تتجمع الإشعاعات المستحاثيّة في مجال الموجات القصيرة، وهي مهمّة التابع WMAP (Wilkinson
Microwave Anisotropy Probe, Nasa- université de Princeton) يستطيع العلماء
استخلاص معلوماتٍ كثيرة من الأطوار الصغيرة لتغيرات الحرارة في هذا العمق من السماء على سبيل
المثال، معلومات عن كثافة طاقة الكون. كانت القياسات السابقة الأقلّ دقّةً من قياسات WMAP تعطي قيمًا
متمركزةً بقدرٍ أو بآخر حول الواحد. الأمر الذي لا يسبّب إذًا أيّة مشكلةٍ للنموذج القياسيّ.
لكن نشر النتائج الأولى لـ WMAP في شباط الماضي أعادت الأمل لمؤيّدي كونٍ أكثر غرابة. نجد في
هذه المعلومات أنّ كانت تعتبر بين الواحد و . إنّ القيمة 1 ترادف كونًا إقليديّاً، وبالنسبة لسيمون برونيه
Simon Prunet الباحث في معهد الفيزياء الفلكية في باريس والمتخصّص في الأشعّة
المستحاثيّة، "ليس ثمّة دافعٍ هنا للبحث عن نماذج أخرى غير الطبولوجيا ثلاثية الأبعاد".
أمّا جان بيير لومينيه وزملاؤه الخارجون عن المألوف فهم أقلّ موافقةً بكثير على أساس أنّ قياسًا جديدًا لـ
WMAP قد أتى بضربةٍ جديدة للنموذج القياسيّ. إنّ أطوار الأشعّة المستحاثيّة تُنتِجُ تردّداتٍ سمعيّةٍ اجتازت
لبلاسما البدئية. يستطيع الباحثون إذًا أن يعيدوا بناء "موسيقا" بدايات الكون
ولقد سجّلوا نقصًا في أكبر الأطوال الموجية عمّا تتنبّأ به الحسابات النظريّة. كما لو أن النوتات الأكثر حدّةً
للكوزموس لم تكن تستجيب للطلب. ولكن لماذا؟ ربّما لأنّ الكون ليس من السعة بما يكفي كي يكون على
قياس عزفها كما يجيب الكوزمولوجيون، على مثال وتر القيثارة الذي لا يستطيع إخراج صوتٍ أكثر حدّةً مما
يسمح طوله وقطره.
يبقى سيمون برونيه متحفّظًا حول ما يمكن أن يعنيه هذا النقص، مشدّدًا على أنّه يخصّ أطوالاً موجيّةً لها
من الأهميّة ما يجعل الإحصاءات الخاصّة بها محدودةً بالضرورة، حتّى أنّها سيّئة. ويشير هذا الباحث أيضًا
إلى أنّ إصدار هذه الموجات هو الأكثر رهافةً، والأكثر حساسيةً للانبثاق من بين الانبعاثات في مجرّتنا.
ويضيف: "مع ذلك، إذا أردتُ لعب دور محامي الشيطان، فلو جرى الاعتراف بهذا الفعل، فليس هناك
سوى نسبة مئوية ضئيلة جدّاً من الحظّ للحصول عليها في كونٍ قياسيّ.."
لو كانت معطيات WMAP صحيحة، فإنّها ستسم ربّما تقدّم أنصار الأكوان ذات الأشكال الغريبة وذات
الخواص التي لها من الغرابة بقدر ما لها من السحر. وسيكون ذلك جرس إعلان الحداد على عقيدة التمدّد
التي تتنبّأ بكونٍ كبيرٍ على نحوٍ فوق المعتاد. "إذا تمّ البرهان يومًا على أنّ الكون منتهٍ، فيجب البدء من جديد
في كلّ شيء، يؤكّد سيمون برونيه، إنّني أتخيّل بأنّه عند تلك اللحظة سيتوجّب على جزءٍ كبيرٍ من النظريين،
من أنصار الكون المتمدّد، أن يبنوا نماذج تقود إلى كونٍ منتهٍ." إذا انتهينا في يومٍ من الأيام إلى تحديد شكل
الكوزموس، فإنّ سؤالاً جديدًا سيُطرَح:
لماذا "اختار" الكون هذا الشكل؟