بقدر ما تفقد صاحبها الكرامة تجيز عقابه إن ترتب عنها ضرر بالآخرين.
وتلعب المنافسة في تطور علاقات الأفراد فيما بينهم الدور الرئيسي. وهي غالبا ما تتحول إلى حرب معلنة بين الأطراف المتنافسة، لكنها تحمل معها إمكانية توقفها في أية لحظة. لأن بعض المواقف تتطلب من المتنافسين الاتفاق من أجل مصلحة الجميع خصوصا عندما تتعادل موازين القوى حيث يتنازل كل واحد عن بعض الأمور للطرف الآخر. ومثلما تخلق المنافسة الصراع والحرب تخلق معه التقدم والرقي كما لها دور جد مهم في التطور الذي عرفته العلاقات انطلاقا من بين الإخوة في الأسرة إلى ما بين المجتمعات في العالم. وبفضلها قطعت الحياة الاجتماعية أشواطا عديدة من التطور وحققت بعض المكتسبات تخص شروط الحياة الكريمة التي تستحيل دون توفير قسط من الحرية الشخصية التي هي ضرورة لا بد منها لوجود الانسان، كما تستحيل دون توفير شرط آخر الذي هو العدالة الاجتماعية القائمة على أساس وضع قوانين تساوي بين الناس في الحقوق وتعاقب كل من تجاوز الإطار المتفق عليه.
وتقوم العدالة الاجتماعية على أساس كبت بعض الحريات من أجل تحقيق البعض منها. وعلى عاتق المجتمع يقع عبىء تلقين الأفراد مفهوم الحرية وتدريبهم على ممارستها. والحرية الهادفة هي التي تدفع بالانسان إلى التخلص من قيود الغريزة التي قد تضعه موضع الجبن والضعف والتبعية عوض موضع القوة والسيادة. ولم تكن الحرية في يوم من الأيام هي التخلص من قيود المجتمع التي تشبه في صميمها القيود التي تكبل بها أفراد القبيلة من قبل والمتمثلة في الأعراف والتقاليد كما تشبه كذلك القيود التي كبلت الإخوة داخل الأسرة منذ البداية من أجل التخلص من التشريعات التي لا تقيد رغبات الفرد. ولولا هذا الكبت المعقلن لبعض الحريات لما وجدت الطاقة الإبداعية في الأفراد. ولهذا بقدر ما يتحكم الانسان في سلوكه ويسيطر على غرائزه بقدر ما تتضاعف طاقته الابداعية.
إن علاقة المجتمع بأفراده كعلاقة الكائن الحي بخلاياه. وإن كانت حياته مرتبطة كل الارتباط بحياة الأسر فإن أسباب ارتقائه تنبعث عن أقليات صغيرة من أفراد مبدعين مع العلم أن دور هذه الأقلية المبدعة في تطور المجتمع كدور الغدد في تطور الكائن الحي ونموه. ولما تخفق الطاقة الابداعية في مثل هؤلاء الأفراد ينهار المجتمع ويتوقف نموه مثلما يتوقف نمو الانسان بعدما تتعطل غدته الدرقية عن العمل. ويعد جسم المجتمع كباقي الأجسام الحية، يجوع ويتغذى، يمرض ويشفى كما يكبر وينمو.

