الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

هناك أسس مرئية وغير مرئية بها يقوم هذا النظام الكوني البديع بشتى مظاهره ، والتي هي في حقيقتها تفاعلات عميقة ومحكمة وتظهر للرائي في أبعاد المنطق العقلي
السليم الذي ينقل الصورة صحيحة فتحقق تكاملا فريدا ، وهذا التكامل ما هو الا نور برزت به الحقائق كاملة ظاهرة للعيان في هذا الخلق المتقن بخصائصه المختلفة في طبيعتها ونشئتها .
وكلما تعمقت المعارف في نطاق المادة تبينت خصائص طاقية مفعلة لمنظوماتها وحركتها الدائبة وغاياتها المسطرة في أبدع منظومة ، وهذه الحقائق الظاهرة الجلية بعلومها الفائقة هي نور تستلهمه القلوب لتحيا بالايمان والتصديق في نطاق يتجاوز المادة بخصائصها ومفعلاتها ومدى هذا النور في القلوب لا يعلمه الا الله سبحانه وتعالى .
والقلب كما قال الامام الغزالي هو من عالم الملكوت ، والقلب في حقيقته هو العقل المبصر لعظمة هذه الحقائق وهذا الملكوت المبهر في هذا الخلق البديع المليئ بالآيات العظيمة .
وهذا النور هو ماوراء ما نبصره ، وما أضيئ نور الا من ضياء فيا لعظمة هذه الحكمة المودعة في أعماق التجليات ، وهذا النور قد لا نبصره بالعقل لضعف أدواته لكن نبصره اذا أمعنا النظر والتبصر في أصدق معادلة محكمة ، لذا ما ينقله العقل قد نفقهه بالقلب (مجازا ) وهذا يؤكد لحقائق تسمو عن التفسيرات المادية الا في نطاقها المرسوم بعناية
وهذا الملكوت هو أقرب منا لكن العقل بطبيعته المادية يصور لنا أنه قرب مسافات وهذا خطأ جسيم وتفسير مادي معلول لا يمت الى الحقيقة بصلة ، بل حقيقته عميقة عن كل التصورات وتحتاج الى ايقان وقلب مبصر فالقرب هو ما يحرك أعماقك وقلبك بالوجل والخشية وهذا النور المودع بعناية الله تعالى وأنت تبصر عظمة هذا الملكوت في هذا الخلق البديع والمحكم يحقق لك ابصارا حقيقيا أكبر وأعمق من التفسيرات الحسية .
وهذا النور ليس هو ما نراه في عالمنا المادي بأطيافه المرسومة على دائرية القمر ، فالقمر ليس الا عاكسا لضياء الشمس ، ووفق أبعاد هذا التشبيه المحكم فهذا الكون ليس الا عاكسا للقدرة العظيمة والقيومية وهذا النور المتألق متدفق في أبعاد تسمو عن المادة بخصائصها المفعلة .
ومن عدله ورحمته أن خلق سبحانه الكون بالحق والأجل المسمى وما أودع من نوروطهر في القلوب لتحيا بقربها من هذه الحقائق العظيمة ، وما يفتح من أبوابها ومعارج وهو سبحانه مالك لها وواهبها الرحمة والشوق والمعرفة والحكمة .