ملتقى الفيزيائيين العرب

ملتقى الفيزيائيين العرب (http://www.phys4arab.net/vb/index.php)
-   استراحـــة أعضاء ملتقى الفيزيائيين العرب. (http://www.phys4arab.net/vb/forumdisplay.php?f=17)
-   -   وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا (http://www.phys4arab.net/vb/showthread.php?t=15510)

ربانة 18-06-2007 23:56

وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
هي من القصص المؤلمة حقا والتي في واقعنا الكثير من صورها


وداعا هيا ..................... رائعة الروائي الاسلامي د. محمد الحضيف

.
.
.
.


منذ سنوات تعودت هيا أن لا تنام بعد أن تصلي الفجر ، تعد القهوة لوالديها والإفطار لإخوانها ، وتكمل ما فاتها من أمور البيت ، التي غلبها الإعياء والنوم ، دون أن تنجزها الليلة السابقة .
في الخامسة والعشرين ولم تتزوج هيا ، التي أصبحت معلمة منذ ثلاث سنوات . متوسطة الجمال ، ومتوسطة في كل شئ ، طرق باب أهلها كثير من الرجال ، لكنها امتنعت عن الزواج ، أو أن شرطها ، يرد عنها راغبي الزواج : أتزوج لكن أبقى عند أهلي ...

- من يقبل هذا الشرط يا هيا ...؟

تسألها أمها بمزيج من العتاب والشفقة .

تحاصر آهة تكاد تذيب صدرها ، وترد على أمها دون أن تنظر في عينيها :

- المقسوم لابد أن يكون يا أميمتي .

بينها وبين أكبر إخوانها عشر سنوات ، بنت في الخامسة عشرة . أمها ليست من أنصار تحديـد النسل ولا تنظيمه . نصف متعلمة ، أو قل أمية إن شئت ، أجهضت في حملها الثاني ، بعد هيا ، فأسقطت جنينها ، فتأثرت قدرتها على الإنجاب ، وفشل أطباء المستشفى الحكومي في علاجها ، ولم يكن في مقدور الوالد ، الفقير المعدم ، الذي لا يملك إلا دكانا صغيرا ، أن يعالج أمها في المستشفيات الخاصة .

حملت أمها دون علاج ، هكذا كأقدار البسطاء ، بعد عشر سنوات ، وأنجبت أربع بنات وولدين ، أكبرهم عمره سبع سنوات . قبل ست سنوات ، حينما كانت أمها حاملاً بأخيها الأصغر ، وبينما كان والدها يجتاز الشارع ، في ظهيرة حارة ، في اتجاه الكلية ، حيث كانت تدرس ، ليأخذها ويعود بها إلى البيت ، إجتاحته سيارة فارهة ، فأصيب بشلل رباعي . لم يعرف نوع السيارة ، ولا قائدها ، لكن ، قال له فيما بعد ، شخص كان حاضرا الحادث ، أنه ترجل من السيارة شاب ، فتفقد مقدمة السيارة ، ثم قال ، وهو يمد بطاقة أخرجها من جيبه، لسيارة شرطة صادف وجودها في تلك اللحظة :

- "وجع ... ما يشوف ...؟" .

ثـم أنطلق ، وهو يمسح من على جبينه حبات من العرق تكثفت ، حينما لفحت الشمس وجهه ، الذي كان قد غادر لتوه هواء مكيف السيارة البارد .

هيا تخرج من البيت بعيد الفجر ، قبل أن تمزق الشمس أستار الظلام ، لتقلها سيارة ، هي وبعض زميلاتها ، إلى حيث تدرس ، حيث تم تعيينها معلمة في مدرسة تقع في قرية تبعد عن مقر إقامتها 3.. كيلو متر . لم يشفع لها حطام ذلك الآدمى .. أبوها ، ولا أمها البائسة التي تنوء بهم أبيها المقعد ، وبقلق الخوف عليها منذ تخرج حتى تعود ، وقلق العـذاب على مستقبلها ، الذي يعني بؤسا وضياعا لهم جميعا لو تركتهم ... وهي لن تفعل .

