التطور
يزعم الملاحدة أن الأرض قد انفصلت عن الشمس كما ذكرت قبل ولكن ليست حالها آنذاك يعني في بداية انفصالها كحالها عندما نشأت فيها الكائنات الحية حيث كانت في الأول مادة غازية شديدة الحرارة كأمها الشمس لأنها جزء منها وإنما وصلت إلى ما هي عليه اليوم من الكثافة والبرودة بالتدرج والتطور بعد ملايين السنين التي يحيل عليها الملاحدة .
يقولون أنه بعد ملايين السنين والأرض تدور بردت وتصلبت وصارت صالحة للحياة ومن هنا تبدأ نظرية داروين لنشوء وارتقاء الكائنات الحية بعدما صارت الأرض صالحة للحياة حيث زعم أن بداية ذلك كان الأميباء ذو الخلية الواحدة فما زال التطور حتى وصل إلى القرد ومنه تطور الإنسان والذي اضطرهم إلى هذه الخيالات إعراضهم عن العلم الذي أنزله خالق هذه المخلوقات ، وجحودهم له ولقدرته ، وأنه سبحانه يقول للشيء كن فيكون .
فجميع ما يذكرون من هذا التدريج والتطور في المخلوقات سواء الأجرام العلوية مع الأرض أو الكائنات الحية ما هو إلا ثمرة من ثمار ضلالهم لما جحدوا الخالق ولم يعتمدوا على وحيه في علمهم .
وفيهم قوم يقرون بوجود الخالق سبحانه وقدرته ومع هذا يعتقدون أن المخلوقات تكونت بهذه الصورة التدريجية بقدرته ، وقد يرفضون أن يكون الإنسان تطور من القرود ، وكذلك كثير من الذين ينتسبون للإسلام سلكوا هذا المسلك في نشأة المخلوقات ، فتجد ذلك في مؤلفاتهم ومناهجهم كما في علم الجيولوجيا والجغرافيا والتاريخ وغير ذلك مما خالط علوم أهل الإسلام فأفسدها .
والكلام الآن ليس مع الجاحدين لوجود الخالق عباد الطبيعة ، وإنما هو مع الذين يقرون بوجوده وقدرته فيقال لهؤلاء الذين راج عليهم نشوء المخلوقات وتدرجها ليس هذا معتقد أهل الإسلام فإن معتقدهم أن الرب سبحانه وبحمده يقول للشيء : كن فيكون على الكيفية التي يريدها سبحانه في الوقت الحالي لا يتأخر ليتدرج ويتطور ويكتمل حتى يكون على الصفة المطلوبة بعد الأزمنة الطويلة والتحولات والتغيرات التي يزعمها عباد الطبيعة .
قد يقول قائل : نحن نرى المخلوقات تنشأ شيئا فشيئا وتتدرج في نشأتها مثل خلق الإنسان والحيوان والنبات فإن هذا كله يبدأ صغيرا ضعيفا فما يزال ينمو حتى يكبر ويكتمل .
فالجواب أن هذا لون والتطور والتدريج في النشأة والترقي الذي يزعمه الدهرية لون آخر ، وذلك أنهم تكلموا بما تكلموا به وقرروا ما قرروه من هذه القاعدة بناءا على أن المخلوقات بنفسها تتغير إلى الأحسن وتترقى إلى الأكمل والبقاء فيها للأصلح لذلك زعموا أن أصل الكائنات الحية كلها شيء في غاية الصغر يسمى الأميبا ، ويعللون بداية تكوينه بتعليلات خيالية من جنس سائر ما يعتمدون عليه في علومهم بعضهم يقول : اتفقت عناصر التربة في قعر بعض المحيطات مع الحرارة وتكون هذا الاميبا وبعضهم يقول : إنه جاء من كوكب آخر ، وغير ذلك من خرصهم ودجلهم ، فهم يقولون : مازال الأميبا ينمو ويتدرج من طور إلى طور حتى صارت منه هذه الكائنات الحية كلها ، فالحيوان ، والإنسان والحشرات كل ذلك من أصل واحد ، وهذا لا شيبه فعل الله سبحانه وتعالى في خلقه الكائنات .
فإن الإنسان مثلا يبدأ خلقه من النطفة فيكون إنسانا لا يكون في الأول سمكة ثم ضفدعا ثم قردا ثم إنسانا ، بل هو إنسان من البداية إلى النهاية ، لكن تلك بدايته وهذه نهايته في التخليق . وكذلك الحيوان والنبات وهذه سنة الله في خلقه لم تتغير . والتطور لكل الكائنات أصله واحد .
فقد ظهر الفرق بين التطور المزعوم والخلق ، وأن الأول خيال لا حقيقة له وهو الكيفية التي يذكرونها لتدرج المخلوقات بفعل الطبيعة ، والثاني فعل الخالق القادر الحكيم سبحانه . ومما يوضح ذلك أن الرب سبحانه كتب مقادير الخلائق . قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما ورد في الحديث الصحيح ، وهو سبحانه كتب مقاديرها على الكيفية التي خلقها عليها لكمال علمه وقدرته .