دواعي تنظيم العالم

لقد قطعت البشرية بفضل اجتماع الانسان مع الآخرين أشواطا مهمة من التقدم، كما حقق الأفراد فيها تعايشا لا يستهان به نظرا لإحساسهم بحاجتهم لبعضهم البعض إذ كان لا بد لهم من الاتحاد من أجل التغلب على الأخطار. و لم تكن البشرية قبل قرون مضت بهذا الشكل وبهذا الحجم الديموغرافي الهائل ولا شك أبدا في أن جسمها نما وكبر خلال مئات القرون الماضية مثلما ينمو جسم الانسان ويكبر مع مرور السنين. فقبل عشرة قرون مضت كان النمو الديموغرافي للبشرية أقل نسمة مما هو عليه الآن، ونفس الملاحظة يمكن استنتاجها لو رجعنا بعشرة قرون أخرى إلى الخلف حيث نجد العدد بالنسمة يصغر تناسبا مع عودة التاريخ إلى الوراء.
وكان قد نتج عن اجتماع الأبناء تحت رعاية الأب والأم ظهور الأسرة التي تعتبر أول نظام ظهر يحمي حق الفرد. كما أن اجتماع الأسر فيما بينها سبب ظهور القبائل التي أدت حاجتها هي الأخرى في الاجتماع إلى ظهور الدول بمختلف أنظمتها. إلا أنه مع مرور الوقت وجدت هذه الدول هي الأخرى في نفسها الحاجة في الاجتماع فظهرت عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة وما تزال حاجة الدول في الاتحاد ملحة بسبب المشاكل التي تواجهها وتهدد أمنها وسلامتها، نظرا لاقتصار هيأة التحالف على مجموعة محددة من الدول في اتخاذ القرارات المتعلقة بالعالم كله.
ونظرا إلى كل الأسباب التي قد تدفع بالبشرية إلى الهلاك تتحتم علينا ضرورة تنظيم العالم على أساس دولي ينتفي منه التعصب القومي والمصلحة الخاصة. ولايمكن أن يتم ذلك إلابإقامة نظام عالمي الطبع يوجه شؤون العالم لمنفعة جميع الأفراد دون تمييز بين الأجناس. كما تحصل فيه كل دولة على ضمانات تحميها وعلى نصيبها من الفرص السانحة للتقدم.
فتقدم دولة ما يقاس بقوتها وغناها بحيث أننا نقصد بالدولة المتقدمة تلك التي تملك المال الوافر لتحقيق الاكتفاء الذاتي لكل مواطنيها وكذلك القوة اللازمة لحمايتهم والدفاع عنهم إذا ما تعرضوا للخطر. وبما أن المال والقوة ينتجان عن المعرفة فإنه ينبغي على الدولة السائرة في طريق النمو أن يتوقف تقدمها هذا على مدى تطور معارفها وحسن توظيفها لها مع أن التحول الفكري غالبا ما يصطحب معه التحول الاجتماعي. ومثلما تتغذى كل الأجساد وتنمو، يتغذى جسد الدولة ويكبر. ولعل ما يشرح ظهور الامبراطوريات في الماضي وتوسعها الاقليمي هو مصدر قوتها الغني والمتنوع الذي للمعرفة فيه نصيب كبير. ولو نظرنا إلى جسم الامبراطورية فإننا سنرى في مراحل توسعه نفس مراحل تخمر العجين. فمثلما ينتفخ العجين ويفيض على جوانب القصعة بسبب التفاعل الكيميائي وبسبب إغفال العجان، يكبر جسم الامبراطورية ويفيض على دول مجاورة بسبب التفاعل الفكري وبسبب إغفال الحاكم للأعراف الدولية. غير أن مثل هذا السلوك أصبح مرفوضا، لأن العالم تغير شيئا ما ولم يعد سهلا على أية دولة كيفما كانت أن تتجاوز إقليمها سوى بالاتفاق. وحتى لو تجرأت دولة معينة على اقتراف مثل هذا الخطأ فإنها تسعى جاهدة لمنح تصرفها الصبغة الشرعية.
