كونك مهتماً بالقضايا الدينية, كيف ترى تأثير الدين على المجتمع العربي, وهل توافق أو تعارض القائلين بأنه سبب من أسباب التخلف?
ـ جاء الدين لتحرير العقل من كل القيود والأوهام التي علقت به منذ العصور الجاهلية القديمة. فالعقل أحد الدعائم الأساسية التي تعتمد عليها كثير من المذاهب والمدارس الفكرية الإسلامية. وقد ظل الأمر كذلك طوال الفترة التي كان العرب ينعمون فيها بنهضة فكرية وفلسفية مميزة, والتي ما زال الغرب يعيش على نتاجها حتى اليوم. وعندما جاء الخليفة المأمون إلى الحكم صادر حرية الفكر عندما أراد أن يفرض على المسلمين والمثقفين منهم خاصة, فكر المعتزلة. فتم اضطهاد الإمام أحمد بن حنبل لإجباره على تبني بعض المعتقدات المستحدثة. كان ذلك بمنزلة ضربة موجعة للتطور الفكري الذي حققه العرب المسلمون في الفترة التي سبقت هذه الحادثة. بعد مائة سنة انتصر الأشاعرة فضربوا المعتزلة وقضوا على معتقداتهم وطرق تفكيرهم وآرائهم, وحطموا كل ما بناه الإسلام والمسلمون في تلك الفترة.
الدين برأيي قيمة اجتماعية وجد لخدمة البشر, وكل دين يسيء للإنسان وتراثه وحضارته لا يكون ديناً. وقد كان الإسلام من أكثر الأديان تحريضاً على طلب العلم وعلى ضرورة استعمال العقل وذلك في مواضع كثيرة من القرآن الكريم وفي عدد من الأحاديث النبوية. فعندما طبّقت هذه الدعوات والتعاليم استطاع المسلمون أن يبنوا أعظم حضارة في العالم ما زالت آثارها ماثلة أمامنا حتى اليوم, استفاد منها الغربيون بعد الغزوات الصليبية على بلادنا فبنوا حضارتهم العتيدة, ولم يستفد منها العرب فأهملوها وبقيت حبراً على صفحات المجلدات المنسية. الخلل الأساسي حصل مع حادثة المأمون الأولى, أضيف إليها تحريم بعض العلوم من قبل بعض الحكام. حكم الأتراك المتخلفين حضارياً ساهم في فترة التراجع الفكري الإسلامي, لأنهم أوقفوا حركة التطور الفكري بظلمهم, وعطّلوا المدارس, ومنعوا التجمعات على أشكالها, فكانت الكارثة الفكرية التي جرّت العرب إلى عصور الظلام والجهل. ثم وجد الشرخ بين رجال الدين والعمل الفكري الصحيح, والسبب ما زال مجهولاً.
الدين ليس سبباً في التخلف, إنما القيّمون عليه هم السبب. مبدأ القدرية والجبرية الذي فرضه الأتراك خلال حكمهم جعل الناس يستسلمون للقدر أحياناً كثيرة ويعتبرون أن ما يصيبهم هو من عند الله ولا طاقة لهم على تغييره, ومما زاد الأمر سوءاً تخاذل رجال الدين ورجال الفكر في العمل على تصحيح مثل هذه المعتقدات المشبوهة التي لا غرض لها إلا خدمة الحاكم وتثبيت سلطته. كذلك عمل الأتراك على تهميش وتهشيم اللغة العربية في وسائل الإعلام, ثم ترجموا القرآن إلى اللغة التركية وحاولوا جعلها اللغة الرسمية الوحيدة للدين والدولة, فساهم ذلك في إحكام القيد على الفكر العربي في محاولة للقضاء عليه. وأقول لك الآن أن لا أمل في النهضة والتطور إذا بقي العقل مقيّداً وأسيراً, وإذا بقي الإعلام أسيراً وفقيراً ومسيّراً, وإذا استمر العرب في عداوتهم للتخطيط الهادف.
