علمني موقعي وعلمتني صروف الدهر أن الأمم كالمحرّكات الكبيرة , مكوّنة من مجموعة كبيرة من التروس, ملايين على وجه التحديد ؛ ويمثل هذه التروس أبناء الأمة , بعضها كبير مثمر , وبعضها ضعيف له تأثير سلبي على كافة المجموعة والتي يمثلها المحرك .. واتجاه المحرك في الحياة وطريق سيره دائماً تحدده وتختاره التروس وخاصة الرئيسة منها , ولقيام التروس بأدائها على أكمل وجه لزم استعمال الزيوت التي توضع في المحرك لتحميه من التآكل , متمثلة في الجوانب الروحية والأخلاقية أو اللامادية . المحرّكات تعطب .. إما لعدم وجود الزيت أصلاً , أو لردائة الزيت نفسه , وكل الزيوت لها عمر افتراضي سوى زيت التوحيد الذي ما إن يزيد إلا تزيد بركة المحرك ولا يجف منبعه ولا يتلف كما تلفت غيره من الزيوت .
علمني موقعي والدهر أن الخلاف يجري في دم بني آدم مع كريات الدم البيضاء والحمراء فيه, فكأنه عاش ليجادل , وخلق ليخاصم ويتحزب وينقد ويشتم .. منذ فجر التاريخ والناس هكذا يسيرون في طرق المخاصمة , ويكون في أحيان كثيرة لمجرد فرض أحد الطرفين على الآخر فكرته وإجباره عليها وكأنها الحق الذي لا يساوره باطل , وهذا بدوره أدى إلى تحزب الناس , عرقاً ولوناً وديناً وفكراً ومذهباً ,, بل حتى في أبسط الأمور وأحقرها .
فأصبح هذا سامي وذاك آري , وهذا عربي وذاك زنجي , وهذا شامي وذاك نجدي , وهذا سويدي وذاك كواري , وهذا من البطن الفلاني وذاك من غيره , وهذا ابن فلان وذاك ابن فلان .. وقِسا على ذلك "آلاف" الألقاب والتصنيفات القائمة على أساس مذهبي , حتى في أبسط الجماعات وأقلها عدداً وأقلها حكمة وعلماً .
في الحقيقة لا أعلم يا بنتيّ من أيهم أعجب , من ذاك الذي يحاول أن يجعل داخل الأحزاب أحزاباً أو من مَن يستجيب له ويدخل ما أنشأ في أجندته !! .. ثم أعجب من جديد , هل هم يعيشون ليختلفوا ؟ .
يتبع ..................