ومثل هذه الأخطاء التي ترتكبها بعض الدول حاليا لا سبيل إلى تجنبها غير فهم الأسباب التي تدفع إلى ارتكابها، ولو استمر الوضع العالمي على هذا الحال ، فمن المحتمل أن تقع فيه أخطاء قد لا نتصور مدى تأثيرها على البشرية، خصوصا ونحن نعيش في عصر شمت فيه أغلب الدول رائحة طاقة جديدة قد تمكنها من تحقيق أغراضا عديدة وهي الطاقة النووية. والمؤسف هنا هو أن الفهم السائد لتركيب الذرة التي تمتلك هذه الطاقة هو فهم خاطىء. ولهذا السبب نتج التوتر الحاصل بين الدول المتنافسة في هذا الميدان. فكل دولة تحسب نفسها متقدمة تخشى في غياب حقيقة الذرة عنها أن تكون دولة أخرى منافسة سباقة إلى معرفتها.
إن عدم القدرة على حل لغز الكون والعجز عن سبر أغوار الذرة التي تعد أصغر نظام فيه يعتبران معا المحطة التي سببت تناقص سرعة التقدم المعرفي عند كل الدول المتقدمة رغم اقتصادها الزاهر وصناعاتها المتطورة وأقمارها الاصطناعية وغيرها من الأشياء التي لا تريح بالها بقدر ما تهمها قضية إمكانية الوصول إلى الحقائق المجهولة التي ذكرناها. ومن بين بعض هذه الدول من صنعت لهذا الغرض بالذات أنواعا مختلفة من الأساليب المدمرة ومن الأسلحة الفتاكة ثم زرعت الفتنة والحروب في مناطق عديدة من العالم حتى لا يبقى هناك مجال خصب يتيح التقدم لأي دولة ترغب في منافستها. لأن البلد الذي يعيش الحرب لا يفكر ناسه في الابداع والابتكار وإنما ينشغلون فقط بالمقاومة.
ومن هذا المنطلق يصبح من واجب ممثلي الانسانية التفكير في خلق سلطة مشتركة، تساهم في قيامها كل الأمم، تحمي حقوق الدول الضعيفة من سلوك الدول الطاغية وتنهج التبادل التجاري في كل أنحاء العالم. لأن اشتراك المصالح بين كل الدول وتوسيع مجال الحريات لدى الأفراد هو ما يجسد العولمة بمفهومها الصحيح.
والعولمة ظاهرة اجتماعية نشأت في نفوس الأفراد من أجل تحقيق غاية واحدة وهي إحساس الفرد بأنه جزء من العالم وأنه على اتصال مباشر معه، لهذا أصبح تقنينها أمرا حتميا ما دامت للقانون مهمة التنسيق بين القوى المتنازعة كما للسياسة مهمة التوفيق بين متطلبات الشعب وانجازات الحكومة. وليست العولمة تخص الاقتصاد وحده، بل تتجاوزه حدودها إلى أبعد من ذلك ليصبح من الممكن قول عولمة الحقوق، عولمة الأفكار والمفاهيم، عولمة الأخلاق...وعند الحديث عن العولمة فالقصد بذلك يكون العالم المتحد أو المتحالف. وإذا كانت الدولة تمثل تحالف مجموعة من القبائل والقبيلة تمثل تحالف مجموعة من الأسر، فإن العولمة تمثل تحالف مجموع الدول. وليست الأسرة أو القبيلة أو الدولة أو العولمة مجرد أسماء نطلقها على تجمعات الأفراد بل هي مراحل تحتم على جسم البشرية المرور بها مثلما يمر جسم الانسان بمراحل الطفولة والشباب ثم الكهولة فالشيخوخة ومثلما تمر الأرض بالفصول الأربعة.

