كتب وولفغانع باولي W. Pauli في عام1954 يقول: "إن النظريات الفيزيائية تنتج عن المواجهة بين الوقائع التي تهدف إلى تفسيرها والصور العقلية: فالنظريات تولد من فهم توحي به المادة التجريبية، وهو فهم يمكننا أن نفسره في أفضل الأحوال بالعودة إلى إفلاطون على أنه العلاقة القائمة بين الصور الداخلية والأجسام الخارجية وسلوكها". وفي هذا الإطار، فإن حدود قدرتنا على تفسير العالم تخضع لعدم قدرتنا على المراقبة والملاحظة المناسبتين لبعض الظاهرات، أو عدم قدرتنا على وضع وإقامة مماثلات مُرضية. وهذه النقطة الثانية هي الأكثر جدلية لا شك. إذ كيف يمكن التيقن في النهاية من تماثل بين صورة عقلية وواقع رصدي يصبح أكثر فأكثر تجريداً؟ أليست النظرية التفسيرية في هذه الحالة محاولة لوصف واقع وفق تصوراتنا الذاتية له في النهاية؟ يرى ستيفن واينبرغ S. Weinberg أن الفيزياء لا تعمل على وصف العالم بل هي تفسّره فعلياً، متطورة بشكل مستمر باتجاه نظريات أكثر عمومية وجوهرية. وهو يعتقد أيضاً أن الفيزيائيين سيتوصلون، بعد نحو عدة مئات من السنين، إلى مجموعة من المبادئ الأساسية التي ستسمح عموميتها بأن تُستقرأ منها حالات انتظام العالم كلها. ولكن حتى وإن كان واينبرغ على حق، وهو ما يشك به جان ـ مارك ليفي ـ لوبلونJ.-M. Lévy-Leblond، فهل سنفهم فعلاً العالم عندها؟ بالمثل يعترف بول ديفيس P. Davies أن الجمهور الذي يلتقي به خلال محاضراته يجد في غالب الأحيان صعوبات كبيرة في القبول بأنه توجد أسئلة عادية في مظهرها وليس لها معنى فيزيائي مثل: "ماذا كان يوجد قبل بداية الكون؟" أو "ما هو الحيز الذي ولد فيه الكون؟" فكيف يمكن أن نتمثل أن الزمان والمكان اللذين نختبر وجودهما بشكل يومي لهما بداية؟ وبالتالي فهما لم يوجدا قبل وجود المادة؟ إن اعتيادنا على هذه المصطلحات الغريبة، على الرغم من أنها تفلت من إدراكنا المباشر والاعتيادي، يسمح لبعض الفيزيائيين بتشكيل الصور العقلية التي تشكل أساس النظريات الأساسية. ويستطيعون عندها أن يحاولوا تقاسمها مع زملائهم وطلابهم ومع عموم الناس.
لكن هل يمكن فعلاً أن تصل الفيزياء في النهاية إلى تفسير كل شيء؟