قالت للمسؤول :

- هذه حال أبي .. وأمي وإخواني القصر ، حاول أن تساعدني .. أن تجد لي مخرجا . سعادة المسؤل ، النزيه جدا ، قال لها :

- عفوا .. النظام لا يسمح .

وضعت سماعة الهاتف ، والمرارة تكاد تمزق حلقها ، ونظرت بانكسار للمديرة وقالت :

- لقد رفض .. يقول النظام لا يسمح .

كلتاهما تعلمان أن (سعادته) ، قد نقل قريبة له قبل أيام ، من مدرسة في الحي المجاور إلى مدرسة ملاصقة لمنزلها . استدارت خارجة من مكتب المديرة . وحينما حاذت لوحة على الجدار تعلق عليها قرارات إدارة التعليم بصقت عليها . هكذا هو رد فعل المحرومين، البؤساء ، يعبرون عن غيظهم بالبصق على الجدران .. فقط حينما لا يراهم أحد .

دائما أصادف هيا تخرج ملتفة بعباءتها مع الفجر ، تنتظر السيارة التي تقلها إلى عملها .. إلا اليوم . اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، حيث لم تخرج هيا كعادتها . وهي أيضا لم تعد القهوة لوالديها ، ولم توضئ أباها المقعد ، قبل ذلك ، أو تدفئ الماء لأمها ، التي تسلخت يداها ، من رضح نوى التمر لبيعه علفا للأغنام . وهي كذلك ، لن تصنع فطورا لأولئك الأطفال ، الذين سيخرجون إلى المدارس شعورهم مبعثرة .. وربما بلا فطور .

اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، بكيت كثيرا ، رغم أنه لا تربطني بهيا صلة ، ولا أعرفها ولا تعرفني . ليس لأن هيا في الخامسة والعشرين ولم تتزوج ، لأنها تصر على أن تبقي مع أهلها . لا ... لقد غادرت أهلها إلى الأبد .

اليوم أنا مزقني البكاء على هيا ، التي رحلت وأخذت قلبي معها ... قلبي الذي تعلق بروحها دون جسدها ، هيا ماتت بحادث سيارة ، قتلتها السيارة التي تحملها إلى عملها البعيد عن حطام البشر ، الذين كانت تقوم قبل الفجر من أجلهم .. وأمتنعت عن الزواج من أجلهم . ماتت وهي في طريقها إلى عملها البعيد ،

الذي تمزقت بينه وبين نماذج من البؤس ، قضت المشيئة أن تكون حبلهم الوحيد المتصل بالحياة .

أنا جار هيا الذي أنطفأ وهج الحياة في قلبه ، يوم أنطفأت هيا .. الشمعة التي ظلت تتقد بصمت .. تقاوم الظلام بصمت .. تقاوم الصقيع بصمت .. الظلام والصقيع بكل ما يمثلانه من ظلم ، وتخلف ، وحيف ، وقسوة ، وترف ، ومحسوبية .. وبيروقراطيـة قبيحة . الظلام والصقيع كأبرز مظاهر التوحش وإحتقار الإنسان ونسيانه .

أنا اليوم جار هيا الجريح ، معطوب إلى النهاية ، لأن هيا التي مثلت أجمل مظاهر مقاومة الفناء ، الذي يفرضه الإنسان على الانسان ، وهيا التي مثلت نافذة الضوء الوحيدة ، لبقايا بشر (يقفون) بين الحياة واللاحياة .. قد أنطفأت إلى الأبد .

هيا ماتت في حادث سيارة ولم يسمع بها أحد ، رغم أنه دوى في قلوب أناس أيقظ نحيبهم صـم الصخر .

ماتت هيا ... لم يسمع بها أحد ،. ماتت ولم تصنع لنفسها حياة ، لأنها كانت مشغولة بصناعة الحياة لغيرها ... ولم تكتب عنها الجريدة . قلت لرئيس تحرير جريدتنا المحلية :

- ماتت هيا ..

قال :

- كتبنا عن ديانا .

اليوم أنا أجهشت بالبكاء ... بكيت طويلا ، وقفت ولم تخرج هيا كعادتها . اليوم كذلك ، لم يخرج الأطفال إلى المدارس ، ليس لأنه ليس هناك (هيا) ترتب شعورهـم وتعد لهم الإفطار . اليوم لم يخرج الأطفال إلى المدارس لأنه ليس لديهم دفاتر ، ولا أقلام ، ولا (مراييل) جديدة .. ولا فطور ... لأن هيا لم تعد هناك تنفق عليهم .

