هل هناك مجموعة شمسية نظيرة مثلنا وأرض تشابه كرتنا وبشر يقابلوننا في الأشكال في تلك العوالم المخفية مثل عالم الجن الواعي المغيب عنا ؟ البعد الفلسفي في رؤية الكون من هذا النوع ، أن الوجود أعقد مما نتصور ، وأبعد عن إحاطتنا العقلية ، وأدعى لتحدي لفهمه . مهما يكن من أمر فإن عالماً جريئاً هو ( فالتر اوليرت WALTER OELERT ) في معهد سيرن للفيزياء النووية في جنيف ، أسعفه الحظ عام 1996 م ، والتقنيات المتفوقة ، والطموح الجريء ، والصبر والعناد في البحث ، وتخصيص الأموال اللازمة ، أن يصل الى تركيب أول ذرة هيدرجين من عالم مضاد المادة لم يرها مباشرة ، وإنما مرت كالشبح الهارب ؛ فأمكن ضبط آثارها ، التي لم تزد عن عشرين جزءاً من المليار من الثانية الواحدة
وفي ( الكوسمولوجيا ) نعرف اليوم أن الكون ولد قبل 15 مليار سنة ضوئية من انفجار لايمكن تصوره وتذهب نظرية ( الانفجار العظيم BIG BANG THEORY ) أن الكون بدأ من لحظة ( رياضية ) متفردة ( SINGULARITY)(2) حيث تنهار كل قوانين الفيزياء ، فينعدم الزمان ويختفي المكان ، وتقف القوانين عن العمل ، وليبقى أي أثر للمادة أو الطاقة . كل الكون كان مضغوطاً في حيز أقل من بروتون واحد ، ثم انفجر في أقل من سكستليون من الثانية ( عشرة مرفوعة الى قوة 36 ) على شكل طاقة مهولة ثم برد فشكَّل كل المجرات ؛ فبدأ المكان في التشكل ، والزمان في الحركة ، والقوانين في العمل ، والمادة في الظهور ، والطاقة في التألق ، وقبل 530 مليون سنة تدفقت عديدات الخلايا تدب على المعمورة ، وقبل 200 ألف سنة بدأ الانسان الحديث الزحف من شرق أفريقيا ليسكن كل المعمورة ، في رحلة انتهت قبل 12 ألف سنة بعبور مضيق بهرنج الى آلاسكا فالأمريكيتين ، ومع مطلع 1999 م أعلن فريق من الفلكيين يضم 60 شخصاً من استراليا برئاسة النيوزيلندي ( فيليب يوك PHILIP YOCK )(3) عن كشف أرض توأم في مجرتنا تبعد عنا عشرة آلاف سنة ضوئية باستخدام تقنية متقدمة تعتمد انحراف الضوء وتجمعه فيما يشبه محرق العدسة عند مروره بجانب كوكب قبل وصول الضوء الى الأرض . ميزة هذا الكشف أنه حرك الخيال لإمكان وجود حياة فيه فهو الأول الذي يشبه أرضنا بعد أن كشف حتى الآن عن 17 كوكب كبير قريبة من شموسها لاتصلح للحياة . ورست مركبة ( الباثفايندر ) على سطح المريخ صيف 1997 م (4)بعد العثور على بصمات الحياة فوق حجر منه طاح في أجواز الفضاء ورسى قبل 13 ألف سنة على القطب الجنوبي(5) ؛ ليندلق من احشاءها عربة ( السوجرنير ) الأنيقة ، مزودة على ظهرها كسلحفاة ، بمائتي حجرة ضوئية للطاقة ، تعاين سطح المريخ بعيون ثلاثية الأبعاد ، تنحني بأنفها ، تشم سطح المريخ العابق بأكاسيد الحديد الحمراء تقول : لا المس مس أرنب ولا الريح ريح زرنب ؟! وفي 23 يناير من عام 1999 م (6) تم رصد توهج نجمي على شكل أشعة جاما من عمق المحيط الكوني للحظات ، أمكن تسجيله باثنين من أقمار الأبحاث وكامير آلية على جبال نيومكسيكو ، قدرت طاقته بما تبثه كل النجوم والمجرات مجتمعة ، وبتحليل مصدر التوهج الذي أخذ الاسم العلمي ( GRB990123 ) قدرت الطاقة التي تولدت بانفجار 2000 سوبرنوفا ؟؟ ولو حدث هذا على بعد آلاف من السنوات الضوئية في مجرتنا لأزال كل صور الحياة ، وعرف أنه صدر من عمق تسعة مليارات سنة ضوئية ، وأنه لايفوقه في طاقته الا الانفجار العظيم نفسه الذي حدث قبل 15 مليار سنة ، وأن مقدار الطاقة التي بثها تعادل كل مابثته الشمس في مدى خمسة مليارات من السنين منذ أن خلقها الله ، ولم يمكن تفسيرها الا بنجوم نترونية احترقت واستهلكت نفسها أطبق فيها الالكترون على البروتون ماسحاً كل الفراغ الذري يصل فيه قطر النجم بضعة كيلومترات تبلغ فيه ملعقة الشاي الصغيرة فيه وزن الجبل العظيم ، اقترب فيها نجمان نترونيان يدوران حول بعضهما يرقصان ثم يقع أحدهما في حضن الآخر ليتولد ثقب أسود مهول الكثافة يبث أشعة ليزر في اتجاهين فقط يعبر ثلاثة أرباع الوجود الكوني ليلتقي صدفة في طريقه بالأرض . يعلق الفلكي الأمريكي ( ستيفان ثورسيت STEPHAN THORSET) أن هذه الظاهرة ليست جديدة في عمر الأرض فالأحافير تروي لنا قصصاً شبيهة قبل 439 مليون سنة عندما تسلطت على الأرض فتفسخ غلاف الاوزون مزعاً وغرقت الأرض بطوفان من الأشعة فوق البنفسجية أهلك الزرع والضرع لـ 95% من كل الحياة النباتية والحيوانية .
