الفضاء محدود
الفضاء محدود وله نهاية ومسافته وسعته مقدرة فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فذكر أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام يعني سماء الدنيا الذي هو سقف الأرض وذلك بتقدير سير الإبل . وهذه المسافة تمكن معرفتها باصطلاح أهل الزمان حيث يقيسون المسافات بالكيلومتر إذا علم كم تسير الإبل باليوم من كيلومتر . وقد قدرت ذلك فوجدت مسافة ما بين السماء والأرض تقارب تسعة ملايين كيلومتر فقط وهو الفضاء كله من كل جانب من الأرض فهو كقطرة من بحر بالنسبة لفضائهم المزعوم الذي ليس له حد.
فأين هذا من خيال الملاحدة وفضائهم الذي لا نهاية له . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( هل تدرون ما هذا ؟ )) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : (( هذا العنان هذه رواية الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه )) ثم قال : ((هل تدرون ما فوقكم ؟ )) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : (( فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف )) ثم قال : (( هل تدرون كم بينكم وبينها ؟ )) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : (( بينكم وبينها خمسمائة سنة )) الحديث . وقد رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار وقال الترمذي : هذا حديث غريب .
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليهم وسلم فمرت بهم سحابة .. وفي الحديث (( هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض ؟ )) قالوا : لا ندري ، قال : (( إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة )) الحديث . وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد والحاكم في المستدرك . قال ابن القيم رحمه الله : وأما اختلاف مقدار المسافة في حديثي العباس وأبي هريرة رضي الله عنهما فهو مما يشهد بتصديق كل منها للآخر ، فإن المسافة يختلف تقديرها بحسب إختلاف السير الواقع فيها . فسير البريد مثلا يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات ، وهذا معلوم بالواقع فما تسيره الإبل سيرا قاصدا في عشرين يوما ، يقطعه البريد في ثلاثة . فحيث قدر النبي صلى الله عليه وسلم بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب فكل منهما يصدق الآخر ويشهد بصحته ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .
وقال الذهبي : لا منافاة بينهما لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلا ، ونيف وسبعون سنة على سير البريد لأنه يصح ان يقال بيننا أي بالشام وبين مصر عشرون يوما باعتبار سير العادة وثلاثة أيام باعتبار سير البريد . انتهى .
وقد ورد أحاديث غير هذين الحديثين فيها ذكر المسافة بين السماء والأرض وأنها خمسمائة عام .
وبعد ذلك نقول : إنه يستحيل دوران الأرض حول الشمس الدورة السنوية لأنها محجورة في جوف السماء الدنيا والمسافة بين الأرض والسماء قريبة جدا بالنسبة لفضائهم الخيالي ، فإذا كانوا يقدرون ما بين الأرض والشمس بـ 150 كيلومتر فهذا وحده أبعد من المسافة بين السماء والأرض بمائة وإحدى وأربعين كيلومتر تقريبا ، كيف بفضائهم الخيالي الذي لا ينتهي الذي يقيسونه بالسنين الضوئية ؟!
المسافة بين سطح الأرض وسطح السماء السابعة
المسافة بين الأرض وسطح السماء السابعة حوالي 126 مليون كيلومتر باعتبار أن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وسمك كل سماء كذلك ، والمسافات بين السماوات كذلك ، وهذا كله أقل مما يقدرونه بين الأرض والشمس بحوالي 24 مليون كيلومتر . هذا الفرق في مجموعة واحدة فكيف بملايين الملايين التي تتكون منها المجرات المزعومة التي بينها مسافات هائلة .
لم يجعلنا النبي صلى الله عليه وسلم عيالا على هؤلاء الضلال نتعرف على مخلوقات ربنا بتعريفهم ونستدل عليها بدلالتهم .
ومن يكن الغراب له دليلا * يمر به على جيف الكلاب
وإذا كان الأصل الذي أصلوه لعلومهم وبحوثهم جحود ربهم ، فهل يعقل أن يستأثروا بعلم صحيح ومعرفة في مخلوقات الرب سبحانه أصح من معرفة من جاء بهذا الدين وأتباعه الموحدين ؟ مع أن الرب سبحانه أثنى عليهم أنهم هم أولوا الألباب حيث قال : (( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )) ثم ذكر أنهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض . فيلزم من اعتقد دوران الأرض أن يكون تفكر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ومن تبعهم من سلف الأمة حتى وقتنا هذا يلزمه أن يكون تفكرهم في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار خطأ وأن المراد بأولي الألباب مقلدة الملاحدة فهم أهل التفكر الصحيح المطابق للواقع حيث اكتشفوا أن الأرض تدور والشمس ثابتة والفضاء لا نهاية له والجبال تحفظ توازن الأرض أثناء دورانها حتى لا تميد وما تبع ذلك من الخيال التائه الضال .