العلم والفلسفة
المعروف أنك تحمل عدة شهادات علمية أهمها دكتوراه علوم في فيزياء الإشعاع, مَن هو يوسف مروة وما الذي دفعك إلى الفيزياء النووية?
- ولدت في مدينة النبطية بالجنوب اللبناني في السابع من أكتوبر سنة 1934 ونشأت في بيت مولع بالعلم والثقافة. أنهيت دراستي الابتدائية في مدارس المدينة الصغيرة, والثانوية في الجامعة الوطنية في مدينة (عالية) الجبلية المشهورة. أما دراستي الجامعية فكانت في بريطانيا (لندن, ليفربول) وألمانيا (كارلسروه), والولايات المتحدة (لوس أنجلوس/رينو) وكندا (تورنتو), حصلت على درجة بكالوريوس علوم في الفيزياء الهندسية, وماجستير علوم في هندسة الطاقة, ودكتوراه علوم في فيزياء الإشعاع (جامعة جاكسون - الولايات المتحدة 1973) أعجبني الاختصاص فتابعت عدة دراسات عالية في مواضيع التطبيقات الصناعية والتقنية للنظائر المشعّة ولأشعة الليزر وفيزياء الانشطار والاندماج النووي والحماية ضد تأثير الإشعاع, والطرق التقنية لقياس وضبط الإشعاع النووي في عدد من معاهد ومراكز البحوث العلمية في إنجلترا وألمانيا وإيطاليا والنمسا.
ملت منذ طفولتي إلى العلوم وإلى تاريخ العلوم, ووجدت أن الرياضيات والفيزياء علمان متممان لبعضهما, ومهمان جداً لفهم الكون والبرهان على أن للكون خالقاً يديره ويهتم بأمره. ونظراً لتربيتي الدينية سعيت للتوفيق بين العلم والدين, وفي فترة لاحقة بين العلم والدين والفلسفة نظراً للارتباط القائم بين الحس والنفس والعقل, ولأن الإنسان خليط من العلم والدين.
من هنا كانت محبتي للفلسفة والفلاسفة العرب القدماء الذين وضعوا نظريات فلسفية مازالت قائمة حتى اليوم, ونشأت عندي رغبة في متابعة مثل هذه المواضيع فأجريت حواراً مطوّلاً مع الدكتور ألبير نادر سنة 1999 عن فلسفة ابن رشد وعن سبب الاهتمام الغربي بتراثه وغياب الاهتمام العربي بذلك, وقد أقمنا بالتعاون مع مركز التراث العربي في تورنتو مهرجاناً خاصاً سنة 1999 لإحياء ذكرى مرور ثمانية قرون على وفاة ابن رشد تخليداً لفكره وأعماله.
وقد وضعت عدة دراسات وألقيت عدة محاضرات تعرضت فيها لبحث الفلسفة بشكل عام والفلسفة (المدرحية) بشكل خاص. و(المدرحية) هي فلسفة أنطون سعادة التي تقوم على التوفيق بين المادة والروح وبمعنى أوضح بين العلم والدين, لأنني وجدت كما وجد الفلاسفة قبلي, أن لا انفصال بين العقل والدين, وإن الدين جاء لتحرير العقل وخدمة البشر, وهذا واضح في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم, ووضعت كذلك عدة دراسات في المجال الديني يدور معظمها حول قضية الخلاف القائم بين المسلمين في شمال أمريكا على تعيين اتجاه القبلة أثناء الصلاة وعند دفن الموتى. وفي هذا الصدد وجهت رسالة مقرونة ببحث علمي إلى الجامع الأزهر في مصر بعد أن أصدر علماؤه فتوى في هذا المجال كانت مخالفة للأصول العلمية. وقد أخذ الأزهر الشريف بالبحث الذي وضعته ونشرته عام 1990 ومازال معتمداً حتى اليوم. ولي أيضاً دراسة أخرى تضع حلاً علميا فقهياً للخلاف على تعيين أهلة الشهود القمرية وخاصة هلال شهري رمضان وشوال لوضع حد للخلاف القائم على تعيين يوم عيد الفطر. وقد اعتمدت هذه الدراسة في السنوات الأخيرة عند مجموعة من الفقهاء في لبنان والعراق وإيران والبحرين والكويت.
