المجرة في السماء المبنية
المجرة واحدة وهي التي نراها في السماء الدنيا وهي معروفة ، وقد ذكر ابن عباس أنه منها تنشق السماء يوم القيامة .
لقد ضلوا بهذه المجرة ضلالا بعيدا ، حيث يتخيلون أنها ملايين من الشموس سابحة في الفضاء الذي لا نهاية له في خيالهم .
يقولون : إن هناك بليون من المجرات ويقولون إن من النجوم ما هو أعظم من حجم شمسنا بمائة مليون مرة ولا يزال الكون يتسع بتكاثر المجرات .
إذا تبين أن حقيقة القول بدوران الأرض معناه : أن الفضاء لا نهاية له ، كما يصرحون بذلك ، فهذا يعني نفي وجود الرب الخالق سبحانه ، ونفي وجود السماوات السبع والكرسي والعرش والملائكة والجنة .
فإذا قال الرب فوق . قيل له : ليس عندك فوق شيئا ومن اعتقد أن الفضاء لا نهاية له وأراد أن يثبت وجود الرب العالمين ، فأحسن أحواله أن يقع في معتقد أهل وحدة الوجود ، وهو أن يكون الرب سبحانه هو هذه المخلوقات ، وإلا فإنه يتناقض ، وهذا يتضح لك إذا تأملت ما سوف أذكره إن شاء الله من عقيدة المسلمين في هذه الأشياء .
وأنا كتبت في هذا الموضوع في " إنارة الدرب لما في تفسير قطب من آثار الغرب " سوف أنقل منه هنا بعض المواضيع ليتبين للناظر مناقضة هذه العقيدة الضالة لمعتقد أهل الإسلام وأثرها في من قلد الملاحدة .
قال قطب في تفسير سورة غافر عند قوله تعالى : (( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس )) قال :
وهذه الشمس واحدة من نحو مائة مليون من الشموس في المجرة القريبة منا ، والتي نحن منها ، وقد كشف البشر حتى اليوم مائة مليون من هذه المجرات متناثرة في الفضاء الهائل من حولها ، تكاد تكون تائهة فيه .
والذي كشفه البشر جانب ضئيل صغير لا يكاد يذكر من بناء الكون ، وهو على ضآلته شاسع يدير الرؤوس مجرد تصوره ، فالمسافة بيننا وبين الشمس نحو من ثلاثة وتسعين مليونا من الأميال ، ذلك رأس أسرة كوكبنا الأرضي بل هي على الارجح أم هذه الأرض الصغيرة .
أما المجرة التي تتبعها الشمس فقطرها نحو من مئة ألف مليون سنة ضوئية ، والسنة الضوئية تعني مسافة ستمائة مليون ميل . وأقرب المجرات الأخرى إلى مجرتنا تبعد عنا بنحو خمسين وسبعمائة ألف سنة ضوئية . ونذكر مرة أخرى أن هذه المسافات وهذه الأبعاد وهذه الأحجام هي التي استطاع علم البشر الضئيل أن يكشف عنها وعلم البشر هذا يعترف أن ما كشفه قطاع صغير في هذا الكون العريض . انتهى .
ولذلك لما قلدهم قطب في هذه العلوم الفاسدة لم يستطع إثبات السماوات المبنية المحيطة لانه ليس لها ذكر في علومهم . وإثبات وجودها وصفاتها والذي فوقها إنما جاء به الأنبياء . والملاحدة لا يردون هذا المشرب كما قدمنا . كذلك لم يعرف العرض كما ينبغي . فتأمل الآن بعض ما تأوله قطب من الآيات غير ما تقدم ، يتبين لك أنه ما راج هذا الباطل إلا بالتأويل الفاسد . وأن من اعتقد هذا المعتقد ضل عن معرفة السماء المبنية وما فوقها بطريق اللزوم .
قال قطب في تفسير سورة فصلت عند قوله تعالى : (( فقضاهن سبع سماوات )) قال : أما ما هي السماء المقصودة فلا نملك تحديد فقد تكون درجة البعد سماء وقد تكون المجرات التي على أبعاد متفاوته سماوات وقد يكون غير ذلك مما تحتمله لفظ سماء وهو كثير . انتهى .