مراحل نمو البشرية

1)الأسرة

تعد المرحلة الأولى التي مرت بها البشرية لبنة رئيسية في عملية تأسيس نظام الثلاثية الاجتماعية. ولقد تطلبت إقرار النظام الأسري في أول محطة لها خلال سيرها على طريق الحياة الاجتماعية. فأثناء هذه المرحلة كان الانسان الأولي(آدم) قد أمعن النظر جيدا فيما مضى من حياته ووجد أنه من الضروري أن يضع القوانين ويقوي الأسس التي تثبت وجوده وتحقق له سيادته على الأرض. وبناءا على ذلك قام نظام الأسرة على أساس تعايش الإخوة تحت ظل الأبوين إلا أن هذا التعايش لم يتحقق إلا بعدما تعلم الأبناء إلتزام حدودهم بمعرفة ما لهم وما عليهم وبعد تدريبهم كذلك على عدم استجابتهم للدوافع الغريزية بشكل فوري غير معقلن. إن فهمهم هذا وإدراكهم لعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي يحددها الأب، بالشكل الذي يدركون فيه أن مصلحتهم تكمن في ذلك، يجعلهم يتشبتون بالنظام أكثر ما دامت مصلحة كل واحد منهم تبقى محفوظة وسط إخوته. وهذا ما ارتآه الأب حينما فكر في أن يصيرون سنده ثم يستمرون بعده.
وعلى ما يبدو أن دراسة خصائص الأسرة ستساعد أكثر على فهم التطورات التي ترتبت عنها في تكوين المجتمعات.
تتألف الأسرة من اتحاد الرجل والمرأة وناتج هذا الاتحاد هم الأولاد. ومما لاشك فيه أن للرجل خصائص ومميزات مغايرة لما عند المرأة، كما أنه من المعروف منذ القدم أن الأنثى تكرس معظم وقتها لرعاية صغارها أما الذكر فعليه يقع حمل توفير الغذاء والدفاع ضد العدو. وعليه فنشاط الرجل يتطلب منه استخدام العقل الذي يستدعي منه أن يكون حذرا وقادرا على مواجهة الظروف المفاجئة طالما أنه الأقوى والأكثر استعدادا للصراع. كل هذا جعل الرجل منذ القدم يقرر بحسم ما يجب عمله أمام أي مشكلة، حتى أن تفكيره مال إلى محاولة فهم الظواهر الطبيعية خوفا على نفسه وعلى رعاياه من الأخطار التي تنتج عنها. وهذا الاستخدام العقلي المتواصل طور عند الرجل ملكة التفكير وزاد من حدة ذكائه.
أما نشاط المرأة فكان يتميز منذ القدم باللون العاطفي، وتتحرك إرادتها بدافع الغريزة كما أن طريقة تفكيرها تعتمد على الحدس ونهاية انفعالها البكاء الذي يخفف من توترها وهو ما يعطل تطور ملكة التفكير عندها، لأن التوتر أو الانفعال يعد رئيسيا في عملية إنتاج العقل للأفكار. ولهذا السبب نادرا ما نسمع عن امرأة مفكرة كما أننا لم نسمع قط عن امرأة فيلسوفة. فمهما تطورت المرأة وتفوقت على الرجال العاديين فهي دائما دون مستوى الرجال العظماء. وحتى لو تمكنت المرأة من ربط الأفكار القصوى بعضها ببعض وفقا لقواعد المنطق فإنها ستتخذ لعملها الفكري كالعلماء ميدانا ضيقا شتان بينه وبين الشمولية.
إنني أقول هذا وليس في نيتي مهاجمة المرأة أو احتقارها حاشى ولا يرضاها الله وأستغفر الله العظيم وإنما هذا ما يشهد به التاريخ لها. وبالنظر إليها كامرأة، فالطبيعة أوهبتها طابعا أنثويا خاصا عليها معرفة تقنينه لتحصل على السعادة. ومما لا شك فيه أن مطلب مساواتها مع الرجل الذي تقدمت به يعود بالدرجة الأولى إلى استخفافها بضعف الرجل في تدبير شؤونه وفي تلبية حوائجها وحمايتها كذلك، لكن في حالة ما إذا وجدت المرأة نفسها جنب الرجل بمعنى الرجل فهي تبرز خضوعها له كما تكون في غاية سعادتها التي تكمن في الأمومة.
إن الزواج هو الخطوة الأولى في تأسيس الأسرة ففيه تكون المرأة قد استسلمت للرجل وتأتي بعد ذلك الذرية ليتحول الرجل إلى أب والمرأة إلى أم. فمن واجب الأب أن يكون مسيرا مقتدرا على أساس أنه المؤسس وأن تكون أوامره دستورا تمشي عليه الأسرة وعليه أيضا أن يكون لينا كل اللين في المواقف التي تتطلب الرقة وقاسيا كل القسوة في المواقف التي تتطلب ذلك، وبحبه الكبير الذي عليه أن يكنه إلى بيته وبإخلاصه ووفائه له، سيضمن لها السعادة وذلك بالتوفيق بين مستواها ومستويات باقي الأسر الأخرى. كما على الأب أيضا الاقتراب أكثر ما يمكن من أبنائه بغية معرفة طموحاتهم التي يرغبون في تحقيقها والعمل على مساعدتهم لوصولهم إليها. ولما كان من طبيعة كل أب لما يتجاوز عمره مرحلة الكهولة يرغب في أن يجد نفسه في أحد أبنائه على الأقل فإن ذلك يتطلب منه أن يجعل من أعماله وأفكاره قاعدة تنطلق منها حياة أبنائه. ومثل هؤلاء الآباء هم الذين يشعرون بالسعادة الحقيقية عندما يدركون استمرارية وجودهم عن طريق أبنائهم.
قد يكون دور الأب في الأسرة يعتبر محركا لها، إلا أن دور الأم يعتبر الطاقة التي تشغل هذا المحرك. وهي كل شيء في البيت إن غابت عنه غاب معها استقراره. وعليها ألا تنسى أنوثتها والأمومة التي أعدت من أجلها محتفظة بحقها في الخروج لقضاء مصالحها ولوازم البيت، للدراسة، لحضور الندوات وللعمل إن تطلب منها الأمر ذلك. وليست كل الأعمال صالحة لها، لأن طبيعة العمل كيفما كان نوعه يكون لها تأثير بالغ على فيزيولوجية الشخص وعلى نفسيته كذلك وعليه، فالمرأة مهددة بفقدانها الطابع الأنثوي مع مرور الوقت لو استمرت في تطاولها على ميدان الرجل.
وتعد ثقافة المرأة شرط رئيسي لكي تعلم أبناءها تعليما سليما وترفع من مستوى أخلاقهم وتنمي شعورهم بالمسؤولية وتأدية الواجب. فالأم كما نعلم هي المدرسة التي يتلقى فيها الطفل دروسه الأولى فهي التي تعد الأجيال الناشئة وترسل بهم إلى المجتمع إما قوية الجسد، نيرة العقل وكريمة الخلق وإما هزيلة، جاهلة وفاسدة.

