نظرية الكون المتعدد هي من أغرب النظريات الكونية و التي و بشكل غريب تتوافق مع مختلف التجارب و الأرصاد الفلكية حتى الأن بالرغم من صعوبة تصديق الإحتمالات المذهلة التي تخرجها تلك النظرية بداية من وجود نسخ مشابهة لنا في كل شيء إلى إحتمالية وجود أكوان ذات بنى رياضياتية مختلفة عن البنى التي نعرفها، و لكن لما كانت النظرية تحتاج لتمهيد طويل فـ يمكن للقاريء العادي الإنتقال مباشرة إلى فقرة الأكوان الأخرى، فما يسبقها هو شرح مفصل لأسباب و دعائم تلك النظرية.
السؤال : لماذا ؟
مرت عدة عقود على ظهور نظرية الإنفجار العظيم، لكن يبدو أن العلماء الأن لا ترضيهم تلك الدقة في القوانين الفيزيائية التي تفترض نظرية التضخم ظهورها خلال الكسور من الثانية الأولى من الإنفجار العظيم، فإختلاف طفيف في أي رقم كان ليلغي إحتمال ظهور كائنات حية بالأساس، ليصبح بهذا سبب التنظيم الدقيق الذي يحكم كوننا هو أحد أغمض الأسئلة بعلم الكونيات حالياً.
الحكاية طويلة لكنها تبدأ عندما أكتشف هبل أن الكون يتمدد فظهرت نظرية الإنفجار العظيم لتشرح نمو الكون، لكنها لم تقدم تفسير لنشأته، كما ظهرت بها لاحقاً مشكلات تتعلق بتجانس الكون أعرض أهمها هنا، فالكون يبدو متجانس إلى حد بعيد حتى بين الأماكن التي لم يصل بينها و بين بعضها ضوء بعد، مما يؤكد أن حالة التجانس تلك كانت سابقة للتوسع و هو ما لا تستطيع نظرية الإنفجار العظيم تفسيره، و المشكلة الثانية تتعلق بكثافة الكون فـ قد كانت شبه متساوية في كل مكان بالكون الحديث النشأة، و لم يوجد سوى إختلاف لا يتعدى جزء واحد من 100000 جزء، لكن بالرغم من صغر هذا الإختلاف إلا أنه كان السبب في تجمع المادة مكونة النجوم و المجرات، و نظرية الإنفجار العظيم لا تفسر سبب وجود هذا الإختلاف الضئيل، فـ الكون تبعاً لها كانت له كثافة متساوية تماماً، مما كان سيمنع تكتل المادة في مجرات و لكان الكون اليوم مجرد إنتشار متساوي للمادة في كل إتجاه على مستوى صغير، ذرات قليلة في كل متر مكعب، بلا تكتلات للمادة في نجوم أو كواكب.
مشكلة أخرى بنظرية الإنفجار العظيم تتعلق بمعدل التوسع الكوني، فما بين التوسع الكوني و تأثير الجاذبية الجماعي لمادة الكون يضع العلماء نسبة تدعى أوميجا، و هي النسبة بين طاقة الجاذبية التي تشد المادة إلى بعضها بعضاً و طاقة الحركة التي تعمل على تشتيت المادة و توسع الكون، و لهذا فـ كلما زادت كثافة المادة زادت قيمة النسبة إلى أن تساوي واحد، و واحد يعني أن الكون لا يتمدد و لا ينكمش، أما إن لم يكن يساوي الواحد كما هو الحال بكوننا فـ تظل قيمته تزيد أو تنقص بشكل تلقائي بمرور الزمن، فـ عبر بلايين السنين وجب أن تكون قيمة الأوميجا حالياً إما صفر بسبب سيادة الطاقة الحركية لضعف تأثير الجاذبية، أو تكون قيمته لانهائية بسبب تغلب الجاذبية على طاقة الحركة جاعلة الكثافة لانهائية، لكننا نرى بوضوح حولنا أن الكثافة ليست صفر و ليست لانهائية كذلك، مما يوجب أن تكون القيمة الأولى للأوميجا شديدة القرب من الواحد، و هو ما لا تقدم له نظرية الإنفجار العظيم أي تفسير.
