مسابقة جيل التقنية أثبتت أن معرض جنيف لا يمثل المعيار الحقيقي للطاقة الإبداعية للأمة، ممثلة في أفرادها ..وإذا كان يصلح معيارا، فإنما هو مؤشر على تخلف الإرادة العربية في اكتشاف مواهب أبنائها على المستويين الرسمي والأهلي الخاص، وفي معرض جنيف نفسه مشاهد لطيفة تؤكد هذا الطرح. فبالإضافة إلى مشاركة العديد من الدول، شهد المعرض مشاركة مكثفة جدا من قبل المخترعين الإيرانيين وكذلك الماليزيين، كما شهد مشاركة قيمة للسعوديين والكويتيين، في غياب شبه تام لباقي الدول العربية.
ورغم أن المشاركة السعودية كانت إيجابية مقارنة بأي دولة عربية أخرى، إلا أن الحضور الإيراني حقق تميزا لافتا للنظر، فقد حصدت إيران وحدها ثلث جوائز المعرض، كما حصدت ماليزيا كعادتها جوائز عديدة في مختلف المجالات ...
إيران وماليزيا لم تنجحا في إثبات حضورهما على المستوى الصناعي والتقني عالميا إلا بخطط إستراتيجية مدروسة في سياق نهضة تنموية شهدتها الدولتان
وحتى المشاركة السعودية الفتية في المعرض هي ثمرة جهود بذلتها الجهات الرسمية، برعايتها للمخترعين المشاركين، وتغطية كافة نفقات الحضور والمشاركة في المعرض، وهو ما لا تفعله أي دولة عربية أخرى، باستثناء الكويت التي خطت خطوات ملموسة في هذا المجال.
ومن هذا نستخلص أن نجاح هؤلاء المخترعين في معرض جنيف، هو ثمرة إرادة سياسية رسمية، سواء بالرعاية المباشرة، ممثلة في الجامعات والمعاهد، أو في تهيئة المناخ العام للاختراع والابتكار ..وبمقدار تلك الإرادة والرعاية، يكون حجم النجاح.
وغياب الحضور العربي بشكل عام، سببه الرئيس غياب تلك الإرادة ..وليس غياب الابتكار نفسه لدى الشعوب...وهذا ما أثبته الدكتور سلمان العودة في إعلانه الأخير عن حجم المشاركة في مسابقة جيل التقنية.
الاختراع هو من صميم مجال البحث العلمي في شقه التقني، وكثير من الباحثين يعزون سبب التخلف العربي في هذا المجال إلى تدني الإنفاق العربي على بحوث العلمية والتنمية والتطوير.
وتؤكد الأرقام والنسب ذلك، فالمتوسط العام للإنفاق على البحوث العلمية في العالم، حوالي 1.6، وهي نسبة لا تكاد تصلها أي دولة عربية، بما فيها مصر الرائدة عربيا في الإنفاق على البحوث، حيث تصل نسبتها من الدخل القومي 1%.
ويكفي أن نذكر أن الإنفاق الإجمالي للدول العربية مجتمعة على البحوث العلمية، لا يتجاوز .3 من الناتج الإجمالي بشكل عام، في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل وحدها مثلا حوالي 2.6% من إجمال الناتج الإجمالي، تزيد كل سنة بشكل ملحوظ. لذلك فلا غرابة أن تحتل إسرائيل المرتبة 15 عالميا في مجال البحوث والاختراعات ومجالات متقدمة جدا في ميدان التكنولوجيا تحديدا.
مقال للأستاذ / إدريس أبو الحسن - كاتب مغربي