نشاطات عدة
نشاطاتك كثيرة وأعرف أنك تنتسب إلى كثير من الجمعيات المتنوعة والنوادي, وأنك تلقي المحاضرات في كل المجالات وأغلب الندوات. هل لك أن تحدّثنا عن أهم الجمعيات التي تنتمي إليها ودورك في كل منها, وعن النشاطات التي تقوم بها?
- الوقت فعلاً لا يكفي للمساهمة في كل المعاهد والجمعيات التي نتمي إليها. فأنا عضو كامل وعامل في المعاهد العلمية التالية: معهد المهندسين النوويين, المعهد الدولي للتقنية, معهد مهندسي الطاقة, المعهد الأمريكي للمهندسين الصناعيين, الجمعية النووية الأمريكية, الجمعية النووية الكندية, جمعية أبحاث الإشعاع الأمريكية, الجمعية الكندية للحماية من الإشعاع, الجمعية الأمريكية للفحوصات غير الإئتلافية, الجمعية الأمريكية للفحوصات والمواد, الأمريكية للمعادن, الأمريكية لضبط النوعية, جمعية مهندسي التصنيع الأمريكية, الجمعية الدولية للطاقة الشمسية, وغيرها. وقد شاركت باسم لبنان في كثير من المؤتمرات والندوات العلمية في العالم مثل:
- المؤتمر الدولي حول التحليل الطيفي في مانشستر إنجلترا (11 و 12 يناير 1968).
- الملتقى الدولي حول تطبيقات النظائر المشعة في ليفربول إنجلترا (28 فبراير و 1 مارس 1968).
وفي ستة مؤتمرات أخرى يضيق المجال لذكرها.
اشتغلت أستاذاً للرياضيات والفيزياء والكيمياء في لبنان وسوريا والبحرين والمغرب والجزائر. وعملت رئيساً لمختبر الإشعاع النووي في الجزائر مدة ثلاث سنوات. ورئيساً لمختبر الاختبارات والفحوصات غير الائتلافية. وفي السنوات العشرين الماضية اشتغلت كمهندس خبير في ضبط النوعية النووية في كندا في محطات بيكرنغ ودارلنغتون وبروس لتوليد الطاقة الكهربائية.
هذا في الجانب العلمي, أما عن الجانب الإعلامي والثقافي فقد ترأست تحرير جريدة (الرائد العربي) في تورنتو من أول عام 1977 حتى نهاية عام 1979. وأنشأت في بداية عام 1980 مركز (الدراسات العربية الإسلامية) وكان أبرز نشاطاته في الثمانينيات مجموعة من الاحتفالات والندوات والمعارض حسب برامج سنوية مدروسة.
بدأت بمهرجان الاحتفال بنهاية القرن الرابع عشر للهجرة حيث قدمت مجموعة من الدراسات بالإنجليزية حول العلوم (الطب والصيدلة والكيمياء والفيزياء والفلك والرياضيات والجغرافيا) التي نقلها علماء العرب إلى أوربا, وقد وزعت هذه الدراسات على أعضاء البرلمان في مقاطعة أونتاريو. ثم تبعه سنة 1982 الاحتفال بمناسبة مرور 650 سنة على ولادة ابن خلدون, ومرور 750 سنة على وفاة الفلكي بن يونس, و 1050 سنة على وفاة الطبيب الرازي وكان آخر هذه الاحتفالات عام 1990 بمناسبة مرور 1050 سنة على ولادة الرياضي أبو الوفا البوزجاني ومرور 1215 سنة على ولادة الجاحظ.