( 3 )
سكت ولم يجبه . لكن بشير واصل حديثه :
- قال الفلاح يا أبى لإبنه : (يابني لا تكن رأسا فإن الرأس كثير الآفات) . ومضى يروى ما سمعه من أستاذه بسرد طفولي عذب .
زهراء شعرت بإرتياح ، أن جاءت حكاية الأستاذ متوافقة في جانب منها مع ما كانت تناقش زوجها فيه ، لكنها لم تشأ أن تصرح له بذلك ، أو أن تقول : أرأيت ، او أنظر .. الناس كلهم رأيهم هكذا . كان بشير يتحدث ، وتند منه بين حين وآخر ضحكة إعجاب بالقصة . غمغم وقال بصوت لا يكاد يسمع :
- (بئسما علمك استاذك .. لا تكن رأسا .. ماذا تكون إذن .. ذنبا ..؟) . بشير ، قال يخاطبه :
- يقول المدرس لا تكن رأسا ، ألم يعلمكم ماذا تكونون ..؟
فوجئ الطفل بالسؤال فتوقف عن الكلام . وصار ينقل نظراته بين أبيه وأمه ، التي هي كذلك لم تتوقع سؤالا كهذا . فأغتنم فرصة حيرة الطفل ، وإرتباك أمه ، ليلقي سؤاله المقصود :
- هل يعني أن تكون ذنبا ..؟
شعر الطفل بالخجل ، وأحس أن العبارة جارحة نوعا ما ، وفيها خروج عن اللياقة التي رباهم عليها ، وإن كانت لا تخلو من السخرية المضحكة . أدركت أمه ما يدور في ذهنه فأرادات أن تنقذ الموقف ، فقالت :
- أبوك يعني أن الذنب ، أي الذيل لا قيمة له .
نظر إلى وجه أبيه مستفهما ، فرد عليه بابتسامة ، فانطلقت منه ضحكة مدوية ، كأنما أعجبه الاستنتاج الذي توصل إليه أبوه ، وتطوعت أمه بتوضيحه . توقف عن الضحك وقال مجيبا على سؤال أبيه :
- أكيد لا .. ولم أفكر ، ولا أحد من الطلاب بهذا السؤال . المدرس تحدث فقط عن مشاكل الرأس ، كما حكى ذلك الفلاح لإبنه .
- إذن هو لم يتحدث عن معنى أن يكون الإنسان ذنبا ، بدل أن يكون رأسا .. أقصد ، أنه لم يذكر أن الفلاح قال لابنه شيئا حول ذلك ..؟ سأله . قال بشير :
- لا .
- وأنت يا بشير إذا كان الرأس كثير الآفات ، هل تحب أن تكون ذنبا ..؟
يتبع ...