ونظر في النجوم الفلكي المخضرم ( الان ساندج ALAN SANDAGE )(7) بعد طول بحث في ظلمات المجرات أخذت نصف قرن فقال اني سقيم بسيطرة أفكار العدمية عليه ؛ فلما جنَّ عليه الليل بزغ الايمان في صدره وهو يتأمل ملكوت السموات ليكون من الموقنين ؛ فاعترف بعد بحث نصف قرن أن وجود المادة أمر معجز لايفسره الا قوة فوق مادية ، واستطاع أن يحدد عمر الكون بـ 15 مليار سنة ضوئية . وأعلن عن ( كوكب بيجاسوس ) يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي ، بتطبيق ظاهرة ( ترنح النجم )(8) فبينما كان الفلكي ( فيليب ايناريوس _ PHILIPE HENAREJOS ) يراقب النجم بيتا بيكتوريس في التلسكوب الأوربي الموجود في مدينة ( لاسيلا _ LA SILLA) في دولة شيلي لفت نظره ( خنوس ) وانطفاء ضوء النجم الذي استغرق عدة ساعات ، ليعود سيرته الأولى في اليوم التالي ، وذهب الفلكي ( فيليب هيناريوس ) مذاهب شتى في تفسير تغير اضاءة النجم ، وأقربها هو مرور كوكب أمام الشمس أدى الى هذا ( الخسوف ) الشمسي ، ولكن هذا جديد كل الجدة في علم الفلك ، واكتشاف من هذا النوع يجب أن يكون المرء فيه حذراً ، وهذا مادفع الفريق العلمي الاستمرار في أبحاثهم حتى خرجوا بالكشف الجديد ، وتبين أن هذا النجم يبعد 52 سنة ضوئية عن النظام الشمسي الذي نعيش فيه . في عام 1844 م انتبه الفلكي الألماني ( فريدريش فيلهلم بيسل _ FRIEDRICH WILHELM BESSEL ) الى هذه الظاهرة فرأى أن دوران الكوكب حول الشمس يفضي الى مجموعة من القوانين الكونية للحركة في نفس حركته ، وفي تأثر نفس الشمس التي يدور حولها ، منها أن المدار الذي يسير فيه الكوكب ليس خيطاً في منتهى الدقة ، بل وكأنه الخيط المحلزن المتعرج ، مثل حلزنة وتعرجات خطوط مرور الطلقة داخل سبطانة البندقية وهذا يتعلق بالبعد بين الكوكب والنجم ؛ فعندما نراقب نجماً لامعاً في السماء فإن بأمكاننا أن نقول أن في مداره كوكباً يرقص ، حينما نهتدي الى ذبذبة الضوء القادمة من النجم ، وتردد موجاته الضوئية التي تدل على حركة ترنحه وتغير قوة الاضاءة تبعا لذلك ، ولكن المشكلة كانت في المعدات التي يمكن أن تكشف هذه الحركة وهذا ( الترنح ) مهما صغر ، وهذا الذي وصل إليه فريق العلماء السويسري في مركز الرصد السماوي في جنيف ( ميشيل مايور MICHEL MAYOR و _ ديدي كيلوز DIDIER QUELOS) ، وتم تقديمه في اكتوبر من عام 1995 م الى المؤتمر الفلكي الأوربي السنوي في فلورنسا عن مجموعة نظام شمسي جديدة في النجم ( بيجاسوس 51 ) والذي يبعد عنا بمقدار 45 سنة ضوئية !! وبواسطة تطوير أجهزة الرصد الدقيقة التي يمكن أن تقيس ترنح النجم الى درجة سرعة ( موتورسيكل ) صغير بسرعة 36 كم \ ساعة ، أمكن رؤية ( كوكب ) مرعب يدور حول الشمس بيجاسوس وكأنه الثور الهائج ، بدورة كاملة كل أربعة أيام ، وبمسافة تبعد عن شمسه أقل بعشرين مرة من اقتراب الأرض عن الشمس ( أي حوالي 6.4 مليون ميل بدلاً من بعد الأرض عن الشمس والبالغ 93 مليون ميل ) فهو كوكب يغلي كالنار المستعرة بحرارة 1400 درجة ( قارن سطح الشمس التي تبلغ 6000 ستة آلاف درجة مئوية وفي المركز 14 مليون درجة ) ولايحوي ماء فقد تبخر كل شيء ، وسطحه ممتليء ببحار من الالمنيوم التي تنطبخ وتفور وبحجم يصل الى حجم المشتري عملاق المجموعة الشمسية . واذا كانت الامكانيات