وهذا واضح أنه لا يعرف الساوات السبع المبنية لتقليده المالحدة في الفضاء الذي لا ينتهي .
وقال عند قوله تعالى : (( وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا )) قال : والسماء الدنيا هي كذلك ليس لها مدلول واحد محدد فقد تكون هي أقرب المجرات إلينا وهي المعروفة بسكة التبان والتي يبلغ قطرها مئة ألف مليون سنة ضوئية ، وقد يكون غيرها مما ينطبق عليه لفظ سماء وفيه النجوم والكواكب المنيرة لنا كالمصابيح . انتهى .
بعد ذلك سأذكر بعض ما ورد من ذكر السماء في القرآن ، ودلالة ذلك في كل موضع ، وأنه ليس المراد منها دائما مطلق العلو ، بل معناها بحسب ما يقترن باللفظ ، حيث هي اسم جنس للعالي . ولتعلم أن الملاحدة ومن قلدهم قد ضلوا عنها مع قربها ، وذهب بهم الخيال إلى مالا وجود له ، وإنما هو مجرد تصور . وسنذكر فيما بعد إن شاء الله الفرق بين التصور الخيالي ، والوجود الخارجي العيني ، ليزول الاشتباه ، قال تعالى : (( فليمدد بسبب إلى السماء )) المقصود بلفظ السماء في هذا الموضوع سقف البيت .
قال تعالى : (( الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء )) المقصود بلفظ السماء هنا موضع السحاب وهو بين السماء والأرض مبسوط ، مثل قوله تعالى : (( وأنزل من السماء ماء )) وقد قال تعالى : (( أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون )) وهي السحاب .
قال تعالى : (( وجعلنا السماء سقفا محفوظا )) المقصود بلفظ السماء هنا السماء الدنيا المبنية المحيطة بالأرض إحاطة الكرة بما في وسطها لأنه اقترن بلفظ السماء السقف وهو السماء المبنية وهي سقف الأرض بأجمعها كذلك قوله تعالى : (( وزينا السماء الدنيا بمصابيح )) اقترن بلفظ السماء هنا لفظ الدنيا فتبين أن المراد السماء المبنية المشاهدة ، وكل ما يشبه هذه الآية التي يقترن فيها لفظ الدنيا مع لفظ السماء .
قال تعالى : (( وبنينا فوقكم سبعا شدادا )) وفي مواضع يذكر ربنا عز وجل السبع السماوات فيصفها مرة بأنها شدادا ومرة بأنها طباقا وأنها بناء ويذكر أبوابها . ولا تجد كلمة واحدة من هذا كله في علوم الملاحدة .
قال تعالى : (( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض )) المقصود بلفظ السماء هنا العلو المطلق فوق السماوات فوق العرش ، لأن المراد هو الرب سبحانه .
ومما يوضح بطلان زعم الملاحدة وأتباعهم أن الفضاء لا نهاية له وـاويلاتهم لفظ السماء بالتأويلات الفاسدة الكاذبة أن الله ذكر للسماء أحوالا وصفاتا لا يصح انطباقها على الفضاء مثل قوله تعالى : (( إذا السماء انشقت )) وهذا يكون يوم القيامة والفضاء لا يوصف بالانشقاق ومثله قوله تعالى : (( ويوم تشقق السماء بالغمام )) الآية . يعني يوم القيامة فلولا أنها بناء لما وصفها بالتشقق . وقال تعالى : (( فارجع البصر هل ترى من فطور )) يعني شقوق ولا يقال انظر إلى الفضاء هل ترى فيه من شقوق ؟
وهذا يدل على أنها بناء محكم ، وقد ورد في آيات عديدة وصف السماء بأنها مبنية ولها أبواب .
كذلك قوله تعالى : (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب )) والفضاء لا يقال إنه يطوى .
أما الفضاء فهو المسافة بين السماء والأرض وفي مواضع من القرآن يذكر الرب عز وجل السماء والأرض وما بينهما ، فلولا أن للفضاء نهاية وللسماء جرم لما قال الرب : وما بينهما .
يتبع