إنهيار النظام الهيدروستاتيكي للفئة الشمسية :
يخضع لقوانين هذا الإنهيار جميع النجوم التي تقل عن ثماني كتل الشمس الكتلة الشمسية . يبدأ الموت التراجيدي للنجوم من هذه الفئة باستنفاد النجم للوقود النووي والذي يترتب عليه ذلك إنخفاض معدل الضغط الذي تولده سلسلة التفاعلات النووية في الباطن و كما نعلم أن إتجاه هذا الضغط يسعى إلى بعثرة النجم إلى الخارج ، وبانخفاض معدل الضغط تبدأ المبادرة تظهر لصالح قوى الثقالة جاعلة النجم ونواته تتقلص نحو الداخل . يرفع هذا التصرف درجة حرارة اللب الذي استنفد كامل الهيدروجين اللازم لسلسلة التفاعلات النووية الحرارية .
ناتج إحتراق الهيدروجين " إندماج ذرتي هيدروجين " هو الهيليوم ولأن الإندماج النووي لا يمكن تأمينه لنواتي ذرة إلا برفع درجة حرارة اللب إلى ما يقارب 7 مليون درجة بالنسبة للهيدروجين . أما ذرتي هيليوم فلا يمكن من إدماجهما إلا برفع حرارة الوسط إلى ما يناهز 100 مليون درجة . وعليه لا تكون الفرصة مواتية بعد للهيليوم ببدء الإندماج .
يستمر إنهيار لب النجم إلى الداخل بفعل الثقالة وتواصل الحرارة بالإرتفاع تدريجياً ، الأمر الذي يوفر للهيدروجين في قشرة اللب ببدء الفعالية بمواصلة الاحتراق لكن بصفة مؤقتة والذي سوف يساعد بتأخير موت النجم لفترة وجيزة من الوقت .
العملاق الأحمر Red Giant
يوفر إحتراق الهيدروجين في الطبقات القشرية للب حرارة إضافية يساهم مع قوة الثقالة في تقليص اللب أكثر فأكثر ، ومع زيادة الضغط حول اللب يندفع الغاز المحيط باللب نحو الخارج مسبباً بذلك تمدداً في الحجم الكلي للنجم وهذا التمدد يكون كفيلاً لإعطاء الفرصة بتبريد المنطقة حول اللب ذات الكثافة المتدنية . وبانخفاض درجة حرارة الغاز المحيط باللب يشع النجم باللون الأحمر بطول موجي كبير داخلاً مرحلة العملاق الأحمر - Red Giant - إذ يزيد قطر هذا العملاق نحواً يزيد عن قطر الشمس بمئات المرات . إذا وصلت الشمس لمرحلة العملاق الأحمر يكون محيطها قد وصل إلى ماهو أبعد من فلك الأرض الحالي حول الشمس . ولكن هذا ذا حجم خادع فكل كتلته متوضعة في اللب الذي لا يتجاوز حجمه المتقلص كثير عن حجم الكرة الأرضية ، لكن بكتلة وكثافة مادية هائلتان .إحتراق الهيدروجين القشري لن يطول إلى أمد بل يصل النجم لمرحلة يبدأ بها اللب بحرق الهيليوم.
إذ الخيار الوحيد الأن المتاح للنجم هو حرق نوى الهيليوم كي يحافظ على حياته متألق في الفضاء . لكنه يلزم كي يدفع نواتين من الهيليوم للإندماج تأمين حرارة تصل إلى 100 مليون درجة . تتراص ذرات الغاز الموجود باللب لدرجة كبيرة بحيث يسلك هذا الغاز سلوك الجسم الصلب عندما يسخن من شدة الارتصاص والضغط الناتج من إحتراق الهيدروجين القشري ولكن الإرتفاع في الحرارة لايسمح للب بالتمدد إذ توالي الحرارة والطاقة بالتحرر حتى يأخذ سلوكهما صفة إنفجارية بما يسمى بومضة الهيليوم - Helium Flash - ويبدأ الهيليوم بالإندماج مع توفر مايقارب 100 مليون درجة في الباطن وبالتالي يبدأ لب النجم نشاطاً جديداً بإعادة تسخين لبه من جديد مغيراً بذلك إشعاعه من اللون الأحمر إلى الأصفر - العملاق الأصفر - .
* العملاق الأصفر Yellow Giant
إذاً يعقب العملاق الأحمر مرحلة العملاق الأصفر الذي يحرق الهيليوم في باطنه - سوف تمر الشمس بهذه المرحلة بعد 6 مليارات من السنين - . إن سطوع العمالقة الصفراء قد يفوق الشمس بـ 100 مرة في حال كانت كتلتها مساوية لكتلة الشمس ، أما إذا كانت أكبر فقد يصل سطوعها إلى 2000 مرة .
النجم الأن يحتضر ويبدأ من مرحلة العملاق الأصفر بمفارقة الروح ، فنجوم الفئة الشمسية التي مرت بهذه المرحلة سوف تتمتع بصفة مميزة نطلق عليها صفة النجوم المتغيرة variables أو النجوم النابضة . فهي بالفعل تبدأ بآلية تشبه تماماً حال النبض pulsing المتواصل كما ينبض قلب الأنسان .
