فكرة أخرى أطرحها هنا
أحيانا التطور التاريخي للعلوم بمجملها أو لعلم ما بحد ذاته يجعل من المحتم تاريخيا الوصول إلى نتيجة جديدة ما تفرضها التجارب التي تجرى في ذلك الوقت مع الخط العام لمسيرة العلم ، و حينها تصبح مسألة متى و على يد من مسألة وقت و قدر لهذا العالم أو ذاك، بمعنى أن النظرية في كل الأحوال كانت ستظهر بجهد من أحد العلماء .
لنحاول أن نعرض نظريات أينشتين مقابل النظريات الأخرى أيها كان يفرضه التطور و أيها تعكس عبقرية غير متوقعة من واضعها. أعتقد أن لنظريات أينشتين من الجانب المبدع النصيب الأكبر.
أما بالنسبة لما يقال عن خلافه مع العالم العظيم بلانك مثلا و رفضه لميكانيكا الكم
فأنا أستغرب القول بخلافه مع العالم العظيم بلانك رغم أن الأخير كان له فضل على أينشتين ، لنرجع إلى الكتاب حيث يقول
" بعد أن استقر أينشتين في برلين ابتعد عن الفلسفة الوضعية الصارمة، و يرجع ذلك إلى الحجج المقنعة التي قدمها له زميله بلانك،"
و قد طور أينشتين فلسفته و تصوره عن العلم و ساعده ذلك في وضع نظرية النسبية العامة .
و لا أظن أن يكون لشخص هذه القدرة العظيمة على التأثر بشخص آخر و هو على خلاف معه.
أما بالنسبة لمعارضته لميكانيكا الكم فلم تكن معارضة بالمعنى الظاهر للكلمة بقدر ما كان يتمنى أن يصل لنظرية ترضي طموحه و لم يكن هذا ما تمثله النظرية بالنسبة له
فوفقا لميكانيكا الكم و كما يقول كاتب رموز الكون
"إن الحديث عن الخصائص الفيزيائية للأشياء الكمية غير ذي معنى بدون التحديد الدقيق لأوصاف الترتيبات التجريبية المزمع استخدامها في قياس هذه الخصائص، فالحقيقة الكمية هي جزئياً حقيقة من بدع الراصد فطبقا لميكانيكا الكم يؤثر القصد البشري في بنية العالم الفيزيائي "
و يقول
" وخلاف أينشتين لميكانيكا الكم لم يكن خلافا عاديا و لكن لأن أينشتين كان يطمح للكمال ، فبالنسبة له فقد كان يرى أنه لا يمكن التفكير بأن هناك اعتباطية أو مصادفة فيما يتعلق بالتركيب الأساسي للكون، فقد كانت رؤيته للشيفرة الكونية وهي القوانين التي تحكم الوجود – من منظور لا يترك أي مكان للصدفة أو لتدخل إرادة الإنسان و هدفه،
لقد شعر أن نظرية الكم سطحية و أنه لا بد من وجود فيزياء جديدة مبنية على الحتمية وراء الحركة العشوائية للجسيمات الذرية التي تصفها ميكانيكا الكم.
"
و هذا ببساطة ما رفضه أينشتين و يدلل على ذلك قوله في رسالة إلى بورن قال فيها
"إن لميكانيكا الكم ما يستوجب الإعجاب، و لكن هاتفا في أعماقي يصيح بأنها ليست حتى الآن هي الشيء الحقيقي ، فالنظرية تقول لنا الكثير و لكنها لا تقربنا في الواقع من سر العليم الخبير"
"و كانت أهم اعتراضاته بأنه غير مؤمن بأن الله يعتمد على الصدفة "
و حتى ماكس بورن لم ينكر عليه ذلك و يبدو هذا جليا في رده على ذلك
"إذا كان الله قد جعل العالم آلية متقنة إلى حد الكمال، فإنه على الأقل قد تنازل عن الكثير لفكرنا القاصر حتى إنه لا يلزمنا حل معادلات تفاضلية لا يحصيها العد للتنبؤ بأجزاء صغيرة من هذه الآلية"
و اغتنم هذه الفرصة لأؤكد أن واضع علم النسبية كان يبحث عن الحقيقة المطلقة و هذا دليلي في أن أينشتين لم يكن هدفه من النسبية أن يبين لنا إن الحقائق نسبية و أنه لا يمكن التمييز بين ما نراه و بين الواقع فعلا بقدر ما يريد منا أن نرى أن هناك قيودا تحول دون الرؤية الحقيقية و من الطبيعي أن الإحساس بتلك القيود ومعرفتها رغم أنه يفتح عيوننا على بعد المسافة بيننا و بين الحقيقة إلا أن تلك المعرفة تقربنا خطوة على الطريق الطويل للمعرفة.