ملتقى الفيزيائيين العرب - عرض مشاركة واحدة - ما جاني أمر
الموضوع: ما جاني أمر
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-05-2007, 07:55
الصورة الرمزية ربانة
ربانة
غير متواجد
مشرفة أقسام المنتديات الخاصة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2006
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 4,993
افتراضي ما جاني أمر

يخطو نحو العشرين ، دخل المسجد.. يحمل جرحين : آثار حادث سيارة ، خرج منه محطم الساقين .. محطم القلب ، على (أحلام) للشباب مبكرة ، اغتالها الحادث .. و تداعياته على الجسد و (القلب) .. جرحه الثاني ، كان هموم أمة .. حملها صغيرا ، و تفتحت (عيون) القلب على واقع بئيس لها .. تخلف و هزائم ..
الوجع هذه المرة جاء من أفغانستان ..

يتذكره .. كان يوم ثلاثاء ، حينما اجتاحت الدبابات الروسية كابل في أواخر شهر ديسمبر 1978 . كان شتاءا قاسيا .. و ما زال ، ما أطول (شتاءاتنا) ..!

بقي ينتظر يوم الجمعة .. (ستهتز) المنابر ، لهول الحدث .. هكذا حدث نفسه ..!

و طفق يبحث عن (جامع) يصلي فيه .

كان يريد أن يصلي .. و كان وجعا غائراً.. مكتوما ، يصرخ في أعماقه .. يبحث له عن (فم) .. !

أحس .. كأنما دوائر هائلة من الألم تنداح في لجة أعماقه .. آهة حقيقية تتلوى في صدره .. و طوفان رفض عارم يهدر في شرايينه ..

يموت .. مثل موج هادر .. يبتلعه الرمل على شاطئ خاو ٍ .. مهجور..

بلع ريقه المُرّ ، و هويتذكر مقطعا كان قد سمعه ، أول ما بدأ عصفور قلبه الصغير محاولاته الأولى للطيران ..

" بي آهة .. عجزت أبلقى لها فم .."

قد كبر .. و اعتنق القلب(حبا) آخر .. مع حبه الأول ، و كبرت الآهة ..!

ناء القلب .. فوق( حبه) القتيل بحادث السيارة ، بحب أمة مهزومة .. فحمل الهزيمة .. و احتمل الجراح .

اتخذ مكانا في الصف الأول ، قريبا من الإمام . لم يدر لم اختار ذلك المسجد بالذات . كان يبحث عمن يطلق الصرخة التي تتحشرج في داخله .. و تكاد ، و هي تدق جدران صدره بعنف .. و تركض مجنونة بين قلبه وعقله و حنجرته .. بحثا عن مخرج ، أن تمزق أحشاءه .

الصفوف طويلة .. و كل شيء كان داكنا : الإضاءة الضعيفة ، لون الفرش ، الملابس الشتوية الملونة ، و وجوه (المخبرين) .. و روحه المثخنة .. المظللة بلون الدم :

أمة تنزف .. و عصفور قلب جريح ..

يبلع ريقه المر ، و يتراءى له وجه أمه ، تقرأ الوجع في عينيه .. ليست تدري من أي الجرحين يشكو ..!

يتراءى له وجهها .. تصب فنجان القهوة ، و تكاد تمد يديها ، تلتقط حطام وجع يتصبب من عينيه .. و تردد :

" و الله ما خليك و أنت اليوم خالجني .. إما اتلف الروح .. أو آخذ معك سجة .."

كثيرا ما سمع منها .. مثل هذا الشعر ، الذي يُحدّث عن الألم .. إذ يعذب الروح ، و يفريها حتى القرار ..

بعض الحزن لا يحتمله القلب ..

و بعضه لا يحتمله الجسد ..

فيفيض من العيون ..

كأنما تريد أن تقول له : أعرف معنى أن يخفق القلب .. يرف عصفوره الصغير بجناحيه !

فتصطخب الجوارح ..

لا تدري أي الجرحين يشكو..!

تخاف أمه من شيئين : أن يفرط عصفور القلب في (التحليق) ،فتغرس فيه الصبابة جرح عميق ، أو أن يفرط في حب (أمته), فتخطفه ( كتائب ) المخبرين ..!

فيما بعد ، حين منحوه الحرية بمكرمة (!!) .. قال لأمه :

- كنتِ تخافين ..!

و تعاقبت امام ناظريه ومضات لوجهها .. و وجه السجان ، و( أربع) مملوءة بصلصلة الحديد ، و ألوان القضبان الرمادية .. و حذاء المحقق يهوي على رأسه ..

و هامات مغموسة في الذل ..

كان يظنه صوتها ، ضجيج الحناجر.. صدى الباب الحديدي الضخم ، و هو يدقه بقبضته ..

حيث تختنق الحرية .. فلا يبقى لها (نفسا) مسموعا .. إلا صوت قبضة تدق بابا مصمتا ..

ماتت دونه كل الكرامات ..

سألها :

- ما الفرق بين الهاجس و النبوءة ؟

- الآدمية المهدرة ..

ظن أنها قالتها .. و هو يقرأ عنوانا لتقرير ملقى على الفراش .. بجانبها ..!

رأى الباب يُفتح ، و يدلف منه. كان نحيلا يتهادى في أربعيناته . اشتمل بمشلحه ، وهو يهمّ بصعود درجات المنبر . التفتَ ورءاه .. كان المسجد قد امتلأ . اكتظت الصفوف ، فأغلقت الأبواب الأمامية .. لتصد تيار الهواء البارد الذي كان يندفع للداخل .. مؤكدا أنه (ديسمبر) ، و (شتاؤنا) الطويل ..

الأنفاس الحارة ، و الملابس الثقيلة ، أشاعت الدفء ، فبدأت الأجساد تتململ . .

دوي أصوات قراءة القرآن .. خلق شعوراً نقله إلى كابل :

كأن الذي يسمعه .. ليس تراتيل سورة الكهف .. بل عويل الجروح في شتاء مدينة ذبيحة ..!

الخطبة الأولى بدأت .. تحفز .. و زاد تحديقه بالإمام . المسح على الخفين للمقيم ..

أمعن الإمام في حديث الخف و (مواصفات) الحذاء ..

و ازداد هوتحديقا فيه ..



....................يتبع
__________________
https://twitter.com/amani655
رد مع اقتباس