بيير بارتلماوسن
صحيفة لوموند الأربعاء 18 حزيران 2003
ترجمة أديب الخوري
قياساتٌ جديدة تُطلِق من جديد الجدال
حول شكل الكون
يكوّن علماء الفيزياء الفلكية، بفضل دراسة الاشعاع الكوني المتحجر أو البدئي rayonnement
fossile ، صور العهود الأولى للكون، فكرةً تزداد دقّةً أكثر فأكثر عن تكوين وعن كثافة الكون، وبالأخصّ
عن شكله. يخمّن بعض الكوزمولوجيون لدى قراءة النتائج الأولى للتابع الأميركي WMAP بأنّ الكون قد لا
يكون منتهيًا، وذلك خلافًا لما كان مقبولاً على وجه العموم. يمكن للكون الواقعي، حسب بعض النماذج، أن
يكون حتّى أصغر من الكون المرصود، بيد أنّ خصوصيّاتٍ تتعلّق بطبولوجيا الكون توهمنا بلا نهايته. إذا
كانت هذه الصور الأشباح موجودةً فلا بدّ أن يكون ممكنًا أن نفسّرها قريبًا. يؤكّد هذا التقدّم أنّ الكوزمولوجيا
الرصدية cosmologie observationnelle، التي خُصِّصت لها لقاءات الفيزياء الفلكية في بلوا
Blois حتّى العشرين من حزيران الماضي، قد حققت تقدماً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية.
يمكن للنتائج المبدئية للتابع WMAP أن تعيد طرح السؤال حول النموذج القياسي لكونٍ غير منتهٍ. يعتمد
علماء الفيزياء الفلكية "المتمرّدون" على هذه العناصر كي يدَعِّموا نظريتهم حول طبولوجيا منتهية يعود
فيها المسافر إلى نقطة انطلاقه.
تُعتبر الكوزمولوجيا، أكثر من أيّ فرعٍ آخر من فروع علم الفلك، فنّاً من الفنون. إنّها فنّ قذف الكرات في
الهواء والتقاطها، لكنّ العدد هنا هو مليارات الكرات. فنّ أن نتعامل، أن نمسك في أيدينا المفاهيم الأكثر
تجريدًا وأن نطرح الأسئلة الأقلّ إمكانيةً للإجابة. إنّ أحد الأسئلة التي تعود بقوّةٍ إلى واجهة النقاش في هذا
العام 2003 هو التالي: ما هو شكلٍ الكون؟ وهل ثمّة كون واحد فحسب؟
الموضوع قابل النقاش وهو ليس بالأمر الجديد. "في اليونان القديمة، كان مطروحًا السؤال حول
إضفاء شكلٍ على المحيط الذي يمكن أن يشكّله الفضاء، كما يذكّرنا جان بيير لومينيه، مدير البحوث في
مختبر الكون والنظريات (LUTH, CNRS-Observatoire de Paris -Meudon-
universite Paris VII). كان الأفلاطونيون يعتبرون الكون مغلقًا، منتهيًا، محدّدًا بكراتٍ متمركزة حول
الأرض. فالكرة الأخيرة تحمل النجوم. أمّا أصحاب المبدأ الذريّ كديمقريطس وأبيقور فقد كان لديهم مفهومًا
معارضًا جذريًا: لقد كان الكون بالنسبة لهم مؤلّفًا من عددٍ محدودٍ من الذرّات وبالنتيجة من عددٍ محدودٍ من
الأجرام السماوية السابحة في فراغٍ لامنتهٍ."