أما التطور والترقي الذي يزعمه الدهرية فهو لبلوع الصورة الكمالية للكائن تدريجيا فعل من ليس بعالم ولا قادر ولا حكيم وهو الطبيعة .
وقد اقتضت حكمة الرب سبحانه أن يخلق الإنسان بهذه الكيفية وكذلك الحيوان والنبات ليس عجزا منه أن يخلقه كاملا في نفس الوقت ، فإنه لما أراد ذلك خلق آدم رجلا مكتملا وكذلك حواء خلقها امرأة كاملة .
وقد نوع لنا من مفعولاته ما نستدل به على قدرته وحكمته ونعلم به يقينا بطلان كلام الطبائعيين في تكون الكائنات ، فهذا آدم عليه السلام خلقه من غير ذكر ولا أنثى ، وحواء من ذكر بلا أنثى ، وعيسى عليه السلام من أنثى بلا ذكر وسائر بني آدم من ذكر وأنثى ، وهذا مما يبين عظيم قدرته سبحانه .
ذكلك قلب عصا موسى عليه السلام حية في الحال وأعادها عصا كما كانت وغير ذلك كطيور إبراهيم عليه السلام ، والذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها والذين قال لهم الله موتوا ثم أحياهم وغير ذلك .
بمعرفة ما تقدم يتبين لنا أن الرب عز وجل خلق الأرض على كيفيتها هذه صالحة للحياة من حين خلقها ، لم تكن غازا يدور وبعد ملايين السنين برد وتكثف وصلح للحياة . لأنها لم تنفصل عن الشمس كما يزعمون .
فالرب سبحانه يخلق بكلماته الكونية ، قال تعالى : (( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون )) ، وقال تعالى : (( وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر )) .
قال ابن القيم : فعناصر العالم ومواده منقادة لربها وفاطرها وخالقها يصرفها كيف يشاء ، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده . بل هي طوع مشيئته مذللة منقادة لقدرته ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين وكفر به وأنكر ربوبيته . إنتهى من طريق الهجرتين .
لو عرف الطائعيون هذا وآمنوا به ما لجأوا إلى نظرياتهم الضالة المضلة .
وقال رحمه الله : وأن الأمر ليس كما يظنه أعداؤه الجاحدون له الكافرون به من أن ذلك أمر طبيعي لم يزل هكذا ولا يزال . وأنه ليس للنوع أب ولا أم . وأنه ليس إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وطبيعة تفعل ما يرى ويشاهد ولم يعلم هؤلاء الجهال الضلال أن الطبيعة قوة وصفة فقيرة إلى محلها محتاجة إلى حامل لها ، وأنها من أدل الدلائل على وجود من طبعها وخلقها وأودعها الأجسام وجعل فيها هذه الأسرار العجيبة . فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته ومملوك من مماليكه وعبيده مسخرة لأمره تعالى منقادة لمشيئته .
ودلائل الصنعة وأمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدة عليها بأنها مخلوقة مصنوعة لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرف في ذاتها ونفسها فضلا عن إسناد الكائنات إليها .. انتهى من طريق الهجرتين ص 152 .
الأرض خلقت قبل الشمس والنجوم والسماء
تقدم خلق الأرض يكفي لهدم بنيانهم وهو بنص القرآن .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين )) الآيات . قال : فذكر أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده بالسقف . انتهى .
**************************
فاصل :
هذا اقتباس من تفسير ابن كثير للآيات 9 - 11 من سورة فصلت أرجو قراءته
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ
( هَذَا إِنْكَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره وَهُوَ الْخَالِق لِكُلِّ شَيْء الْقَاهِر لِكُلِّ شَيْء الْمُقْتَدِر عَلَى كُلّ شَيْء فَقَالَ " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا " أَيْ نُظَرَاء وَأَمْثَالًا تَعْبُدُونَهَا مَعَهُ " ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ" أَيْ الْخَالِق لِلْأَشْيَاءِ هُوَ رَبّ الْعَالَمِينَ كُلّهمْ . وَهَذَا الْمَكَان فِيهِ تَفْصِيل لِقَوْلِهِ تَعَالَى " خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام " فَفَصَّلَ هَهُنَا مَا يَخْتَصّ بِالْأَرْضِ مِمَّا اِخْتَصَّ بِالسَّمَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْض أَوَّلًا لِأَنَّهَا كَالْأَسَاسِ وَالْأَصْل أَنْ يَبْدَأ بِالْأَسَاسِ ثُمَّ بَعْده بِالسَّقْفِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " الْآيَة فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى " أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَال أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " فَفِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ دَحْو الْأَرْض كَانَ بَعْد خَلْق السَّمَاء فَالدَّحْو هُوَ مُفَسَّر بِقَوْلِهِ " أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " وَكَانَ هَذَا بَعْد خَلْق السَّمَاء فَأَمَّا خَلْق الْأَرْض فَقَبْل خَلْق السَّمَاء بِالنَّصِّ وَبِهَذَا أَجَابَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة مِنْ صَحِيحه فَإِنَّهُ قَالَ : وَقَالَ الْمِنْهَال عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا إِنِّي لَأَجِد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تَخْتَلِف عَلَيَّ قَالَ " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " " وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ" " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى" أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا - إِلَى