ثالثاً: الافتراض الثالث أن الإنسان من نسل القرود والشمبانزي والغوريلا:
1 ـ عدم التوافق الجنسي بين الإنسان والقرد: ولعل أول دليل على بطلان هذا الافتراض الثالث هو ما ثبت من عدم توافق التكاثر التناسلي بين الإنسان وأنواع القرود والشمبانزى والغوريلا. وهذا معناه في ضوء علم التقسيم أن الإنسان نوع منفرد وراثياً.
2 ـ رأي علماء التشريح: وقد حاول بعض علماء الأجنَّة مجاراة نظرية التطور فزعموا أن جنين الإنسان مزود بفتحات خياشيمية زائدة وأنها تمثل مرحلة تطور الإنسان من الحيوانات المائية مثل الأسماك ـ إلا أنه أخيراً في العام 1959م استطاع العالم راندل شورت Rendle Short الذي قضى حياته في دراسة تشريح جسم الإنسان ـ أن يثبت خطأ هذا التفسير وأثبت أن ما يسمى بفتحات خياشيمية ليست زائدة بل هي عبارة عن ثنيات في الأنسجة لازمة لتثبيت الأوعية الدموية في جنين الإنسان. وقد كان هذا التفنيد قاطعاً حتى إن جوليان هاكسلي في كتابه عن التطور في صورته الجديدة قد اضطر للتسليم بما أثبته عالم التشريح راندل شورت.
3 ـ رأي علماء الأنثربولوجي: نشر فريق علماء الأنثربولوجي المكون من عشرة مختصين بقيادة Tim White الأستاذ في جامعة كاليفورنيا بيركلى عام 1987م ـ نتائج دراساتهم المضنية لفحص 302 من هياكل وعظام الحفريات Fossils لما سُمِّي ببقايا إنسان ما قبل التاريخ الذي يفترض أنه عاش في جنوب شرق أفريقيا منذ أكثر من 1.5 مليون عام والذي يسمَّى Homo habilis والذي كان يعتقد أن له صلة النسب في التطور بين الإنسان الحالي كما نعرفه وبين أجداده المزعومة من القرود أو الغوريلا أو الشمبانزي. وقد أثبتت نتائج دراسة الفريق الأميركي أن ما سمي بإنسان ما قبل التاريخ يختلف تماماً عن الإنسان الحالي لأن العظام قد أثبتت أنه يتحرك على أربع، وأنه ليس منتصب القوام كالإنسان، كما أن طوله أقصر بشكل واضح، كما أن عظام الرأس وتجويف المخ تختلف تماماً عن الإنسان الحقيقي، وقد اختتم فريق علماء الانثربولوجي الأميركي تقريرهم العلمي في عام 1987م بأن هناك فرقاً شاسعاً يعكس فراغاً واضحاً زمنياً وتشريحياً من ناحية التطور بين ما سُمِّي بإنسان ما قبل التاريخ والإنسان الحقيقي، وأنه من المقطوع به أن هناك تغييراً درامياً ضخماً قد حدث نتج عنه ظهور الإنسان على الأرض بحيث يصعب تصور ارتباط الإنسان الحقيقي بما يفترض أنه نشأ من نسلهم ـ حيث إن الإنسان الحالي متميز تماماً ظاهرياً وتشريحياً وسلوكياً وعقلاً وقدرة وملكات عن أي كائن آخر.
4 ـ أصل شعار البقاء للأصلح: التحقيق التاريخي لا يمكن أن يغفل أن دارون في نظريته كان يعكس فكرياً معتقداته الاجتماعية والفلسفية التي اعتنقها كواحد ممن عاصروا وتتلمذوا على الفيلسوف الإنكليزي Herbt Spencer، كما كان كل منهما يدين في فلسفته لفكر الفيلسوف الاقتصادي الإنجليزي Malthus 1766 ـ 1834م وهو من أوائل من تناولوا مشكلة ازدحام وتزايد السكان وتعبير الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح فهي تعبيرات من وضع Spencer كتعبير عن فكره في الفلسفة المادية اقتصادياً واجتماعياً، وإذا كان Spencer يعتقد أن المجتمعات البشرية تتزاحم بشكل مطرد مما يضطرها للتنافس من أجل المستقبل، وأن هذا التنافس في نظره من المحتم أن يتحول إلى صراع، وأن الفوز في صراع البقاء سيكون للإنسان الأقوى والأفضل، وقد عبر عن ذلك بالصراع بين الخير والشر، وضرورة تنحي الشر ـ كما قام بتطبيق فكرة هذا التنافس الذي كان سائداً في وقته بين الرجل الأبيض المتقدم وبين الشعوب الملونة المتخلفة ـ وكان من الطبيعي أن يرى أن الفوز في الصراع لابد وأن يكون للشعوب البيضاء الأوروبية على الملونين المتخلفين لأنهم أفضل وأقوى ـ وهذه هي نفس الفلسفة التي استخدمها الاستعمار البريطاني والأوروبي لتبرير احتلاله وحروبه الاستعمارية وراء البحار. كما كانت هي نفسها الخلفية الفلسفية في فكر ووجدان دارون حين قام برحلته على ظهر السفينة Beagle ـ وكان من الطبيعي أن يحاول تعميم هذه النظرة الفلسفية عن الصراع من أجل البقاء على سائر الكائنات وأن يربط بين ما سجله من ملاحظات عن أوجه الشبه والخلاف بين الكائنات وبين نظرية البقاء للأصلح، فكانت نظريته عن أصل الأنواع والنشوء والتطور، وانضم إليه فيها زميله البريطاني المعاصر Walace في ذلك الحين.
.
.
.