2)القبيلة

إن ظهور نظام الأسرة كان له تأثير بالغ على كل الأفراد وعلى طبيعة العلاقات التي ربطت فيما بينهم نظرا لقرابة الدم واشتراك المصالح والأهداف. وجدير بالذكر هنا أن نشير إلى الدور الذي لعبته المصاهرة في تكاثر الأسر وفي توطيد العلاقات بين الأفراد وترسيخ وتثبيت مبادىء الأعراف التي تم الاتفاق عليها والتي تعد بمثابة قوانين غير مدونة يخضع لها كل فرد ينتمي إلى الجماعة.
واستجابة لهذا التعايش الذي حصل بين الأفراد ظهرت القبيلة التي لم تكن نشأتها غريبة عن أفرادها من حيث طبيعة النظام الذي تمشي عليه، فمثلما كان الفرد طرفا من الثلاثية داخل الأسرة فهو طرف كذلك من الثلاثية داخل القبيلة حيث يوجد شخص محنك يرعى شؤونها وهيأة تتوسط بينه وبين الأفراد تعمل على تنفيد القرارات والأحكام. إلا أنه في الوقت الذي نشأت فيه هذه القبيلة وحددت مسارها، نشأت بجوارها قبائل أخرى وكذلك بعيدا عنها مع العلم أن كل قبيلة ظهرت إلا وكانت لها مصالح ومخططات تود تحقيقها. ومع مرور الوقت كثر عدد الأسر في القبائل كما كثر عدد القبائل على الأرض واشتدت المنافسة والصراع حول كل الأشياء ذات القيمة فترتب على ذلك تحالف القبائل المتقاربة من أجل التغلب على الخطر الذي قد يواجهها من القبائل البعيدة. فصارت القبائل تتحالف وتتخذ شكل مجموعات متفرقة هنا وهناك وفي كل الأرجاء.

3)الدولة

إن تحالف القبائل على شكل مجموعات متفرقة كان وراء ظهور كل الدول المعترف بها حاليا بمختلف أنظمتها. وبهذا تكون الدولة جسما أعضاؤه قبائل قررت وفق اتفاق أن تتنازل بمقتضاه عن مهمة حفظ السلام والأمن لأحد ما تجتمع فيه الصفات المطلوبة لتكون بيده السلطة ويكون له الحق في قيادتها وتوجيهها نحو الغاية التي أنشأ من أجلها وبذلك تقرر أن تتنازل كل قبيلة عن قسط من قوتها وسيادتها بشرط أن تتنازل القبائل الأخرى بالمثل، ومنذ تلك اللحظة يصبح الحاكم ذا سيادة كاملة على تلك القبائل وأفرادها شريطة أن يلتزم هو بما تم الاتفاق عليه.
ولتوطيد العلاقة بين الحاكم والرعايا في هذا النموذج المجتمعي ولكي لايشعر الفرد أنه يخضع إلى نظام غريب، وعن غير قصد تم تطوير نظام الثلاثية الذي ألف به الفرد داخل الأسرة وداخل القبيلة كذلك وجعله يستمر تماشيا مع نمو جسم البشرية. ومن أجل تحقيق ذلك قام الحاكم بتعيين هيأة من الوزراء تتولى تنفيذ القوانين وصيانة الحريات التي تسنها الدولة كما أنشأ هيأة أخرى منتخبة من لدن رعاياه تستعرض المشاكل وتقترح الحلول. ومهما كبر جسد الدولة وتوسع فإنه يبقى دائما صورة مكبرة لجسد الأسرة محتفظا بخصائصها وبالعلاقة الأساسية التي تحكمها، فمثلما نجد الأب والأم والأبناء داخل الأسرة نجد الحاكم والحكومة والشعب داخل الدولة. وإن كانت الأولى تهدف إلى حماية أفرادها وتخليصهم من قيود الغريزة فإن الثانية تسعى من وراء قيامها إلى تعايش الأسر وخلق الانسجام بين القبائل والحفاظ على سلامتهم.
على هذا النهج صارت الدول تتشكل هنا وهناك وفي كل بقاع الأرض وأصبح لكل واحدة منها خصائص وأعمال وأهداف تدافع عنها عند تعرضها للخطر وتغزو بها دول أخرى إن كانت أقل منها قوة. وقد استمر هذا الوضع على حاله زمنا طويلا حتى وصلت البشرية القرن العشرين بعد الميلاد حيث وجدت الدول في نفسها الحاجة في التحالف نظرا إلى العديد من الاعتبارات سبق ذكرها.