إن متبقيات الطاقة الكامنة في غلاف النجم الجوي خارج اللب تسخن هذه الطبقات المحيطة باللب فتتمدد هذه الطبقات ، لدرجة تبدأ بالتبرد . فتعود المبادرة للثقالة فتعيدها للتقلص ، فتنضغط الطبقات الخارجية ثانية وتسخن من جديد فتعود للتمدد ... وهكذا وبشكل نابض ، فتارة ينتفخ النجم وتارة ينكمش وبوتيرة تكاد تكون منتظمة ولكن لفترة مؤقتة .
تتفاوت دورة النبض الواحدة للنجم من عدة ساعات إلى أشهر .
تبقى الشمس أو نجوم الفئة الشمسية في مرحلة العملاق الأصفر حتى تستنفد كامل الهيليوم في اللب وذلك في غضون مليار سنة فقط ، وهو يعادل 10% من عمر الشمس . يكون الناتج النووي لاحتراق الهيليوم - حسب دورة الكربون - ذرات من الكربون النووي في أعماق لب النجم .
يحدث تقلصاً في اللب من جديد ، والذي يجعله حاراً لكن ليس لدرجة تكفي لبدء حرق الكربون واندماج ذراته ، لكن في النجوم العظيمة الكتلة سوف يتوفر للكربون الفرصة لبدء الاندماج . من جهة أخرى تكون حرارة اللب كافية لاستكمال حرق الهيليوم في باطن النجم . تزداد حرارة النجم بشكل مطرد مما يزيد من سطوع ولمعان النجم . وفي لحظة يتخلى اللب الساخن عن طبقة الغازات المحيطة به بلفظها بعيداً في الفضاء بمعدل ( 20 Km/sec ) مكوناً مايعرف بالسديم الكوكبي Planetary Nebula حيث تكوّن الغازات الملفوظة غلافاً حول ما تبقى من اللب ممتداً حوالي ربع سنة ضوئية إتساعاً .
ماتبقى من اللب هو القزم الأبيض White Dwarf وهو جسم متراص يحوي معظم كتلة النجم ولكن ذو كثافة عظيمة
مليون غرام في البوصة الواحدة حيث كتلته تقارب كتلة النجم الأصلي ولكنه بحجم كوكب الأرض أو ربما أصغر .
مادة القزم الأبيض :
القزم الأبيض هو البقي الباقية من الصراع الدرامي لنهاية نجم , إذ أن مكوناته الأساسية الكربون كناتج أساسي بعد حرق الهيليوم ، وهو كتلة ساخنة جداً (150000 k) كلفن في البداية قبل أن يبرد . طبعاً التوقع يؤكد أن القزم الأبيض لا يتابع سلسلة التفاعلات النووية إذ أن كتلة النجم كانت بالأساس من الفئة الشمسية الصغيرة وبالتالي تكون الثقالة غير كافية لكي تقلص اللب وتسخنه موقدة فتيل التفاعل النووي .
أما الطبقة القشرية المحيطة بالنجم الصغير - القزم- فهي عبارة عن متبقيات من هيدروجين لم يدخل في التفاعل وبقية باقية من الهيليوم ، كان النجم قد لفظها أثناء صراعه الأخير .
يطلق عليه أبيض لإشعاعه باللون الأبيض نتيجة حرارتة الكبيرة ، إلا أنه يبدأ بالتبرد شيء فشيء حتى تصل الحرارة فيه إلى
(20000 K)وذلك بعد مhيقارب 10 مليون سنة سنة ، عندها سوف يشع باللون الأحمر ثانية ولكن ليس لأنه عملاق أحمر هذه المرة بل نجم قزم صغير منخفض درجة الحرارة . ويعرف عن القزم الأبيض أن مستقر ومتوازن من الناحية الهيدروستاتيكية ، إذ أن الضغط وقوى الثقالة متساويان . إلا أن القزم الأبيض يملك حقلاً مغناطيسياً هائلاً يعادل 10,000 مرة من تلك الحقول التي تولدها البقع الشمسية . بسبب التراص العظيم الذي تصل له الكتلة النهائية لنجم فئة شمسية ، فإن إلكترونات المدارات الذرية تتراكب مع الذرات المجاورة ، وقد يحدث تفاعلات نووية خاصة جداّ لا يكون لها فعالية مباشرة على النجم القزم .
M57 وَ NGC 7293 هما مثالان حيان لأشهر سديمين كوكبيين يمكن دراستهما جيداًَ بمنظار فلكي متوسط القوة . لاحظ موقع القزم الأبيض في المنتصف في كل صورة ، حيث يقع في المنتصف تماماً وبشكل متناظر دليلاً على لفظه للمواد المحيطة حوله .
يواصل القزم الأبيض نهايته بالتبرد وإنخفاض حرارة باطنه وانطفاء التفاعل النووي حتى يتحول لقزم أسود عاجز عن إرسال الضوء .
إلى هنا نصل لنهاية تراجيدية لنجم من الفئة الشمسية بعمر طال إلى مايقارب 10 مليارات سنة قضي منها خمس مليارات من السنين فتياً يافعاً ومستقراً . تدرور الأن شمسنا بالمليار الخامس ونحن للأن لم نلاحظ أي تغير جوهري قد طرأ على خواصها أو حتى أداؤها ، فهي ماتزال تزود الأرض بالحرارة والدفء اللازمين للحياة عبر تاريخ ٍ جيولوجي طويل لكوكبنا الأسير .
>>الكاتب: نمر أحمد مهنا.
(اعذروني على الإطالة).