ماتت هيا فارتاح مدير التعليم ، ورئيس التحرير لن يكتب عنها ، وأنا انتقلت إلى بيت آخر، بعيدا عن بيت أهلها .. بعيد عـن المكـان الذي كانت تقف فيه ، بانتظار السيارة التي تقلها .. إذن أنا لن أفكر فيمن ماتت من أجلهم ..

إذن أنا مرتاح الضمير ...

شكرا مدير التعليم .. شكرا رئيس التحرير .. وداعا هيا .. وداعا هيا



عادل الثبيتي 19-06-2007 00:21

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
يعطيك العافيه وبارك الله فيك وجزاك الله خيـــــــــراً ،،،

خالد الغامدي 19-06-2007 01:31

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
جزاك الله كل خير أختي ربانه وجعل ما نقلتي في ميزان حسناتك.......


والله إن هذه القصة لتحوي لنا من الفوائد والعبر الشيء الكثير.......



اللهم بصرنا بعيوبنا وأعنا على الإخلاص لك في السراء والضراء....



عن عبد الله بن عمر قال‏:‏ كان بمكة مقعدان، وكان لهما ابن يحملهما غدوة فيأتي بهما المسجد، فيضهما فيه، فيكتسب عليهما، فإذا أمسيا احتملهما فأقلبهما، ففقده النبي فسأل عنه، فقالوا‏:‏ مات‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لو ترك أحد لأحد لترك ابن المقعدين‏"‏‏.‏ ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً يقول ذلك‏.‏

أخرجه أبو موسى‏.‏ ==أسد الغابة في معرفة الصحابة==

ستار12 19-06-2007 01:56

مشاركة: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
[MARK="CC9999"][GLOW="00CCFF"]شكرا اختي ربانة ,,, قصة مؤثرة فعلاً ولاكن هذا حال كثيراً من اخواتنا المعلمات كفاهن الله شر الطرقات ..

سلمت اناملكي .....وبالتوفيق المستمر ان شاء الله [/GLOW][/MARK]

ربانة 21-06-2007 00:38

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
الاساتذة

عادل الثبيتي

فتى الإسلام

ستار12


شكرا جزيلا على المرور الكريم وجزاكم الله كل الخير ورعاكم
وجزاك الله كل الخير اخي واستاذي فتى الاسلام على الاضافة القيمة

kingstars18 21-06-2007 11:20

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
[GRADE="00008B FF6347 008000 4B0082"]
شكرا لك وبارك الله فيك،،
[/GRADE]

ربانة 26-06-2007 02:19

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
شكرا جزيلا استاذنا الكنج على المرور وبارك الله فيك ورعاك

الفجر 26-06-2007 05:42

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
الله يعطيك العافية ويجزاك خير،، قصة مؤثرة اختي الغالية ربانة
تقبلي خالص المحبة والتقدير....

احساس 26-06-2007 16:06

وداعاً هيا
 
أختي ربانه ,,,,,,,,,,
أسعدك الله في الدارين .....
قصة جدا" مؤثرة ....
بارك الله فيك ....
خرجت بفائدة ..
قد توافقونني بها .....
ان الدنيا لا يعمر احد بها ....
وأنها إلى زوال ...
ان هنالك يوم حساب ,,,,,
فإما إلى جنه أو إلى ,,,,,,,,,

ربانة 26-06-2007 22:22

رد: وداعاً هـــــــــــــــــــــــــــيا
 
اهلا وسهلا بلأستاذتان واختايا الرائعتان فجرنا واحساس



ولقد اسعدتماني بهذا المرور العطر واخيتي احساس كيف لا اوافقك في امرا كهذا وهل لي

من الامر من شيء درب وسنسير فيه شئنا ام ابينا والعاقبة للمتقين

اللهم ارحمنا واشملنا بعطفك ياكريم واظلنا بظلك يوم لا ظل الاظلك شكرا لكما


الساعة الآن 08:15

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir