نعم غبائهم , غبائهم لأنهم لم يعتبروا التاريخ مدرسة , مدرسة كبيرة بها من المعلومات ما لايوجد في غيرها .. والحياة صفحات متشابهة تتجدد في كل زمان , والتاريخ اسطوانة تعاد كل فترة , وفيه قامت أخطاء وحصلت نجاحات ,, والغريب أن الغالب من الأفراد والأمم لا يلفتوا لهذا أو ذاك :
أيـــن الملوك ذوو التيجان من يمـنٍ **** وأيـــــن مــنهم أكالـيـلٌ وتيـــجـانُ ؟!
وأيـــــن ما شاده شــــدَّادُ فــــي إرمٍ **** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟!
وأين ما حـــازه قـارون من ذهــــب **** وأين عـــــادٌ وشـــــدادٌ وقحــــطانُ ؟!
أتــى علــى الــكل أمـرٌ لا مرد لـــــه **** حتــى قــضوا فكأن القـوم ما كانوا !!
وصـــار ما كان مـن مُلكٍ ومن مَلـِكٍ **** كما حكى عن خيال الطيفِ وسنانُ !!
دار الـــــزمـــان علــى دارا وقاتلــه **** وأمَّ كســــرى فمــــا آواه إيــــــوانُ !!
فهلكت أمم وضاعت حضارات لأفعال وأخطاء , وازدهرت أمم كذلك لأفعال أخرى .. ومن شدّة غباء البشر , يعيدون نفس الأخطاء الموصلة لنفس العواقب بالتأكيد :
إقرأوا التاريخ إذ فيه العبر **** ضلَّ قومٌ ليس يدرون الخبر
هكذا علمني موقعي وعُمري , علمني أن الناس مابين طامع خاسر , وصابر ظافر .. فالصبر قرين للنجاح , وسبيل الفلاح , ومنهاج الوصول لما فيه الخير .. و الطمع يجري في عروق ابن آدم , ويشربه في مشربه ويأكله في مأكله بل ويلبسه كما يلبس الرجل الإزار .. فقد رأيت من موقعي وفي ما مضى من الليالي هاروت وماروت , وما حل بهما وما حل كذلك بمن أُورِثوا الأرض من بعدهم والتاريخ مدرسة كبيرة مفتوحة على الدوام , ولكن أين طلابها ؟! .
علمني موقعي وعمري أن الحياة لعبة طويلة قصيرة , يجول فيها الإنسان بين رغبات وواقع , وخيرٍ وشر .. وهي –لمن نظر لها نظرة شاملة علوية- مثل العلامة التجارية التي توضع على السلع "المخططة بالأبيض والأسود" .. فحياة الإنسان مثلها تماماً , بيضاء حينا وسوداء حيناً .. وهم يتقلبون بين هذه وتلك ثم يتوقف قلب الرجل منهم فتكون (العلامة التجارية) على لون واحد , "باابيض ويااسوِيد, رمادي مفيش " .
يتبع ..............