4)العولمة

لقد وصلت البشرية على ضوء النظام إلى مرحلة التحالف الأخيرة، وهي مرحلة كسابقاتها لا تخلو من الانعكاسات السلبية والمعاناة التي نعيش حاليا بدايتها. وإذا كان قد أمكنها الصمود أمام كل الظروف في الماضي فإن الانسانية تواجه الآن ظروفا أصعب وأسوأ لذلك فهي تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى نظام جديد تسير عليه ما تبقى لها من الأيام. ولإقرار مثل هذا النظام، على العالم أن يتقيد بالنظمة الثلاثية الاجتماعية التي سبق للدولة أن تقيدت بها كما حدث للقبيلة وللأسرة كذلك من قبل. والتي ألف بها الأفراد في كل الأحوال.
ولكي تكتمل شروط النظمة الثلاثية، يجب خلق مجلس عالمي جديد مستقل بذاته ويكون فيه الحق في تدبير أموره لأشخاص همهم الرئيسي هو مصير الانسانية بحيث يكون عددهم خمسة يمثلون بذلك القارات الخمس. ومن مهام هذا المجلس العالمي الحاكم حماية الشعوب وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم بالإضافة إلى حماية كوكب الأرض من الأخطار بحظر التجارب النووية التي لها تأثير خطير على استقرار الطبقات الأرضية و.....
إن تطبيق النظمة الثلاثية الاجتماعية على مجموع دول العالم يعتبر حلا سيجعل الانسانية في مأمن. ومن أجل تحقيق هذا النظام يجب على كافة الدول أن تتفق على القانون الأساسي لقيامه وأن تساهم في نفقات إنشائه واستمراريته حتى لا يبقى هناك مجال لدولة تسعى وراء منفعة تتضارب مع مصالح غيرها. وهذا ما لم تستطع الأمم المتحدة تحقيقه. إن هذه الأخيرة وحدها عاجزة عن إقرار التوازن بين الدول كما أنها غير قادرة على إيقاف حماقات بعض الزعماء التي قد تدفع بالانسانية إلى الدمار. فهي إذا كالزوجة المطلقة أو الأرملة التي تتحمل كل أعباء البيت والأولاد لوحدها، لذلك فهي تحتاج إلى من يشد بيدها ويساعدها في تدبير شؤون الشعوب وحمايتهم.
إن تأسيس هذا المجلس الجديد سيجعل من العالم أسرة واحدة وسيحد من الفوضى التي تجر العالم صوب حرب قد لا يسلم من تأثيرها بلد. وسيكون الهدف النهائي من هذا النظام الجديد هو توحيد العالم وتوجيهه لما فيه الخير بما في ذلك تحقيق التقدم والرخاء لكل الدول النامية بعيدا عن مفهوم المساعدات التي يعد تلقيها دليل على التبعية. فالمجلس العالمي الحاكم يقرر والحكومة العالمية التي هي الأمم المتحدة تنفد والشعوب تستفيد وتستقر وتعيش العولمة بمعناها الصحيح. وعليه سيتأسس تشييد حضارة عالمية تعكس الصورة الحقيقية التي ينبغي على الانسانية أن تظهر عليها.

يتبع

منير قنيش 08-12-2007 02:24

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
لا زلت عند وعدي ولن أخفي عنكم شيئا مما توصلت إليه. طبعا هي أفكار غريبة شيئا ما وتصور مخالف لما يعرف به العالم، لكن هذا هو حال كل جديد يلزمه وقتا طويلا ليجد من يأخذ به.
ما أود التأكيد عليه هو أن عملي هذا بعيد كل البعد عن أي مصلحة شخصية والهدف منه هو لصالح كل إنسان. وبصراحة أريد تقييما لأفكاري لأنني أود التفرغ لموضوع بحث جديد.
لا يهمني إن كنت توفقت أم لا أكثر ما يهمني أنني قضيت أجمل أيام حياتي بفضل السعادة التي تخلقها لذة العقل خصوصا لما أدركت واستوعبت حدودية الكون وطبيعة النظام الذي يحكمه. وهذا ما سأطلعكم عليه في المرة القادمة.
ما قولك يا خالد؟
وأنت يا طالب علم هل لي أن أسمع ردك المفصل؟
نرجس التي تتابع كل موضوعاتي أظنها غاضبة مما كتبته عن المرأة.
أما ذات الرأس اليابس الأسطورة الذكية فلم أعرف بعد حكمها.
تحياتي لكم جميعا وللمشرفين الأفاضل
استودعكم الله على أمل اللقاء بكم في موضوع قانون تركيب الكون الأساسي.