بل أن حدوث الإنفجار العظيم نفسه لا تفسره النظرية، فـ إن لم يكن هناك مكان أو زمان إذاً كيف ظهر كل شيء من لا شيء، كما إننا إن إفترضنا أن الإنفجار العظيم بدأ من نقطة شديدة الصغر يبلغ نصف قطرها 10 أس -33 سم -طول بلانك- ، يمكننا حساب عدد الجسيمات الأولية الممكن وجودها بهذا الكون، و الإجابة هي جسيم واحد، و هو ما يخالف بالتأكيد ما هو واضح لنا في الجزء المرئي من الكون حيث يحتوي على ما لا يقل عن 10 أس 88 جسيم أولي، لذا فهناك خطأ ما في ظروف البديء التي تقول بها تلك النظرية، و مشكلة أخرى هي فقط تساؤل بسيط، كيف إستطاعت الأجزاء المختلفة من الكون في بدايته أن تبدأ التمدد في نفس اللحظة و بمعدل متماثل ؟.
أما المشكلة الأخيرة فـ هي تتعلق بالثوابت الفيزيائية، فكوننا يبدو كأنه إختار ثوابته الفيزيائية بدقة عالية جداً، فمجرد تغيير طفيف في أحد الثوابت الفيزيائية كفيل بجعل شكل الكون كما هو عليه الأن مستحيل تماماً، كما أن أغلب النظريات الكمومية تفترض أن هناك عدد أبعاد يفوق الأربعة أعداد المعروفة و قد يصل إلى إحدى عشر بعداً، فـ يبدو أن الكون كذلك إختار فقط أربعة أبعاد معينة، كما إختار ثوابت فيزيائية معينة، بشكل يجعل الصدفة غير محتملة فتلك القيم أختيرت بشكل دقيق فهناك بلايين القيم الأخرى المحتملة لكن لم يتم الأخذ بها.
الكون التضخمي
كل تلك المشاكل أشارت إلى وجود عيب في إفتراض النظرية حول بداية الكون بالرغم من أن النظرية ناجحة في وصف بلايين السنين من تطور الكون، مما دفع العلماء لتعديلها في الثمانينات من هذا القرن فظهرت نظرية التضخم مقدمة حل لتلك المشكلات و بنفس الوقت جاعلة فكرة الإنفجار العظيم أكثر تعقيداً عبر إفتراض أن الكون ببدايته مر بمرحلة من التمدد السريع فـ دفع الجسيمات بكل إتجاه بسرعات تتخطى سرعة الضوء، و هذا لا يخالف نظرية النسبية فـ الجسيمات نفسها كانت ساكنة بينما الفضاء بينها هو ما كان يتمدد بسرعة أعلى من سرعة الضوء، فـ يفسر هذا النموذج التضخمي سبب التجانس المرئي اليوم في الكون فـ كل تلك الأجزاء المتباعدة من الكون بشكل لم يسمح حتى للضوء بالإنتقال بين بعضها كانت بلحظة ما متقاربة جداً مما جعلها تمتلك نفس الظروف الفيزيائية، ثم دفع بها التضخم بسرعات عالية جعلها تفقد الإتصال الضوئي فيما بينها.
لحدوث هذا التضخم السريع تُضيف النظرية ما يسمى بالحقل التضخمي، و هو حقل ينتشر في الكون بأكمله و يشبه الحقول المغناطيسية أو الكهربية، و لتوضيح المقصود بحقل هنا تخيل أن الكون كله يملأه حقل كهربي قيمته 12 فلط، لن يتم ملاحظة هذا الحقل على الإطلاق ما دام مستقراً، لكن إن حدث بمكان من هذا الكون إنخفاض في قيمة الحقل إلى 3، نستطيع عندها رؤية الحقل بسبب حدوث توتر فيه، و في الفيزياء الحديثة يتم تفسير الجسيمات من بروتونات و إلكترونات و غيرها بأنها إهتزازات -توترات- في حقول كمومية، و تلك الحقول هي التي تعمل على نقل القوى فـ المغناطيسية أو الجاذبية هي إهتزازات بحقول خاصة تولد تلك القوى، و الحقل التضخمي يولد قوة تعمل على تمديد الفضاء بشكل يخالف طريقة عمل الجاذبية.