أما أولئك فتفكرهم خاطئ معكوس حيث يتفكرون في أرض ثابتة ترسيها الجبال في موضعها وشمس واحدة فقط ليس ملايين الشموس تدور حولها ، وسماء مبنية محيطة بالأرض وفضاء محدود وهو المسافة بين جرم الأرض وجرم السماء وما تبع ذلك من الحق لأن التفكير السليم لا بد أن يكون مطابقا للواقع في الخارج يعني خارج الفكر في هذا المجال وأمثاله ، وهذه من خواص أهل العقول السليمة والأفكار المستقيمة .
فيا لها من فضيحة قبيحة تهوك بها هؤلاء المتأخرون مقلدة المعطلة . ولذلك زعم الزنداني أن آيات الخلق في القرآن لم يكن يعرف معناها في الماضي وإنما عرف اليوم لما انبثق علم الملاحدة وقد كتبت ردا عليه فيه بحث موضوعنا هذا وغيره اسمه ( الرد على الزنداني ) .
حتى أن عبدالعليم خضر قال : ولذلك نجد أن الإنسان الذي كان يعيش منذ 1400 سنة لم يكن قادر على استيعاب المعنى العميق الذي يكمن في الإشارة الكونية ولذلك لم يدرك إلا المعنى الظاهري فقط .
يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يكونوا قادرين على استيعاب المعنى العميق الذي يكمن في الإشارة الكونية وإنما قدر هو وأمثاله لما قلدوا الملاحدة بدوران الأرض وما تبعه من الضلال . وكفى سوءا بهؤلاء أن يظنوا مثل هذا الظن .
المراد من القول بدوران الأرض حول نفسها وحول الشمس
ثم نقول : أليس المراد من دعوى دوران الأرض حول نفسها تعاقب الليل والنهار ودعوى دورانها حول الشمس تعاقب الفصول الأربعة ؟
فالأول يحصل بعكس قولهم وهو دوران الشمس حول الأرض ، فبسبب ذلك يتعاقب الليل والنهار كما يتضح ذلك في الرسم رقم (2) وهذا معنى قوله تعالى : (( وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون )) فقد فسر هذه الآية ترجمان القرآن وغيره من المفسرين بأن معناها يدورون ، فالشمس تدور في فكلها حول الأرض فيحصل الليل والنهار ومن العجيب أن يستدل بهذه الأية على دوران الأرض مع أنه ليس للأرض فيها ذكر بل هي صريحة في دوران الشمس على كرة الأرض في فلكها المستدير في كرة السماء كذلك دوران الليل والنهار والقمر .
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها قال : وكذلك القمر . رواه ابن أبي حاتم بإسناد صحيح .
قوله : تحت الأرض . نسبة لما يتوهمه الإنسان في البداية من أن مَنْ في ذلك الجانب يكون تحتا وليس كذلك لأن التحت هو الأرض السابعة السفلى وهو جوف الأرض ويسمى المركز وهو محط الأثقال ، فالأثقال من كل جانب تنجذب إليه وتنتهي إليه ، ولو كان من في تلك الناحية تحت لكنا نحن ههنا تحت فنحن بالنسبة لمن هناك كما هم بالنسبة إلينا ، والسماء من كل مكان في الأرض عالية على الأرض ، انظر رسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد وضح ذلك وبينه .
فتعاقب الليل والنهار على كرة الأرض بواسطة دوران الشمس حولها هو الذي يدل عليه قوله تعالى : (( وهو الذي خلق الليل والنهار )) الآية . كما تقدم ، وكذلك قوله تعالى : (( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل )) والعرب تقول : كورت العمامة إذا أدرتها على الرأس. وليس الرأس هو الذي يدار لتكوير العمامة عليه ، والقرآن نزل بلغة العرب وهذه الآية دليل أيضا على كروية الأرض ، لأن التكوير لا يكون إلا على الجسم المستدير .