!! لم أفقد الثقة !!
ولم يكن هناك أي شُعب مرجانية أو قطع صخرية فهذه منطقة تخلو من كل ذلك وأقرب منطقة بها شعب مرجانية تسمى "أبو طير" ولكن الموج لن يساعدني للذهاب
إليها كما أن هدفي الأول هو اللحاق بالقارب، وبالرغم من أن الشمس بدأت في الغروب والقارب مازال يبتعد إلا أن تجربتي الناجحة السابقة أمدت في حبل ثقتي
الزائفة بنفسي فضاعفت قواي لألحق بالقارب، وجنَّ الليل وابتلع الظلام كل أثر للقارب، وهنا توقفت أَنْظر وأسترجع وألوم نفسي.. ثلاثة أرواح تذهب بسبب خطأ تافه
كهذا؟!.. كيف يكون ذلك؟!.. ما أسخف أن يفقد الإنسان حياته بهذه الطريقة.. وأخذت أنظر إلى جدة من على بعد وأنا في قلب البحر الأحمر أراها متلألئة مضيئة، وكانت
معالمها الواضحة ونافورتها أمامي تبعث في نفسي شيئاً من الطمأنينة. وهناك في قلب البحر حيث لا يسمعني إلاَّ الله ولا يراني إلاَّ الله بدأت أناجي خالقي وأدعوه أن
يخرجني من كربي هذا "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين"، أدعوه دعاء يونس عسى الله أن يخرجني كما أخرج نَبِيَّه مما هو أعظم - لا من قلب البحر
فحسب بل من قلب الحوت تذكرت آنذاك أنه قد فاتتني صلاة العصر فتوضأت من ماء البحر وصليت وقرأت المعوذات، ولأول مرة في حياتي أجد للوضوء معنى غير
المعنى الذي كنت أجده وأنا على اليابسة آمناً مطمئناً
توضأت من ماء البحر ولم يكن وضوءاً مثل الذي عهدت، بل كان بمثابة وقاء ودرع يحوط بي ويحميني من كل ما أخشى وأحاذر.أما الأجزاء التي لم يغطها الوضوء
فأخذت أقرأ المعوذات وأنفخ في يدي وأمسح بها جسدي وأحرص أن لا أترك جزءاً منه بغير درع ووقاية، وأكثرت من دعائي "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء
في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما أجد وأحاذر، لا إله إلا أنت سبحانك إني
كنت من الظالمين".ولا تسألني كيف لم يباغتني الذعر والخوف آنذاك فأنا نفسي في عجب من ذلك، إلاَّ إنها رحمة الله ولطفه وسكينته التي تنزل على عباده، لم يكن
هناك خوف! بل اعتقاد كامل لا شك فيه أن الله الكريم القوي العزيز سيخرجني من هذه المحنة، وأن هذا المنظر المؤنس الذي أراه لمدينة جدة من على بعد سيقربه الله
لي ويأخذ بيدي لأصل إليه،كان لابد لي أن أستمر في السباحة فالموج عال والوقوف يعني الغرق وليس لدي سترة السباحة لتساعدني على الطفو فوق الماء، ولأول مرة
في حياتي أرى النجوم بهذا الوضوح وأرى القمر بازغاً مؤنساً كتلك الليلة، ولأول مرة في حياتي أشعر أنني لا أعدو أن أكون نقطة في بحر لا أختلف كثيراً عن أي نقطة
أخرى ليس لها وزن. وبدأت أستعيد يومي وأتساءل عن أصدقائي الاثنين هل تحركوا في اتجاهي؟!.. وبدأت أصرخ لعلَّهم قريبون مني ولكن لا أحد يجيبني. أرى أنوار
بعض الصيادين من على بعد ثم تختفي، رأيت من على بعد نافورة جدة وبرجاًومبنىً كبيراً فقررت السباحة في اتجاه المبنى ولكن بعد ساعات من الجهد وجدت أنني لم
أحقق أي تقدم فالمسافة بيني وبين المبنى أراها ثابتة لا تتغير فالمد القوي يعيدني إلى حيث بدأت، واتجاه الريح يأخذني نحو الميناء والذي فيه خطر على حياتي نظراً
لوجود السفن العملاقة التي حتماً ستسحقني إن دخلت تلك المنطقة.
الفصل الرابع يتبع