منير قنيش 12-12-2007 04:33

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
لما هذا الصمت؟
أليس فيما قلته صواب أم أن أفكاري ليس فيها ما يثير النقاش؟

على كل حال هذه ليست قضيتي لوحدي أنتم كذلك مسؤولون عنها. لأنه من الواجب علينا أن نفكر فيما سيتساءل أبناؤنا عنه ومن الطبيعي واللازم أن نجد الأجوبة المناسبة لكل الأسئلة التي ستطرح من طرفهم وذلك طبعا حتى لا يتم تعليمهم حسب أفكار المدارس الأجنبية التي تعد مضامين مقرراتها وفق أسس مناهجها التربوية ومرجعيتها الدينية والثقافية التي بدون شك تتعارض مع مقوماتنا الفكرية، فيكفي تعلمنا نحن لها.
إن جيل الألفية الثالثة سوف لن يقتنع لمجرد أن يطلب منه الوالدين الاقتناع بالشيء.
فكيف وما السبب ولماذا هي ثلاثة كلمات يبدأ بها أطفالنا أسئلتهم المحيرة تارة والمحرجة تارة أخرى.
لكن الإجابة عنها غير متواجدة في نظريات الغربيين المتنافية مع مقوماتنا الدينية. إنهم لا يريدون وضع حد للكون ولما تسألهم ماذا يوجد وراء تلك الملايين من النجوم؟ يردون على السؤال بوجود ملايين نجوم أخرى وهكذا...والسبب بسيط جدا فهم لا يعلمون.
ورغم كل فنحن نتلقى دروسهم ونفكر بطريقتهم ونتكلم بلغتهم خصوصا عند الشرح الدقيق وندافع عن أفكارهم المتعارضة مع مرجعيتنا الدينية والثقافية فماذا نسمي هذا أليس هو الذل نفسه؟
ملعون هو أب التخلف.

أريد ردودا
تدخلوا
عارضوا
قدموا البديل
قوموا بشيء يعود علينا بالخير

طالب علم 15-12-2007 03:04

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
السلام عليكم :

الأخ الكريم منير قنيش : حياك الله تعالى ..

وكما ذكرتُ في مشاركتي ( 3 )
فإن هذا العمل المبارك قد بُذل في وضعه جهد كبير وعمل دؤوب وتأمل طويل , تدل على ثقافة واسعة وتبحر في الدراسة ..
فهذه الشمولية في التفكير والبحث والدراسة التي مرت على نشأة الكون والإنسان والمجتمع ... حتى وصلت إلى ما نحن عليه
لا تتأتى من إنسان يجلس في مكان هادئ في ليلة مصحية يرتشف فنجاناً من القهوة يتأمل القمر ليخط يراعه هذه المعلومات والمفاهيم ويخرج بهذه الاستنتاجات الكبيرة العريضة
بل لا بد أن يكون ذلك من إنسان اعتصره الألم لما آل إليه حال البشرية اليوم
فكابد وجاهد وعانى في البحث والتنقيب والتحليل والتركيب والاستدلال والاستنباط
ليخرج علينا بما يراه البلسم الشافي لما تعانيه البشرية اليوم من مصائب وآلام وعذابات
وهلاك آيلة إليه ...

فهنيئاً لك أخي الكريم على هذا الخلق الرفيع العالي
وعلى هذا الهدف السامي
وأسأل الله تعالى أن يُجزل لك المثوبة على صدق نيتك في إرادة الخير للبشرية جمعاء ..

أخي العزيز منير قنيش :
ليس لدي مزيد من الفراغ لإعطاء هذا الموضوع حقه من الدراسة
ولستُ أهلاً لمناقشة كثير مما جاء فيه
فالموضوع حمل بين طياته الكثير من المفاهيم و التقريرات و الطروحات التي تحتاج إلى وقت طويل للنظر فيها
وفيه الكثير من الطيب المبارك
والتنسيق ووضوح الرؤية والأفكار والتسلسل المنطقي في عرضها , سمات بارزة يتحلى بها ..

وأما عن تفصيل ما ألمحتُ إليه في مشاركتي السابقة
فإليك بعضاً من ذلك :
1 - رسالتك , كما ذكرتَ غير مرة , هي لكل إنسان
فهذا يعني أنها تشمل المسلم وغيره من أصحاب الديانات السماوية وغيرها
مثلما تشمل من لم يؤمن بوجود إله
فلما كان الأمر كذلك
فإنه كان يترتب عليك بداية
إثبات وجود الله الواحد الأحد الفرد الصمد
ثم إثبات أن الإسلام هو الدين الحق الذي لم يطله التحريف والتزييف والتبديل
إن كنت تراه القادر على حمل البشرية إلى سعادة الدارين

في حين أننا نجدك دخلت مباشرة إلى ثلاثية الدين والفلسفة والعلم .
ثم تعريف الله جل جلاله تبارك في علاه ..

