استخلاص الكهرباء من الشمس
ومع افتراض البدء بتنفيذ هذا المشروع الآن فإنه من المتوقع الحصول على طاقة من القمر خلال 10 سنوات على الأكثر، ولكن قد ينتظر القائمون على هذا المشروع 5 أو 10 سنوات أخرى لبدء الخطوات التنفيذية، لكي تكون أجهزة استخلاص الكهرباء من الشمس في مستوى يضمن توفير كهرباء بلا حدود من القمر.
ومن المعروف أن تحويل أشعة الشمس إلى طاقة كهربية يعتمد على الخلايا الكهروضوئية أوالخلايا الشمسية التي تعرف علميا باسم "فوتوفولتيكس". وقد تم اكتشاف هذه الظاهرة عام 1839م حيث وجد أحد علماء الفيزياء أن الضوء يستطيع تحرير الإلكترونات من بعض المعادن، وقد نال العالم أينشتاين جائزة نوبل في عام 1921م لتفسيره لهذه الظاهرة، واخترع الأمريكي "روسل أوهل" الخلية الشمسية المصنوعة من السليكون في عام 1941م. وتتميز الخلايا الشمسية بأنها لا تستهلك وقودا، ولا تلوث الجو، وحياتها طويلة، ولا تتطلب إلا القليل من الصيانة.
وتقدر عادة كفاءة الخلايا الشمسية بحوالي 20%، وما زال التطور في قدرات وتكاليف هذه الخلايا مستمرا حتى الآن، وتجرى العديد من التجارب لإنتاج خلايا كهروضوئية أشد فاعلية وزهيدة النفقات؛ فكلفة استخراج الكهرباء من الطاقة الشمسية آخذة في التناقص، وتناقصت بنسبة تزيد على 65% خلال السنوات العشر الماضية فقط. حيث يطور العلماء تقنيات جديدة لزيادة القدرة التحويلية للخلايا الشمسية وتخفيض تكلفتها، وتطوير قدراتها.
ومن المنتظر أن تطرح شركة "سفرال سولار" الكندية باكورة إنتاجها من الواح الخرز الكهروشمسي هذا العام 2004، وهي تقنية جديدة رخيصة الكلفة، وتتميز بالمتانة وقدرتها على التشكل وطواعيتها في الاستخدام لأي غرض.
وفى شهر مايو 2004 ابتكر علماء الهندسة الكهربائية في جامعة برينستون الأمريكية تقنية جديدة تجعل من الخلايا الشمسية مصدرا اقتصاديا مهما للطاقة. وتعتمد هذه التقنية على استخدام مواد عضوية تتألف من جزيئات كربونية بدلا من الأنواع التقليدية المعتمدة على مواد سيليكونية، وتسمح بتوليد الكهرباء بكلفة أقل ولاستعمالات أكثر. وفي الوقت الراهن يجري الباحثون في مركز تكساس للتواصلية الفائقة والمواد المتقدمة Texas Center for Superconductivity and Advanced Materialsأبحاثا لتطوير أساليب النانوتكنولوجيا لتحويل التربة القمرية إلى خلايا شمسية. ويؤكد "إليكس فريوندليتش" أستاذ بحوث الفيزياء أن تربة القمر تحتوي على المكونات الضرورية لتصنيع الخلايا الشمسية بطريقة النانوتكنولوجيا، وأنها ستكون ذات قدرة تحويلية أعلى بكثير من 35%.
كيف يتم التخطيط للمشروع؟
يعتمد التخيل المستقبلي لوضع هذه التقنية في حيز الوجود على تقنيات علمية متوفرة حاليا وعلى المواد المتواجدة بالفعل على القمر، وليس هناك حاجة إلى شحن مواد خام إلى القمر لبناء هذه المحطات؛ لأن هذه المواد متاحة بالفعل في القشرة العليا للقمر lunar regolith.
ويمكن البدء في هذا المشروع عن طريق إرسال عدد محدود من رواد الفضاء إلى القمر مع سيارة قمرية معدلة من نوع "روفر" التي تعرف بـ"المتجول القمري المستقل ذاتي الحركة عبر سطح القمر" والتي ابتكرت أثناء الرحلات الشهيرة إلى القمر خلال الفترة من 1969-1972. ويفكر العلماء بإجراء بعض التعديلات عليها مثل تزويد السيارة بعجلات عريضة بها محركات خاصة تحيل تربة القمر إلى حالة قريبة من الانصهار، يستفاد منها في الحصول على السليكون وعلى الكثير من المواد الأخرى اللازمة لتصنيع الخلايا الشمسية.
ولن يكون هناك أي مشكلة في البناء؛ فيكفي عدد قليل جدا من الرواد، مع مجموعة مبرمجة من الروبوتات؛ ليتم إنشاء محطة ضخمة على القمر -كمحول طاقة شمسي عملاق- كفيلة باستقبال أكبر قدر من أشعة الشمس وتحويله إلى كهرباء، وستكفي نسبة 1% فقط من أشعة الشمس على القمر لإمداد ضعف عدد السكان في العالم بكل احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية أو الحرارية. وبعد تشغيل هذه المحطة يعود الرواد إلى الأرض؛ لتقوم الروبوتات المبرمجة والمتصلة بمركز المتابعة على الأرض بمهام الإشراف الكامل عليها.
أما عملية توصيل الكهرباء من القمر للأرض فمن المتوقع أن تكون أكثر سهولة، وستتم عن طريق تحويل الطاقة الكهربية المجمعة من القمر إلى أشعة المايكروويف التي تنطلق بسرعة نحو الأرض ليتم استقبالها عن طريق أجهزة متطورة تعيدها إلى كهرباء. ويمكن أن يتم توزيع الكهرباء بالطرق التقليدية إلى جميع مناطق العالم، عبر مراكز مزودة بوسائل تضمن تلبية احتياجات البشر من الطاقة.
ويتوقع المؤيدون لإنشاء محطات الطاقة الشمسية القمرية أن هذه التقنية ستوفر طاقة كهربائية مستمرة ورخيصة إلى أهل الأرض، وأن الاستثمار الرأسمالي للقمر سيؤسس مستعمرات إنسانية كبيرة وقدرة تصنيعية عالية تستطيع خلق ثروة هائلة جديدة. كما يتوقعون أن هذه الثروة ستمكن الإنسان من الاستكشاف المربح للقمر والنظام الشمسي الداخلي، وستزيد من قدرات سكان الأرض والقمر في الدفاع عن أنفسهم ضد هجوم المذنبات والكويكبات الشاردة في الكون الفسيح!
مقال للدكتور / طارق قابيل