لم تكن أي من هاتين الفرضيتين تستند على أيّ رياضيات. ولكن، بعد أكثر من ألفين من السنين، وبسبب
نزوةٍ ماكرةٍ من العلم، تبرّر معادلات النظريّة النسبيّة كلا الحلّين، الكون المنتهي وغير المنتهي. في كلّ
الأحوال، فرض نموذج قياسيّ للكوزمولوجيا نفسه في العقود الأخيرة، وذلك نتيجةً لنظريّة التمدّد التي تقول
إنّ الكون البدئي قد شهد، بعد الانفجار الأعظم مباشرةً، مرحلةً من التضخّم كانت مدّتها قصيرةً لكنّها تؤخذ
بعين الاعتبار. يترتبّ على التمدّد أن يكون الكون غير منتهٍ و"مسطّح". لا يعني هذا بالطبع أن يكون الكون
مشابهًا لورقة الدفتر لكنّه يعني أنّ الزمكان ليس محنيّاً وأنه يمكن أن نطبّق فيه الهندسة الإقليدية التي
تعلمناها في المدارس الإعدادية. باختصار، إذا انطلقت مركبة فضائية عبر مجريّة intergalactique من
كوكبنا محافظةً في ترحالها على الاتجاه نفسه دومًا فإنّها ستبتعد بلا نهايةٍ عن الأرض. يسهُل أن نفهم أنّ
طرح قضيّة الشكل في مثل هذا الكون هو أمرٌ لا مبرّر له. كان يمكن أن ينتهي هذا المقال عند هذا الحدّ لولا
بعض الكوزمولوجيين الذين يرفضون عقيدة النموذج القياسي ويذكّرون بشكلٍ خاصّ أنّه، ومنذ ما قبل
الحرب العالمية الثانية، كان أبوا نظرية الانفجار الأعظم، الروسي ألكسندر فريدمان والبلجيكي جورج
لوميتر قد اختارا كونًا "كروياً" أي كونًا منتهيًا، الزمكان فيه منحنٍ. يدعم هذا الانتقاد جان بيير لومينيه
وزملاؤه جان فيليب أوزان (من جامعة أورساي، معهد الفيزياء الفلكية في باريس) ورولان لوهوك وآلان
ريازولو (هيئة الطاقة الذرية) يسندهم في ذلك الرياضي الأميركي جيفري ويكس.
إذا قلنا إن الكون منتهٍ فهذا لا يقتضي أن يكون له حدّ (ففي هذه الحالة سيكون لنا الحقّ في التساؤل عمّا
يوجد وراء هذا الحدّ). إذا اعتبرنا مستكشفًا يتواجد في القطب الشمالي ويبحر باتّجاه الجنوب مباشرةً، فإنّه
سيصل بعد قطع 20000كم على مسارٍ مستقيم إلى القطب الجنوبي. فإذا تابع بنفس الاتّجاه المستقيم فإنّه
سينتهي إلى العودة للنقطة التي انطلق منها. إذا أضفنا بعدًا ثالثًا وأدخلنا مركبةً عبر مجريّة في هذا الكون
الكروي فإنّ هذه المركبة ستنتهي بالمثل إلى العودة للأرض إذا ارتحلت بنفس الاتّجاه.
على المستوى الكوزمولوجي يكافئ قولنا إن للكون انحناءً موجبًا، أن نقول إنّ كثافته ماديّاً وطاقيّاً (في
الحقيق الكثافة المادية والكثافة الطاقية هما شيءٌ واحد إذا أخذنا بالاعتبار معادلة آينشتاين الشهيرة )
التي يُشار إليها بالحرف اليوناني تتجاوز القيمة الحرجة 1 فلو كانت قيمة هي الواحد لكان الانحناء
معدومًا وكان الفضاء إقليديّاً. يقوم كلّ هدف اللعبة بالإجمال على قياس وزن الكون لتحديد قيمة .
ولكن ما العمل في غياب ميزانٍ مناسب؟ من حسن الحظّ أن علماء الفيزياء الفلكية مزوّدون بأداةٍ رائعة
للقياس غير المباشر بفضل الأشعّة المستحاثية rayonnement fossile هذه الذخيرة الباقية من حدثٍ
مدهشٍ جرى بعد 380000 سنة من الانفجار الأعظم. ففي ذلك الوقت كان الكون الناشئ قد تبرّد بما يكفي
لكي تبدأ الألكترونات الأقلّ طاقة moins excités بالارتباط بنوى الذرّات. وبهذا الفعل تكون قد تركت
للضوء أن ينطلق. وهكذا تحوّل الكون فجأةً من كونٍ عائقٍ لمرور الضوء إلى كونٍ شفّاف وفي الوقت نفسه
إلى كونٍ مبهر.
.... يتبع