وأيضا ..........
إن العالم، وفق الميكانيكا الكوانتية، هيولي البنية، معدوم المعالم؛ فهكذا فسَّر بوهر أطروحات هذا العلم. فوفق بوهر، تبقى كلُّ مقولاتنا عن العالم عارية عن المعنى إن لم تترافق، على نحو جليٍّ لا غموض فيه، بتوصيف كامل وجهري لأدوات التجربة التي يفضي استخدامُها إلى صياغة تلك المقولات. وهكذا تحدِّد التجربة العالم؛ وبدونها يكاد العالم أن يعدم وجوده. وعلى الرغم من أن تمايز أدوات التجربة قد يوحي للوهلة الأولى أن بوهر ذهب مذهب أينشتاين والبيروني، لكن موضوع التجربة لدى بوهر مختلف تماماً، ذلك أنه تالٍ للأداة زمنياً. وقد أيَّد بوهر رأيه ببعض الأرقام التجريبية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يتمدَّد الفوتون الضوئي بعيداً عن العين ليشغل حيِّزاً عرضه متر؛ لكنه يصغر وينخفض قطره حتى واحد من ألف مليون من السنتمتر عندما يلج العين. كأننا بهذين الرقمين ينبريان لتأكيد أن الفوتون لم يكن محدَّداً، وأن تجربة الإبصار ساهمت في تخليقه، إن لم تكن قد خلقته بشكل كامل. يقول ابن سينا في ذلك: "لا محسوس خلا ما يدركه الناطق."
أكد ابن سينا استحالة كلٍّ من العناصر الأربعة إلى غيره في كتاب الإشارات. فبعد أن ذكر أمثلة عليه استخرج حُكماً، فقال: "فهذه الأربعة قابلة للاستحالة بعضها إلى بعض؛ فلها هيولى مشتركة." تصور ابن سينا أن التغير يتم بخلع الجسم صورتَه وملابسته صورةً أخرى عن طريق قبول الهيولى صورةً ثانية.
نلخِّص استنتاجنا بالقول إن بوهر وابن سينا قدَّما النموذج الظاهر على النموذج الباطن. فمادامت التجربةُ هي علَّة وجود العالم سيكون النموذج الباطن تابعاً لها بلا ريب. إن تخليق العالم بعيد التجربة هو المسؤول عن تشكيل النموذج الظاهر؛ بل لعل العالم المخلَّق على هذا النحو هو النموذج الظاهر بعينه. يلد النموذجُ الظاهر النموذجَ الباطن في إثر التجربة؛ ويأتي النموذج الباطن، وفق بوهر وابن سينا، مطابقاً للنموذج الظاهر.