و لكل قيمة لهذا الحقل طاقة سكون يكون فيها الحقل مستقراً، لذا فالحقل يسعى دائماً للهبوط من قيمته إلى أقل طاقة سكون، و يشبه هذا قطعة مطاط لزجة مُط جزء منها بشكل جبلي، فـ بطبيعته يعود هذا الجزء للمستوى الطاقة الأقل فخلال إنخفاضه يدفع بقية القطعة للتمدد، أو كرة تنحدر إلى قاع إناء، و لكن بسبب تمدد الكون يواجه الحقل أثناء إنخفاضه تأثيراً يشبه الإحتكاك، و هو ما نستطيع تمثيله بـ وجود سائل لزج على جدران الإناء مما يبطيء من وصول الكرة إلى القاع، و خلال تلك المرحلة اللزجة من إنخفاض قيمة الحقل يتمدد الكون بشكل سريع جداً، بالرغم من أنها تستمر فقط 10 أس -35 من الثانية لكنها مددت الكون من حجم يبلغ 10 أس -33 إلى 10 أس 10 أس 12 أو 10 أس تريليون، و يبدو هذا الحجم ضخم بشكل يفوق التخيل علماً أن مساحة الجزء الذي نستطيع رؤيته من الكون يبلغ 10 أس 28 سنتيمتر فقط، و لكن سرعان ما تنخفض قيمة الحقل إلى المستوى الأدنى فـ يتوتر عند هذا المستوى فاقداً طاقته على شكل جسيمات حسب تجمد الطاقة إلى مادة كما تذكر نظرية النسبية.
حدوث هذا التضخم السريع جداً يحل الكثير من المشكلات السابقة، فجميع اللاتجانسات التي يُحتمل وجودها إختفت، لكن بنفس الوقت خلال حلها يخلق الكون لاتجانسات أخرى طفيفة أدت عبر بلايين السنين لتكوين المجرات و التكتلات المادية، كما أن هذا التضخم يجعل الكون مسطح على نطاق كبير، سواء كان شكله الأول له تقوس موجب أو سالب دفع التضخم به إلى التسطح، فتصبح قيمة الأوميجا قريبة من الواحد.
التضخم العشوائي
لكن هنا تكمن مشكلة نظرية التضخم، فالعديد من الأرصاد تشير إلى أن قيمة الأوميجا 0.3 تقريباً، و هو ما دفع العلماء مرة أخرى إلى إعادة النظر في النظرية، و كان الإختيار بين ترك النظرية بأكملها، أو محاولة تحسينها مرة أخرى، و لما كان العلماء لا يملكون خيارات أخرى سوى تلك النظرية، و كذلك لإيمانهم أن شيء مشابه جداً للإنفجار العظيم قد حدث بكل تأكيد سعوا وراء تعديلها، فخرجت صيغتان لتعديل النظرية إحداهما تدور حول ما يدعى الثابت الكوني، و هو طاقة ناتجة عن توتر الحقول الكمومية في الفراغ تؤدي دور يشبه دور المادة المعتادة مما يعادل بين قوة الجاذبية و تمدد الكون.
أما الصيغة الأخرى فـ هي تدور حول القيمة الصغرى الحقيقية للحقل التضخمي، فـ بإفتراض وجود قيمتين إحداهما زائفة إنحدر لها الحقل التضخمي بكل الكون، و لكنها ليست القيمة الصغرى الحقيقية فـ ينشأ فراغ زائف ممتليء بطاقة الحقل التضخمي، و هو ما يجعل الكون بشكل عام مقوس قليلاً، و القيمة الأخرى هي قيمة صغرى حقيقية ينحدر لها الحقل التضخمي ببعض مناطق الكون بسبب الإضطرابات الكمومية فيه، و بالمناطق التي يحدث بها هذا تتكون فقاعات تضخمية كما تشرحها نظرية التضخم و بالنهاية يفقد الحقل طاقته على شكل جسيمات و يستقر في قيمة صغرى حقيقية.