قَوْله - وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " فَذَكَرَ خَلْق السَّمَاء قَبْل الْأَرْض ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ - إِلَى قَوْله - طَائِعِينَ " فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْق الْأَرْض قَبْل خَلْق السَّمَاء قَالَ " وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " " عَزِيزًا حَكِيمًا " " سَمِيعًا بَصِيرًا " فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " فِي النَّفْخَة الْأُولَى ثُمَّ " نُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ عِنْد ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنهمْ فِي النَّفْخَة الْأُخْرَى" وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ " وَأَمَّا قَوْله" وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَغْفِر لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ فَيَقُول الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُول لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَيُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ فَتَنْطِق أَيْدِيهمْ فَعِنْد ذَلِكَ يَعْرِف أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُكْتَم حَدِيثًا وَعِنْده " يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا " الْآيَة وَخَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاء ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَى الْأَرْض وَدَحْيهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاء وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَال وَالرِّمَال وَالْجَمَاد وَالْآكَام وَمَا بَيْنهمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى دَحَاهَا وَقَوْله" خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ " فَخَلَقَ الْأَرْض وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْء فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَخَلَقَ السَّمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " سَمَّى نَفْسه بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْله أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْك الْقُرْآن فَإِنَّ كُلًّا مَنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنِيهِ يُوسُف بْن عَدِيّ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْمِنْهَال - هُوَ اِبْن عَمْرو - الْحَدِيث . وَقَوْله " خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ " يَعْنِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْاِثْنَيْنِ ) .
************************************************** *************
عودة لإكمال الموضوع :
أما قوله تعالى : (( والأرض بعد ذلك دحاها )) فقد ذكر ابن كثير رحمه الله : أن الأرض خلقت قبل السماء ولكن إنما دحيت بعد خلق السماء بمعنى أنه أخرج ما كان فيها بالقوة إلى الفعل .
وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما الذي ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه أن خلق الأرض كان قبل خلق السماء وأن دحيها كان بعد خلق السماء ودحوها مفسر بقوله تعالى : (( أخرج منها ماءها ومرعاها )) فهو ذلك .
وقد تأول الزنداني هذه الآية كغيرها لمجاراة علوم الملاحدة ففسر قوله تعالى : (( والأرض بعد ذلك دحاها )) بدورانها ، تدحرجها في مسارها وأنها لا تزال تتدحرج وتتقلب في فلكها ومسارها ، نسأل الله العافية .
فهذا الذي تقدم من خلق الأرض قبل السماء والشمس والكواكب يكفي وحده لإبطال خيال الدهرية من أن الأرض انفصلت عن الشمس ومازالت تدور حولها على السيرة التي بينتها قبل .
فالشمس خلقت مع السماوات تبعا لها بعد خلق الأرض .
في هذا الرسم رقم (2) يظهر شكل السماء والأرض حسب معتقد أهل الإسلام المطابق للكتاب والسنة ، كذلك يتبين دوران الشمس والقمر والكواكب حول الأرض وهو الذي يصدقه العقل السليم .
السماء الدنيا على شكل الكرة والأرض في جوفها وإنما رسمتها نصفين لتظهر صورة الأرض لأنها محيطة بها من كل جانب إحاطة الكرة بما في وسطها .
انظر الآن إلى الفضاء الصغير المحدود بالسماء الدنيا من بعض كل جانب يتبين لك ثبات الأرض وعدم مغادرتها موضعها لكن بعض الناس يقول : لو دارت حول نفسها يعني التي يسمونها الدورة اليومية لم تغادر موضعها وقد لا يكون في هذا معارضة .
فنقول :
أولا : لا يقصدون هذا وحده فإنهم يقولون تدور الدورة اليومية حول نفسها لتعاقب الليل والنهار والدورة السنوية حول الشمس لتعاقب الفصول الأربعة . فالدورة السنوية معناها الطيران في الفضاء .
ثانيا : دورانها ولو حول نفسها فقط معارض لنصوص الكتاب والسنة كما سنذكر ذلك إن شاء الله وكذلك هو فاسد في العقل . لكن عقولا كثيرة إعتادت قبول المحالات .
صفة دوران الأرض
كذلك بعض الناس يظن أن معنى القول بدورانها هو أنها تدور مثل الرحى ولذلك يستدلون على نفي دورانها بأدلة لا تصلح . حيث يقولون : لو كانت تدور لتغيرت الإتجاهات . وقد نشأ هذا الغلط لظنهم أن هذا هو المراد من القول بدورانها . وليس كذلك وإنما الذي يقرره أصحاب هذه النطرية أنها تدور من المغرب إلى المشرق وهذا لو قدر أنه حصل ما تغيرت معه الإتجاهات فلا يصلح هذا دليل لنفي دورانها .
يتبع