على صعيد آخر تعلمت أن الناس بين ساعٍ إلى الحق وزاعمٍ لنفسه الحق كل الحق , ودائما يكون الحق ناصراً للأول , ويكون الآخر ماسكاً بيده على فكره ويحاول أن لا يشغل عقله بمحاولة إعادة النظر في بعض أفكاره , وفي الغالب هذا الصنف يصل لطريق مسدود بجدار يسمى "الفراغ الفكري" .
تنهد ثم قال هامساً :
قامت تراودني هواجس كثيرة هذه الأيام , توبخني على ما أفنيت عمري فيه مع بنى آدم ؛ فما لي ومالهم , أولئك المتناقضين الطامعين المتحاربين . لا أعلم ما الجذّاب فيهم لكي أقتل وقت فراغي في هكذا علم , علمٌ لا يسعهم العمل به ولا فهم جوانبه المظلمة .. لماذا لم أتفكر فيما هو أهم منهم , أبنائي الكواكب وبناتي النجوم المنثورين كاللؤلؤ في كون الله الواسع ... حالي كحال مزارع قروي في آخر الدنيا تعلم كل علوم الفلك وهو لا يملك و لن يملك تلسكوباً ! .
أناخ بوجهه عن الأرض وأعطاها ظهره ليعلن للكون عزوفه عن هوايته السابقة , وبدء حياة جديدة بعيدة عن التفكر في هؤلاء النمل ؛ صرخ بأعلى صوته بين جنبات الكون الواسع : راحت الأيام , وحلّت أيامٌ أخرى , وهذه سنة الحياة التي لن أكون سوى عامل بها .. سلامٌ عليك عهود الصبا .
همس في أذن بنتيه فقال : ها قد مات يومي , وحان فجر يوم جديد للشمس , الشمس التي تفوقني حكمة وعلماً .. فهي كالسلطان القوي على بني آدم , تراهم ولا يرونها و يخشون رؤيتها ويخافون ما قد يحل بهم من أشعتها .. وأعترف بصدق القائل :
وما التأنيثُ لإسمِ الشمسِ عيبٌ **** وما التَذكيرُ فخرٌ للهلالِ
أمسك القمر ببنتيه وركض خلف الجبال خوفاً من الشمس , فإذا بها تخرج بكل كبريائها وزهوها , شمس الحياة ووقودها والجذوة الطاردة للعصور الجليدية ... خرجت وهي تردد : أليس الصبح بقريب ؟ أليس الصبح بقريب ؟! .
****
اتمنى ان نقلي لهذا النص حاز على استحسانكم ...................... ربانة تحييكم بأعطر التحيات