بشكل أبسط لا نضطر بهذا الشكل إفتراض تمدد الكون بشكل متساوي فـ التضخم عند حدوثه راجع فقط لقيمة الحقل التضخمي بكل منطقة، فـ يتضخم الكون في المناطق التي إنحدر فيها الحقل تجاه قيمته الصغرى الحقيقية، تلك الفكرة في الحقيقة أبسط بكثير من التضخم المنتظم للكون المفترض سابقاً حيث لا يفترض وجود قيمة متساوية للحقل التضخمي بالكون كله، و يصبح الكون عبارة عن فراغ زائف توجد به بعض الفقاعات الناتجة عن فقد الحقل التضخمي لطاقته، و يكون كوننا الذي نراه هو أحد تلك الفقاعات التي تحددت ثوابتها الفيزيائية عبر التغيرات الكمومية الحادثة عند فقد الحقل لطاقته أو ما أطلقت عليه النظريات السابقة “الإنفجار العظيم”، و لهذا فـ لا تتشابه كل الفقاعات في الثوابت الفيزيائية، و لهذا أيضاً لا تبدو دقة الثوابت الفيزيائية نوع من الحظ بقدر ما تبدو نتيجة طبيعية لتغطية الفقاعات المختلفة إحتمالات عديدة فـ كان لابد من ظهور كائنات واعية مثلنا في أحد الفقاعات التي تُلائم إحتمال الثوابت الفيزيائية المُطبق داخلها ظهور كائنات واعية.
و بهذا النموذج للكون يكون الفراغ مملوء بتموجات في الحقول الفيزيائية على مستوى صغير، كما أن تلك التموجات ذات عمر قصير جداً، لكن بسبب التضخم يتم مط تلك التموجات بشكل سريع إلى أن تصبح بكبر كاف للتأثر بلزوجة الحقل التضخمي في إقترابه من الطاقة الأدنى فتتوقف عن الحركة، ثم بتمدد الكون تُمط تموجات جديدة و تتراكم على السابقة مما يزيد بالنهاية قيمة الحقل التضخمي بمناطق عن مناطق أخرى مما يُنتج لاتجانسات خلال حل التضخم للاتجانسات الأساسية، و هذا هو ما يؤدي كما سبق الذكر إلى تجمع المجرات.
الأكوان الفقاعية
أهم ما يميز تلك التموجات المتراكمة أنها بأحيان نادرة جداً تزيد الحقل التضخمي بدرجة كافية لأن يبدأ تضخم جديد، فـ يكون الكون العام بهذا الشكل عبارة عن فقاعات تصدر منها فقاعات أخرى حين أن يصل الحقل التضخمي للطاقة الكافية لإحداث تضخم و هكذا إلى ما لا نهاية، و بالرغم من أن بعض الفقاعات -الأكوان المحلية- قد تنتهي إلا أن الكون العام ككل لا ينتهي أبداً فـ أفرع الفقاعات تزداد بشكل مضطرد مع الزمن، لأنه يلزم وصول فقاعة واحدة فقط إلى حجم كبير بشكل كافي لعدم التأثر بالتقلبات الكمومية لينشأ عنها عدد متزايد من الفقاعات الأخرى التي بدورها تقدم المزيد من الفقاعات، و تلك الفقاعات ليست كلها متشابهة في الثوابت الفيزيائية فـ بوجود أنواع أخرى من الحقول قد تخرج فقاعات لها ثوابت فيزيائية مختلفة بل أن التغيرات الكمومية ببعض الحالات قد تكون قوية لدرجة تغيير عدد الأبعاد ذاتها.
و بالرغم أن كل فقاعة لها حجم محدود و إن كان مستمر بالتوسع إلا أن الكون بداخلها يكون لا نهائي الحجم بسبب نسبية الزمن و المكان، فـ بخارج الفقاعة يدرك الزمن بشكل مختلف عن إدراكهما بداخله، بالخارج يتحرك الزمن دائماً إلى الأمام، بينما المكان هو السطح الواصل بين النقط في لحظة زمانية معينة “الخطوط البيضاء بالرسم”، أما بالداخل فيكون المكان خليط من الزمن و المكان الخارجيين، فيكون الخط المباشر بين نقطتين بداخل الفقاعة يكون أشبه بقوس بالنسبة للمكان الخارجي، بينما النظر إلى جدار الفقاعة هو نظر إلى الوراء في الزمن الخارجي، بينما، و إن كان الزمن الخارجي لانهائي يكون المكان الداخلي لانهائي، بالرغم من وجود حجم محدد للفقاعة.
في ظل هذا النموذج العشوائي لتضخم الكون نجد أن الإنفجارات العظمى أصبحت جزء من التضخم المتكرر، كما أن كوننا المحلي المرئي لنا لا يميزه شيء بل هو نتاج طبيعي للإحتمالات المتناهية العدد لترتيب المادة و القوانين الفيزيائية، فقد يكون واحد من عدد لانهائي من الفقاعات الأخرى السابحة في فراغ زائف، و من هنا تنبع أفكار حقاً مذهلة، فما الذي يحدث إن تصادمت فقاعتان ؟، و هل من الممكن الخروج من الفقاعة ؟، و لكن أهم الأفكار هي فكرة الأكوان الأخرى، أو ما يطلق عليه العلماء كلمة “الكون المتعدد”.
الأكوان الأخرى
كثيراً ما رأينا أفلاماً تحوي فكرة الأكوان المتوازية، أكوان أخرى بها أشخاص مطابقين لنا، كوكب مشابه تماماً لكوكب الأرض، ببعض الأفلام تكون بضع إختياراتهم و أحداث عالمهم مختلفة عما لدينا، و بأفلام أخرى هي متماثلة تماماً، حينها حتى كاتبي تلك الأفلام ما كانوا ليتوقعوا كم فكرتهم مطابقة للواقع تبعاً لأحدث النظريات الكونية، ليس فقط كوكب واحد مطابق للأرض بل عدد ضخم، أو لا نهائي.
المستوى الأول
فقط تخيل شخص غيرك، ماضيه يشبهك بكل شيء، يعيش على كوكب يسمى الأرض أيضاً، هذا الشخص يشبهك بكل شيء إلا أنه ربما يقرر التوقف عن القراءة الأن بينما تكمل أنت، ثم تخيل شخص ثالث يشبهك أيضاً، لكنه قرر الذهاب للنوم، و هكذا إلى أن تنتهي كل الإحتمالات الممكنة لما يمكن أن يفعله أشباهك الأن، ليس هذا مجرد تخيل بل هو ما يثبت وجوده أحدث النماذج الكونية و أكثرها شيوعاً اليوم في أربع مستويات مختلفة من الأكوان الأخرى.
لتبسيط الحديث تخيل كوناً ما عبارة عن كرة، و بداخل هذا الكون أربع كرات -جسيمات- تحتل كل المساحة الممكنة بداخل هذا الكون، تلك الكرات ألوانها أحمر و أصفر و أزرق و أخضر، الأن تخيل كوناً آخر بشكل كرة أيضاً، و بداخله تلك الكرات الأربعة، غالباً لن يتشابه ترتيب الكرات بداخل هذا الكون مع الكون الأول، لكن إن أتينا بـ 16 كوناً من تلك الأكوان لابد من تكرار ترتيب الكرات بداخل أثنين منهم نظراً لوجود عدد محدود من الترتيبات الممكنة للكرات، مما ينتج كونين متماثلين تماماً، و بقليل من الحساب نجد أن خلال ما يقارب أربعة أضعاف قطر الكون الأول لابد أن يوجد كون مشابه له تماماً في ترتيب الكرات داخله.
نفس الحساب البسيط ينطبق على كوننا، فـ حد الرصد الممكن لكوننا -نصف قطر كوننا المحلي- هو 4× 10 أس 24 كيلومتر، و هو ما يشكل حجم يكفي لـ 10 أس 118 جسيم تحت ذري، فيكون عدد التراتيب الممكنة هو 2 أس 10 أس 118 تقريباً و بضرب هذا في قطر الكون يكون الناتج هو المسافة إلى أقرب كون محلي مطابق تماماً لكوننا المحلي هو 10 أس 115 كيلومتر، مطابق تماماً له بنجومه و كواكبه و منها كوكب الأرض بكل البشر عليه.
و بالرغم من بقاء فكرة الكون الكروي المحدود كـ الفكرة الأكثر قبولاً لشكل كوننا لفترة طويلة إلا أن الأرصاد اليوم لا تدعم هذة الفكرة بل تشير أكثر لأن الكون لا نهائي، فـ بكون كهذا تنتشر فيه المادة بشكل منتظم كما تشير الأرصاد الحديثة تستنفذ الإحتمالات الممكنة لترتيب مادة تكفي لمليء كوننا المحلي في كون نصف قطره 10 أس 115 كيلومتر، و كل ما بخارجه هو نسخ مكررة من الأكوان المحلية الموجودة بالداخل و منها كوننا، أي أن المستوى الأول هو ببساطة الترتيبات المحتملة للمادة في الأكوان المحلية -حجوم هبل-.