2 - ليس في شرعنا الإسلامي الحنيف مصطلح ( رجال الدين )
لأن هذا المصطلح يدل على أن لأولئك الأشخاص الذي يحملون هذه الصفة
ميزة عن سائر البشر
فهم المستأثرون بأمهات العلوم والمتكلمون عن الرب , وقد نجد في بعضهم ما يميز به عن الأنبياء , عليهم السلام , كالغفران ..

أما نحن المسلمين فعندنا ( علماء دين وشريعة )
ولا يميز أحدهم عن سواه من البشر سوى بعمله
وليس بعلمه
والعلم الديني والدنيوي عندنا ليس حكراً على أحد
بل ! من الواجب على كل من علم شيئاً منا أن ينقله بأمانة إلى غيره
وقالوا (( زكاة العلم إنفاقه , أي تعليمه للآخرين ))
( وفي هذا بحث يطول , أكتفي منه بهذه الإشارة المقتضبة )

3 - لم أجد فيما تفضلتَ به تعريفاً محدداً ( للفكر ) ولا ( للعقل )
فتارة تجعل الفكر مصححاً للعقل
وأخرى تجعل العقل مصححاً للفكر
فقلتَ في فقرة - حول ماهية الفكر - : (( ... ولهذا السبب ينبغي علينا أن نفكر في كيفية تخليص الفكر من الفوضى وفي تقوية أسس بناء البيت الفكري الذي تسكنه عقولنا جميعا؛ الأمر الذي يتطلب البحث عن الهفوات والأخطاء التي ارتكبت أثناء عملية بناء الفكر العملي القائم أساسا على تصميم الفكر النظري الذي يحتاج هو الآخر إلى الإحاطة بكل جوانبه لعل الهفوات تكون قائمة فيه ثم ملاحظة الأجزاء المهملة التي تخلى الإنسان عنها ولم يتناولها بالتهذيب كما يتطلب كذلك فحص عيوب المعرفة وحاجاتها وإمكانياتها ووسائلها والإشارة إلى المشاكل الجديدة التي تنتظر إلقاء الضوء عليها، ولعل ما يتطلبه تطوير المعرفة الإنسانية هو تطهير العقل وتنقيته من بعض التصورات والمفاهيم القديمة وذلك بتصحيح الأخطاء المرسخة فيه والأوهام المتجلية في الصور التي ترتسم في الأذهان عن حقيقة الأشياء. هذه هي المهمة التي على العقل أن ينشغل بها متحديا كل الخلافات القائمة بين التيارات الفكرية لأنه هو المسؤول الوحيد عن حل مشاكل الإنسان، فهو مؤسس الفكر وصانع الرموز وبفضله اتخذت الأشياء صورا لها عند الإنسان، ومن أجل تجنب أي سوء قد ينتج عن ذلك عليه أن يجد حلا للأزمة التي يعيشها البيت الفكري الذي يعتبر ملجأ عقولنا جميعا كما سبق الذكر. ... ))

علماً بأنك – كما أرى – تحدثتَ عن التفكير
أو عن الفكر المنطقي وهو : ( ترتيب أمور معلومة ليُتوصل بها إلى مجهول )
وليس عن ماهية الفكر ( أي : كيف نفكر ) .

4 - بدأتَ حديثك عن الأخلاقي و اللاأخلاقي
والأخلاق , مع تعدد المجتمعات , أمور نسبية
فما نعتبره خلقاً حسناً
قد لا يكون في مجتمع آخر كذلك
ومثله ما نعده خلقاً سيئاً , قد يكون عند غيرنا خلقاً حسنا ً .

فما هو المعيار لتعميم الأخلاق حسنها وسيئها ؟

5 - أعتذر إليك على هذا الاختصار .

6 – أعود فأقول :
إن عملك هذا يستحق لوقفات عديدة معه
و بارك الله تعالى لك فيما آتاك ونفع الإسلام والمسلمين بك .

ولكم تحياتي

منال العنزى 15-12-2007 15:02

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
[GRADE="8B0000 FF0000 FF7F50"]بكل صراحه قرات موضوعك واعجبت بافكاره الفلسفيه مشكور اخ منير وجزاك الله خير بجد بنستفيدمنه يعطيك العافيه.......[/GRADE]

منير قنيش 17-12-2007 05:28

رد: مدخل في الفيزياء الكونية
 
أشكرك أختي منال،
وأتمنى أن يكون ربي راضيا عني وعن كل من يسعى إلى الخير من أجل الإنسانية.
أشكرك مرة ثانية راجيا من العلي القدير أن يحفظك من كل شر.


الساعة الآن 05:08

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir