والملاحظ هنا أن كل واحد من هذه الاكتشافات قد تعرض لادعاءات كثيرة من شعوب مختلفة ومن علماء في شتى أنحاء الأرض، وتتراوح هذه الادعاءات بين السرقة العلمية الواضحة.. وبين الاقتباس والتطوير أما أمثلة السرقة فهو ما فعله سرفيتوس في نقله الدورة الدموية عن ابن النفيس، وقد اتفقت الهيئات العلمية التي تناولت هذا الموضوع بالبحث والدراسة على أن النقل قد تم بالمعنى واللفظ، ونفس الشيء فعله قسطنطين الإفريقي عندما ترجممجموعة من كتب المسلمين.
ومن أمثلة الاقتباس والتطوير ما فعله جاليليو في اختراع البندول ونيوتن في قوانين الحركة حيث وضعوا لها المعادلات الرياضية التي نعرفها اليوم ولكنهم لم يذكروا فضل من سبقوهم من المسلمين في هذا الميدان.
وهناك ثلاثة من هذه الاكتشافات كثر حولها الجدل.. قيل إن العرب نقلوها عن الصينيين.. وهي البارود والبوصلة والورق، وقد ناقشنا هذا الادعاء بوضوح، واستشهدنا برأي العلماء المختصين في تاريخ الصين العلمي وبينا في هذا الميدان مالنا وما علينا، بأمانة العلم،فإذا كان علماء الغرب قد أنكروا على غيرهم حقه وحاولوا سلبه منه، فلا يعنى ذلك أن نفعل مثلهم فننكر فضل من سبقونا فالحضارة الإنسانية كلها متصلة ببعضها، وجميع الحضارات تنقل عن بعضها أفكارآ ثم تطورها وتقدمها لصالح الإنسانية كلها.. وهذه سنة الحياة التي لولاها لكان على كل حضارة أن تبدأ من الصفر.. وتظل الإنسانية في حلقة مفرغة.. ولا تحرز تقدماً جيلاًبعدجيل.
ولكن المهم في هذا الميدان.. ميدان التسابق الحضاري... هو أن لا تطغى روح الأنانية، وأن تعترف كل حضارة بغيرها وتقر بمنجزاته... وللحقيقة والتاريخ: فلم نسمع أن عإلي واحدآ من علماء المسلمين حاول أن ينسب لنفسه أي اكتشاف علمي ليس له، أو كتاباً لم يؤلفه وقد كان ذلك سهلأ وميسوراً، لأن كتب الإغريق كانت قد نسيت واندثرت، وكان بعضها يستخرج من مقابر أصحابها، وفي مثل هذه الأحوال ما أسهل الادعاء ولكنك تجد دائما في المراجع العربية ذكر لكل صاحب فضل وعلم في هذا الميدان مع الكثير من التقدير والاحترام، فإذا كان رأيه خطأ يناقشونه بشجاعة ولكن دون افحاش ولا إساءة.. فكان الرازي وابن سينا وابن النفيس والزهراوي وغيرهم يقولون "قال الفاضل جالينوس " "وقال الفاضل سقراط " فإذا وجدوا خطأ قالوا (وهذا الرأي عندنا خطأ وصحته كذا) ولنقارن هذا بما فعله رجال أمثال بارسيليسو في أوروبا في القرن السادس عشر عندما قام باحراق كتب ابن سينا والرازي في الساحة العامة في إحدى مدن أوروبا لكي يقول أن عهدهم قد انتهى وأن نفوذهم على العلم يجب أن يتوقف.
وفي ختام هذا البحث لدي هنا ملاحظة أخيرة. فبعض هذه الانجازات التي سردتها مازالت بحاجة الى المزيد من الأدلة والبراهين من خلال مطالعة واسعة ومسح شامل للمخطوطات الإسلامية.. وهذا عمل لا يستطيع فرد واحد أن يقوم به.. وحسبي أنني فتحت الأبواب لمن يأتي بعدي ولكل من يهمه رد الاعتبار إلي حضارتنا الإسلامية لابراز الحقيقة من ثنايا كتب التراث.. ولكنني أحذر القارىء والباحث من الاعتماد على المصادر الأجنبية وحدها في هذا الميدان بالذات حتى لو كانت موسوعات علمية منصفة. فقد اعتادت هذه الموسوعات على أن تنقل عن بعضها.. وبعض الحقائق الخطيرة الخاطئة يظل ينقل من كتاب الى آخر.. بل من جيل إلي جيل.. إلي أن يظهر من يتصدى له ويبين خطأه كما فعل الدكتور التطاوى في الدورة الدموية.
ومن أكبر الصعوبات التي ستصادف الباحث في هذا الميدان، أن معظم المخطوطات العلمية العربية القيمة موجودة الآن في متاحف الغرب ومكتباتهم، وأنه لا يوجد لها مثيل في العالم العربي والإسلامي، والقليل الذي نعرفه عنها هو ما يسمحون بنشره أو يذكرونه في كتبهم.. وهذا أيضاً يؤيد ما ذهبنا إليه في الباب الأول من هذا الكتاب من وجوب العمل على كافة المستويات ابتداء من المستوى السياسي عن طريق رؤساء الدول، الى مستوى الحكومات والكليات والمعاهد العلمية إلي مستوى الأفراد من العلماء لاستعادة كتب التراث الاسلامي الموجودة في الغرب أو على الأقل نقلها وتصويرها والله ولي التوفيق
ملاحظة : سأقوم بنشرالبحث كاملا (حيث انني لم انشر هنا الا مايتعلق بالعلوم وهناك اجزاء كبيرة تتحدث عن العسكرية الاسلامية لم انشرها )
في وقت لاحق
وذلك بعد التدقيق اللغوي