المستوى الثاني
و هو ما سبق ذكره من ظهور فقاعات كونية أخرى بسبب إرتفاع طاقة الحقول التضخمية، فبهذا المستوى نجد أن الكون الكلي عبارة عن مجموعة من الفقاعات المتفرعة من بعضها و تختلف الثوابت الفيزيائية تبعاً لشدة التغيرات الكمية في الحقل التضخمي عند حدوث التضخم المسبب لتلك للفقاعة، بل أن عدد الأبعاد ذاتها أو طبيعة الجسيمات الأساسية أو غيرها من الثوابت الفيزيائية في المستوى الأول قابلة للتغيير هنا بفضل التقلبات الكمومية، و بداخل كل فقاعة من تلك الفقاعات نجد كون متعدد من المستوى الأول ممتليء بالمادة التي ظهرت بسبب تفريغ طاقة الحقل التضخمي خلال تضخم الفقاعة.
لكن الوصول لتلك الفقاعات أو رؤيتها مستحيل تماماً لأن الفضاء الذي يفصل بين فقاعتنا و أقرب فقاعة أخرى يتمدد أسرع بكثير من سرعة الضوء، فهذا يشبه الجري بسرعة 3 متر/الثانية محاولين الوصول لنقطة ما، و المسافة بيننا و بين تلك النقطة تتمدد بسرعة 5 متر/الثانية، فالوصول لتلك النقطة مستحيل، و كذلك هو الوصول لفقاعة أخرى، بل أنه ربما يكون من المستحيل الوصول أو رؤية الشخص المطابق لك في المستوى الأول بسبب تسارع التمدد الكوني كلما زادت المسافة.
هذا المستوى يفسر الدقة الغريبة في الثوابت الفيزيائية لكوننا، فـ الأمر يبدو مصادفة غريبة أن تكون الثوابت الفيزيائية بدقة أتاحت ظهور الحياة البيولوجية، كما يقول ماكس تيجمارك أستاذ الفيزياء بجامعة بنسلفانيا
“ومع أننا لا نستطيع التآثر مع أكوان متكافئة أخرى من المستوى الثاني، إلا أن علماء الكونيات قادرون على استنتاج وجودها بصورة غير مباشرة، إذ إن وجودها قد يفسر حوادث قد تقع مصادفة، لا تفسير لها في كوننا، فلو كانت الپروتونات أثقل بمقدار 0.2% لاضمحلت إلى نيوترونات وأفسدت بذلك استقرار الذرات، ولو كانت القوة الكهرمغنطيسية أضعف بمقدار 4% لانعدم الهدروجين والنجوم المعتادة، ولو كان التآثر النووي الضعيف أشد ضعفا لما وجد الهدروجين أصلا.”
فوجود أكوان من المستوى الثاني يفسر تلك المصادفات، فهي مجرد نتاج لوجود فقاعات تغطي الإحتمالات المختلفة للثوابت الفيزيائية، مما يجعلنا بالضرورة نعيش في كون به ثوابت مناسبة لظهور حياة.
المستوى الثالث
يشبه المستوى الأول في النتيجة العامة، أي وجود كل الإحتمالات المحتملة لكل شيء، لكن في حين أن الإحتمالات الأخرى الممكنة منك مثلاً في المستوى الأول توجد في أماكن أخرى من الكون ثلاثي الأبعاد الخاص بنا، فإن الإحتمالات الأخرى الممكنة منك في المستوى الثالث توجد في نفس المكان لكن فرع كمومي آخر، فـ المستوى الثالث هو حدوث كل الإحتمالات الممكنة في نفس اللحظة و بنفس المكان، لنفترض مثلاً أنك ألقيت بحجر نرد، ترى بكونك الثلاثي الأبعاد نتيجة واحدة فقط يظهر عليها حجر النرد، مثلاً ثلاثة نقاط، لكن بنفس الوقت تتفرع 5 أكوان أخرى تحدث فيها الإحتمالات الباقية، فما التغيير في كوننا المرئي إلا وهم بسبب عدم إستطاعتنا رؤية الفضاء الكمي، لكن لا يوجد تغيير حقيقي بسبب حدوث جميع الإحتمالات الممكنة لكل لحظة، فـ الكون في المستوى الثالث ثابت بشكل عام، و لا ينطبق المستوى الثالث على المستوى الأول فقط، بل على المستوى الثاني أيضاً، فـ ينتج أيضاً بكل لحظة جميع الإحتمالات الممكنة للكون التضخمي من المستوى الثاني.
