غرافيتونات متعددة
إن مثال قوانين نيوتن وكبلر مصطنع بعض الشيء. بالمقابل، يكون من الأصعب أكثر في حالات أخرى معرفة أي مبدأ يفسر الآخر. ومثال ذلك عندما نطبق الميكانيك الكمومي على النسبية العامة لأينشتين، فإننا نجد أن الطاقة والدفع في حقل ثقالي يتحدان ليشكلا غرافيتونات، وهي جسيمات كتلتها صفر ولفها يساوي 2. من جهة أخرى، فقد تم البرهان أن كل جسيم كتلته صفر ولفه يساوي 2 يسلك تماماً مثل الغرافيتونات في النسبية العامة، وأن تبادل هذه الغرافيتونات ينتج آثاراً ثقالية تتنبأ بها النظرية. كذلك فإن نظرية الأوتار الفائقة تتنبأ بوجود جسيمات تساوي كتلتها صفر ولفها 2. عندها، هل تفسر النظرية النسبية العامة وجود الغرافيتونات أم العكس؟ نحن نجهل ذلك. ولكن الإجابة على هذا السؤال هامة إذ بها يتعلق اختيارنا برؤية مستقبل الفيزياء: هل ستكون الفيزياء مؤسسة على الهندسة الزمكانية، كما في النسبية العامة، أم على نظرية مشابهة لنظرية الأوتار التي تتنبأ بوجود الغرافيتونات؟
إن فكرة التفسير بما هي استنتاج واستقراء تصبح فكرة إشكالية عندما نأخذ بعين الاعتبار المبادئ الفيزيائية التي يبدو أنها تتجاوز المبادئ التي استُنتجت منها. يتجلى ذلك بشكل خاص بالنسبة للترموديناميك، علم الحرارة والفوضى. فبعد صياغة قوانين الترموديناميك في القرن التاسع عشر، نجج لودفيغ بولتزمان L. Boltzmann في استقرائها من الميكانيك الإحصائي، هذا الفرع من الفيزياء الذي يدرس الأجسام الجهارية المؤلفة من العديد من الجزيئات المفردة.
وقد قُبل تفسير بولتزمان للترموديناميك بعبارات الميكانيك الإحصائي على الرغم من عدم قبول عدد من العلماء به مثل ماكس بلانك M. Plank وإرنست زرميلو E. Zermolo وفيزيائيين آخرين ممن يعبترون أن قوانين الترموديناميك مبادئ فيزيائية مستقلة لا تقل عن غيرها أساسية وجوهرية. ومع ذلك، بينت أعمال بكنشتاين J. Bekenstein وهوكنغ أن الترموديناميك يطبق أيضاً على الثقوب السوداء ليس لأنها مؤلفة من الكثير من الجزيئات وإنما ببساطة لأن أي جسيم أو شعاع ضوء لا يمكن أن يفلت من سطحها. وبالتالي، يبدو أن الترموديناميك يتجاوز الميكانيك الإحصائي على الرغم من إمكانية اشتقاق قوانينه من هذا الميكانيك.
مع ذلك، يرى واينبرغ أن قوانين الترموديناميك ليست بمثل جوهرية مبادئ النسبية العامة، ولا النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات. ويقول إنه علينا أن نميز بين مظهرين للترموديناميك. فمن جهة، الترموديناميك منظومة شكلية تسمح لنا بواسطة عدد محدود من القوانين البسيطة بالوصول إلى نتائج هامة. وهذه الاستنتاجات تكون صحيحة في كل مكان تُطبق فيه هذه القوانين. لكن مجال تطبيق هذه القوانين ليس لانهائياً. فليس ثمة معنى للترموديناميك على سبيل المثال إذا حاولنا تطبيقه على ذرة واحدة.
فمن أجل أن نحدد فيما إذا كانت قوانين الترموديناميك تطبق على منظومة فيزيائية خاصة، علينا أن نسأل فيما إذا كان يمكن استقراء هذه القوانين انطلاقاً من معرفتنا بهذه المنظومة. وذلك ممكن في بعض الحالات، بينما لا يكون ممكناً في حالات أخرى. إن علم الترموديناميك بذاته لا يفسر شيئاً كما يقول واينبرغ، وعلينا أن نتساءل لماذا هو قابل للتطبيق على المنظومات التي ندرسها أياً كانت هذه المنظومات. ونحن نقوم بذلك بأن نستقرأ قوانين الترموديناميك انطلاقاً من أي من المبادئ الفيزيائية الأكثر جوهرية التي تطبق على المنظومة المدروسة