الحالية من خلال رصد ترنح النجوم تقود الى الكشف عن كواكب عملاقة ، فإن الامكانيات المتاحة حالياً لاتوفر مثل هذا الرصد بسهولة للكشف عن كواكب في مثل حجم أرضنا ، فالشمس أكبر من الأرض بمليون و300 ألف مرة ، وقطر الشمس 865 ألف ميل ، بحيث أن ( صف ) مائة وتسعة ( 109 ) من مثل أرضنا فوق بعضها البعض يوصلها الى قطر الشمس ، ووزنها أكبر من الأرض ب 333 ألف مرة ، فكتلة الشمس تبلغ 2 بليون بليون بليون ( عشرة مرفوعة الى رقم 27 والبليون هو المليار وهو ألف مليون ) طن والجاذبية على ظهرها أكبر من الأرض ب 28 مرة ، مع أن كثافة الشمس 4.1 في حين الأرض 2.5 للسنتمتر المكعب الواحد ، وتستهلك من الطاقة أربعة ملايين طن من الهيدرجين في الثانية الواحدة (9) فالأرض كما نرى كوكب صغير للغاية وكأنه ذرة غبار صغيرة في هذا المحيط الكوني المترامي ، ولكن تطوير هذه التقنية الجديدة ستتيح للعين الانسانية رؤية كواكب في مثل حجم الأرض ، وبواسطة تحري الطيوف اللونية للعناصر الموجودة على ظهر الكوكب ؛ سيتم التأكد من وجود حياةٍ على ظهرها من عدمه ، كما سيكشف عن المرحلة التي وصلت اليها الحياة على ظهر هذا الكوكب ، ولكن الإجابة عن سؤال الحياة سيقرر أهمية هذا الكوكب بشكل مصيري ، فنظرية بطليموس القديمة اعتبرت الأرض هي مركز الكون ، وكل الوجود يدور حولها ، ولكن نظرية كوبرنيكوس قلبت هذا المعيار فتحولت الكرة الأرضية الى كوكب تافه لاوزن له في هذا الكون الفسيح ، وبذا اختل مركز الانسان أيضا باعتباره مركز الخليقة ، ومن هنا ولدت فلسفات مختلفة أمام هذا التصور الكوني ، وفي الوقت الذي نكتشف أننا الوحيدون في هذا العالم ؛ فإن نظرية بطليموس سترجع ولكن ليس على الصورة الجغرافية الكوسمولوجية ، بل على الصورة البيولوجية الانسانية ، أي نظرية بطليموس المقلوبة الجديدة . وهو المطروح حالياً تحت فكرة المبدأ الانساني . ولكن على فرض الكشف عن امكانية حياةٍ على ظهر كوكب تقاس مسافة بعده عنا بالسنين الضوئية ؛ فإن التحدي الحالي هو السرعات التي نملكها للوصول الى هذا الكوكب ، فنحن في الوقت الراهن أسرى هذه السرعات الصبيانية بالنسبة لمسافات الكون ، ففي مسافات من هذا النوع وبسرعات متوفرة لدينا سخيفة يصبح الوصول الى الكواكب الأخرى ضرب من المستحيل مالم يطور أحد أمرين إما السرعة ذاتها أو طبيعة التنقل ، فالتحدي في المسافة هو في سرعة الضوء ، واذا استطاع الذكاء الانساني ان يصل الى سرعات تقفز فوق الحاجز الصوتي فليس الأمر كذلك بالحاجز الضوئي . كان قياس سرعة الصوت سهلاً أما اختراق الحاجز الضوئي فيعتبر اليوم مستحيلاً (10) فعند زيادة السرعة لتصل الى سرعة الضوء تحصل تغيرات تقلب المفاهيم التقليدية كلها ، من خلال أربع نتائج ، تنهار عندها المعطيات الرياضية الكلاسيكية كلها : (1) فيتم استخدام طاقة لانهائية (2) ، وينضغط الطول الى الصفر (3) وتزداد كتلة الجسم المتسارع الى اللانهاية (4) ويتوقف الزمن ؟!! وهذه الأفكار تولدت بالأصل من النسبية الخاصة ، وتشكل ضرباً من التحدي أمام العقل الانساني ، أو بكلمة ثانية استحالة الوصول الى الكواكب المترامية في الفضاء ، لأن العمر سيضيع بكل بساطة ، وسيحتاج الانسان الى 200 ألف سنة ليصل الى أقرب كوكب وهو لايعيش منها 200 سنة فكيف بمائتي ألف من السنين .
يتبع ....