و بما أن الكون في المستوى الثالث ثابت غير متغير بمرور الزمن، فيؤدي هذا إلى أن إدراك الزمن يتطلب الحياة في كون من المستوي الأول كي لا نرى جميع الإحتمالات، مما يبقي وهم التغيير ملحوظاً مما يبعث الشعور بالزمن.
المستوى الرابع
في حين أن المستوى الثاني يغطي جميع الإحتمالات المختلفة الثوابت الفيزيائية لكن تبقى القوانين الفيزيائية الأساسية ثابتة بكل فقاعات المستوى الثاني، و هنا يأتي دور المستوى الرابع فـ هو يحوي جميع البنى الرياضياتية و القوانين الفيزيائية الأساسية الممكنة، مثلاً من المستوى الأول للثالث يبقى 1+1=2، و لا يتغير هذا بإختلاف المكان أو عدد الأبعاد أو الزمن أو أي شيء آخر قابل للتغيير في الثلاث مستويات الأولى، أما في المستوى الرابع نجد كوناً لا يكون فيه 1+1=2 بل تعطي مختلف النتائج الممكنة -و ليس المنطقية-، مما يجعل هذا المستوى أكثر المستويات غرابة لأنه يمس أكثر الأشياء “واقعية” و يغيرها، لذا فهذا المستوى يفترض عدد لا نهائي من الأكوان تمثل جميع الإحتمالات للبنى الرياضياتية و الفيزيائية المختلفة.
هنا يأتي نقد لهذا النموذج و خصوصاً المستوى الثالث و الرابع منه يتمثل في التساؤل لم قد يكون الكون بهذا التعقيد ؟، في الحقيقة هذا النموذج أبسط النماذج الكونية على الإطلاق، فـ في حين يلزم الكثير من المعلومات لتحديد كون واحد لا يحتوي إلا على إحتمال واحد يحدث لكل شيء من قائمة الإحتمالات الممكنة، فـ إن المعلومات المطلوبة لإحداث قائمة الإحتمالات بأكلمها أقل بكثير، مثلاً عند المستوى الأول لا يلزم تحديد شروط البدء، مما يقلل حجم المعلومات المطلوبة و يبسط الكون، ثم يلغي المستوى الثاني الحاجة لتحديد الثوابت الفيزيائية، بينما المستوى الرابع يلغي الحاجة لتحديد أي شيء على الإطلاق، مما يجعل الكون قابل للكتابة كـ دالة واحدة بسيطة جداً.
و بالرغم من الغرابة الشديدة لهذا النموذج إلا أن تلك الغرابة لا تنبع إلا بسبب تعودنا على الواقع المألوف، فـ هذا النموذج حين التعود عليه تجده في الحقيقة أقل غرابة من واقعنا المليء بتساؤلات بسيطة مثل “لم 1+1=2، لم القوى الذرية الشديدة أقوى كثيراً من القوى النووية الضعيفة، لم الزمن متصل” و غيرها من تساؤلات قد تبدو بلا معنى لكنها تمس صميم الواقع.
شرح المصطلحات
* الكون : أحياناً يُقال الكون و يكون المقصود بها الكون بأكمله أي المحتوي لكل شيء ممكن، و أحياناً يقصد بها الفقاعة الخاصة بنا فقط، و أحياناً يقصد بها حجم هبل الخاص بنا لا أكثر.
* التوسع الكوني : هو معدل تمدد الفضاء، فبسبب حركة المادة متباعدة عن بعضها يحدث للفضاء تمدد، و هذا لأن المادة هي ما يعطي الفضاء شكله سواء ككرة أو كـ سرج حصان أو كـ فضاء منبسط، كما أن الفضاء يتمدد بمعدل متسارع كما أكتشف حديثاُ، و العوامل المؤدية لهذا لم يحددها العلماء بدقة بعد و إن كانت آرائهم تتراوح بين حقول التضخم و الثابت الكوني.
