و اضرب مثلا يقرب هذا إلى الأذهان فأقول :
أن فصلا باردا اضطرني مرة إلى الاستقالة من عملي،
و لولا جمود عيني لبكيت من الغيظ و الألم.
و لم يكن في جيبي و لا بيتي سوى ستة مليمات، أي و الله ستة مليمات ،
و ما غناء ستة مليمات حتى لمن ليس له أهل و لا ولد
فكيف بمن يعول بيتا طويلا يزخر بالخلق ؟
و كنت فوق هذا مريضا محتاجا إلى التداوي، و لعل المرض هو الذي جعل الفصل البارد أوجع حزا،
فأويت إلى مكتبتي و ارتميت على كرسي و رأسي دائر، ونفسي كالخضم. و ألفيت نفسي أفكر في عمل أقابل به "الفصل البارد" الذي آلمني و أحنقني،
و أفكر كذلك فيما عسى أن أصنع لكسب رزقي، فما يسعني أن أقعد و أفتح فمي لعل الملائكة تحشوه سكرا و ذهبا.
و طال جلوسي و أنا حائر مرتبك، و ناقم متلهب النفس ، فلم يعجبني من نفسي هذا الحال،
و شق علي أن يبلغ بي الاضطراب هذا المبلغ، و تذكرت مقالا قديما لي،
فانطلقت كالصاروخ إلى المرآة ، و أخرجت لساني لخيالي فيها، و ما كدت أفعل حتى أضحكني منظري و أنا أفعل ذلك،
فقهقهت !
.
.
.
و إذا بالدنيا تغيرت بعد ثواني!