ملتقى الفيزيائيين العرب - الدراسات الطيفية

عندما استخدم نيوتن كلمة طيف ( Spectrum ) ليصف الأضواء الملونة التي يتفرق إليها ضوء الشمس في تجربته الشهيرة التي قام بها مستخدماً المنشور الزجاجي فإنه بذلك أدخل كلمة لم تكن مستخدمة في المجال العلمي فكلمة Spectrum هي كلمة لاتينية ليس لها صلة من قريب أو بعيد بالألوان ومعناها هو ( مظهر أو خيال أو شبح ) ، ولكن مسار الحركة العلمية والتطور الباهر الذي تأسس على مفهوم الطيف جعل من هذه الكلمة مصطلحاً من أثرى المصطلحات في قاموس العلوم الحديثة .
وعندما أثبتت أعمال الفيزيائي البريطاني توماس ينج جدواها وصلاحيتها باستخدامه للمفهوم الموجي للضوء لوصف ظاهرة التداخل وقيامه بالتالي بقياس أطوال الموجات لكل ضوء ملون من الأضواء التي يتكون منها الطيف الضوئي فإنه وضع بذلك الأساس لسلاح فعال في مجال العلوم التجريبية ذالكم هو ما يُعرف بعلم الدراسات الطيفية ، لقد اتضح عبر مجموعة ضخمة من الدراسات والبحوث التي قام بها عدد من علماء الفيزياء وغيرهم أنه عندما تتهيج ذرات عنصر ما فإنها تُشع إشعاعات ذات أطوال موجية محدودة ، وأن هذه الإشعاعات تُميز ذلك العنصر عن غيره من العناصر ، فكأنما تلك الإشعاعات هي (( بصمات )) لذرة العنصر فيمكننا أن نعرف وجودها إذا وجدنا بصماتها ، وتُعرف هذه الإشعاعات المميزة لكل عنصر باسم [ الخطوط الطيفية للعنصر ] وبهذه الطريقة تم اكتشاف عنصر الهيليوم على الشمس في عام 1868 م عندما كان الفلكي الفرنسي بيير جول جانسن يُتابع كسوفاً كاملاً للشمس في الهند ، فلاحظ وجود خط طيفي لم يستطع أن يجد له ما يُطابقه بين الخطوط الطيفية للعناصر المعروفة حينذاك وأدرك جانسن أن هذا الخط الطيفي يخص عنصراً جديداً أطلق عليه اسم ( هيليوم ) وهو يعني باللغة اليونانية [ الشمس ] ولقد تم هذا الاكتشاف قبل اكتشاف عنصر الهيليوم على الأرض بنحو ثلاثين عاماً .
وينجم إنبعاث خطوط الطيف من الذرات المتهيجة عن تغيرات في الطاقة داخل الذرة وبالتالي فإن قياس هذه الخطوط ومعرفة أطوال موجاتها تزودنا بعلومات هامة عن حالات الطاقة الداخلية للذرة .
وهكذا أصبحت الدراسات الطيفية أفضل مفتاح للولوج إلى عالم الذرة وتحديد مستوايات الطاقة بها وأعطى هذا العلم الكثير للمعرفة البشرية فكان له دور حاسم في إرساء مفهوم الكم وهو أحد المفاهيم الأساسية فيما يُعرف اليوم بالفيزياء الحديثة .
ومن بين تطبيقات الدراسات الطيفية أنه تُستخدم لتحديد أنواع العناصر الموجوده على النجوم كما ساعدت على اكتشاف عناصر جديدة ومن أهم مُعطيات هذا العلم قدرته على قياس حركة النجوم - سرعةً واتجاهاً - وتستند هذه القدرة على التأثير المعروف [ بتأثير دوبلر ] فكما نعلم أن تردد الموجة الصوتية الصادرة عن جسم مُتحرك يختلف عن تردد الموجة الصوتية الصادرة عن جسم ساكن ، وأدرك الفيزيائي النمساوي دوبلر أن هذه الخاصية هي من خصائص الموجات عامة ، وبالتالي فإنها تنطبق أيضاً على الموجات الضوئية ، ولذا عندما يرد إلينا ضوء من مصدر متحرك بسرعة عالية تحدث إزاحة في تردد هذا الضوء أي تتم إزاحة في طول الموجة ( اللون ) فمثلاً إذا كان المصدر متحركاً نحونا فإن عدداً كبيراً من الموجات الضوئية في كل ثانية يتجمّع فيقصر طول الموجة ، وتحيد الموجة الضوئية إلى جهة اللون البنفسجي من طيف الضوء ، ويُعرف هذا [ بالإزاحة البنفسجية ] أما إذا كان مصدر الضو متحركاً بعيداً عنّا فإن موجات ضوئية تتلاحق في مدى متطاول ليطول طول الموجة ويُعرف هذا [ بالإزاحة الحمراء ] .
ومع تطور وسائل الدراسات الطيفية وتحليل نتائجها استطاع الفلكي الأمريكي ( إدوين هابل ) في عام 1929 م أن يضع قانوناً يُعرف باسم [ قانون هابل ] وينص هذا القانون على { أن سرعة مجرة ما تتناسب طردياً مع مسافتها عن مجرتنا } وفي ضوء هذه المعلومات المذهلة برزت نظرية [ الانفجار الكبير The Big Bang ) التي ترى أن الكون بدأ بانفجار كبير من نقطة متناهية الصغر ولكنها ذات كثافة تكاد أن تكون لا نهائية ، وبعد هذا الانفجار الكبير انطلقت الطاقة الإشعاعية في اتجاهات متعددة ، لتتكون منها بعد آماد طويلة المجرات والكواكب والنجوم ، وما زالت هذه الكتل تنطلق بعيداً عن بعضها البعض كما تُثبت ذلك الإزاحة الحمراء للموجات الضوئية الواردة منها ، وبهذا نجد العلم الحديث خلص إلى أن الكون في حالة تمدد دائم واتساع مستمر وهو ما يُعرف بنظرية [ الكون المتمدد ] وقال تعالى (( والسماء بنيناها بأيدِِ وإنا لموسعون )) .

موضوع خاص بملتقى الفيزيائئين العرب ،،،