* طول بلانك : هو أصغر طول ممكن حسب نظرية الكم، و يساوي 10 أس -33، أي أنه لا يمكن أن يوجد جسم قطره أصغر من 10 أس -33.
* الكم، الكمومية : هي النظرية التي قال بها ماكس بلانك في بداية القرن الماضي، و كلمة كم تشير إلى أصغر وحدة يمكن تقسيم الأشياء إليها، كـ أصغر فترة زمنية ممكنة، أصغر حجم ممكن، أو أصغر كمية طاقة ممكنة، و هو ما يشير إلى أنه إن كانت أقل كمية طاقة ممكنة هي 2 مثلاً فـ لا يمكن الحصول على قدر من الطاقة يساوي 3، بل كل الطاقات الممكن الحصول عليها تكون مضاعفات للطاقة الأكثر صغراً.
* الحقول الكمومية : يعتبر العلماء أن كل القوى و الجسيمات هي مجرد نتاج إهتزازات في حقول كمومية تشبه الموجات الناتجة في سطح الماء إن ألقينا صخرة فيه، لكن الإهتزازات بالحقول الكمومية تنتج الجسيمات التحت الذرية بدلاً من الموجات في سطح الماء.
* تجمد الطاقة إلى مادة : حسب معادلة أينشتين حول الطاقة و المادة فإن الطاقة و المادة صورتان لشيء واحد، لذا فيمكن تحويل المادة إلى طاقة كما يمكن تحويل الطاقة إلى مادة حسب ط = ك×ض2، حيث ط هي الطاقة و ك هي الكتلة و ض هي سرعة الضوء.
* أشكال الكون : كوننا الثلاثي الأبعاد له عدة أشكال محتملة ما بين المنبسط و المقوس ككرة أو مقوس بشكل سالب، و لتبسيط الفكرة يمكنك تخيل كون ثنائي الأبعاد أي ورقة، في شكلها الطبيعي هي مقوسة، إن وضعت ثقلاً بوسطها تأخذ شكلاً مقوساً، كذلك كوننا و إن كان يصعب علينا تخيل كيفية إنحناء الفضاء الثلاثي الأبعاد.
* الإضطرابات الكمومية : تبعاً لنظرية الكم لا توجد قيم مؤكدة تماماً، فـ لا يوجد صفر مطلق أو حقل طاقة ثابت تماماً عند قيمة معينة، فـ بسبب الأفكار الإحتمالية المتأصلة في نظرية الكم يكون الفراغ مليء بتقلبات و إضطرابات كمومية صغيرة لإستحالة الثبات على قيمة محددة.
* حجم هبل : هو الحجم الممكن رؤيته من الكون من نقطة مركزية ما، فـ بسبب إزدياد معدل تمدد الفضاء كلما أخذنا قياساً أكبر تأتي نقطة لا نستطيع الرؤية بعدها لأن الفضاء بعدها يتمدد بسرعة أكبر من سرعة الضوء، و بالرغم من أن حجم هبل يزداد بشكل مستمر إلا أن هذا لا يغير شيء لأن ما خلفه يتباعد أسرع من زيادة حجم هبل، مما يجعل وصول الضوء مما وراءه مستحيل تماماً.
* الأفرع الكمومية : على المستوى الكمي نجد الجسيمات تتصرف بشكل يناقض تماماً الطبيعة المعروفة لنا، فـ الجسيمات بتلك الأطوال الشديدة الصغر تتصرف كما لو أنها موجودة بأكثر من مكان بوقت واحد، و هذا يشبه إلقاء نرد و بدلاً من أن يعطينا قيمة واحدة بين 1 إلى 6، يعطي كل تلك القيم، و هو ما دفع العلماء لإفتراض أن ما نراه على المستوى الكمي هو إشارة لوجود أكوان أخرى تحدث بها تلك الإحتمالات، و إن كنا غير قادرين على رؤيتها بقياساتنا البشرية لكننا نرى أثرها بوضوح في القياسات الكمومية.